الـــرضــــــــــــى , تاج القلوب
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله والصلاة والسلام الاتمان الاكملان على المصطفى الهادي الامين, اما بعد:
إن الحديث عن الرضى حديث يبعث على الفرح والسرور , حديث يبدد الهموم والغموم , حديث يبعث في النفس سكينتها , من فقده فإنه لا يذوق للحياة طعماً , حياته سواد ممتد وظلام متصل , وليل حالك لا يعقبه نهار .
أن تعيش في هذه الحياة حلوها ومرها . راض عن الله وراض عن نفسك , راض بما قسم الله لك من أرزاق , راض بما قدر الله عليك من أقدار . تقدم رضى الله على رضى كل من سواه .
دعونا نسائل أنفسنا : هل امتلأت قلوبنا رضى بالله ؟ ما موقع الرضى من حياتنا وواقعنا ؟؟
إن الرضى منةٌ من الله يمنُّ بها على من يشاء من عباده . إنها نعمة لا تنال بمال ولا جاه ولا عتاد . ولكن طريقها هو الإيمان بالله والعمل الصالح وكلما كان الإنسان أكثر إيماناً , كلما كان أكثر رضى بالله واطمئناناً . وفي ذلك يقول تعالى . (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى) (طـه:130) .
فلا طريق إلى الرضى إلا بالتسبيح والعبادة لله سبحانه .
ومما يبين لنا منزلة الرضى . أن الله تبارك وتعالى امتن على نبيه ووعده أن يعطيه حتى يبلغ منزلة الرضى . قال تعالى . ( وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) (الضحى:5) .
وكم نوه سبحانه وتعالى عن رضى عباده به في آيات كثيرة كما في قوله تعالى . (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ)(البينة: من الآية8).
وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤكد لنا طعم الإيمان :
" ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً , وبالإسلام دينا وبمحمد رسولاً ".رواه مسلم .
قال بعض السلف : من وهب له الرضى فقد بلغ أفضل الدرجات .
وقال بعضهم : إن أنت رضيت مهما أعطيت خف الحساب عليك فيما أوتيت .
وقال ابن مسعود رضي الله عنه :" إن الله تبارك وتعالى بقسطه وحلمه جعل الروح والفرح في اليقين والرضا . وجعل الهم والحزن في الشك والسخط ".
إن الذي يفقد الرضى إنسان دائم الحزن , دائم الكآبة , وضيق الصدر , وضيق الحياة , ضيق بالناس , ضيق بنفسه , ولهذا فهو في مأتم مستمر يبكي دائماً حظه , وينعى نفسه ,و ينوح على دنياه .
إن شعور الإنسان بالرضا من أول أسباب السكينة النفسية التي هي سر السعادة . وفي الحديث :" من سعادة المرء استخارته ربه , ورضاه بما قضى , ومن شقاء المرء تركه الاستخارة , وعدم رضاه بعد القضاء ".
إن مما يسخط الناس على أنفسهم وعلى حياتهم . ويحرمهم لذة الرضا
إن المؤمن وحده يعيش سعادة عامرة لأنه راض عن نفسه عن وجوده ومكانه في الكون لأنه يعلم أنه ليس ذرة ضائعة , ولا شيئاً تافهاً . بل هو نفخة من روح الله وهو كذلك راض عن الله . لأنه آمن به وأيقن بعدله ورحمته . واطمأن إلى علمه وحكمته , أحاط بكل شيء علماً . وأحصى كل شيء عدداً , ووسع كل شيء رحمة . لم يخلق شيئاً لهوا . ولم يترك شيئا سدى . نعمه عليه لا تعد . وفضله عليه لا يحد . فما به من نعمة فمن الله . وما أصابه من سيئة من نفسه .
إن المؤمن وحده . موقن تمام اليقين . أن تدبير الله له أفضل من تدبيره لنفسه . ورحمته تعالى به أعظم من رحمة أبويه به . فالخير بيديه , والشر ليس إليه .
أنهم قليلوا الإحساس بما يتمتعون به من نعم غامرة , ربما فقد قيمتها بإلفها , أو بسهولة الحصول عليها . وهم يقولون دائماً : ينقصنا كذا . ونريد كذا و كذا .
ولكن المؤمن يستشعر نعمة الله عليه في كل شيء حوله .
يستشعر نعمة الله عليه منذ أن كان في بطن أمه جنينا . فجعل له قراراً مكين وهيأ له فيه أسباب الغذاء والدفء والتنفس . قال تعالى .
(أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ *فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ * فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ ) .
وصدق الله إذ يقول . (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا )(ابراهيم: من الآية34).
ألا وإن من أجل النعم وأزكاها . نعمة الإيمان , نعمة الهداية :قال تعالى:
(... وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ، فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (الحجرات:7-8) .
فإذا ما علم أن الربا حرام فرّ منه فراره من الأسد . وإذا نظر إلى الفتن التي تأتي بها الدشوش كان على أشد الحذر منها وحمى منها بيته وأسرته ، وقل مثله في الإنتر نت. فحكم الله فوق كل شيء ،قال تعالى:
(فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (النساء:65) ،
وقال جل وعلى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ )(الأحزاب: من الآية36) .
هذا هو المؤمن حقاً ، الذي رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً .
فهل تحقق فينا هذا الرضى ؟ !!! .
والمؤمن كما يغمره الشعور بنعمة الله عليه في كل حين لا يفقد هذا الشعور وإن أصابته البأساء والضراء . فإنه كذلك راضٍ بما حكم الله ورسوله . راضٍ بشريعة الله وما جاء فيها من أوامر ونواهي .
ديدنه أن يقول : " سمعنا وأطعنا " يستجيب لأمر الله ، وإن خالف الحق هواه ، يستجيب لأمر الله وإن غضب من غضب ، ورضي من رضي .
والمؤمن كذلك راضٍ بما قدر الله عليه ، من خير وشر . إيماناً بأن الله تعالى لا يفعل شيئاً عبثاً وأنه سبحانه أرحم بعباده من الوالدة بولدها .
إنه يعلم يقيناً أن ما أصابه من مصيبة فبإذن الله . وأنه ما يقضي الله بعبده قضاءً إلا كان خيراً له , وأن من صفاته عز وجل . أنه يقدر ويلطف , ويبتلي ويخفف . ومن ظن انفكاك لطفه عن قدره , فذلك لقصور نظره .
(إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)(يوسف: من الآية100)
وعرف من لطف الله . أن هذه الشدائد دروس قيمة لأصحابها . وتجارب نافعة لدينهم ودنياهم . تنضج نفوسهم وتصقل إيمانهم .
قال جل وعلى: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(البقرة: من الآية216)؛
ولذا كان السلف الصالح رحمة الله عليهم تنزل بهم المصيبة . وتفاجئهم الفاجعة فلا يزيدهم ذلك إلا ثباتاً واطمئناناً . ورضى بالله واستسلاما.
والمؤمن كذلك ..
راض بما قسم الله له من رزق : وما قدر له من مواهب فهو يعلم عدل الله فيما قسم . وحكمته فيما قضى . فيعيش راض مطمئناً . قال الحسن رحمه الله :" من رضي بما قسم الله له وسعه وبارك الله له فيه , ومن لم يرض لم يسعه ولم يبارك له ".
وجاء في الحديث :" إذا أراد الله بعبده خيراً أرضاه بما قسم له وبارك له فيه , وإذا لم يرد به خيراً لم يرضه بما قسم له ولم يبارك له فيه ".
إن الرضى بما قسم الله يورث عند الإنسان القناعة فلا يعيش متمنياً مالا يتيسر له . ولا متطلعاً إلى ما وهب لغيره ولم يوهب له .وقديماً قالوا : القناعة كنز لا يفنى . وقال أحد السلف : من قنع بما هو فيه قرت عينه .
إن صاحب القناعة إذا تمكنت من نفسه . نظر إلى هذه الدنيا بزينتها وزخارفها نظرة محتقر لها . إنه يخوض المعارك . صلب العود , ثابت القدم , لأنه يعلم من نفسه أن القليل من الطعام يكفيه , فلم يعد يبالي أو يخاف .
وقبل أن نختم حديثنا عن الرضى نؤكد :
أن رضا الإنسان عن الله . ورضاه بأقدار الله . لا يعني أبداً الرضى بكل ما يقع في المجتمعات من فساد وانحراف .
إن رضى الإنسان عن السيارات وركوبها . ليس معناه الرضا عما تسببه من حوادث .
بيد أن كثير من الناس : ظلموا كلمة القناعة فحسبوها الرضا بالدون . والحياة الهون . وضعف الهمة عند طلب معالي الأمور وإماتة رغبة الطموح إلى المعالي . وهذا كله خطأ واضح وفهم بليد . بل إن القناعة مصدر قوة لأصحابها .
فالمؤمن كذلك راض عن نظام الكون . سا خط على انحراف الإنسان . وهذا السخط على الشذوذ والانحراف البشري سخط يرضاه الله بل ويأمر به . ويتوعد المهونين والساكتين عنه بالعذاب الشديد .
إن الإنسان في الحياة يعيش بين هموم كثيرة . وهو في حيرة دائمة . فإذا قدم رضي الله انقشعت عنه تلك الهموم والغموم . فلديه غاية واحدة أن يرضي الله أولا . رضي من رضي وسخط من سخط . ذلك أن رضا الناس غاية لا تدرك .
لكن المؤمن الرضي الذي يسعى لرضوان الله . يأنس برضى الناس ولا يتأثر إن سخطوا ؛ لأن غايته رضى الله .
وقد بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم حقيقة لا تتغير ولا تتبدل إذ يقول :
"من أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس , ومن أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس ". أو كما قال عليه الصلاة والسلام .
فعلينا أن نتحلى بهذا الخلق العظيم , وأن نكون راضين عن الله , راضين بحكم الله , راضين بما قسم الله . راضين بما قدر الله , نسعى إلى رضوان الله .
قال تعالى:
(يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم , الذي خلقك فسواك فعدلك , في أي صورة ما شاء ركبك) . صدق الله العظيم.
إن من بديع صنع الله في مخلوقاته , ما يستنطق الأفواه بالله ، ويملأ القلوب إجلالا من معرفته حكمته وقدرته , وما به يعلم العاقل أنه لم يخلق عبثاً , ولم يترك سداً فلله في خلقه حكمة باهرة , وآية ظاهرة , وبرهان قاطع يدل على أنه المنفرد بكل كمال , وأنه على كل شيء قدير .
إن ما ذكر من عجائب خلق الإنسان ما هو إلا نزر يسير وشيء قليل مما أودعه الله في جسم الإنسان من عجائب خلقه , وبديع صنعه , وعظيم حكمته .
هذا في الإنسان وحده , فكيف لو تأملنا عجائب خلقه في سمواته وأرضه , وبره وبحره , وجميع مخلوقاته .
فيا أيها العبد المسكين:- تذكر عظمة الله . وقدرة الله , تذكر نعمته عليك , ليلاً ونهاراً , سراً وجهاراً .
ولتعلم أن طريق الرضى الإيمان والعمل الصالح .
(فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى) (طـه:130) .
الــخِـتــام
لا إله إلا الله رب العرش العظيم ، لا إله إلا الله رب السموات وربالأرض رب العرش الكريم
اللهم لا تـجـعل الدنيا أكبر همنـا و لا مبلغ عـلمنــا .. *
اللهم اجـعـل خير عمرنــا آخـره .. وخـير عملـنا خواتيــمه .. وخـير أيامنــا يوم نـــلقاك
ولا تنسونا من الدعاء أحبائي
أخوكم في الاسلام : رأفت خمايسة
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 - 20:54 من طرف جنى ميرو
» صيانة سخانات في دبي 0543747022 emiratefix.com
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 - 19:53 من طرف جنى ميرو
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في عجمان 0543747022
السبت 16 نوفمبر 2024 - 23:43 من طرف جنى ميرو
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في عجمان 0543747022
السبت 16 نوفمبر 2024 - 23:11 من طرف جنى ميرو
» تصليح أفران في دبي 0543747022 emiratefix.com
السبت 16 نوفمبر 2024 - 22:15 من طرف جنى ميرو
» تصليح أفران في دبي 0543747022 emiratefix.com
السبت 16 نوفمبر 2024 - 22:11 من طرف جنى ميرو
» تصليح ثلاجات في دبي emiratefix.com 0543747022
السبت 16 نوفمبر 2024 - 0:11 من طرف جنى ميرو
» تصليح سخانات في دبي - 0543747022 (الشمسية و المركزية) emiratefix.com
الجمعة 15 نوفمبر 2024 - 20:33 من طرف جنى ميرو
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في الشارقة 0543747022
الأربعاء 13 نوفمبر 2024 - 21:30 من طرف جنى ميرو
» اداة ذكاء اصطناعي للباحثين وطلاب الدراسات العليا
الجمعة 26 أبريل 2024 - 11:23 من طرف Abd