آمنة وخليل
الجزء العشرون
........................
في بداية العام الدراسي 1965 – 1966م ، التحق خليل بعمله مدرساً لمادة الرياضيات للصف الأول ثانوي بالمدرسة الإبراهيمية بالخليل بعد أن داوم اسبوعين بمدرسة دورا ثم نقل الى المدرسة الإبراهيمية التي أصبحت كلها مجمعاًً للصف الأول ثانوي لمعظم قرى الخليل وألغيت منها الصفوف الأخرى، وتأخرت موافقة وكالة الغوث على طلب آمنة ، فالتحقت بمدرسة ترقوميا الحكومية للبنات لتعمل مدرسة لمادة اللغة الإنجليزية للمرحلة الإبتدائية العليا في انتظار موافقة الوكالة على طلبها، وصارا يلتقيان صباحاً في ذهابهما للعمل بالباص ، وأحياناً يلتقيان مساءً إياباً في عودتهما للقرية. وكانا يجلسان في كرسي واحد إن سنحت الفرصة لهما وذلك بعدم قدوم ركاب كبار بالسن أو نساء مما كان يستدعي وقوف خليل بوسط الباص ، وذلك خلافاً للزمن السابق ، وكان هذا مستغرباً من أهل القرية ، ومثيراً للتساؤل ، إذ كيف يلتقي الخطيبان ويتحدثان عن قرب قبل إتمام حفل الزفاف؟ فقد تعود الناس على عدم اختلاط الخطيب بخطيبته والحديث اليها قبل إقامة حفل الزواج والدخول ، فقد كان الخطيب يسهر مع أهل خطيبته دون أن يراها أو يتحدث اليها ، وأثار ذلك رغبة وثورة في نفوس شباب القرية وفتياتها في التمرد على العادات والتقاليد التي تمنع الخطيبين من التحدث في أمور مستقبلهما والتفاهم وتبادل وجهات النظر. وصارت تحدث الخروقات والمخالفات لأعراف وتقاليد أهل القرية ، في حين أنها من المباحات في نظر الشرع وخاصة بعد عقد القران الذي يمثل الحد الفاصل بين منطقتين. منطقة الحرام ومنطقة الحلال.
أخذت الأوضاع السياسية ترتفع حرارتها في المنطقة بالتسخين البطيء ، واشتدت الحرب الباردة بين القطبين (الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي) ، وكانت المنطقة العربية من أشد المناطق سخونة ، وملعباً صاخباً للصراع بينهما ، ويبدو أن الحالة أصبحت على عتبة الغليان ، فالنظام العربي الرسمي كان يعيش ظاهرياً في حالة حرب كلامية وإعلامية وتوعد لإسرائيل بالهزيمة والإندحار بالرغم من حالة عدم الإستقرار السياسي ، انقلابات ناجحة هنا ومحاولات انقلاب فاشلة وئدت في مهدها هناك ، وخلافات مستعرة بين معسكر التقدميين من الأنظمة الجماهيرية وبين معسكر الرجعيين من الأنظمة الملكية كما اصطلح عليه في ذلك الوقت، ووعود بالتحرير من كل قيادة قادمة ، وكان النظام العربي مكشوفاً في نواياه وفي تحضيراته للمعركة الفاصلة ، مثله كمثل الإنسان الذي يحلم بالنصر والتحرير وهو نائم ويصرح بما يحلم به بصوت مرتفع وواضح ، يسمعه ويفهمه من يحيطون به. وكانت اسرائيل تعيش أزمة اقتصادية حادة في ذلك العام ، وذلك بعد تكاليف التأسيس لكيانها وخاصة التكاليف الأمنية الباهظة لكيان ناشيء صغير المساحة والحجم وقليل الكثافة ونشأ من حالة انعدامٍ للوزن ، وسط هذا البحر الهائج المائج من الأعداء للحفاظ على تفوق قوته على جيرانه أجمع ، حيث كانت تعتمد كلياً على اوروبا العجوز وبالأخص بريطانيا المتهالكة وفرنسا المترنحة ، واللتان كانتا خارجتين من هزيمة إقتصادية بعد الحرب العالمية الثانية ، وبنصر عسكري اقترضتاه من الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تنتظر سداد هذا الدين ، وذلك ببسط نفوذها على أملاك الإمبراطوريات الآوروبية المنهارة في وراثة شرعية لبني جلدتهم ، ولم تدخل اسرائيل بعد ساحة الإمبراطورية الجديدة الناشئة بشكل مؤثر وفعال ، ولكون اسرائيل دولة وظيفية طفيلية ، كان لا بد لها من البحث عن عائل قوي تقدم له خدماتها مقابل إعالته ورعايته لها ، حيث أصبح العائل الأوروبي قاصراً عن مهام إعالتها المكلفة. فاتجهت الأنظار الى الوريث الشرعي للإمبراطوريات الآوروبية ، ولاحظت اسرائيل المد الشعبي والزخم المعنوي الذي كانت تتمتع به القيادة المصرية الجديدة ، خاصة بعد فشل العدوان الثلاثي على مصر سياسياً ، وصارت القيادة المصرية تحاصرها سياسياً في القرن الأفريقي وفي منظومة دول عدم الإنحياز وفي المحيط العربي والإسلامي الذي يلتف حولها ، وحدثت هجرة اسرائيلية معاكسة من الداخل الى الخارج نظراً للكساد الإقتصادي ، وقلة الأيدي العاملة في مشاريع التنمية بسبب تكدس القوى العاملة الإسرائيلية في مؤسسات الجيش والأمن والمخابرات والبحث العلمي وفي مؤسسات الدولة. وأحست اسرائيل بتعثر في مشروعها الصهيوني الذي يطمح ببناء دولة اسرائيل الكبرى من النيل الى الفرات ، وبدأت تبحث عن مخرج لأزماتها الإقتصادية والسياسية والديمغرافية ، وتطلعت للدخول الى القطب الأقوى في العالم ليكون عائلها بعد أن كان تركيز أول رئيس حكومة لها ديفيد بنجوريون على اوروبا واقتناعه بحدود الدولة الحالية وتطلعه لعقد اتفاقات سلام مع العرب وخاصة مع مصر. فرأت قيادتها الجديدة برئاسة ليفي اشكول والتي تناغمت مع الطموح الصهيوني للمهاجرين الجدد من اوروبا والإتحاد السوفييتي أن تبحث عن ضالتها في الولايات المتحدة الأمريكية لتحقيق مشروعها العملاق. وكان لا بد لإسرائيل أن تصدر أزمتها وترمي بها على أعدائها في محيطها لتشغلهم عنها ، ومن ناحية أخرى لا بد لها من تقديم أوراق اعتمادها لعائلها المنتظر الجديد والذي كان يواجه المد القومي الثوري العربي متمثلاً في مشروع عبد الناصر الوحدوي والتنموي واستغلال موارد الأمة في تنميتها وتحرير المحتل من شعوبها وأراضيها. وعلى جانب آخر كانت قضية المياه تؤرق اسرائيل وقادتها وكان لزاماً عليها توفير المخزون الإستراتيجي لها من المنطقة المحيطة بها ، وخاصة ما تبقى من فلسطين ومن سوريا ولبنان حيث كان ليفي اشكول يعتببر المياه كالدم. وعين موشيه ديان المعروف بتطرفه وزيراً للدفاع في حكومة اشكول للبحث عن حدود طبيعية آمنة لهذا الكيان المحاط ببحر يعج بالأعداء المفترسين لهذا الحمل الوديع ، كما صوروا ذلك للعالم بمنظومتهم الإعلامية المضللة. كما كان ظهور التنظيم الفلسطيني المسلح الجديد وهو حركة فتح وعمليات قوات العاصفة التابعة لها بمثابة ناقوس الخطر الذي يدق على رؤوس قادتها ، حيث قام منذ انطلاقته بأكثر من مئة عملية تفجير داخل اسرائيل ، لذلك كان لا بد من وأده والقضاء عليه لكي لا تقوم للشعب الفلسطيني والهوية الفلسطينية قائمة. وكان التقارب العراقي المصري والإنقلاب السوري على حكومة الإنفصال يسبب قلقاً شديداً ومؤرقاً لإسرائيل. من هنا كانت المؤشرات والإرهاصات تنذر بأحداث مزلزلة وخطيرة ستحل بالمنطقة. وكان النظام العربي الرسمي غافلاً عما تدبر له اسرائيل من مكائد ومزالق. حيث كانت المياه الملوثة بالحقد الصهيوني تجري من تحته وهو نائم في بحر لجي من الخلافات والتناقضات والأحلام الليلية المكشوفة وأحلام اليقظة السافرة بتحرير فلسطين. وهذه الأسباب مجتمعة كانت كفيلة ومنذرة بنشوب حرب توسعية من وجهة النظر الإسرائيلية وأطماعها التوسعية في المنطقة.
وفي الرابع عشر من نيسان عام 1966م ، وجهت للقومية العربية طعنة شديدة وذلك بمقتل الرئيس العراقي عبد السلام عارف بعد زيارة له للبصرة ، وذلك بتحطم المروحية السوفيتية الصنع والتي كان سيعود فيها الى بغداد ، حيث قفز منها عندما شعر بالخطر ،وفي نيته أن يسقط بماء النهر ، لكن رأسه ارتطم بحافة اليابسة ، وكسرت جمجمته وفارق الحياة ، ووفدت للعراق لجنة من الخبراء السوفيت بعد الحادثة ، وخرجت بتقرير يؤيد سلامة الطائرة ويوحي بمؤامرة مدبرة. وفجع العالم العربي بموت هذا الرئيس الوطني العروبي والعسكري الشجاع المحنك ، والذي كان يدعو لإنشاء قيادة أركان عربية موحدة للجيوش العربية لردع اسرائيل ، والى تقارب عربي ويقود محادثات وحدة مع مصر وتقارب مع سوريا. وتم تنصيب شقيقه الأكبر عبدالرحمن عارف رئيساً للبلاد خلفاً له ، ذلك الرجل المسالم الطيب وكأنها كانت خطوة لإبعاد الشك عن عنصر المؤامرة وعن المتآمرين على حياة الرئيس ، وانطوى الملف دون الوصول الى الحقيقة كما درجت العادة في كل الأنظمة العربية التي لا تحتفظ بسجل توثيقي لتاريخ الأمة يسجل أحداثها ويتم الإفراج عنه في وقت لاحق كما هو معمول به بالدول الأخرى ، وتوالت الأحداث ، وتواترت الإشتباكات العربية الإسرائيلية على الجبهات العربية وخطوط التماس وخاصة على الجبهة السورية ، حيث كانت اسرائيل تقوم باستفزازات وخروقات متعمدة للأراضي السورية بوجه سافر ، وعلى الجبهة الأردنية والجبهة المصرية على استحياء ، وذلك في إطار عملية تحرش وتسخين مقصودة ، متذرعة بتأييد سوريا للعمليات الفدائية التي كانت تقوم بها قوات العاصفة التابعة لفتح والتي كانت تنطلق من الحدود السورية ، وبدا وكأن المنطقة تلتهب وتفور على صفيخ ساخن تشتعل من تحته النيران. وكان العرب لا يدركون دواعي هذه النيران التي تنفخ فيها اسرائيل وتزيد من سخونتها ولهيبها لتهيئتها لأمر قادم خطير تخطط وتعد له، بينما كانت في إعلامها وتصريحات مسئوليها تدعو للسلام والتعايش مع العرب الذين يريدون محوها عن الوجود.
انتهى العام الدراسي وبدأت العطلة الصيفية ، وبدأت معها التحضيرات للعرس الذي طالما انتظره الحبيبان بفارغ الصبر ، وتم تحديد موعده في الخامس من يونيو (حزيران) 1966م ، وكان خليل قد رمم السقيفة التي شهدت طفولة آمنة (الطفلة المهجرة) والتي اعتكف بها بعد عودته للمدرسة مقتفياً أثر الحبيبة ، وحولها الى صالة للجلوس نظراً لبرودتها صيفاً ودفئها شتاءً لتكون مسرحاً وملعباً للذكريات ، وبنى بالتعاون مع أهله غرفة ومطبخ وحمام من الباطون بجانب السقيفة لتكون عش الزوجية الأول. وتداولت العائلتان في مراسيم العرس ، حيث دعا ابو سليم ثلة من أقاربه ليحضروا عرس ابنته ، وقال لأبي خليل :
إن من عاداتنا أن يخرج أهل العروس في زفتها ويرافقونها لبيت العريس لكي لا تشعر بالغربة في ليلة فرحها ، ويشاركون في فرحتهما ويحتفلون بهما معاً ليلة العرس، فكما يريد أهل العريس الفرحة بابنهم ليلة العرس فأهل العروس كذلك ، لأن الفرحة للإثنين وللعائلتين معاً ، ونحن نؤدي واجب النقوط لإبنتنا في بيتها التي ستخرج اليه لتعيش فيه مع زوجها ، وكان ابو سليم يعرف أن عادات القرية مختلفة ، وما زالت على النمط التراثي القديم ، فلا يخرج مع العروس الاّ أمها ، ويقوم أهلها بنقوطها ووداعها قبل خروجها من بيت والدها ، حيث يستلمها أهل العريس من بيت والدها ليوصلوها الى بيت الزوجية ترافقها أمها فقط ، وفي أحيانٍ كثيرة لا يرافقها أحد وذلك عند وقوع مشكلة بين الأصهار يوم العرس ، وتصبح أسيرة لأهل العريس ، وكأنها مختطفة من قبلهم ، ومقبلة على عملية اغتصاب في خطوة انتقامية من أهلها نتيجة لتراكمات خلافات منشؤها العادات والتقاليد. حيث يضمرون مشاعر الإنتقام ويراكمونها ويظهرونها فجأة بعد تسلمهم العروس. ثم ينسحب الرجال بعد وصول العروس لعش الزوجية ، وتقيم النساء من أهل العريس حفلة العرس ليلاً بحضور العريس فقط ، وتكون حفلة الرجال قد سبقت على غداء من المناسف في ظهر يوم العرس يؤدون فيه واجب النقوط للعريس. وهنا تدخل ابو خليل وعاد الى طبعه وكرمه الحاتمي وقال:
يا سيدي يا ميت اهلا وسهلا فيكو ، من ملفاكو لملقاكو والعين ترعاكو والقلب يهواكو ،ما دام هيك أنا بعمل لأهل البلد ولجماعتي ومعازيمي غدا على الظهر ، ولما تيجوا مع بنتكم بعمل الكم ولنسوانكم عشا ، والله يحييك ويحيي ضيوفك معاك ، وأمانة عليك قد ما تقدر اعزم من قرايبك وأهلك ومعارفك ، فقال له ابو سليم : والله ما في داعي للعشا يا ابو خليل تكاليف زيادة خليها للعرسان أبدى فيها ، فرد عليه : طيب توكل على الله ، بصير خير. واستطرد ابو خليل يقول :
وطبعاً إحنا عاداتنا بنعمل سامر وتعليلة بساحة البلد قبل العرس باسبوع ، ودارنا بتكون مفتوحة للنسوان من شان يفرحن ويهيصن ويعملن حفلتهن ، وتفضل إنت ومعازيمك من الرجال على السامر في ساحة البلد ، والنسوان من تلاكم يتفضلن على الدار ، وخبرهم من اليوم حتى يتعللوا معانا ويشاركونا بالفرحة.
وكان خليل قد دعا زملاء الدراسة في معهد خضوري وأصدقاءه من منطقة الشمال وزملاءه من المدرسين ليحضروا عرسه ويشاركوه فرحته. وخاصة صديقه العزيز من قرية قباطية ويدعى رِضا زكارنة حيث أقام معه خليل علاقة أخوة وتعلم من والدته أكلة المسخن وعلمها لوالدته وكان يزورهم وكأنه من العائلة ، ودعا حداءً من قرية عجة وفرقة دبكة من زملائه من شباب اليامون والجلمة وعرابة وبعض قرى طولكرم تعرف عليهم أثناء دراسته في معهد خضوري ، وكذلك دعا زملاءه من قبائل بئر السبع ليشاركوا بتراثهم البدوي الشعبي في سامر العرس ، وذلك ليمازج بين تراث الجنوب والشمال ، والريف والبادية ، لرسم لوحة جميلة منوعة وملونة بأقلام مبدعة تحت عنوان واحد هو "التراث الشعبي الفلسطيني" في مراسيم العرس الفلسطيني، وكذلك دعا ابو خليل ثلة من وجهاء المنطقة والقضاء ومخاتير وشيوخ العشائر من القرى المجاورة ومن قبائل بئر السبع المهاجرة والتي تسكن البلدة وتسكن القرى المجاورة. وتم تزويد الديوان بفرشات ومخدات ولحف إضافية لاستقبال المدعوين ، ولمنام معازيم خليل من منطقة الشمال ومن المعهد والذين سيحضرون السامر تلبية للدعوة. وصارت الأيام تتتواتر على سجيتها وطبيعتها في نظر الناس ، لكنها كانت تسير بطيئة في نظر الحبيبين في انتظار لحظة الحقيقة ، وسريعة أحياناً وذلك للحاق بإنجاز التجهيزات والتحضيرات والجهوزية لليوم الموعود ، ولتكون على أكمل وجه ، حسب الخطة المرسومة ، ولتأدية المراسيم الكاملة لتلافي أي نقص أو تقصير. فكسوة آمنة كانت تختلف عن كسوة بنات القرية في شكلها وتفاصيلها وأسواقها. وانطلقت شارة البدء بحلول ليلة السامر الآولى ، وتم تجهيز ساحة القرية ، وجلب خليل مصباحي إضاءة للساحة ، وكانوا يسمونه اللوكس ذو الشنبر المضيء ، وصادفت بداية الحفل في منتصف الشهر العربي ، حيث كان القمر مكتملاً ويطل بنوره الصافي على الساحة المكشوفة ، وتجهزت فرق الدبكة بشباباتها وأرغولاتها وقربها ، وأحضرت فرقة بئر السبع خيمة ونصبتها في الساحة وأوقدت حولها النيران في المواقد ، كما أحضرت معها الربابات والشعراء ودلات القهوة وفناجينها ، وبدأ حفل السامر الذي جمع شباب القرية ورجالها وشيوخها ، وكذلك من علم من القرى المجاورة من الشباب والرجال من معارفهم ومن زبائن معصرة الزيتون التي كانت تعمل لعدة قرى. وبدأ ت مراسيم العرس الفلسطيني الذي تمازجت فيه عادرات وتقاليد الريف الشمالي والريف الجنوبي والبادية الفلسطينية.
يتبع مراسيم العرس الفلسطيني في الجزء الثاني والعشرين.
بقلم أحمد ابراهيم الحاج
16/12/2009م
الجزء العشرون
........................
في بداية العام الدراسي 1965 – 1966م ، التحق خليل بعمله مدرساً لمادة الرياضيات للصف الأول ثانوي بالمدرسة الإبراهيمية بالخليل بعد أن داوم اسبوعين بمدرسة دورا ثم نقل الى المدرسة الإبراهيمية التي أصبحت كلها مجمعاًً للصف الأول ثانوي لمعظم قرى الخليل وألغيت منها الصفوف الأخرى، وتأخرت موافقة وكالة الغوث على طلب آمنة ، فالتحقت بمدرسة ترقوميا الحكومية للبنات لتعمل مدرسة لمادة اللغة الإنجليزية للمرحلة الإبتدائية العليا في انتظار موافقة الوكالة على طلبها، وصارا يلتقيان صباحاً في ذهابهما للعمل بالباص ، وأحياناً يلتقيان مساءً إياباً في عودتهما للقرية. وكانا يجلسان في كرسي واحد إن سنحت الفرصة لهما وذلك بعدم قدوم ركاب كبار بالسن أو نساء مما كان يستدعي وقوف خليل بوسط الباص ، وذلك خلافاً للزمن السابق ، وكان هذا مستغرباً من أهل القرية ، ومثيراً للتساؤل ، إذ كيف يلتقي الخطيبان ويتحدثان عن قرب قبل إتمام حفل الزفاف؟ فقد تعود الناس على عدم اختلاط الخطيب بخطيبته والحديث اليها قبل إقامة حفل الزواج والدخول ، فقد كان الخطيب يسهر مع أهل خطيبته دون أن يراها أو يتحدث اليها ، وأثار ذلك رغبة وثورة في نفوس شباب القرية وفتياتها في التمرد على العادات والتقاليد التي تمنع الخطيبين من التحدث في أمور مستقبلهما والتفاهم وتبادل وجهات النظر. وصارت تحدث الخروقات والمخالفات لأعراف وتقاليد أهل القرية ، في حين أنها من المباحات في نظر الشرع وخاصة بعد عقد القران الذي يمثل الحد الفاصل بين منطقتين. منطقة الحرام ومنطقة الحلال.
أخذت الأوضاع السياسية ترتفع حرارتها في المنطقة بالتسخين البطيء ، واشتدت الحرب الباردة بين القطبين (الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي) ، وكانت المنطقة العربية من أشد المناطق سخونة ، وملعباً صاخباً للصراع بينهما ، ويبدو أن الحالة أصبحت على عتبة الغليان ، فالنظام العربي الرسمي كان يعيش ظاهرياً في حالة حرب كلامية وإعلامية وتوعد لإسرائيل بالهزيمة والإندحار بالرغم من حالة عدم الإستقرار السياسي ، انقلابات ناجحة هنا ومحاولات انقلاب فاشلة وئدت في مهدها هناك ، وخلافات مستعرة بين معسكر التقدميين من الأنظمة الجماهيرية وبين معسكر الرجعيين من الأنظمة الملكية كما اصطلح عليه في ذلك الوقت، ووعود بالتحرير من كل قيادة قادمة ، وكان النظام العربي مكشوفاً في نواياه وفي تحضيراته للمعركة الفاصلة ، مثله كمثل الإنسان الذي يحلم بالنصر والتحرير وهو نائم ويصرح بما يحلم به بصوت مرتفع وواضح ، يسمعه ويفهمه من يحيطون به. وكانت اسرائيل تعيش أزمة اقتصادية حادة في ذلك العام ، وذلك بعد تكاليف التأسيس لكيانها وخاصة التكاليف الأمنية الباهظة لكيان ناشيء صغير المساحة والحجم وقليل الكثافة ونشأ من حالة انعدامٍ للوزن ، وسط هذا البحر الهائج المائج من الأعداء للحفاظ على تفوق قوته على جيرانه أجمع ، حيث كانت تعتمد كلياً على اوروبا العجوز وبالأخص بريطانيا المتهالكة وفرنسا المترنحة ، واللتان كانتا خارجتين من هزيمة إقتصادية بعد الحرب العالمية الثانية ، وبنصر عسكري اقترضتاه من الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تنتظر سداد هذا الدين ، وذلك ببسط نفوذها على أملاك الإمبراطوريات الآوروبية المنهارة في وراثة شرعية لبني جلدتهم ، ولم تدخل اسرائيل بعد ساحة الإمبراطورية الجديدة الناشئة بشكل مؤثر وفعال ، ولكون اسرائيل دولة وظيفية طفيلية ، كان لا بد لها من البحث عن عائل قوي تقدم له خدماتها مقابل إعالته ورعايته لها ، حيث أصبح العائل الأوروبي قاصراً عن مهام إعالتها المكلفة. فاتجهت الأنظار الى الوريث الشرعي للإمبراطوريات الآوروبية ، ولاحظت اسرائيل المد الشعبي والزخم المعنوي الذي كانت تتمتع به القيادة المصرية الجديدة ، خاصة بعد فشل العدوان الثلاثي على مصر سياسياً ، وصارت القيادة المصرية تحاصرها سياسياً في القرن الأفريقي وفي منظومة دول عدم الإنحياز وفي المحيط العربي والإسلامي الذي يلتف حولها ، وحدثت هجرة اسرائيلية معاكسة من الداخل الى الخارج نظراً للكساد الإقتصادي ، وقلة الأيدي العاملة في مشاريع التنمية بسبب تكدس القوى العاملة الإسرائيلية في مؤسسات الجيش والأمن والمخابرات والبحث العلمي وفي مؤسسات الدولة. وأحست اسرائيل بتعثر في مشروعها الصهيوني الذي يطمح ببناء دولة اسرائيل الكبرى من النيل الى الفرات ، وبدأت تبحث عن مخرج لأزماتها الإقتصادية والسياسية والديمغرافية ، وتطلعت للدخول الى القطب الأقوى في العالم ليكون عائلها بعد أن كان تركيز أول رئيس حكومة لها ديفيد بنجوريون على اوروبا واقتناعه بحدود الدولة الحالية وتطلعه لعقد اتفاقات سلام مع العرب وخاصة مع مصر. فرأت قيادتها الجديدة برئاسة ليفي اشكول والتي تناغمت مع الطموح الصهيوني للمهاجرين الجدد من اوروبا والإتحاد السوفييتي أن تبحث عن ضالتها في الولايات المتحدة الأمريكية لتحقيق مشروعها العملاق. وكان لا بد لإسرائيل أن تصدر أزمتها وترمي بها على أعدائها في محيطها لتشغلهم عنها ، ومن ناحية أخرى لا بد لها من تقديم أوراق اعتمادها لعائلها المنتظر الجديد والذي كان يواجه المد القومي الثوري العربي متمثلاً في مشروع عبد الناصر الوحدوي والتنموي واستغلال موارد الأمة في تنميتها وتحرير المحتل من شعوبها وأراضيها. وعلى جانب آخر كانت قضية المياه تؤرق اسرائيل وقادتها وكان لزاماً عليها توفير المخزون الإستراتيجي لها من المنطقة المحيطة بها ، وخاصة ما تبقى من فلسطين ومن سوريا ولبنان حيث كان ليفي اشكول يعتببر المياه كالدم. وعين موشيه ديان المعروف بتطرفه وزيراً للدفاع في حكومة اشكول للبحث عن حدود طبيعية آمنة لهذا الكيان المحاط ببحر يعج بالأعداء المفترسين لهذا الحمل الوديع ، كما صوروا ذلك للعالم بمنظومتهم الإعلامية المضللة. كما كان ظهور التنظيم الفلسطيني المسلح الجديد وهو حركة فتح وعمليات قوات العاصفة التابعة لها بمثابة ناقوس الخطر الذي يدق على رؤوس قادتها ، حيث قام منذ انطلاقته بأكثر من مئة عملية تفجير داخل اسرائيل ، لذلك كان لا بد من وأده والقضاء عليه لكي لا تقوم للشعب الفلسطيني والهوية الفلسطينية قائمة. وكان التقارب العراقي المصري والإنقلاب السوري على حكومة الإنفصال يسبب قلقاً شديداً ومؤرقاً لإسرائيل. من هنا كانت المؤشرات والإرهاصات تنذر بأحداث مزلزلة وخطيرة ستحل بالمنطقة. وكان النظام العربي الرسمي غافلاً عما تدبر له اسرائيل من مكائد ومزالق. حيث كانت المياه الملوثة بالحقد الصهيوني تجري من تحته وهو نائم في بحر لجي من الخلافات والتناقضات والأحلام الليلية المكشوفة وأحلام اليقظة السافرة بتحرير فلسطين. وهذه الأسباب مجتمعة كانت كفيلة ومنذرة بنشوب حرب توسعية من وجهة النظر الإسرائيلية وأطماعها التوسعية في المنطقة.
وفي الرابع عشر من نيسان عام 1966م ، وجهت للقومية العربية طعنة شديدة وذلك بمقتل الرئيس العراقي عبد السلام عارف بعد زيارة له للبصرة ، وذلك بتحطم المروحية السوفيتية الصنع والتي كان سيعود فيها الى بغداد ، حيث قفز منها عندما شعر بالخطر ،وفي نيته أن يسقط بماء النهر ، لكن رأسه ارتطم بحافة اليابسة ، وكسرت جمجمته وفارق الحياة ، ووفدت للعراق لجنة من الخبراء السوفيت بعد الحادثة ، وخرجت بتقرير يؤيد سلامة الطائرة ويوحي بمؤامرة مدبرة. وفجع العالم العربي بموت هذا الرئيس الوطني العروبي والعسكري الشجاع المحنك ، والذي كان يدعو لإنشاء قيادة أركان عربية موحدة للجيوش العربية لردع اسرائيل ، والى تقارب عربي ويقود محادثات وحدة مع مصر وتقارب مع سوريا. وتم تنصيب شقيقه الأكبر عبدالرحمن عارف رئيساً للبلاد خلفاً له ، ذلك الرجل المسالم الطيب وكأنها كانت خطوة لإبعاد الشك عن عنصر المؤامرة وعن المتآمرين على حياة الرئيس ، وانطوى الملف دون الوصول الى الحقيقة كما درجت العادة في كل الأنظمة العربية التي لا تحتفظ بسجل توثيقي لتاريخ الأمة يسجل أحداثها ويتم الإفراج عنه في وقت لاحق كما هو معمول به بالدول الأخرى ، وتوالت الأحداث ، وتواترت الإشتباكات العربية الإسرائيلية على الجبهات العربية وخطوط التماس وخاصة على الجبهة السورية ، حيث كانت اسرائيل تقوم باستفزازات وخروقات متعمدة للأراضي السورية بوجه سافر ، وعلى الجبهة الأردنية والجبهة المصرية على استحياء ، وذلك في إطار عملية تحرش وتسخين مقصودة ، متذرعة بتأييد سوريا للعمليات الفدائية التي كانت تقوم بها قوات العاصفة التابعة لفتح والتي كانت تنطلق من الحدود السورية ، وبدا وكأن المنطقة تلتهب وتفور على صفيخ ساخن تشتعل من تحته النيران. وكان العرب لا يدركون دواعي هذه النيران التي تنفخ فيها اسرائيل وتزيد من سخونتها ولهيبها لتهيئتها لأمر قادم خطير تخطط وتعد له، بينما كانت في إعلامها وتصريحات مسئوليها تدعو للسلام والتعايش مع العرب الذين يريدون محوها عن الوجود.
انتهى العام الدراسي وبدأت العطلة الصيفية ، وبدأت معها التحضيرات للعرس الذي طالما انتظره الحبيبان بفارغ الصبر ، وتم تحديد موعده في الخامس من يونيو (حزيران) 1966م ، وكان خليل قد رمم السقيفة التي شهدت طفولة آمنة (الطفلة المهجرة) والتي اعتكف بها بعد عودته للمدرسة مقتفياً أثر الحبيبة ، وحولها الى صالة للجلوس نظراً لبرودتها صيفاً ودفئها شتاءً لتكون مسرحاً وملعباً للذكريات ، وبنى بالتعاون مع أهله غرفة ومطبخ وحمام من الباطون بجانب السقيفة لتكون عش الزوجية الأول. وتداولت العائلتان في مراسيم العرس ، حيث دعا ابو سليم ثلة من أقاربه ليحضروا عرس ابنته ، وقال لأبي خليل :
إن من عاداتنا أن يخرج أهل العروس في زفتها ويرافقونها لبيت العريس لكي لا تشعر بالغربة في ليلة فرحها ، ويشاركون في فرحتهما ويحتفلون بهما معاً ليلة العرس، فكما يريد أهل العريس الفرحة بابنهم ليلة العرس فأهل العروس كذلك ، لأن الفرحة للإثنين وللعائلتين معاً ، ونحن نؤدي واجب النقوط لإبنتنا في بيتها التي ستخرج اليه لتعيش فيه مع زوجها ، وكان ابو سليم يعرف أن عادات القرية مختلفة ، وما زالت على النمط التراثي القديم ، فلا يخرج مع العروس الاّ أمها ، ويقوم أهلها بنقوطها ووداعها قبل خروجها من بيت والدها ، حيث يستلمها أهل العريس من بيت والدها ليوصلوها الى بيت الزوجية ترافقها أمها فقط ، وفي أحيانٍ كثيرة لا يرافقها أحد وذلك عند وقوع مشكلة بين الأصهار يوم العرس ، وتصبح أسيرة لأهل العريس ، وكأنها مختطفة من قبلهم ، ومقبلة على عملية اغتصاب في خطوة انتقامية من أهلها نتيجة لتراكمات خلافات منشؤها العادات والتقاليد. حيث يضمرون مشاعر الإنتقام ويراكمونها ويظهرونها فجأة بعد تسلمهم العروس. ثم ينسحب الرجال بعد وصول العروس لعش الزوجية ، وتقيم النساء من أهل العريس حفلة العرس ليلاً بحضور العريس فقط ، وتكون حفلة الرجال قد سبقت على غداء من المناسف في ظهر يوم العرس يؤدون فيه واجب النقوط للعريس. وهنا تدخل ابو خليل وعاد الى طبعه وكرمه الحاتمي وقال:
يا سيدي يا ميت اهلا وسهلا فيكو ، من ملفاكو لملقاكو والعين ترعاكو والقلب يهواكو ،ما دام هيك أنا بعمل لأهل البلد ولجماعتي ومعازيمي غدا على الظهر ، ولما تيجوا مع بنتكم بعمل الكم ولنسوانكم عشا ، والله يحييك ويحيي ضيوفك معاك ، وأمانة عليك قد ما تقدر اعزم من قرايبك وأهلك ومعارفك ، فقال له ابو سليم : والله ما في داعي للعشا يا ابو خليل تكاليف زيادة خليها للعرسان أبدى فيها ، فرد عليه : طيب توكل على الله ، بصير خير. واستطرد ابو خليل يقول :
وطبعاً إحنا عاداتنا بنعمل سامر وتعليلة بساحة البلد قبل العرس باسبوع ، ودارنا بتكون مفتوحة للنسوان من شان يفرحن ويهيصن ويعملن حفلتهن ، وتفضل إنت ومعازيمك من الرجال على السامر في ساحة البلد ، والنسوان من تلاكم يتفضلن على الدار ، وخبرهم من اليوم حتى يتعللوا معانا ويشاركونا بالفرحة.
وكان خليل قد دعا زملاء الدراسة في معهد خضوري وأصدقاءه من منطقة الشمال وزملاءه من المدرسين ليحضروا عرسه ويشاركوه فرحته. وخاصة صديقه العزيز من قرية قباطية ويدعى رِضا زكارنة حيث أقام معه خليل علاقة أخوة وتعلم من والدته أكلة المسخن وعلمها لوالدته وكان يزورهم وكأنه من العائلة ، ودعا حداءً من قرية عجة وفرقة دبكة من زملائه من شباب اليامون والجلمة وعرابة وبعض قرى طولكرم تعرف عليهم أثناء دراسته في معهد خضوري ، وكذلك دعا زملاءه من قبائل بئر السبع ليشاركوا بتراثهم البدوي الشعبي في سامر العرس ، وذلك ليمازج بين تراث الجنوب والشمال ، والريف والبادية ، لرسم لوحة جميلة منوعة وملونة بأقلام مبدعة تحت عنوان واحد هو "التراث الشعبي الفلسطيني" في مراسيم العرس الفلسطيني، وكذلك دعا ابو خليل ثلة من وجهاء المنطقة والقضاء ومخاتير وشيوخ العشائر من القرى المجاورة ومن قبائل بئر السبع المهاجرة والتي تسكن البلدة وتسكن القرى المجاورة. وتم تزويد الديوان بفرشات ومخدات ولحف إضافية لاستقبال المدعوين ، ولمنام معازيم خليل من منطقة الشمال ومن المعهد والذين سيحضرون السامر تلبية للدعوة. وصارت الأيام تتتواتر على سجيتها وطبيعتها في نظر الناس ، لكنها كانت تسير بطيئة في نظر الحبيبين في انتظار لحظة الحقيقة ، وسريعة أحياناً وذلك للحاق بإنجاز التجهيزات والتحضيرات والجهوزية لليوم الموعود ، ولتكون على أكمل وجه ، حسب الخطة المرسومة ، ولتأدية المراسيم الكاملة لتلافي أي نقص أو تقصير. فكسوة آمنة كانت تختلف عن كسوة بنات القرية في شكلها وتفاصيلها وأسواقها. وانطلقت شارة البدء بحلول ليلة السامر الآولى ، وتم تجهيز ساحة القرية ، وجلب خليل مصباحي إضاءة للساحة ، وكانوا يسمونه اللوكس ذو الشنبر المضيء ، وصادفت بداية الحفل في منتصف الشهر العربي ، حيث كان القمر مكتملاً ويطل بنوره الصافي على الساحة المكشوفة ، وتجهزت فرق الدبكة بشباباتها وأرغولاتها وقربها ، وأحضرت فرقة بئر السبع خيمة ونصبتها في الساحة وأوقدت حولها النيران في المواقد ، كما أحضرت معها الربابات والشعراء ودلات القهوة وفناجينها ، وبدأ حفل السامر الذي جمع شباب القرية ورجالها وشيوخها ، وكذلك من علم من القرى المجاورة من الشباب والرجال من معارفهم ومن زبائن معصرة الزيتون التي كانت تعمل لعدة قرى. وبدأ ت مراسيم العرس الفلسطيني الذي تمازجت فيه عادرات وتقاليد الريف الشمالي والريف الجنوبي والبادية الفلسطينية.
يتبع مراسيم العرس الفلسطيني في الجزء الثاني والعشرين.
بقلم أحمد ابراهيم الحاج
16/12/2009م
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 - 20:54 من طرف جنى ميرو
» صيانة سخانات في دبي 0543747022 emiratefix.com
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 - 19:53 من طرف جنى ميرو
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في عجمان 0543747022
السبت 16 نوفمبر 2024 - 23:43 من طرف جنى ميرو
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في عجمان 0543747022
السبت 16 نوفمبر 2024 - 23:11 من طرف جنى ميرو
» تصليح أفران في دبي 0543747022 emiratefix.com
السبت 16 نوفمبر 2024 - 22:15 من طرف جنى ميرو
» تصليح أفران في دبي 0543747022 emiratefix.com
السبت 16 نوفمبر 2024 - 22:11 من طرف جنى ميرو
» تصليح ثلاجات في دبي emiratefix.com 0543747022
السبت 16 نوفمبر 2024 - 0:11 من طرف جنى ميرو
» تصليح سخانات في دبي - 0543747022 (الشمسية و المركزية) emiratefix.com
الجمعة 15 نوفمبر 2024 - 20:33 من طرف جنى ميرو
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في الشارقة 0543747022
الأربعاء 13 نوفمبر 2024 - 21:30 من طرف جنى ميرو
» اداة ذكاء اصطناعي للباحثين وطلاب الدراسات العليا
الجمعة 26 أبريل 2024 - 11:23 من طرف Abd