منتديات خاراس الرسمية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

2 مشترك

    الجزء السابع من رحلة في غياهب المجهول

    أحمد ابراهيم الحاج
    أحمد ابراهيم الحاج

    {{ كبار الشخصيات }}


    {{ كبار الشخصيات }}


    الجنس : ذكر
    البرج : الحمل
    عدد المشاركات : 231
    العمر : 72
    البلد : فلسطين - خاراس
    نقاط النشاط : 204
    الاعجاب : 4
    الدوله : فلسطين

    الجزء السابع من رحلة في غياهب المجهول Empty الجزء السابع من رحلة في غياهب المجهول

    مُساهمة من طرف أحمد ابراهيم الحاج الأربعاء 1 ديسمبر 2010 - 7:23

    الجزء السابع من رحلة في غياهب المجهول (مغامرة العودة والرحلة من عمان الى القرية في الضفة الغربية)

    كان في قرية ملاصقة لقريتنا هي قرية نوبا رجلٌ له باعٌ طويلٌ في مضمار عودة النازحين الى ديارهم بالتسلل ، إنه الشهيد عبد القادر العالول (ابو عامر) والد الشهيد عامر العالول رحمهما الله ، تقفينا أثره وتتبعنا أخباره الى أن التقينا به في سوق السكر ، واتفقنا معه أن نلاقيه غداً الساعة السابعة صباحاً في سوق السكر لنبدأ رحلة العودة للوطن متسللين مع ابو عامر. كان ذلك في أواسط شهر آب قمة حرارة الصيف. واتقنا ألاّ نخبر أحداً من أقاربنا في عمّان ، وعدنا الى بيوتنا نحلم بالوعد وتحقيق حلم العودة. ولم أخبر أخي بالأمر ، ولم أتذكّر أن أطلب منه فلوساً للرحلة حيث كان في جيبي نصف دينار فقط.
    حضرنا على الوعد وانتظرنا دليلنا أبو عامر ، وأشارت الساعة إلى الثامنة ولم يحضرابو عامر ، وفي اجتماعٍ عاجل بيننا قررنا أن نخوض معركة العودة بأنفسنا حيث كان قد قدّم لنا أبو عامر شرحاً مقتضباً عن الطريق حين التقينا به أمس. وكان مع زميلي رضوان دينارين ونصف ، واشتريت عبوة علكة (لبان) ، وتوجهنا لمحطة الباصات التي تنقل الركاب من عمان الى بلدة الكريّمة شمال الغور ، وكان الجو حارا جدّاً ، ونزلنا في الكريّمة ، واتجهنا باتجاه الشريعة والحر يلفح وجوهنا واستعنا بالعلكة لتخفيف نشفان الريق من الحرّ ، وحرّ الغور غنيٌّ عن التعريف ، ووصلنا الشريعة ، فوجدنا رجلاً ضخم الجثة وفارع الطول كان يمتهن إعانة الناس على تخطيّ عقبة المياه الى الشط الغربي من الضفة مقابل أجر ، وطلب منّا 30 قرشاً عن كل نفر ، فدفعنا له المبلغ ، وأمسكنا بإبطيه ولفَّ ذراعيه القويتين حول أيدينا ودخل بنا الى النهر ، وأذكر أن الماء كان يداني رقابنا ، ولكنه يصل الى منتصف صدره ، وسحبنا الى الجانب الغربي بنجاح ، ونصحنا بتوخي الحذر من الدوريات الإسرائيلية وألاّ نهرب أمامهم إن اكتشفوا تسللنا ، ولا نقاوم بل نستسلم لهم بأريحية لنحافظ على أرواحنا حيث سيتم إبعادنا من حيث جئنا في أحسن الأحوال أو يقضي الله أمره فينا. وأشار علينا بالإتجاه المناسب الذي سنسلكه لنصل الى بلدة العوجا في الضفة الغربية.
    وبدأنا نمشي ونمشي ونقاوم الحر الشديد في يومٍ سَموم ، ونعاني عناءً شديداً من نشفان الرّيق وجفافه وتبخره من الحلق والفم حيث نفذت عبوات العلكة ، وكان الطريق طويلاً وصعباً ومرعباً لنا ، وكان الشجر ناشفاً لا ظل نستظل به ،والرياح تلفح وجوهنا بحرارة لا تطاق ، وداهمنا العطش ، وبدأ يشتد في هجومه علينا ، واعترانا التعب والجفاف والإرهاق والصداع من لدغ الشمس وجفاف البدن من نزف العرق ، وفقد السوائل ، ولم يعد في أجسادنا ماءً نتعرق منه ، وكان رضوان يميل لونه للسمرة بعكس لوني الذي يميل للحمرة بدون حرّ ، وكان كلما نظر اليّ يعتريه الخوف على حياتي لما يراه من شدة الإحمرار على وجهي ، وكان غبار الأرض قد التحم مع العرق وغطى أجسادنا بطبقة طينية وتسلل لحلوقنا وبدأنا نشعر بحكة غريبة وملحة ، وبخشونة في حلوقنا الجافة، قاومنا ... وقاومنا ، وكان زميلي رضوان أشدَّ منّي قليلاً في تحمّل ظروف الرّحلة ، وأخيراً جلست على التراب وجلس بجانبي ، وشعرت بأن فكيّ أطبقا على بعضهما من قلة الرّيق ، وواجهت صعوبة في التنفس وبلع الريق وفتح الفم للكلام ، فأصبحت أبلع سقف حلقي وحنجرتي من قلة الريّق فتلتصق العليا منها بالسفلى ، ولا أستطيع ابعداهما عن بعضهما البعض ، ولم يكن زميلي بأحسن حال منّي حيث ساءت حالته مثلي ، وأصبح النطق والحديث بيننا صعباً فلا نستطيع تحريك فكينا ، وقمنا نعاود المشي بخطاً ثقيلة وبطيئة ومترنحةً كترنح الجريح في أرض المعركة ، وبعد راحة قصيرة استعدنا فيها بعضاً من طاقتنا النافقة وكنّا نقرأ القرآن في صدورنا ونتشهد بين الفينة والأخرى وندعو الله بأن ينجينا ويفرج عنا كربتنا لأننا في رحلة لأسمى هدف. وشعرنا بدنو الأجل ، ليس من الإحتلال الذي لم نلحظ جنوده ، ولكن من مغامرة غير محسوبة النتائج في وضح النهار لشابين في سن المراهقة وفي مقتبل العمر.
    وبينما نحن نترنح في مشيتنا الهزيلة ويسود اليأس والإحباط والضياع ودنو الأجل على تفكيرنا ، لمحنا عن بعد مقثاة ، فحدانا الأمل بالنجاة ورفع من معنوياتنا ومن مستوى طاقتنا المتدني والمتهالك ، فشددنا الخطا قليلاً كالغريق الذي يتعلق بقشة ، ومشينا حوالي مئتي متر حتى وصلنا المقثاة ، وكان بها بعض ثمار البطيخ والبندورة في أواخرهما ، وارتمينا على نيتة بطيخ ، وأمسك كل واحد منا ببطيخة بيديه المرتجفتين ، وكانتا قرعتين ذابلتين ، ولكننا لم نعبأ بذلك ، وسطحت بطيختي نصفين ، وأدخلت فمي في نصف منه أنهل ثمرتها ببذورها وأحياناً بقشرتها وأمرغها على وجهي من شدة الحر والتعب. وبدا لنا أن الله قد استجاب لدعائنا ورعانا برحمته من فوهَّة الموت ، وكانت المقثاة لأهل بلدة العوجا ولا تبعد عنها كثيراً ، فأكملنا ميسرتنا حتى وصلنا بيتاً على أطراف القرية وكان يجلس على شرفة البيت رجالٌ في قيلولة ، ويحتسون الشاي ، فلمحونا وفهموا حالنا ، ونادانا أحدهم وأشار علينا بالحضور ، ورحبوا بنا وجلسنا ووجوهنا تحكي قصتنا الغريبة ، فأحضروا لنا طعاماً وماءً ، وفتحوا لنا أبواب بيوتهم لنغسل وجوهنا المغبرة وأيادينا وأرجلنا ، ونصحونا بأن نبقى على بعضٍ من حالة التعب والإرهاق لنوحي للجيش الإسرائيلي بأننا عمّال ، وذهب أحدهم وأحضر لنا سيارة أجرة لتنقلنا الى الخليل ، وحضر بالسيارة وقالوا لنا : إن سألكم الجنود عن هويات أو إثباتات فقولوا لهم إننا نعمل في مشروع العلمي وإننا عائدون لمكان سكننا في إجازة وليس لدينا هويات أو إثباتات وهذا ما كان واقعاً وحقيقة حيث لم يكن لدينا أي إثبات أننا من سكان الضفة الغربية بعد الإحتلال ، ولم يتم في ذلك الوقت صرف هويات الإحتلال للناس ولدينا العذرلذلك.
    سارت بنا السيارة ولحسن الحظ لم يوقفنا الجنود على نقاط التفتيش في مدخل أريحا وغيرها من المدن وصولاً للخليل. وصلنا الخليل وقد كان ما نملك من نقود (ثلاثة دنانير) كافياً لرحلتنا. ورفع آذان المغرب لدى وصولنا مدينة الخليل ، وقد استنفذت نقودنا إلاّ قليلاً لا يكفي لأجرة السيارة ، ولذلك لا نستطيع استئجار سيارة لتوصلنا الى قريتنا خاراس التي تبعد 21 كيلومتر عن مدينة الخليل ، وكانت آخر رحلة للباص عند العصر قد فاتتنا متوجهة من الخليل الى البلدات الثلاثة المشتركة في خطٍّ واحد في إيابٍ بلا ذهاب من جديد.
    لم نصدِّق أنفسنا بأننا أصبحنا في حضن الوطن ، وأننا نجونا من هذه الرحلة مجهولة المصير ، وبدأنا نتنفس هواء الوطن الدافيء ، وشعرنا بفرحة عارمة وزهوٍّ كبير ، ونشوة النصر على ليل الغربة الدامس بظلامه والتي أنستنا وطأة الهزيمة ، وقررنا أن نكمل الرحلة لنهايتها ، فنحن نعرف طريقاً مختصراً قصيراً كنا نسلكه عندما لم نلحق بالباص ، يربط بين قريتنا وبلدة حلحول التي تحد قريتنا من الشرق وحلحول قريبة جداً من الخليل وأصبحت الآن متصلة بها كما يروي لنا القادمون من هناك، ولكن ما كنا نعرفه عن هذا الطريق أنه وَعِرٌ وموحش ، جبالٌ ووديان وكروم وأحراش، كنا نسمع من السالفين من الآباء والأجداد قصصاً عنها بأنها لا تخلو من الوحوش الضالة كالذئاب والضباع والسباع التي تنتشر بالليل باحثة عن فريسة تسد بها جوعها ، وأن بعضاً من الرجال ذهبوا ضحايا فيها كفرائس لهذه الوحوش آكلة لحوم البشر، وكما سمعنا فإن الوحوش لا تجرؤ على من يمشي واثقاً بنفسه ومعتداً بشجاعته والذي لا يظهر عليه الخوف أو الضعف. وأنها لا تقترب من الضوء ، فاشترينا من المدينة مصباحاً وبطاريات لنستعمله عند الحاجة لدى مواجهتنا لهذا الموقف.
    بدأنا الجزء الأخير من الرحلة داعين الله أن يكللها بالنجاح والنجاة ، فاتجهنا من الخليل الى حلحول وبعدها أكملنا المسيرة الى القرية مسقط الرأس ، مُسَرِّعين للخطا ومستنيرين بالنجاحات التي حققناها في الوصول لهدفنا بالعودة الى الوطن ، وبالفعل لم يواجهنا مصاعب ومخاوف الضباع في الطريق ، وصلنا القرية عند آذان العشاء ، فتنفسنا الصعداء شاكرين الله على لطفه بنا، وهنا لا أستطيع أن أعبِّر عن شعوري بهذا الإنجاز الرائع ، والذي كان مذهلاً لأهلنا وذوينا في القرية وفي الشتات. وولجنا القرية من الشمال حيث بيت أختي ، وكان رضوان قد وصل بيته قبلي والذي يقع في أقصى شمال القرية ، ودخلت بيت أختي وكانت مفاجأة مذهلة لها ولزوجها ولأولادها ، وتعشيت عندهم ، وبقي عليَّ من الرحلة فصلاً بسيطاً وهو الوصول الى بيتنا الذي كان يجثو على جبل مقابل لقريتنا يفصل بينهما وادٍ منحدر ، ولكن ما ساعدني أن القمر كان طالعاً ، وألحّت أختي عليّ بالمبيت عندهم وفي الصباح أذهب لبيتنا ، ولكنني أصررت على إكمال الرحلة لنهايتها لأرى أمي وأبي وإخواني . وكانت المفاجأة المحزنة والمفرحة لي في نفس الوقت عندما أخبرني زوج أختي أن أبو عامر (عبد القادر العالول) الذي كان سيرافقنا الرحلة كدليل لنا قد قتل اليوم برصاص الإحتلال على الشريعة ، وذلك بعد أن قصصت عليهم قصة عودتنا وعدم وفاء ابو عامر بوعده لنا، كانت محزنة لفقد رجلٍ شجاع تسبب في عودة الكثير من أبناء الوطن لأرضهم ووطنهم ، ومفرحة لأننا لم نكن معه في رحلته التي ستعود بنا الى الوطن كما خططنا ، فقلت في نفسي : سبحان الله ، قل لن يصيبنا إلاّ ما كتب الله لنا ، فقد كُتِبت لنا النجاة والحياة ، وكُتب لأبي عامر نهاية الأجل والوفاة ، فقد يسّر الله له أسباباً منعته من لقائنا على الوعد لكي لا نلاقي حتفنا معه. فلا غضب من قضاء الله وقدره ، بل يجب أن يضع المرؤ نصب عينيه التفسير الذي يريح نفسه إن أخفق في تدبيره كبشر بنية صافية وحسنة ، وعمل صادق ومخلص ، أمام تدبير الخالق العليم العظيم لأن الخالق يريد لنا الخير دائماً.
    بدأت الفصل الأخير من الرحلة ، وشققت طريقي الى بيتنا ، واخترقت الوادي المنحدر وكأنني أطير وأحلّق في الجو ، ولم تأخذني الطريق وقتاً طويلاً للوصول لنهاية الرحلة ، ولم يخالجني شعورٌ بالخوف من الليل والوحوش ، ولمّا اقتربت من البيت أخذ الكلب الذي ربيته ينبح ، فاقتربت منه فعرفني وأخذ يعبِّر عن فرحته بقدومي بحركات بهلوانية ، ويشمشم حولي وينبح بصوتٍ حزين ورقيق (يُعَوِّص) لمست فيه تنفيساً عن حزن الفراق وألم الشوق ،فال/*/*/* معروف بوفائه، ولمحت في عينيه دموعاً ربما كانت دموع فرحٍ للقاء أو حزن على فراق ، ودخلت على أميّ وأبي وهما يتهيآن للنوم ، وكانت المفاجأة لهما كبيرة في وقعها وفي توقيتها وفي أسلوبها ، وكانت الفرحة بلقائهما لا توصف بكل اللغات والأحرف والكلمات والأشعار، وسألاني : وهل يعرف أخوك بعودتك الينا ، فقلت لهما لا أحد يعرف بذلك ، وكان أخي في عمان لم يترك مستشفىً أو مخفراً في بحثه عنّي ، وكان أحد جيراننا ينوي الذهاب الى عمان صباح اليوم التالي ، فذهب اليه والدي ليطلب منه إخبار أخي بوجودي في البلدة وليكف عن بحثه عنّي.
    وبدأت الدراسة في الضفة الشرقية ولم تبدأ في الضفة الغربية بعد ، وكان أخي الذي يسكن عمان مهتماً بدراستي ، فبعث إليّ مراراً لأخرج لعمان لإكمال دراستي هناك ولم أستجب لدعواته ، وعرض عليّ عروضاً مشجعة ليغريني بالحضور ، وألحّ عليّ والديّ بتلبية طلب أخي الذي سيوفر لي نفقات الدراسة حيث هي ثقيلة عليهم، وفكرت بالأمر جديّاً قبل أن يتمّ الإحصاء من قبل الإحتلال وأقنعت نفسي بفكرته مؤمِّلاً العودة عند بدء الدراسة في الضفة الغربية ، وتم ذلك وخرجت الى عمان بعد العودة بتصريح محدود المدة من الحاكم العسكري لظروف استثنائة طارئة ، وسجّلت اسمي على الجسر لدى سلطات الإحتلال مغادراً ولدى السلطات الأردنية قادماً ، والتحقت بالدراسة في عمان ، ولمّا ابتدأت الدراسة في الضفة الغربية حاولت العودة عن طريق الجسر الذي خرجت منه ، ولكن سلطات الإحتلال أعادتني من حيث أتيت لإنتهاء مدة التصريح التي لم تخطر على بالي أبداً. واعتبرتني اسرائيل نازحاً ولا يحق لي أن أعود الى بيتنا في الوطن فقد تم الإحصاء ومن كان خارج الوطن لا يحق له العودة اليه مهما كانت المبررات والأسباب.
    وتلك الحالة من الإبعاد القسري والحرمان من الوطن كثيرة وعامة ، ولا بد من التنويه لها وتعويض النازحين عن حرمانهم من الوطن ، وعن حرمانهم من منازلهم وأراضيهم ومزروعاتهم وتجهمهم أعباء الحياة في المنفى.

    بقلم أحمد ابراهيم الحاج
    15 حزيران 2008
    رباني
    رباني

    { مشرف }


    الجزء السابع من رحلة في غياهب المجهول Stars15


    الجنس : انثى
    البرج : الحمل
    عدد المشاركات : 4459
    العمر : 60
    البلد : عمان
    الحالة الاجتماعية : متزوجة
    التخصص : تربية اسلامية
    نقاط النشاط : 916
    الاعجاب : 17
    المهنة : الجزء السابع من رحلة في غياهب المجهول Office10
    المزاج : الجزء السابع من رحلة في غياهب المجهول 8010
    الدوله : فلسطين

    الجزء السابع من رحلة في غياهب المجهول Empty رد: الجزء السابع من رحلة في غياهب المجهول

    مُساهمة من طرف رباني الخميس 2 ديسمبر 2010 - 9:32

    اتمنى من الله العودة لكل لاجيء في القريب العاجل ان شاء الله

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة 10 مايو 2024 - 14:40