منتديات خاراس الرسمية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

2 مشترك

    آمنة وخليل/الجزء الثالث والعشرون

    أحمد ابراهيم الحاج
    أحمد ابراهيم الحاج

    {{ كبار الشخصيات }}


    {{ كبار الشخصيات }}


    الجنس : ذكر
    البرج : الحمل
    عدد المشاركات : 231
    العمر : 72
    البلد : فلسطين - خاراس
    نقاط النشاط : 204
    الاعجاب : 4
    الدوله : فلسطين

    آمنة وخليل/الجزء الثالث  والعشرون Empty آمنة وخليل/الجزء الثالث والعشرون

    مُساهمة من طرف أحمد ابراهيم الحاج الأربعاء 23 مارس 2011 - 9:56

    آمنة وخليل
    الجزء الثالث والعشرون
    ................................
    عاد خليل برفقته زوجته آمنة من شهر العسل الذي قضياه بالقدس وضواحيها ،وأنفقا عليه من نقوطهما ، حيث جمعاه سوياً في كيس واحد ، كما تجولا في بيت لحم ورام الله ، وزارا المعالم التاريخية والمقدسات الدينية في هذه المدن وبعض القرى المجاورة ، وفور عودته توجه مع زوجته لبيت العائلة ، وأقامت لهما أم خليل مأدبة غداء ، واحتفت العائلة باستقبالهما، وبعد تناولهم الغداء جلس خليل وآمنة مع العائلة يستطلعان أخبار البلد. وعاتب ابو خليل ابنه خليل على تركه القرية وخروجه مع زوجته قبل إكمال الأسبوع ، خارجاً عن العرف والتقاليد ، وخارقاً للعادة المتبعة. وبعد ذلك استأذن ابو خليل وخرج للديوان ، وبقي خليل وزوجته مع والدته يسألانها عن أخبار القرية. ورداً على سؤال خليل عن أحوالهم قالت له والدته :
    والله يمّه احنا بخير والحمد لله ، ما بدنا الاّ سعادتك مع مرتك ، بس في خبر واحد ما رح يبسطك ، لأني عارفه قديش بعز عليك عبد المجيد (ابو زياد) ، فقال خليل وقد بدى عليه القلق :
    خير شو مالو ابو زياد ، فقالت : برّا وبعيد الشر ، الله يحميك يمّه ، وبعيد عن السامعين ، عبد المجيد بحكي في غير الدايرة ، بالعربي الفصيح صار مجنون ، فعدل خليل جلسته مستقيماً من الإتكاء على المخدات وقال :
    ايش هالحكي يمّه ، قولي وغيّري ، عبد المجيد بفهم قد كل رجال هالبلد ومشايخها ومخاتيرها ، مش معقول ، فردت عليه : والله يمّه معقول ونص كمان ، وهاظا اليّ أجاك. الليلة بتسمع صوته وهو داير بالحارات وبالزقايق يخطب كإنو قايد جيش ، وربّى لحيته وصارت طويلة كثير ، وشعره مهيّش ومكنفش مثل النتشة ، ولبسه صار مبهدل وممزع ، يا حسرتي عليه شو كان هالزلمة مهندم ومرتب ومزيون ، وفوق هاظا كان راكز وعاقل وبفهم. ويوم ما كان ييجي ببدلة الجيش كان يهز هز ، وكل بنات البلد كانن يتمنينه عريس لما كان عزابي ، وكانت بنات قرايبه يتكاتلن على الي تهدب شماغه. ودايماً اولاد البلد الصغار دايرين وراه "مجنون ..مجنون". ومرته تركته وراحت عند أهلها هي وابنها زياد. ترى هو يمّه ما بيجي في حدا ولا بأذي حدا ، ولا بغلط في حدا، وبحكي كلام عقال ، بس دايماً داير في البلد بضحك وبحكي مع حاله ، ومرات بتخيل حاله قايد جيش ومرات إمام مسجد وبصير يخطب في هالكلام المرتب ، والصغار دايماً زافينه وملتفين حواليه يضحكوا عليه ، وهنا هز خليل رأسه وقال :
    بدي أحكي ليش ما شفته بالسامر ، والله فقدته وكنت بدي أسأل عنه ، بس كان براسي ميت دواية ، حتى يوم الغدا ما شفته ، طيب ما أخذوه على الدكتور ، فقالت له والدته : الدكتور اليّ في العيادة ما عرف شو ماله ، وطلب يحولوه لمستشفى المجانين في بيت لحم ، وهو رافض وما حكموا عليه يروح. الظاهر كاين يعاني من زمان بس اهله كانوا يخبوا عن الناس ، وانفجر مرة وحدة ، وصار خليل يضرب كفاً بكف ، ويقول يا خسارتنا فيك يا شيخ الشباب ويا بطل الأبطال ، والله خسارة وألف خسارة. بتذكّر يوم ما زرته ببيت لحم لما دخل مستشفى المجانين بعد المعركة مع الدورية الإسرائيلية قال : يا ريتني استشهدت وما وصلت لهالمرحلة.
    وعبد المجيد (ابو زياد) - المجنون - كما أصبح متعارفاً عليه بالقرية ، هو الذي كان في الحرس الوطني برتبة شاويش بثلاثة شرائط ، وعندما كان قائداً لدورية على خط الهدنة في مار الياس ، استفزتهم دورية اسرائيلية واشتبكت معهم ، وأمر افراد دوريته بالرد على الإسرائيليين دون هوادة ، وقتلوا وجرحوا معظم افراد الدورية الإسرائيلية ، وقد أبلى بلاءً حسناً. وكان قد تم تحويله لمستشفى الأمراض العقلية ببيت لحم على إثر المعركة البطولية التي خاضتها دوريته مع جيش العدو بصفته آمراً للدورية ومسئولاً عنها وهو الذي أعطى الأمر دون الرجوع للقيادة واتهموه بلوثة عقلية المت به أدت الى ما أدت اليه.
    ثم استطرد خليل يستكشف مزيداً من الأخبار من والدته ، وقالت له : والله اسكت يمهّ : ابوك ظارب صحبة جديدة الله يستر من عواقبها ، واحزر مع مين؟ مع ابو عايش ، صار دايماً يا بتلاقيه عند ابو عايش ولاّ ابو عايش عنده ، وهاتي يا خضرة قهوة وشاي وفطور وغدا ل َهالمصدي ، وصار ابوك يطلع من الدار من صراصير الصبح ويرجع في نصاص الليالي ، وصار يوم بروح يصلي الصبح في الجامع وثلاثة لأ ، وأكله صار خفيف ، وزاد دخانه ، بقوم من النوم على الدخان قبل ما يفطر على غير عوايده ،دخان وقهوة ، وحتى في ساحة الديوان دايماً هو وابو عايش مع بعض ، وحاطين روسهم بروس بعض وقاعدين بتوشوشوا ويتوتوتوا ، عاد ابوك ما كان يطيق يسمع سيرته ، والله ماني عارفه شو بينهم ، والله يمّه صار الفار يلعب بعبي ، وبقول في سري مش معقول يعملها ابو خليل ، حتى مرة في ناس قالولي إنهم شافوا ابوك رايح مع ابو عايش على دار عيوش يشربوا شاي ، ودايماً لما بروح على دار ابو عايش بتكون عيوش هناك ، بس والله صحبة ابو عايش ما بتشرف ، قليل حيا ودين وصار ختيار وهو ما بصوم ولا بصلي ، وبعدين كل الناس بحكوا على بنته عيوش ، دايماً الشباب بسهروا في الزقاق اليّ قدام دارها ، وهي دايماً تتنقل من الباب لَ الشباك تشاغل الشباب ، الله يستر عليها ، ما بحط في ذمتي اشي. عندنا ولايا.
    وبعدين آخر خبر : ابو داود اليّ بوزع الصندقة على اللاجيين ، ودَّع الناس في البلد ، وقالوا خلاص رح يروّح لبلده في المغرب وبدّا يعيش هناك على طول ، قال تعب من الغربة. والناس كلها زعلت عليه وعملوا هالعزايم مداورة واحد ورا واحد ، تعال وتفرج. وأبوك ذبحلو خروف.
    كتم خليل في صدره ما سمعه من والدته عن والده وأوجس خيفة منه ، وانتابه الشك والقلق على والده ، ولكنه آثر التحقق بنفسه من الموضوع ، لكي يدفع شراً عن والده وعن العائلة كلها. حيث لديه العلم المسبق بنية والده الزواج ، وذلك عندما علم من شقيق زوجته وصاحبه سليم بطلبه عمة سليم الأرملة صفية من شقيقها ابو سليم الذي رفض ذلك دون الرجوع لأخته حيث أنه كان متأكداً من نيتها عدم الزواج وإصرارها على التفرغ لتربية أبنائها وبناتها الأيتام. ومر الخبر الأخير على خليل مرور الكرام وكأنه شيء عابر ، ولم يأبه له ولأهميته مقارنة مع الخبر الذي يخص ابو زياد ووالده والذي ستكشف الأيام أنه كان الخبر الأهم والمفاجيء، واستأذن خليل من زوجته ليذهب لزيارة عبد المجيد (ابو زياد) ليرى ما يمكن تقديمه من أجل شفائه ، وليقف بنفسه على حالته ، وكان عبد المجيد يثق بخليل ويحبه كثيراً ويسمع كلامه.
    اتجه خليل لبيت عبد المجيد ، فلما اقترب من الدار سمع صوتاً وكأنه خطاب يبث من الراديو ، وقهقة غير عادية ، طرق الباب ، ففتح له عبد المجيد ورحب به بحرارة ، وتفاجأ خليل من وضع البيت والقاذورات التي تجمعت به والفوضى التي تدب فيه ، والملابس المتسخة المتناثرة في أرجائه ، ولم يتحمل رؤية المنظر ، فطلب من عبد المجيد أن يجلسا في الحوش ، ودار بينهما الحديث التالي:
    خليل : شو يا ابو زياد ، ليش عامل بحالك هيك ، إنت رجل طيب وعاقل وسيد العارفين.
    ابو زياد : الناس بنادوني عبد المجيد المجنون ، وصدقني أنا بعقلي ومش مجنون ، لكن ما اقدرت أتعايش مع ناس هالزمان ، دخلت الجيش وأنا بحلم باستغلال قدراتي ومهاراتي العسكرية والرياضية ، وشجاعتي في سبيل وطني ، وركزت كل اهتمامي على العسكرية ، وكان حلمي أكون جندي مقاتل في معركتنا اليّ بنستناها مع العدو ، وحطيت كل فكري وجهدي وأملي اليّ ضاع يوم طلّعوني أهلي من المدرسة بعد الصف الأول وحرموني من التعليم (الله يسامحهم). وحبيت أعوض قلة التعليم في أن اكون عسكري مثالي مخلص للشرف العسكري ، وأصير قائد سرية والاّ كتيبة ، أدافع عن وطني وأضحي بروحي دون أهلي وأرضي وعرضي ، وأعوض خسارتي للعلم بتفوقي بالعلوم والمهارات العسكرية ، وكان عندي طاقات داخلية وأفكار مزدحمة بدماغي تكاد تفجرني كالقنبلة ، ولما أجتني المناسبة والفرصة في الدفاع عن وطني ، وقتلت عدوي اليّ اعتدى عليّ وعلى أرضي وأهلي وانتقمت لأخوي اليّ تسلل الى أراضينا المحتلة ولحد الآن ما بنعرف عنه إشي ، هو ميت والاّ طيب ، وانتصرت على العدو في معركة صغيرة غير متكافئة لأني شايف نفسي على حق وهو على باطل وكنت أنتظر الشكر والتقدير والمكافئة والترقية من القيادة ، لكن يومها بهدلوني وحجزوني وقالوا عني مجنون ،وقال ايش :بدهم إيّاني آخذ الإذن بالقتال في حين كان العدو يصوب نيرانه علينا ناوياً قتلنا ، وكان هو الباديء بالقتال ، ونحن ندافع ، واتهموني إنيّ بدي أفرض عليهم معركة مش مستعدين إلها، وقيدوني وكبلوني وساقوني مثل الدابة على مستشفى المجانين وأنا واعي وبكل قواي العقلية ، خايفين على الناس من هالمجنون إذا فلت منهم ، والتموا علي الدكاترة يتهامسوا في اجتماع طاريء وروتيني من دون فحص ولا ما يحزنون ، وطلعوا بنتيجة حددها إلهم المسئولين سلف ، وهي إني مصاب بلوثة عقلية دفعتني لذلك. وقدموا التقرير الطبي للوسيط الدولي من شان يقتنع ويقنع العدو وما ينتقم للجنود اليّ اعتدوا علينا واليّ قتلناهم يوم الإشتباك. ولما سرحوني من العسكرية اليّ بدّعت وتفوقت فيها على كل زملائي المتعلمين وغير المتعلمين ، وكنت دايماً أطلع الأول على كل دورة عسكرية ، لأني كنت شاعر إني إنسان وبني آدم مهم ، ويوم ما رجعت للبلد بعد ما نيموني غصب عني في المستشفى شهرين للعلاج وأنا مش مريض ، وعايش مع المجانين ، حسيت كأنوّ كل شيء انتهى في حياتي ، وكل أملي تلاشى مرة وحدة ، وظليت أكتم وأكابر قدام الناس وأوهمهم إني عادي ، لكن كنت بفري من جوّاي مثل البركان ، وانفجرت مرة وحدة ، ووصلت لقناعة إنّو ما في مبرر لوجودي ، وشفت أهدافي كإنها سراب ، ركضت وراها ولما قرّبت أوصل طارت وتبخرت.
    خليل : يا ابو زياد الدنيا ما انتهت ، وإنت بعدك قادر على استعادة نفسك ، وترجع لرشدك ووعيك ، مين داري فيك وسائل عنك وانت على هالحال ، إصحى لنفسك وتذكر ابنك زياد الطفل اليّ بحاجتك ، وطاوعني وروح معاي لبيت لحم نشوف دكتور نفساني ، الله خلق لكل داء دواء.
    ابو زياد : بدك تخلي اليّ كتب عني إني مجنون يرجع بكلامه قدام المسئولين ، ويدينهم ، والدكتور هو نفسه اليّ كتب عني التقرير وهو الوحيد في المنطقة دكتور نفسي ما في غيره ، أي والله بمسحوه عن وجه الأرض. صدقني اني مرتاح ومبسوط هيك في حالي ، وعايش في الخيال ، وهارب من هالواقع المر والأليم ، ومستمتع أكثر من أول ، بتخيل نفسي مثل ما بدي وما بتمنى ، وبمارس هوايتي بالقيادة العسكرية ، وإمامة الناس في الصلاة وإلقاء الخطب الدينية ، بنام والناس صاحية ، وبصحا والناس نايمة ، وشاعر كأنوّ العالم صار الي لوحدي ، بسرح وبمرح فيه ، وكل ما اشتقت لإبني بروح بشوفه من برّه لبرّه ، وبطمن عليه وهو بلعب في حوش نسايبي، أنا ما بقدر اعلمه واربيه مثل ما كنت اتمنى ، لكن الله بيسر إلو اولاد الحلال ، ويا ريت إنك تدير بالك عليه إذا إموّ تجوزت. هيّ طلبت الطلاق والقاضي طلقها لأني مجنون. وبيقولوا رح تجوز عن قريب.
    خليل : اسمع مني خلينا نروح لعمان في طبيب نفسي شاطر بلاش بيت لحم ، وأنا بتكفل بالمصاريف.
    ابو زياد : خلاص يا خليل ، الطلق طلع من البارودة وما عاد يرجع ، والناس كلها عارفه اني مجنون والله لو أرجع أعقل من أول الاّ يظلوا ينادوني يا مجنون، وأنا تأقلمت على هالوضع ، ومرتاح ومبسوط ، ورح أعيش طول حياتي هيك لحين الكريم ما يوخذ وداعته. بس مثل ما وصيتك ، دير بالك على زياد يا خليل ، وإذا قدرت تعلمه بتكون قدمت إلي أحسن معروف. خذها مني ، أنا ما في مني فايدة ، أنا عارف نفسي كويّس. يمكن ابني يعوض عني ويحقق أهدافي. ويا ريت إذا عندك راديو زيادة تعطيني من شان أتابع الأخبار واتعلم من البرامج ، ام زياد فلّت من الدار وما خلّت وراها إشي الاّ فراش النوم مثل ما شفت.
    خرج خليل من عند ابي زياد وهو يحمل في نفسه الألم ويكابده ، ويتحسف على كفاءة عسكرية فقدها الوطن ، وعلى رجل عاقل متزن في زمان مختل الموازين لا يتسيده العاقلون، ويفتقد للعدالة والحكمة ولم يعلم بعد ما يخبؤ له القدر. وبما ستفاجؤه به الأحداث القادمة. وكان قلبه يوجس خيفة من نوايا والده تجاه عيوش سيئة السمعة.
    كان خليل وآمنة في العطلة الصيفية للعام الدراسي المنصرم 1965-1966م يخرجان دوماً للكرم ليقضيا وقتهما فيه ، وليعيدا ويحيا ذكريات انطلاقة حبهما الآولى التي انطلقت منه ، وفي أحد الأيام وبينما كانا يتسامران بالكرم ، سمعا صوتاً ً من خلف سنسلة الكرم يقول بصوت جهوري:
    "أيها الناس ، أيها العرب ، أفيقوا من نومكم ، احذروا عدوكم ، إنه يعد العدة لغزوكم ، لا أدري كيف ستقابلونه بهذه البنادق القديمة المهترئة ، وهذا الصف المنقسم على نفسه ، وهذه الخلافات المستعرة بينكم ، توقدون نار الفتنة بينكم لتحرقكم ، عدوكم يملك الدبابات والطائرات والمدرعات الحديثة ، ويخطط ويتدرب على الحرب ليلاً ويدعو للسلم نهاراً ، وانتم تدقون طبول الحرب نهاراً جهاراً ، وتنامون ليلكم الطويل حتى محا ليلُكم نهارَكم ، تصبحون وتمسون في ظلام دامس ، فأنتم لا تعدون العدة لهذه الحرب ، جهزوا جندكم للدفاع عن أرضكم وعرضكم ، إن الأيام القادمة تنذر بخطر داهم سيحل بكم ، فخذوا حذركم ، وأعقلوا وتوكلوا ، واستعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان ، والحرب خدعة ، والمشورة واجبة ، ووحدة الموقف والهدف طريقكم الوحيد للنصر ، ولا تتفرقوا وتختلفوا فتذهب ريحكم ، فالعدو من أمامكم متربصٌ بكم ، والنهر من خلفكم ، وإن لم تستيقظوا سيقذف بكم العدو خارج النهر ، وقد أعذر من أنذر.........الخ"
    عرف خليل أن هذا هو صوت عبد المجيد المجنون يمر بجانب السنسلة المحيطة بالكرم من الطريق الملاصقة له ، فقال لآمنة: إسمعي هذا الكلام الفصيح من رجل لم ينل من العلم الاّ فك الأحرف والخط ، وكأنه أديب وشاعر مخضرم ، وخطيب مفوّه ، ويقولون عنه مجنون ، والله هم المجانين وهو العاقل ، فقفز خليل من فوق السنسلة واستدعاه ، فجاء عبد المجيد وبدا عليه الإعياء والأرق والتعب والجوع والعطش ، فأطعماه من الطعام الذي أحضراه معهما للكرم ، وقطف له خليل من التين والعنب ، وبعد أن أكل وشرب ، قال لخليل على مسامع آمنة التي بدا عليها الدهشة والتأثر لما آل اليه حال عبد المجيد وقد لبس الملابس الرثة المهترئة وكان يأكل بنهم وهو ينتفض مما كان ينم عن جوع مدقع :
    يا خليل ، بلغ أمتك نيابة عني أن اسرائيل تعد لحرب ساحقة ماحقة ، أنا اتسلل ليلاً الى داخل الحدود والناس نائمة ، وكنت اتسلل خلال خدمتي العسكرية بلباس مدني في أوقات مناوبتي الليلية وبدون علم القيادة ، وأراقب الوضع بالناظور خلال النهار ، ولاحظت مناورات واستعدادات على قدم وساق ، من حفر الخنادق وبناء السواتر ، وحركة الجند المستمرة ليلاً في تعزيزات غير عادية على خط الهدنة ، وأنا عسكري أعشق العسكرية ، وأعرف أهمية هذه المناورات وأهدافها جيداً ، وإن لم يستيقظ العرب ستحل بهم كارثة ، اللهم اشهد فقد بلغت.
    واستأذن ومضى في طريقه هائماً على وجهه في البراري. وقال خليل لآمنة بعد ذهابه: حقاً لقد صدق استاذ علم النفس الذي درسني بالمعهد عندما قال : "ما بين العقل والجنون شعرة". إنه يقول كلاماً في غاية العقل والمنطق والحكمة ، بينما هو في نظر الناس فاقدٌ للعقل والمنطق ، وصدَّق هو الناس في ذلك ، ولبس ثوب الجنون الذي فصله الناس له ، وأنا أؤيد الناس أنه مجنون في أمر واحد فقط وأختلف معهم فيما عداه ، وهو من خلال مقولة مشهورة "خذ الحكمة من أفواه المجانين" هنا أعتبره مجنوناً وأقر بأن ما قاله حكمة يجب الأخذ بها على محمل الجد ، واتفق مع الناس في تقييمهم له من هذا الباب وهذه المقولة الصادقة. واستطرد خليل وقال لآمنة: لي عندك رجاء يا آمنة ، الطبخة التي تشبع الإثنين تكفي لقوت ثلاثة ، من الآن فصاعداً إحسبي حساب عبد المجيد في كل طبخة وأكلة ووجبة مهما تكون ، وسآوصلها له بنفسي.
    فردت آمنة : أبشر بما قلت يا خليل ولم يكن هنالك داعياً للرجاء في عمل الخير، كانت الفكرة تجول في خاطري ، وبعثت بها الى لساني ليطلقها ، ولكنك سبقتني الى الإعلان عنها والى فعل الخير.
    فقال لها خليل : الخير فيك دائماً يا أطيب آمنة ويا خير زوجة. وللقصة بقية في الجزء التالي.
    بقلم أحمد ابراهيم الحاج
    5/1/2010م
    اياد النمراوي
    اياد النمراوي

    { مشرف }


    آمنة وخليل/الجزء الثالث  والعشرون Stars15


    الجنس : ذكر
    البرج : الجدي
    عدد المشاركات : 2028
    العمر : 46
    البلد : الاردن
    نقاط النشاط : 982
    الاعجاب : 7
    المهنة : آمنة وخليل/الجزء الثالث  والعشرون Accoun10
    الدوله : فلسطين

    البطاقة الشخصية
    my sms:

    آمنة وخليل/الجزء الثالث  والعشرون Empty رد: آمنة وخليل/الجزء الثالث والعشرون

    مُساهمة من طرف اياد النمراوي الأربعاء 23 مارس 2011 - 11:50

    مشكور لهذا الجزء ومشكور ايضا لذكر ابو زياد حيث اتذكره وانا صغير حيث كان الاولاد يلاحقونه في منطقة واد الزيتون وكانوا يسيئون اليه وينادونه بكلمات جارحة

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين 13 مايو 2024 - 2:04