عملة منهارة ..بلد منهار

عِمْلةٌ مُنهارة ، بلدٌ مُنهار
ترجمة أحمد ابراهيم الحاج
....................................
في 2 نوفمبر 2007 كتب الكاتب الأمريكي Patrick Buchanan في جريدة Creator Syndicate مقالة بعنوان عملة منهارة ، بلد منهار Sinking Currency , Sinking Countryجاء فيها:
اليورو كان يعادل 83 سنتاً في بداية سنوات ولاية جورج دبليو بوش ، وهو الآن يعادل 1,45 دولار،
الجنيه البريطاني ارتفع ليصل فوق مستوى 2 دولار وهو أعلى سعر يصل اليه منذ ولاية كارتر ،
الدولار الكندي كان يعادل 65 سنتاً وهو الآن وللمرة الآولى يرتفع فيه عن مستوى الدولار الأمريكي في نصف قرن ،
سعر برميل النفط اليوم فوق 90 دولار ، والذهب الذي انخفض لأدنى مستوى 260 دولار للاونصة وصل سعرها اليوم الى مستوى 800 دولار.
هل السبب أن الذهب والفضة والنفط واليورو والجنيه الاسترليني والدولار الكندي جميعها ارتفعت فجأة في السنوات القليلة الماضية؟؟ طبعاً الجواب "لا"
إن الدولار قد هبط سريعاً وعمودياً في قيمته في عهد بوش مقارنة بأي فترة من فترات الولايات المتحدة. في الحقيقة إن بوش ترأس حملة مقاطعة عالمية للدولار الأمريكي. وكل ذلك يعود لأخطائه .
لقد انخفض الدولار لأن أمريكا تعيش حالياً بكلفة معيشية أعلى من ايراداتها. إنها تستدين 2 بليون دولار يومياً من الأمم الأجنبية للحفاظ على مستوى معيشتها ، ولتغذي امبراطوريتها.
إن العامل الأساس في موت الدولار هو العجز الخطير في الميزان التجاري للولايات المتحدة والذي بلغ 5 تريليون دولار في مجموعه منذ اقرار قانون NAFTA- - North America Free Trade Agreement (اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية) وأيجاد منظمة التجارة العالمية سنة 1994.
في عام 2006 كان العجز التجاري الأمريكي يساوي 764 بليون دولار زائداً قيمة الفوائد المدفوعة على الودائع الأجنبية ، وعوائد الأسهم ، وعوائد رأس المال ، والمساعدات الخارجية للأمم الأجنبية وصلت كلها في مجموعها الى 857 بليون دولار والتي تعادل 6.5% من GDP (إجمالي الناتج المحلي) Gross Domestic Product وكما كتب بعضنا منذ سنوات بأن هذه العجوزات لا تعزز الإقتصاد الأمريكي وسوف تقود الى انحدار الدولار.
انهيار الدولار يعني أمّة أفقر، وانهيار العملة تعني تاريخياً دلالة وإشارة على انهيار البلد ، وأن القوة العظمى والعملة المنهارة يمثلان ويعنيان علاقة متناقضة.
ماذا يعني ذلك لأمريكا والأمريكيين؟
حيث أن الأمم تعرف جيداً ويقيناً أن استيفائها لقيمة البضائع والسلع التي تبيعها وتصدرها بالدولار الأمريكي لا تستطيع بهذا الثمن المقبوض بالدولار أن تشتري احتياجاتها وتستوردها من الأسواق العالمية الأخرى، لذا فإنهم سيطلبون سعراً أعلى ثمناً لبضائعهم من الدولارات الأمريكية. إن ذلك يعني إرتفاعاً بأسعار الواردات التي كانت تعتمد عليها الولايات المتحدة بشكل أساسي منذ قبل الحرب الأهلية.
السواح الأمريكيون الذين يسافرون إلى الأقطار التي هاجر منها أسلافهم سوف يجدون أن مدخراتهم لا تكفي لما يخططون له ويعتقدونه من تكاليف السياحة في تلك الأقطار.
الجنود الأمريكيون في القواعد المنتشرة في العالم سوف يجدون أن أجور وتكلفة السكن ، والمحروقات ، والمواد الغذائية ، والملابس والمطاعم تزيد وتزيد عن حدود طاقاتهم المالية. وإن الشعوب التي تقدم للجنود هذه الخدمات والمنتجات مقابل حمايتها سوف يطلبون أكثر وأكثر من الدولارات مقابل عملاتهم.
البعثات الدبلوماسية الأمريكية في الدول الأجنبية ، والطلاب الدارسون في الخارج ، ورجال الأعمال سوف يواجهون أصعب الأوقات في معيشتهم خارج البلاد.
المساعات الأمريكية للأمم الأجنبية سوف لن تذهب في الطريق الصحيح الذي تهدف من وراء تقديمها اليهم أمريكا ، وهنالك عنصر كوميدي أن ترى الولايات المتحدة تذهب لبكين لتقترض الدولارات ، ولتجعل أجيالنا القادمة مدينة ، من أجل أن ترسل مساعدات أكثر الى طاغية أو ديكتاتور في أفريقيا والذي يصوت روتينياً مع الصين في الأمم المتحدة.
إن الصينين الذين ترتبط عملتهم بالدولار واليابانيين الذين يستمرون بنفس النهج ، سوف يعملون بقدر الإمكان أن تبقى عملتهم أقل سعراً من الدولار . وذلك تخطيط آسيوي لهدف استراتيجي وطويل المدى.
لقد نمت الصين بنسبة 10% سنوياً على مدار عقدين فائتين ، والآن ارتفعت نسبة النمو الى 12% - وهي تطمح الى الإستفادة من انخفاض قيمة الدولارات التي تحتفظ بها بالإبقاء على (التكنولوجيا والمصانع والوظائف) الأمريكية من صادراتها هي لتستولي على الأسواق الأمريكية من قبضة المنتجين والمصنعين الأمريكيين.
وكذلك اليابانيون سوف يستفيدون من الإنخفاض في قيمة الدولارات التي يحتفظون بها ليخفضوا من استيراد السيارات الأمريكية (كرايسلر ، فورد ، جي إم) ، وللاستيلاء على الأسواق الأمريكية من احتياجاتها بصناعة التلفزيونات والكاميرات والكمبيوتر والرقائق الإلكترونية
لقد فهم الآسيويون أن المهم ليس من يأكل ويستهلك التفاح ، إنما المهم من يملك البستان.
الأمم الأخرى التي تحتفظ باحتياطاتها من سندات الخزينة الأمريكية تراقب انهيار قيمة تلك الإحتياطات ، إنهم ليسوا مغفلين ، سوف يبدؤون بقدر المستطاع وكثير منهم بدأ وفعل ، وحرر احتياطاته من الدولار ونوع منها بالإحتفاظ بقليل من الدولارات وكثير من اليورو والين. وكلما تستمر الأمم الأخرى بمقاطعة الدولار سوف يستمر انحداره وانهياره.
الأمم المنتجة والمصدرة للنفط ، والتي لديها فائض تجاري ، مثل الصين بدأت تخبيء الدولار وتضخه في استثمارات مفيدة واستغلت هذا الكم الهائل من الدولارات بشرائها عقارات في الولايات المتحدة ودخولها في سوق الإستثمار الأمريكي خاصة في قطاع البنوك والشركات الأمريكية العملاقة.
لا يبدو نهاية في المنظور الى الأفق ما يؤشر الى وقف انهيار الدولار ، حيث أن الأمم الأجنبية تطلب سعراً أعلى بالدولار مقابل النفط والبضائع المستوردة داخل أمريكا. لذلك لن يتوقف أو يهبط العجز التجاري الأمريكي. وطالما أن حكومة الولايات المتحدة تطبع المزيد من الدولارات لتغطي العجز في الميزانية المترهلة تحت ضغط التزامات التقاعد والإلتزامات الأخرى والى نهاية الأفق ستستمر قيمة الدولار بالإنخفاض. وطالما أن Ben Bernanke على رأس فيدرالية الإحتياطي الأمريكي يحاول الإحتفاظ بسعر فائدة منخفض على الدولار ليحفظ الإقتصاد الأمريكي من الفرقعة والإنهيار سوف تستمر قيمة الدولار بالإنهيار.
إن فراخ التجارة الحرة رجعت جاثية في مهجع الدجاج (خم الدجاج) بالعربي. وهذا مثل أمريكي معناه "إن سوابق أعمالك تعود عليك بالنتائج" The consequences of earlier actions are making themselves felt

ترجمة أحمد ابراهيم الحاج
6 نوفمبر 2007