منتديات خاراس الرسمية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

2 مشترك

    آمنة و خليل/الجزء الخامس

    أحمد ابراهيم الحاج
    أحمد ابراهيم الحاج

    {{ كبار الشخصيات }}


    {{ كبار الشخصيات }}


    الجنس : ذكر
    البرج : الحمل
    عدد المشاركات : 231
    العمر : 72
    البلد : فلسطين - خاراس
    نقاط النشاط : 204
    الاعجاب : 4
    الدوله : فلسطين

    آمنة  و خليل/الجزء الخامس Empty آمنة و خليل/الجزء الخامس

    مُساهمة من طرف أحمد ابراهيم الحاج السبت 26 فبراير 2011 - 10:20

    آمنة و خليل (الجزء الخامس)
    ........................................
    تألم خليل كثيراً عندما سمع بما حصل لأبي سليم (والد آمنة) من فصل مأساوي لهذا الرجل الوطني الطيب على يدي الفرسان ، كما أنه أخذ يعيد خطاب الرئيس جمال عبد الناصر في ذاكرته فقرة فقرة ، فوجد خليل بأن في الحياة قضايا كثيرة تستحق الإهتمام والدراسة والعمل والتفكير والمساهمة في حلولها ، واكتشف أن الأمة تعاني من مشاكل وأعباءٍ كثيرة وخاصة أمته العربية بشكل عام والفلسطينية بشكل خاص ، وأدرك أن عليه واجبات تجاه وطنه وشعبه وأمته لا بد وأن يدخلها في أجندته ، وما قضايا الحب والغرام الاّ جزءٌ لاإرادي ينبع من الوجدان والأصالة وعنصر من مجموعة عناصر هذه القضايا ، لا يستطيع إغفاله من أجندته بحكم عواطفه وغرائزه الفطرية المتدفقة في جسده ، وهو جزء من حب الله والإنصياع لقوانينه ، وأيقن أنه لا بد من ترتيب الأولويات وتوزيع الوقت لكي يقوم الإنسان بدوره على أكمل وجه. ولكي لا يقدم المتأخر على المتقدم في خط الحياة ويبعثر الأهداف دون تسلسل منطقي فيقوده ذلك للفوضى والفشل. وذهب مبكراً الى الكرم لكي يبدي أسفه وألمه ويبث مشاعره تجاه هذا الحادث لصديقته آمنة كما هي تريد أو لحبيبته كما هو يشعر. فقد استحكم حبها في قلبه بينما حبه في طريقه الى ولوج قلبها بخطوات أبطأ ، حيث اصطدم الحب بجرحها من رؤية زملائها الأطفال الذين قتلوا يوم احتلال قريتها من الأعداء وهم في فسحة نادرة وفي وقف لإطلاق النار اغتنموها للعب في الحارة مما أجج في نفسها مشاعر الحزن والإنتقام لأقرانها ، وغلبها على مشاعر الحب والرومانسية المتدفقة في جسدها المراهق. انتظر قدومها على أحر من الجمر لكي يثبت لها مزيداً من التضامن والتشارك في مصابها ، وليضع لبنة إضافية في مدماك هذا الحب الذي يعلو بخاطره ، وكانت هي تنتظر ملاقاته وهي تحمل مشاعر الغضب وفقدان الثقة وتريد هدم ما بنته في داخلها من لبنات مشاعر التقدير والإحترام في مقدمة لمشاعر الحب والغرام. وربما وصل بها الفكر الى مشاعر الإنتقام لما حصل لوالدها بسببه كما تعتقد تيمناً بوالدها ، ولكنها كانت تشد مشاعر الإنتقام الى الخلف بخيط رفيع واهن من الأمل في براءته مما حصل ، كهبات من النسائم الرقيقة العليلة التي تقابل العواصف الشديدة في اتجاه معاكس فتضيع في إعصار العواصف المزمجرة ويختفي أثرها المهديء للنفس والمشاعر السالبة. وأخيرا حان موعد اللقاء فوصلت آمنة الى ركن الكرم الذي ضمنه والدها. واقتربت وهي تحضر لنسف العلاقة وتدميرها ، لمحها خليل فأخذ يقترب لضفة السنسلة بخطوات متسارعة بينما هي تقبل بخطوات مترددة في عملية تحضير لفنجان قهوة الوداع المرة ، وفي عملية غليان الماء على النار بانتظار إضافة البن والفوران.
    ناداها خليل ، اقتربي يا آمنة من السنسلة فلدي كلام كثير أريد أن أبثه إليك ، فردت عليه : لا تنطق إسمي على لسانك بعد اليوم ، فمثلك لا أتشرف بسماعه ينطق اسمي ، إنتفض خليل من داخله وهو لا يصدق ما يسمع ، فقال في نفسه لعلها تمزح معي ، ولكنه رد على نفسه سريعاً : كيف تمزح ووالدها قد تعرض لإذلال يوم أمس ولا شك بأنه سيكون محور حديثنا اليوم. استر يا رب. فقال لها:
    أأنت تقولين ذلك بصدق أم من قبيل المزاح يا آمنة ، ولما اقتربت من ضفة السنسلة المقابلة لمح على وجهها الغضب وأيقن أنها لا تمزح ، ولكنه تشبث بخيط واهن من الأمل لعل وعسى أن يكون زوبعة.
    قالت له ووجهها يتقادح احمراراً وشرراً من الغضب والحر:
    كيف تسمح لنفسك بأن تبلغ الفرسان عن والدي وصديقه عواد ، لقد أمنّا لك وأدخلناك بيتنا ، وكيف تخون الأمانة بهذه الطريقة المخادعة والخائنة ، هذه نهاية صداقتنا وآخر لقاء يجمعنا ، فقد خدعنا بك أنا ووالدتي ، وأدارت بوجهها وجسدها راجعة للكرم. فنادها آمنة آمنة اسمعيني لكي أدافع عن نفسي من هذه التهمة الحقيرة ، ولكنها تركته يعاني من رصاصة أطلقتها صوب قلبه لتطرحه مصاباً بجرح عميق يصعب شفاءه ، ولم يرد أن يلحقها احتراماً لسمعتها، وبعداً عن توجيه الشك في علاقتهما إن رآه أحد. وقفل خليل الى كرمهم يجرجر أذيال الخيبة وهو في حيرة شديدة من أمره ، يتصارع بينه وبين نفسه ويستغرب لحصول لهذا الشرخ المبكر ويتساءل عن مبررات اتهامه بهذه التهمة القذرة.
    استلقى خليل تحت شجرة اللوز يقلب الأحداث في عقله ويفكر فيها بهدوء ليصل الى الحقيقة الغائبة عنه ، فقرر أن يتحرى عن المؤامرة التي حيكت ضده وعن المبررات التي دعت الى اتهامه يقينا ًمن قبل آمنة وأهلها والذي دفعها الى عدم الإستماع له وإعطائه فرصة الدفاع عن نفسه. إنه البحث عن الحقيقة لأن ايجاد الحقيقة سيكشف له الأعداء ويمكنه من الوقاية منهم والدفاع عن نفسه ومقاومة شرورهم. ترك مشاعر الحب جانباً وجرد نفسه من الغرائز والأهواء واختط طريقه في معالجة الأزمة بحكمة وتعقل ولم يسمح لنفسه بالهزيمة والإستسلام للأمر الواقع ورفض الإنسحاب مهزوماً مدحوراً من المعركة وقال : لا بد من المواجهة وعدم ترك الأمور للزمن لكي يظهر حقيقة براءتي وسأعمل على اثباتها بنفسي ولن أهرب للأمام من مواجهة الموقف والدفاع عن حبي بكافة الأسلحة.
    وضع خليل خطته لمواجهة المشكلة المفاجئة الطارئة والتي لا ذنب له فيها ، وبنى الخطة على البحث عن المستفيد من تخريب علاقته بأهل آمنة ، وتساءل من هو المستفيد من خراب علاقته بآمنة من أهل القرية من الحاضرين ليلة أمس عند سماع الخطاب؟ ، أخذ يستعرضهم واحداً واحداً ويستذكر تصرفاتهم ، فركز على عواد ، وكيف كان لا يستمع للخطاب وقضى وقته خارجاً داخلاً سيما وهو يعرف عنه نفاقه وصفاته السيئة والمعروفة لكل القرية وربما لم تعرفها آمنة وعائلتها ، وقال في نفسه "إن مجرد الشك وتوجيه أصابع الإتهام لا يكفي ، وهو ليس قرينة يعتد بها ، لذلك يجب البحث عن قرائن تقنع الناس. وبدأ خليل في تنفيذ خطته التي رسمها للوصول الى الحقيقة. تعمّد لقاء والد آمنة في الشارع فوجده على غير عادته يشيح بوجهه عنه ، طرح خليل السلام فرد بفتور وعدم مبالاة ، وتعمد لقاء سليم فوجده كما عهده من قبل وكأن شيئاً لم يتغير تجاهه ، ومن هنا اكتشف خلافاً في وجهات النظر في عائلة آمنة ، وقال في نفسه تلك ثغرة سأنفذ منها في جدار العزل بيني وبين العائلة ، فعمد الى توطيد علاقته بسليم لكي يصل الى طرف الخيط ، فصار يدعوه الى سقيفته ليسهرا سوياً ويتمالحا بالأكل فكان يطلب من والدته زيادة الأكل الذي ترسله له، فتكررت لقاءاتهما وتباحثا في مواضيع كثيرة منها موضوع الوشاية التي ألصقت بخليل ، فصارحه سليم بالموقف الإجمالي للعائلة ، وأنها مختلفة في وجهات نظرها تجاه ما حصل ، فسليم ووالدته لا يصدقان أن الوشاية من خليل ، بينما آمنة ووالدها مقتنعان بأن خليل قد وشا بهم الى الفرسان. وأكد له خليل براءته من التهمة ، فرد عليه سليم بأنه مقتنع ببرائته. واتفقا على التعاون سوياً في تحري الحقيقة لأن لكليهما مصلحة متقاطعة في ظهورها. وأبدى خليل لسليم شكوكه في عواد ، فوافقه سليم على شكوكه ، وأبدى عدم الأريحية تجاه عواد في علاقته مع والده ، وقال لخليل :
    إن والدي وآمنة يتعاملان معه بطيبتهما المعهودة ولكنني ووالدتي لا نطيق رؤيته بالبيت ، فبعد الحادثة توطدت علاقته بوالدي. وهما يسهران ليلياً إما في بيتنا أو في بيت عواد. وأختي آمنة تعامله بطيبة وكأنه والدها لأن عمره يقل عن عمر والدي بسنوات قليلة ربما أربع أو خمس سنوات لا أكثر. وهو يعيش معظم وقته أعزباً لأن زوجته دائماً حردانة عند أهلها لربط مصيرها بمصير أخته التي لا تريد زوجها ولم يتوافقا سوياً.
    وأخيراً كانت المفاجأة التي لم تكن في حسبان العائلة ، أخبر عواد ابا سليم بأنه سيزوره الليلة في موضوع مهم مع بعض أصحابه من سقط القرية ، ويأمل منه التعاون فيه ، ولما كانت الزيارة الهامة تقدم عواد مستغلاً توطيد علاقته بابي سليم ليطلب يد آمنة للزواج ، ففوجئت العائلة بهذا الطلب غير المناسب ، فهو قليل التعليم وعمره يقارب عمر ابي سليم ، وأجمعت العائلة على الرفض بغض النظر عن مواقفها المتناقضة في قضية الوشاية ، فرد أبو سليم طلبه بالزواج وقال له إنت رجل طيب ، لكن والله إحنا ما بنفكر بتزويج البنت وهي بدها تكمِّل تعليمها ،
    فقال له عواد : البنت يا ابو سليم تعلمت وكملت تعليمها عند عمتها ، وبدك تبعثها على الخليل ، والله أحكي لك بصراحة وما تزعل مني ولأني بحب مصلحتك "القرية كلها حاملة حملتك لأنك خالفت عاداتهم وفتحت عيون بنات القرية على أشياء ما إحنا متعودين عليها ، فصارت البنات تطالب بالتعليم وترفض الزواج من الشباب وتطلب لباساً /*/*/*اس ابنتك . وكمان بدك تبعثها عند المدن والحضر تتعلم رايحه جايه في الباص بين الزلام ، والله هذا كثير وما رح يسكتوا عليه أهل القرية. ولم يأبه أبو سليم بكلام عواد وأصر على الرفض وسانده أهل البيت وصاحبة العلاقة المباشرة بالموضوع. وألح عواد في طلبه وعرض عواد مهراً غالياً بتنازله عن الكرم الكبير الذي ورثه عن والده كمهر لآمنة. ولكن ابو سليم أصر على موقفه.
    خرج عواد مصاباً بخيبة الأمل ، وكان بعض الجيران يتعللون خارج البيوت على السطوح وفي الأحواش ، فسمعوا عواد بعد أن خرج من بيت ابي سليم يقول
    " طيب يا ابو سليم بورّيك مين عواد ، والله لأفقرك وأخليك ما تملك أجرة الباص من شان تروح بنتك آمنة تتعلم في المدينة وترجع تجوزني إياها غصب عنك ، جيتنا على البلد لاجي حافي ومشحتل وصرت معاك مصاري أكثر من أهل البلد ، وكمان ترفض نسبي ، إن ما اتجوزتها ما بكون أنا عواد " فهو يعوِّل كثيراً على علاقته مع رئيس المخفر وحاشيته ويريد استغلال تلك العلاقة لقضاء مآربه الشخصية وأهوائه. واعتبره الناس كلاماً عابراً لا يرقى الى التطبيق ويعبر عن لحظة غضب ، لكنهم خزنوه بذاكرتهم فلعله يفيد الحقيقة في يوم ما.
    تعرضت صداقة عواد وابي سليم للإختبار ، فنجح فيها ابو سليم ورسب عواد ، حيث بقي ابو سليم يتصرف بنفس الطريقة والأسلوب معتبراً الموضوع شيئاً عادياً يحصل بين الناس ولا يشرخ العلاقات ، فالزواج قسمة ونصيب ، ولكن عواد اعتبره شيئاً مهيناً وفشلاً ذريعاً لأنه كان يحب آمنة حباً صامتاً لا يستطيع التعبير عنه صراحة ومن طرف واحد مستغلاً طيبة التعامل من منطلق علاقة الجوار. وكأنه يبني أحلاماً قريبة التحقيق فوجدها كالسراب وكأعمدة الهواء لا يمكن الإمساك بها.
    كان ابو سليم قد تعرف على رجل إقطاعي من مدينة الخليل يملك محلاً لبيع الأقمشة النسائية والرجالية في المدينة ، وكان هذا الإقطاعي يملك أراضٍ شاسعة في القرية اشتراها من أهل القرية مقابل كسوة العرسان ، حيث كانت أحوال الناس المادية صعبة جداً ، لا يملكون النقود لدفع المهور ولشراء كسوة العروس والعريس ، وثوب العم والخال والعمة والخالة ، فكان التاجر يستبدل القماش بالأرض ، ويشتري مقابل الكسوة أراض في أحسن المواقع ، وكانوا يقايضون الأرض بالمال لعمل القِرى والصرف على حفلات الأعراس. وتولى ابو سليم فلاحة أرضه وكيلاً عنه ، وأصبح مزارعاً مقاولاً يستأجر العمال من الفلاحين ويدير أراضي الإقطاعي. وصار ابو سليم من أيسر أهل القرية حالاً ، يستوفي بدل فلاحته للأرض قمحاً ومالاً. وكان يتأخر في الحصاد والدرس لغزارة المحصول ، ولعدم دخوله المنافسة الشديدة في الأسواق مع كل الفلاحين حيث يزداد العرض ليحصل على سعر أفضل ، وقد عمل بيدراً خاصاً به في أرض الإقطاعي بعيداً عن القرية يجمع عليه الحصاد ويقوم بدرسه وذروه وجمعه كمراقب للعمال الفلاحين مقابل صويعات من القمح. وكان قد استأجر فلاحاً لحراسة البيدر ، من هنا وردت خاطرة جهنمية لعواد لحرق محصول الإقطاعي الذي يشرف عليه ابو سليم لكي ينتقم منه لرفضه تزويجه آمنة ويفقره لكي لا يستطيع تعليم ابنته فيضطر لتزويجها.
    في نفس الوقت تذمر أهل القرية كثيراً من قائد المخفر وفرسانه وابتزازهم للناس الفقراء الذين يمثلون غالبية أهل القرية ، واشتكوا للمختار ولأبي خليل ، وزاد الطين بلة ما حدث لأبي سليم من إهانة وإذلال لا يستدعي مزيداً من الصبر والإحتمال ، وكان ابو خليل يحتفظ بعلاقة نسب وقربى مع رئيس بلدية الخليل الشيخ محمد علي الجعبري (ابو وحيد) الذي كان يحظى باحترام الحكومة ، وباحترام العشائر والقبائل في القضاء ، وبالجرأة في قول الحق وبالتدين الذي أصبغه على طابع المدينة ، وكان ابو خليل هو العقل المدبر للمختار فأشار عليه للذهاب معه الى رئيس بلدية الخليل لتقديم شكوى ضد رئيس المخفر وفرسانه ولنقل تذمر الناس من ابتزازهم واستغلال الفرسان لسلطاتهم في غير موضعها ، حيث قضوا على مقومات الحياة لأهل القرية من الدجاج والصيصان والأغنام ومصادر الأرزاق ، وقابلا الشيخ الجعبري ووعدهم بالنظر في شكواهم ضد رئيس المخفر وحاشيته من الفرسان والعمل بما يستطيع للتخفيف على أهل القرية ورفع قدر من معاناتهم.
    مستغلاً علاقته برئيس المخفر عمد عواد الى تنفيذ خطته في حرق بيدر الإقطاعي الذي يشرف عليه ابو سليم ليضعه في ورطة نفسية ومالية وقانونية ، وكان حارس البيدر ينتظر مولوداً جديداً ، وصار يترك البيدر في الليل ليراقب زوجته التي على وشك الولادة وليحضر لها الداية عند الحاجة متنقلاً على حماره بين البيدر والقرية طوال الليل وكان يمر أحياناً على دكان عواد ليشتري حفنة من السكر لعمل الشاي فعلم عواد عن ظروفه في انتظار ولادة زوجته وأضمر ذلك في نفسه لتحين الفرصة المؤاتية ، فراقب الموقف ، وفي أحد الليالي سمع الحارس يطرق باب بيت الداية الواقع خلف الدكان بعد العشاء ، واتجه فوراً الى البيدر الذي يبعد عن القرية حوالى خمسة كيلومترات وانتظر القرية حتى تغط في نوم عميق ، وعند منتصف الليل أشعل فيه النار وهو مطمئن لانشغال الحارس في زوجته التي تلد وفي انتظار الوليد الجديد ، وبعد صلاة الفجر اتجه الحارس الى البيدر فوجده رماداً تذروه الرياح ، فقفل عائداً يركض ويلطم على خديه متوجهاً لبيت ابي سليم لإعلامه بالكارثة. ذهب ابو سليم يستطلع الموقف ، ولما رأى البيدر محترقاً توجه للمخفر لإبلاغ الفرسان بذلك ، فاحتجزوه للتحقيق معه ، واستدعوا الحارس وتحفظوا عليه في القطعة حتى تأكدوا من وجوده في القرية لولادة زوجته فأطلقوا سراحه رهن الطلب ، وسألوا ابا سليم إن كان يوجه اتهاماً لأحد ، ولكنه لم يعطهم جواباً محدداً ، وصل الأمر للمختار وابي خليل ، فتوجها للمخفر لاستجلاء الموقف الخطير الذي يعتبر حالة تستدعي الخوف والقلق من أهل القرية على مصادر رزقهم. أجرى الفرسان تحرياتهم ولم يصلوا الى الحقيقة ، ورفعوا القضية للقيادة في الخليل لأستخدام إمكانياتهم في معرفة الجاني والقبض عليه. أبلغ رئيس المخفر المختار بأن لا يذهب أحد من القرية للموقع ، وارسل فارسين لمنع الناس من الوصول اليه لكي لا تختلط الآثار. واتخذت السلطات الرسمية خطواتها بموازات السلطات العشائرية التي كانت مرجعاً في البت بالقضايا وإحقاق الحق الخاص بجانب الدولة المطلعة بإحقاق الحق العام. فوجيء رئيس المخفر بنقله وتعيين رئيس جديد من الكرك كنيته ابو نواف ، وكان الرئيس الجديد رجلاً طيباً وأصيلاً لا يبتز الناس في مصالحهم ، وبذل جهوده في مساعدة أهل القرية لاكتشاف الجاني وشجعهم على المضي في البحث والتحري بطرقهم وخبرتهم في قضاياهم وفي خلافاتهم العائلية. حيث لم تصل السلطات الرسمية الى معرفة الحقيقة والجاني.اجتمع نخبة من كبارالقرية وحكمائها اجتماعاً مغلقاً في الديوان لبحث قضية البيدر ، وهنا تذكر أحدهم ما سمعه ليلة أن خرج عواد من بيت ابي سليم يهدد بإفقاره والإنتقام منه بعد أن رفض نسبه. فأشار عليه ابو خليل بألاّ يتفوه بذلك وأن يبقوا هذه المعلومة في سرهم لكي تساعدهم للوصول الى الجاني قبل أن تصل اليه حيث أصبحت تحوم حوله الشبهات.
    وكان قد سكن على أطراف القرية قبائل بدوية من بئر السبع من عائلات السماحين والفراجين وابو خوصة والدقس والسّخارنة مهجرين من بلادهم منذ عام 1948م. وهم على علاقات طيبة مع أهل القرية التي يصلون فيها الجمعة ويسكنون على أراضيها . واشتهر من قبائل البدو المهاجرة شخص من السماحين يدعى ابو مفلح ، وكان يُعرف بقصاص الأثر ولديه فراسة وخبرة في تقصي الفاعل. فبعثوا لاستدعائه ليقوم بقص أثر الجاني متتبعاً أثر خطواته على الأرض دون أن يعلم بذلك أحد من القرية لكي لا يثير البلبلة وينبه الجاني بالخطر. أدى قصاص الأثر عمله وتتبع خطوات الجاني من البيدر حتى مدخل حارة دكانة عواد ، وبعدها انقطع الأثر نظراً لصلابة الأرض. وكانت تلك إشارة في مكانها الصحيح ولكنها تحتاج الى دليل قاطع. فأشار عليهم قصاص الأثر أن يلجؤوا الى البشعة إن حددوا شخصاً متهماً بذلك ، لأن حلف اليمين لا يكون عائقاً أمام المجرم فيحلف كاذباً وعقابه عند الله عظيم ربما يؤخر أو يقدم بإذن الله. ولكن البشعة تكشف الجاني بسرعة فيتقي الناس شره.
    يتبع الجزء السادس للحديث عن البشعة وطريقتها في اكتشاف المجرم.
    بقلم أحمد ابراهيم الحاج
    30/6/2009م
    اياد النمراوي
    اياد النمراوي

    { مشرف }


    آمنة  و خليل/الجزء الخامس Stars15


    الجنس : ذكر
    البرج : الجدي
    عدد المشاركات : 2028
    العمر : 46
    البلد : الاردن
    نقاط النشاط : 982
    الاعجاب : 7
    المهنة : آمنة  و خليل/الجزء الخامس Accoun10
    الدوله : فلسطين

    البطاقة الشخصية
    my sms:

    آمنة  و خليل/الجزء الخامس Empty رد: آمنة و خليل/الجزء الخامس

    مُساهمة من طرف اياد النمراوي السبت 26 فبراير 2011 - 10:37

    مشكور شكل القصة من القرى المحيطة بقريتنا
    أحمد ابراهيم الحاج
    أحمد ابراهيم الحاج

    {{ كبار الشخصيات }}


    {{ كبار الشخصيات }}


    الجنس : ذكر
    البرج : الحمل
    عدد المشاركات : 231
    العمر : 72
    البلد : فلسطين - خاراس
    نقاط النشاط : 204
    الاعجاب : 4
    الدوله : فلسطين

    آمنة  و خليل/الجزء الخامس Empty رد: آمنة و خليل/الجزء الخامس

    مُساهمة من طرف أحمد ابراهيم الحاج السبت 26 فبراير 2011 - 11:48

    القصة عبارة عن تصوير للأوضاع القائمة في ذلك الزمان ولا تخلو أي قصة من إسقاطات التجربة الشخصية للكاتب ومعاصرته للأحداث. وليس بالضرورة أن تكون حقيقية ولكن فيها الكثير من الحقائق التي كانت سائدة في عصرها.
    اياد النمراوي
    اياد النمراوي

    { مشرف }


    آمنة  و خليل/الجزء الخامس Stars15


    الجنس : ذكر
    البرج : الجدي
    عدد المشاركات : 2028
    العمر : 46
    البلد : الاردن
    نقاط النشاط : 982
    الاعجاب : 7
    المهنة : آمنة  و خليل/الجزء الخامس Accoun10
    الدوله : فلسطين

    البطاقة الشخصية
    my sms:

    آمنة  و خليل/الجزء الخامس Empty رد: آمنة و خليل/الجزء الخامس

    مُساهمة من طرف اياد النمراوي السبت 26 فبراير 2011 - 11:51

    مشكور على التوضيح

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين 20 مايو 2024 - 16:12