منتديات خاراس الرسمية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

2 مشترك

    الجزء الرابع من رحلة في غياهب المجهول

    أحمد ابراهيم الحاج
    أحمد ابراهيم الحاج

    {{ كبار الشخصيات }}


    {{ كبار الشخصيات }}


    الجنس : ذكر
    البرج : الحمل
    عدد المشاركات : 231
    العمر : 72
    البلد : فلسطين - خاراس
    نقاط النشاط : 204
    الاعجاب : 4
    الدوله : فلسطين

    الجزء الرابع من رحلة في غياهب المجهول Empty الجزء الرابع من رحلة في غياهب المجهول

    مُساهمة من طرف أحمد ابراهيم الحاج الإثنين 29 نوفمبر 2010 - 14:01

    الجزء الرابع من رحلة في غياهب المجهول
    حضرت السينما في عمان (سينما الحسين وبسمان وزهران ورغدان والكواكب والخيام والحمراء) ، حضرتها بالنهار في عرض مستمر ، وفي أيام الجمعة بالليل مع أقاربي ممن كانوا يعملون هناك ، كنا نخرج الساعة الحادية عشرة ليلاً حيث كان السكون يخيم على شوارع عمان الرئيسية ، وكانت تعليقات مرتادي السينما تنتهك هذا السكون بألفاظ تخرج عن اللياقة والآداب ، يتغزلون بالبطلة أو الراقصة ، ويطلقون الآهات من جمالهن ويعيدون بعض الفاظ الغزل والحب التي كان يتبادلها البطل مع البطلة ، ويعدون القبل المتبادلة بينهما ، واحد ،إثنين ،ثلاثة ...الخ. وكانت اسراب الخارجين من مختلف دور السينما تلتقي بشوارع عمان الرئيسية ويتجمعون بساحة مواقف السرفيس ، ورأيت المترنحين بالشوارع ، كمن فقد السيطرة على عقله وراح يتلفظ بالبذاءة ويتمايل في الشارع مترنحاً ، وسألت عن هؤلاء فقالوا لي إنهم السّكارى الذين يشربون الخمر وكانت المرة الآولى التي أرى فيها تأثير الخمر على شاربيه وفهمت ما كان يقال عن أسباب تحريمه عملياً من مشاهدتي لشاربيه ، وكانت الدرجة الثالثة في السينما التي كنا غالباً ما نختارها لتناسب امكاناتنا المادية ومع هدفنا من الذهاب للسينما ، كانت تلك الأماكن تتسم بالفوضى والتعليقات والتصفيقات والتصفيرات والتشويشات التي يتراشقها ويتبادلها الشباب والتي كانت تتسق مع ردة فعلهم المراهقة لمنظر غرامي أو لرقصة راقصة شبه عارية ، وتمتزج أصواتهم مع صوت مقدمي الخدمات للناس (قهوة ، كزوز ، تسالي، شاي ، بارد) والذين يطوفون بين المقاعد لا يهدؤون ولا يسكتون ، ولم نكن نهتم بموضوع الفيلم بقدر اهتمامنا بما يحويه من حب وغزل وعناق وقبل وكشف عن العورات، ولعبت الورق ، وأكلت الحمص والفول والمسبحة والقدسية وفتة الحمص وساندويشات الفلافل من مطعم هاشم ومطعم الكلحة، ولفت نظري كيف كان الجرسون يحمل الصحون العديدة بيد واحدة ، وأكلت الكباب والشقف من مطعم السُّردي ، والكنافة النابلسية من محلات حبيبة ، وكرابيج الحلب في الصباح الباكر من بائعيها المتجولين بالعربات ، والكعك المسمسم مع الجبنة ، وشربت عصير السوس والخروب والتمر الهندي واللبن المخيض ولم يعجبني أيامها عصير السوس ، وحضرت مباراة كرة قدم بين الفيصلي والجزيرة في ملعب الكلية العلمية الإسلامية الذي كان يتربع وحيداً في أول جبل عمان ، وشاهدت الملك حسين مبتسماً وملوحاً للناس بيديه محيياً حينما كانت مواكبه ترتاد شوارع المدينة ، وصرت أرتاد المقهى في سوق السكر وأرتاد سوق الخضار المكتظ بالنساء في الصباح وسط زحام النساء ، وأعود في المساء عند عودة أخي من عمله ، لقد كانت أياماً حلوة فيها من الذكريات الجميلة والسعيدة . كانت عمان في ذلك الوقت جبل التاج بدون اكتظاظ والذي كان يشتهر بجمال فتياته ، حيث كان من أرقى وأحدث الأحياء المعمورة بالسكان ، وجبل الجوفة والمحطة وبعضاً من الأشرفية وبداية لجبل النصر ووادي الحدادة وجبل القلعة وسقف السيل والمدرج الروماني والمتحف في جبل القلعة ، وبدايات قليلة في أول جبل الهاشمي بشماله وجنوبه وجبل الحسين (كلية الحسين الثانوية ومدرسة رغدان الثانوية ومدرسة الصناعة) ومخيم الحسين ، وأتذكر عندما كانت منطقة دوار مكسيم مزارع (مقاثي) ، والوحدات وراس العين والعبدلي واللوبيدة وبداية جبل عمان وبداية جبل القصور والقصور الملكية (قصر رغدان) ، وبيوت متناثرة في جبل القصور والنزهة. وكنا نلتقي في المسجد الحسيني وسط عمان وقت القيلولة لنستريح قليلا بقسط من النوم نتمدد في المسجد، وكنا نتجول في شارع السلط. وشارع طلال ، حيث باعة الساعات والملابس المتجولين الذين يحملون الملابس على أكتافهم ، وسوق الملابس المستعملة (الرابش) والذي صار يسميه البعض سوق نيكسون، ومحلات العطارين ، وكنا نجوب مناطقها وجبالها مشياً على الأقدام بعد العصر. وكنت أحلق ذقني يومياً ، وقد تعلمنا معاكسة البنات مممن كانوا يعملون في عمان (ايش هالحلاوة ، ويسعد هالطلة ، ما تحِنّ علينا بنظرة والاّ بابتسامة يا حلو، الكبرة لألله ، بحقلك تتكبر يا حلو بس ما تظلم ، ايش يا غزال يا ابو عيون جريئة ، يسعد اليّ صوّرك وبعض الألفاظ المصرية التي تعلموها من الأفلام المصرية....الخ) ، وكان ابن عمي الذي كان يعمل في عمان في مطعم هاشم جريئاً في مغازلة ومعاكسة البنات ويبتكر طرقاً للإحتكاك بهن ، وكان يصحبني معه في عصر كل يوم جمعة في جولة بالسوق والشوارع التي كانت تكتظ بالمتسوقين والمتنزهين من النساء والرجال والفتيات والشباب. فقد كان عندما يرى فتاة قادمة يرمي أمامها نقوداً في حركة تمثيلية توحي بعدم القصد ثم ينحني لالتقاطها من أمامها وقريباً جداً من جسمها يكاد يصطدم بها وأحياناً كان يصطدم جسمه بجسمها ، ثم يرفع رأسه ووجهه مواجهاً لوجهها تماماً ويرمي بكلام فيه غزل وألفاظ لا تخلو من قلة الأدب والوقاحة ، وكنت استغرب جرأته وأخجل من تصرفاته التي كنت أرى فيها خروجاً عن المألوف ، لكنني كنت أحياناً اتمنى لو كان عندي قوة جرأته ، وكنت أدعي أنني لا أمشي معه وأهرب عندما يتعرض للمساءلة من رجل غيور تخصه الفتاة التي يتعرض لها أو يغار بطبعه على الأخلاق ويتدخل لردعه إما ناصحاً وإما مؤنباً ، وكنا ندخل بالزحام لنحتك بفتاة أو امرأة متظاهرين بعدم القصد الذي هو في واقعه كان مخالفاً للنوايا السيئة ، وكنا نسمع من بعضهن المسبات ونرى من البعض الآخر الابتسامات الساخرة والإبتسامات المستحسنة لصدى التعليقات والتي تنم عن عدم ثقة الفتاة بجمالها وتثير غرورها بشكلها عندما تسمع إطراءاً عابراً.
    لقد تركت في نفسي تلك الأيام أثراً بل آثاراً وذكريات طيبة اختزنت في حيز من ذاكرتي لن تزول إلاّ بفقد الذاكرة ، لقد عاصرت عمان في بدايات نشأتها وتمددها ، وتعرفت عليها وقضيت فيها لحظات ممتعة حقاً. وما زلت أحن اليها والى شوارعها وجبالها ووديانها ومقاهيها خاصة قهوة خبيني التي كان يرتادها المقاولون والعمال بحثاً عن عمل أو مقاولة لمشروع جديد. نسيت لبعض الوقت وفي زحمة التطورات السريعة، والأحداث المتلاحقة والإختلافات في طريقة الحياة بين المدينة والريف والصور المألوفة وغير المألوفة التي مرت على شريط الذاكرة في غضون تلك الأيام ، خبز الطابون ، والزيت والزيتون والزعتر ، واللبن المخيض والبيض والمفرّكة واليخني وقلاية البندورة والمنزَّلة، والعدس والمجدرة والرشته ( الرقاق مع العدس) والخبيزة واقراص السبانخ مع البصل الأخضر والسلق ، والتين والعنب والبطيخ والشمام والصّبر والملفوف ، والمحزّمة (البصل الأخضر يُلفُّ حول الخبز) ، وورق اللسان ، والزلابية والملاتيت والمطبّق والمفتول والكراديش والقراقيش والفطاير ، والصميدعة والقليَّة (القمح المحمص كالقهوة) نتسلى به على السهرة ، والهويسة (القمح المشوي قبل جفافه) والحميّضة والعكّوب. والمنسف والقدرة والمسخّن والمفتوتة (الحليب مع الخبز والسكر والسمن البلدي) (مثل أم علي المصرية). والحثيمة (حليب الشاة عند ولادتها) (حليب اللِّباء) والزبيب والقطين والدبس والملبن والعنصبيخ والقرنية والجعدة والميرمية والحلبة والبابونج (العصفر) ورجل الحمامة أو رجل العصفورة .....الخ). نسيت كانون النار بالشتاء وهو يلتهم الحطب الناشف من السويد والبلوط والعسوِد والزعرور ونحن نلتف حوله نتبادل الأحاديث والسوالف في جو من الدفء والحنان ، ننتظر ابريق الشاي وبعض المشويات من البلوط والشحيم والبلبوس ، نسيت محماس القهوة وطحنها بالهاون في الجرن في دقات منتظمة كان يجيدها والدي ونسمعها بعد صلاة الفجر وكنا نطرب لها ، كما كنا نخشع وهو يقرأُ القرآن بعد الصلاة وخلالها عندما يكون الجو ماطراً لا يستطيع الذهاب للمسجد البعيد عن بيتنا ، وحفظت عنه بعض آيات القرآن الكريم ، نسيت سيجارة دخان الهيشي والتي كنت دائماً استمتع بلفها لوالدي بالرغم من دخانها الكثيف الأسود كسحب الشتاء الماطرة ، نسيت منظر الربيع حيث أزهار النباتات التي تلون الطبيعة ، أزهار اللوز البيضاء وزهر الأقحوان الأحمر والأصفر ، أزهار التفاح والليمون ، نسيت قوس قزح ونسيت التمتع بالنظر الى الطبيعة الخلابة في الريف، كلوحة رائعة كاد وما استطاع أشهر الرسامين أن يحاكيها ، وخاصة مشاهدة الغروب ، ومناجاة الطبيعة عند الشعور بالوحشة والاكتئاب والملل والضجر ، وسماع خرير المياه ونقيق الضفادع ، لقد كانت الطبيعة في الريف بمثابة العيادة النفسية لجلاء الهموم وزوال الملل والقلق والضجر ولكن بدون الأعراض الجانبية التي تخلفها عقاقير الأدوية المضادة للقلق والاكتئاب التي يصفها الطبيب النفسي، نسيت نباح الكلاب ، وعواء الذئاب في عتمة الليل ، وفحيح الأفاعي ، ومواء القطط ، ونسيت صياح الديك وزقزقة العصافير في الصباح ونقيق الدجاج ، وثغاء الأغنام وخوار الأبقار ، ونهيق الحمير وركوبها ، وصر الصراصير وزن البعوض والهسهس، وصوت شبابة الرعيان ، وغناء الفلاح وهو يقطف الثمار ويحصد الحصاد ويدرسه ويذروه ، وغناء الفتيات وهي تنطر المقاثي وتقطف الثمار بأناملها الرقيقة ، ونسيت سوامر الأفراح والدبكة على وقع الشبابة والأرغول ، وزفة العريس ، وجلوة العروس التي كنا نختلس النظر اليها من على سطوح الدور المتصلة ، نسيت أمي وهي تعجن العجين ، وتحمله على رأسها في الصباح الباكر متوجهة الى الطابون ، نسيت خبز أمي ، وطبيخ أمي ، ودعاء أمي ورجاءها وحنانها ، ولكن الذاكرة ما زالت تختزن كل هذه الأمور التي غطتها طبقة طارئة من الجليد والثلج المتدحرج عليها والذي كان ينزف الماء في طريقه للذوبان للتلاشي وفي نزوة المراهقة وتدفق الغريزة التي اكتشفتها بالصدفة دون أن يعلمني بها أحد ، ولكنها كانت تعود تثير في رياح الشوق والحنين المحملة بعبير الأزهار وحلاوة الثمار وعبق الأصالة والوفاء الصادق ، تشدني اليها كلما أويت الى فراشي المؤقت في عمان ، وبالرغم من تشابهه بفراشي بالبلد حيث كنت أنام في الحوش المكشوف إلاّ انني كنت أفتقد أشياء كثيرة كنت استمتع بها في فراش الوطن ، حيث كنت أسمع في عمان زوامير السيارات ، وأصوات المذياعات والمسجلات بأغاني أم كلثوم وسميرة توفيق وعبد الحليم حافظ ، وكنت أحب أغنية أم كلثوم "إنت عمري" وأغنية عبد الحليم "صورة" وكنت أحب أغنية سميرة توفيق "وين عَ رام الله" و "أصلك خليلي يا عنب طعمك حليلي يا عنب" و "رف الحمام مغرِّب يا دادا مجوز والا فرداوي" وأغنية لمطربة مصريه لا تسعفني الذاكرة بتذكر اسمها تقول "فلاح كان فايت بتمشى من جنب السور من جنب السور، شافني وانا بقطف كم وردة بطبق بنور بطبق بنور ، قطع الموال وضحك لي وقال يا صباح الخيريا صباح الخير يا صباح النور يا اهل البندر" فتبدؤ ذاكرتي باسترجاع كل ما تختزنه من ذكريات الوطن في شريط سينمائي تبثه محطة الذكريات الجميلة تلتقطه من أقماري المضيئة التي تبزغ في سماء وطني المعطاء. وكانت أفكار الليل ، وعوارض الأرق التي كانت تعتريني أحياناً لتغيير مكان النوم وأجوائه وهبوب رياح الشوق لأمي وأبي تنازعني للعودة ، ولكنني عندما أصحو صباحاً وأجد فطور الحمص والفول مع زيت الزيتون والفلافل وخبز المدينة والشاي جاهزاً يلبي رغبة في شهية مفتوحة بسوط الجوع، والمس هدوءاً في النفس أضفاه علي نوم الليل وأحلامه التي كانت تختلط بين مشاهدات الريف والمدينة في نسيج متداخل الألوان والأصوات والصور ، وفي محصلة لأحلام تتواءم مع سن الشباب في ريعانه الطامح ، اتردد في تنفيذ ما جال في خاطري بالليل وأقول في نفسي : العودة أكيدة ، لماذا لا استمتع في ايام العطلة بمباهج المدينة في تغيير للأجواء وتعرف على عالم المدينة ، ولتجديد للعزيمة عند بدء العام الدراسي الجديد.
    أحمد الحاج
    ™SaMeH**ALhrOuB
    ™SaMeH**ALhrOuB

    _.·[مدير إداري ]·._ الجزء الرابع من رحلة في غياهب المجهول Stars1


    الجنس : ذكر
    البرج : السرطان
    عدد المشاركات : 1458
    العمر : 31
    البلد : خاراس/فلسطين
    الحالة الاجتماعية : اعزب
    التخصص : Mechatronics Engineering
    نقاط النشاط : 552
    الاعجاب : 1
    المهنة : الجزء الرابع من رحلة في غياهب المجهول Collec10
    المزاج : الجزء الرابع من رحلة في غياهب المجهول 453210
    الدوله : فلسطين

    البطاقة الشخصية
    my sms:

    الجزء الرابع من رحلة في غياهب المجهول Empty رد: الجزء الرابع من رحلة في غياهب المجهول

    مُساهمة من طرف ™SaMeH**ALhrOuB الإثنين 29 نوفمبر 2010 - 20:48

    مشكور يسلمو

      الوقت/التاريخ الآن هو الثلاثاء 21 مايو 2024 - 0:55