منتديات خاراس الرسمية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    واجب الأمة الشرعي تجاه الأسرى الفلسطينيي

    رباني
    رباني

    { مشرف }


    واجب الأمة الشرعي تجاه الأسرى الفلسطينيي Stars15


    الجنس : انثى
    البرج : الحمل
    عدد المشاركات : 4459
    العمر : 60
    البلد : عمان
    الحالة الاجتماعية : متزوجة
    التخصص : تربية اسلامية
    نقاط النشاط : 916
    الاعجاب : 17
    المهنة : واجب الأمة الشرعي تجاه الأسرى الفلسطينيي Office10
    المزاج : واجب الأمة الشرعي تجاه الأسرى الفلسطينيي 8010
    الدوله : فلسطين

    واجب الأمة الشرعي تجاه الأسرى الفلسطينيي Empty واجب الأمة الشرعي تجاه الأسرى الفلسطينيي

    مُساهمة من طرف رباني الإثنين 28 مايو 2012 - 12:14

    واجب الأمة الشرعي تجاه الأسرى الفلسطينيين

    إن موضوع الأسرى والمعتقلين، وكيفية معاملتهم والمحافظة على حقوقهم، من الموضوعات المهمة في هذا العصر؛ حيث ازدادت النزاعات بين الدول، وحتى بين من داخل الدولة الواحدة، وتأتي على رأس تلك القضايا قضية الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال الصهيوني، وما يعانون من أصناف العذابات داخل السجون، إضافة إلى: احتلال الأرض والمقدسات والاغتيالات والجرائم المستمرة التي يقوم بها العدو الصهيوني على مدار الساعة، ومن القضايا الساخنة والتي تعتبر ثابتاً من الثوابت الفلسطينية: (قضية الأسرى والمعتقلين)، وواجب الأمة تجاههم، وسنبين إن شاء الله تعالى في هذا البحث واقع الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، وما يجب على الأمة تجاههم، إضافة إلى الخطوات العملية لخلاصهم.

    أصول حقوق الأسرى.

    ترجع أصول حق الأسير إلى نصوص القرآن والسنة، التي أكدت وما زالت على حق المؤمنين على بعضهم البعض، والقيام بالواجبات الملقاة على عاتق الأمة تجاه المستضعفين من أبنائها، وإلى مقاصد الشريعة التي أكدت وما زالت على حفظ حق الإنسان المسلم في العيش في أمان وطمأنينة؛ لذا سنتعرض بإذن الله تعالى لبعض هذه النصوص الدالة على حق الأسير، وذلك كما يلي:-

    1- أصول حق الأسير في القرآن.

    قد وردت جملة من الآيات الدالة على قيام المؤمنين بحق بعضهم البعض، منها:

    ‌أ- قوله تعالى: ﴿ وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً﴾ (سورة النساء: 75).

    وجه الدلالة: أمر الله سبحانه وتعالى بالجهاد؛ من أجل غاية عظمى، ألا وهي تخليص الضعفاء من أيدى الكفرة والطغاة، قال القرطبي ـ رحمه الله ـ : " في هذه الآية حض على الجهاد، ، وهو يتضمن تخليص المستضعفين من أيدى الكفرة والمشركين الذين يسومونهم سوء العذاب، ويفتنونهم عن الدين؛ فأوجب تعالى الجهاد لإعلاء كلمته، وإظهار دينه، واستنقاذ المؤمنين الضعفاء من عباده، وإن كان في ذلك تلف النفوس، وتخليص الأسارى واجب على جماعة المسلمين إما بالقتال وإما بالأموال ([1])

    فأولئك المستضعفون يعانون أشد المحن، والمحنة في العقيدة أشد من المحنة في: المال والأرض والنفس والعرض؛ لأنها محنة في أخص خصائص الوجود الإنساني الذي تتبعه: كرامة النفس والعرض وحق المال والأرض، لذلك يستنكر القعود عن الاستجابة لتلك الصرخات([2]).

    ‌ب- قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ (سورة الحجرات: من الآية 10).

    وجه الدلالة في قوله تعالى (إخوة) فإخوة الإيمان أقوى رابطة بين المؤمنين فقوله ﴿إخوة﴾ أي في الدين والحرمة لا في النسب، ولهذا قيل: إخوة الدين أثبت من إخوة النسب؛ لأن إخوة النسب تنقطع بمخالفة الدين، في حين إخوة الدين لا تنقطع بمخالفة النسب([3]) .

    " ومما يترتب على هذه الأخوة أن يكون الحب والسلام، والتعاون والوحدة هي الأصل في الجماعة المسلمة([4])، فهذه الأخوة دافع قوي لنصرة المستضعفين من المؤمنين الذين ينتظرون معونة إخوانهم، وهي من أعظم النعم التي يسديها الله لعباده المؤمنين، قال تعالى ممتناً على عباده: ﴿( فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً ) ﴾(سورة آل عمران: الآية 103).

    ‌ج- قال تعالى: ﴿ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ (سورة الأنبياء: 92)

    وجه الدلالة: قوله تعالى: ﴿ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾، فهي أمة توحدت على كتاب واحد، فهي " تدين بعقيدة واحدة وتنهج نهجاً واحداً ([5]) ، فما دامت هذه الأمة تدين ديناً واحد ـ كما جاء في تفسير القرطبي أن " الأمة هنا بمعنى الدين([6]) ـ فقد أصبحت على كلمة واحدة، ومصير واحد، وبهذا فما أصاب المؤمنين من ضعف وظلم، فكأنه يقع على كل الأمة، هذا الجسد المترابط المتكامل.

    ‌د- قال تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾ (سورة المائدة: الآية 2).

    وجه الدلالة: أمر الله-U- في هذه الآية المؤمنين بالتعاون على البر والتقوى، وما فيه خير وصلاح لهذه الأمة، قال ابن خويز منداد: "والتعاون على البر والتقوى يكون بوجوه، فواجب على العالم أن يعين الناس بعلمه فيعلمهم، وواجب على الغنى أن يعينهم بماله، والشجاع بشجاعته في سبيل الله تعالى، وأن يكون المسلمون متظاهرين كاليد الواحدة" ([7]).

    فبتلك الصورة المشرفة للأمة المسلمة التي يشترك فيها الجميع بما يملكون من طاقة؛ تكون عوناً للمستضعفين والمحتاجين من أبناء الأمة، فالجاهل والفقير والضعيف أولئك جميعاً يجدون من أبناء الأمة من ينقذهم من تلك الآفات التي أصابتهم وحلت بهم، وبذلك تصبح الأمة كاليد الواحدة لا يضرها شيء ما دامت بهذه الروح وهذا العطاء.

    2- أصول حق الأسير في السنة النبوية المطهرة.

    تظافرت نصوص السنة النبوية وتعددت في التأكيد على حق المؤمن على أخيه المؤمن، في القيام بنصرته وعدم تركه عرضة للمحن والابتلاءات، ومن هذه النصوص:

    ‌أ- عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ : أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه"([8]).

    وفي رواية لأبي هريرةy: أن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال: " المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه، ، ولا يخذله، ولا يحقره"([9]).

    قال الإمام النووي ـ رحمه الله ـ في شرحه لهذا الحديث: " لا يخذله" قال العلماء: الخذل ترك الإعانة والنصرة، ومعناه: إذا استعان به في دفع السوء ونحوه؛ لزمه إعانته إذا أمكنه، ولم يكن له عذر شرعي"([10]).

    ‌ب- أخرج أبو داود من حديث أبي طلحة الأنصاري وجابر بن عبد الله y: عن النبيصلى الله عليه وسلم قال: " ما من امرئ مسلم يخذل! مرءاً مسلماً في موضع تنتهك فيه حرمته، وينتقص فيه من عرضه؛ إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته، وما من امرئ ينصر مسلماً في موضع ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته؛ إلا نصرة الله في موطن يحب فيه نصرته" ([11])

    ‌ج- أخرج الإمام أحمد، من حديث سهل بن حنيف y: أن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال: " من أذل عنده مؤمن، فلم ينصره، وهو يقدر على أن ينصره؛ أذلة الله U على رؤوس الخلائق يوم القيامة ([12])".

    وجه الدلالة من هذه الأحاديث: أنها تدل صراحة على وجوب نصرة المؤمنين والقيام بحقهم، فكيف بالأسرى الذين طال غيابهم في ظلمات السجون، وهم يذوقون ويلات السجن في كل وقت وحين؟!.

    ثالثاً: أصول حق الأسير من إجماع الأمة.

    إذا اتضح أن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي ذكرنا تدل دلالة قطعية على وجوب نصرة المسلم المستضعف، والقيام بحقه دون نظر إلى جنسه أو لونه، فإن من الطبيعي ألا نجد من العلماء والأئمة من يخالف هذه النصوص،" فقد اتفق العلماء والأئمة على أن المسلمين إذا قدروا على استنقاذ المستضعفين أو المأسورين، أو المظلومين من إخوانهم المسلمين في أي جهة من جهات الأرض، ثم لم يفعلوا ذلك، فقد باءُوا بإثم كبير" ([13]).

    قال أبو بكر ابن العربي ـ رحمه الله ـ : " إذا كان في المسلمين أسرى أو مستضعفون، فإن الولاية معهم قائمة، والنصرة لهم واجبة بالبدن بألا تبقى منا عين تطرف، حتى نخرج إلى استنقاذهم إن كان عددنا يحتمل ذلك، أو نبذل جميع أموالنا في استخراجهم، كي لا يبقى لأحد منا درهم من ذلك". ([14])

    رابعاً: أصول حق الأسير من المعقول:

    خلق الله الإنسان ثم جعله خليفة في الأرض ، حيث قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ (سورة البقرة: الآية 30).

    فقد ألبسه الله ثوب الكرامة، وفضله على كثير من الخلق، وسخر الله له جميع ما في الكون، خدمة له، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾ (سورة الإسراء: 70)، وقد كان من أهم أولويات الشريعة الحفاظ على نفس الإنسان، ورعاية قدسيتها، وحفظ النفس هو: " حفظ الأرواح من التلف أفراداً وعموماً؛ لأن العالم مركب من أفراد الإنسان، وفي كل نفس خصائصها التي بها قوام العالم([15]).

    ومن مظاهر حفظ الإنسان رعاية حقه في السلامة الشخصية، والتي تشمل كل مستلزمات الحياة، ومن أولويات تلك المستلزمات، الحرية التي تعنى: " ما يميز الإنسان عن غيره، فيتمكن بها من ممارسة أفعاله وأقواله وأعماله وتصرفاته، بإرادة واختيار ، من غير قسر ولا إكراه، ضمن حدود معينة ([16]).

    فالإسلام حفظ حرية الإنسان، " فلا يجوز شرعاً لسلطات الدولة القبض على أحد أو اعتقاله تعسفاً، أي: بدون مسوغ شرعي، أو لمجرد آرائه، أو لمعارضته السلطة ما دام لا يبتغى من وراء ذلك إلا الإصلاح" ([17]).

    لذلك فقد حرص الإسلام على سلامة الحريات، حتى لغير المسلمين الذين يعيشون في كنف الدولة الإسلامية، وراعى الكرامة الإنسانية، ونحن نعلم جيداً ما أصاب، ويصيب الأسرى المسلمين من ضيق وشدة، وألم في السجون الظالمة؛ فكان لزاماً على المسلمين أن يقوموا بواجبهم تجاه أولئك المظلومين، وأن يبذلوا كل ما يستطيعونه للقيام بحقهم.

    حقوق الأسرى

    إن مما توافقت عليه الشريعة الإسلامية مع الاتفاقات الدولية في حقوق الإنسان واتفاقات (جنيف)، والبروتوكولات والأخلاقيات يتمثل في: المبادئ الأساسية المتعلقة بحقوق الأسرى، والمتمثلة فيما يلي:-

    1- توفير الطعام والشراب للأسرى.

    2- توفير الكساء لهم.

    3- توفير السكن المناسب لهم.

    4- عدم تكليفهم بما لا يطيقون.

    5- عدم إكراههم على تغيير معتقداتهم.

    6- توفير العناية الصحية والعلاجية اللازمة لهم.

    7- مواساة أهل الأسير.

    8- توفير الاتصال الخارجي للأسير والمراسلات والزيارات بينه وبين أهله.

    9- عدم قتل الأسرى مع الحفاظ على حياتهم.

    10- عدم تعذيب الأسرى: بدنياً أو معنوياً.

    11- حق الأسرى في المعاملة الإنسانية.

    12- حق الأسرى في احترام أشخاصهم وشرفهم في جميع الأحوال.

    13- حق الأسرى في ممارسة الشعائر الدينية.

    14- حق الأسرى في النشاط: الذهني والبدني([18]).

    واجب الأمة

    اتفق الفقهاء على أن تخليص الأسرى من أيدي المحتل الغاصب الكيان الصهيوني واجب على المسلمين جميعهم([19]) وبعبارة أخرى: هو فرض كفاية ذكر ابن بطال: "فكاك الأسير واجب على الكفاية"([20]).

    فإن تم عن طريق الأسير نفسه؛ سقط الإثم عن جميع المسلمين، وكذلك إن حصل الفكاك عن طريق فصائل المقاومة أو السلطة الوطنية الفلسطينية أو بعض المسلمين؛ سقط الإثم عن باقي المسلمين، وإن لم يحصل؛ بقي المسلمون جميعهم مطالبون بهذا الواجب: الديني والوطني والأخلاقي ويؤيد ذلك، إضافة إلى ما ذكرناه من أصول حق الأسير ما يلي:-

    1- قوله تعالى: )إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ( (الأنفال: 72 – 73).

    فالآية بينت: إذا استدعي المؤمنون لنصر إخوانهم المسلمين على الكفار؛ يجب على المسلمين نصرهم([21]) ويدخل في ذلك المستضعفون من أبناء الشعب الفلسطيني المجاهد الذين وقعوا في أيدي أعداء المسلمين من الكيان الصهيوني.

    قال القرطبي ـ رحمه الله تعالى ـ : " يريد إن دعوا هؤلاء [أؤلئك] المؤمنون الذين لم يهاجروا من أرض الحرب عونكم بنفير أو مال؛ لاستنقاذهم، فأعينوهم؛ فذلك فرض عليكم، فلا تخذلوهم" ([22])

    2- قال تعالى: ﴿وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً﴾ (سورة النساء: 75)، قال ابن العربي -رحمه الله تعالى-: عن الأسرى والمستضعفين من المسلمين : " إن الولاية معهم قائمة والنصرة لهم واجبة بالبدن، بألا تبقى عين تطرف حتى تخرج إلى استنقاذهم؛ إن كان عددنا يحتمل ذلك، أو نبذل جميع أموالنا في استخراجهم" ([23])، وقال ابن حجر الهيثمي -رحمه الله تعالى-: " ولو أسروا مسلماً فالأصح وجوب النهوض إليهم على كل قادر" ([24]).

    ونقل الإمام ابن النحاس في كتابه مشارع الأشواق قولاً للإمام النووي قال فيه: " إذا أسر الأعداء مسلماً أو مسلمين، فالراجح أن المسألة كدخول العدو ديار الإسلام؛ لأن حرمة المسلم أعظم من حرمة الدار؛ فيجب العمل على استخلاص الأسير أو الأسيرين" ([25])

    3- قوله- صلى الله عليه وسلم-: " فكوا العاني ـ يعني: الأسير ـ وأطعموا الجائع، وعودوا المريض "([26]).

    فهو صريح في وجوب تخليص الأسرى من أيدي أعدائهم؛ لأن الأمر للوجوب، وعليه فإنه يجب تخليص الأسرى من أبناء الشعب الفلسطيني من الأسر، قال الحافظ بن حجر ـ رحمه الله ـ " قال سفيان: " العاني: الأسير ".

    قال ابن بطال: "فكاك الأسير واجب على الكفاية ، وبه قال الجمهور" ([27])

    4- ما ثبت في الصحيح عن أبي جحيفة y قال: " قلت لعليّ -y-: "هل عندكم شيئاً من الوحي إلا ما في كتاب الله"؟ قال: "لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما أعلمه إلا فهماً يعطيه الله رجلاً في القرآن، وما في هذه الصحيفة". "قلت: "وما في الصحيفة؟ " قال: العقل وفكاك الأسير وألا يقتل مسلم بكافر" ([28]).

    دل الحديث بصريح القول على وجوب السعي والعمل الجاد لفك الأسرى وتخليصهم مما هم فيه من: الشدة والكرب والعنت.

    5- ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخذ المرأة المشركة من سلمة بن الأكوع التي وقع عليها السبي، ثم فادى بها ناساً من المسلمين كانوا أسروا بمكة([29]) وهذا الوجوب لا يقتصر على الأسرى المسلمين، وإنما يعم المسلمين وغيرهم، فإذا وقع أهل الذمة أو المستأمنون في أيدي أعداء المسلمين؛ وجب على المسلمين استنقاذهم، بموجب عقدي الذمة والإمامة اللذين يقضيان بتوفير الحماية لهم، وقد قال علي بن أبي طالب -t-: "إنما بذلوا الجزية؛ لتكون دماؤهم كدمائنا وأموالهم كأموالنا"([30]).

    فإذا كان هذا في حق أهل الذمة والمستأمنين، فما بالك في أبناء الشعب الفلسطيني المسلم المجاهد المرابط الذي دافع عن كرامة وعزة وشرف الأمة؟، علاوة على دينها وهو يحارب أعداء الأمة الإسلامية كلها جمعاء، وقد دل على وجوب فكاك الأسرى إضافة إلى ما ذكرنا من الآيات والأحاديث الإجماع والمعقول.

    أما الإجماع.

    تتابعت أقوال الأئمة والفقهاء على وجوب فكاك الأسير، والعمل على تخليصه من الأسر، فقد قال عمر بن الخطاب-y- "لئن أستنقذ رجلاً من المسلمين من أيدي الكفار، أحب إلى من جزيرة العرب" ([31])

    وقد جرى حكم الفقهاء على وجوب فك الأسير واستنفاذه من أيدي أسريه، حتى قالوا: لو سبيت امرأة بالمشرق؛ فقد وجب على أهل المغرب استنفاذها من الأسر؛ وهذا الوجوب تتفق عليه المذاهب الفقهية جميعاً([32])، ولا يوجد من يخالف هذا الحكم؛ لأنه أمر طبيعي بين المسلمين جميعاً، حتى لقد عدّ الفقهاء حرمة الأسير المسلم كحرمة الدار، " ذكر الإمام النووي: أنه إذا أسر الأعداء مسلماً أو مسلمين: فالراجح أن المسألة كدخول العدو ديار الإسلام؛ لأن حرمة المسلم أعظم من حرمة الدار" ؛ لذا يجب العمل على استخلاص الأسير أو الأسيرين، ومن الأمثلة على ذلك ما حصل من المنصور بن أبي عامر، أحد أعظم الملوك المسلمين في (الأندلس)، فقد خرج للجهاد ضد الفرنج، وحاربهم في عدة معارك، وانتصر عليهم ، مما اضطر (الفرنج) إلى طلب الصلح منه، وقد طلب (المنصور) منهم أن يزوجوه ابنة ملكهم، وأن يعطوه أموالاً طائلة، وتحفاً كثيرة، ففعلوا، وكانت البنت في غاية الجمال، ولما شيعها قومها طلبوا منها أن تحسن الوساطة لقومها عنده، وكانت فتاة حكيمة، فقالت لهم: "إن الجاه لا يطلب بأفخاذ النساء، وإنما يطلب برماح الرجال". ولما أنهى المنصور حربه، ثم عاد إلى عاصمته، تلقته امرأة مسلمة، وقالت له: "أنت والناس تفرحون، وأنا باكية حزينة". قال: ولماذا؟ قالت: "ولدي أسير عند الفرنج؛ فلم يذهب المنصور إلى مقره، وإنما سير الجيوش فوراً، ثم أمرهم أن يقاتلوا الفرنج حتى يخلصوا ابنها من الأسر ، فجاءوا به حراً طليقاً". ([33])

    أما المعقول:

    فإن حق المسلم على المسلم عظيم، وإن فك الأسير المسلم والعمل له، والسعي من أجله، وبذل كل مجهود لذلك هو صورة من صور الولاية بين المسلمين، قال تعالى: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (سورة التوبة: 71)، وكذلك هي صورة من صور عزة المسلمين، وعدم رضاهم بالذل والهوان، الله تعالى: ﴿ فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾ (سورة محمد: 35).

    وفي وجوب فك الأسير أيضاً ردع لكل من تسول له نفسه الاعتداء على حرمات المسلمين، ليعلموا أن كل مسلم إنما هو بمثابة أمة، وأن حرمته كحرمتها، وفي ذلك رد لغيظ المعتدين الذين يتربصون بهذه الأمة المسلمة، التي اختارها الله لتكون خير الأمم([34]).

    الإجراءات العملية لتخليص الأسرى

    إذا كان تخليص الأسرى والمعتقلين من أيدي الكيان الصهيوني الغاصب واجباً على سبيل الكفاية، فإن مسؤولية تخليص الأسرى تقع على كل من: الأسير نفسه وفصائل المقاومة الفلسطينية، والسلطة الوطنية الفلسطينية، والشعب الفلسطيني، والمسلمين كافة، وحكام العرب والمسلمين أجمعين.

    فما الإجراءات العملية التي تتبع في سبيل تخليصهم من كل شريحة من الشرائح السابقة؟:

    أولاً: الإجراءات العملية التي يقوم بها الأسير لتخليص نفسه، إذا وقع المجاهد المقاوم في الأسر فهناك إجراءات عملية يمكن للأسير أن يقوم بها مثل:

    ‌أ- الهروب من الأسر.

    إذا استطاع الأسير أو المعتقل أن ينجو من الأسر بنفسه من سجون الكيان الصهيوني، وأن يفر دون مفاداة ولا مَنّ؛ فيجب عليه أن يقوم بذلك؛ لأنهم لا عهد لهم مع الأسير ولا ذمة ولا أمان، ولو أدى الأمر إلى قتل بعض السجّانين من الكيان الصهيوني([35]).

    ولقد أقر الرسول -صلى الله عليه وسلم- أبا بصير على فراره من أيدي المشركين وقتله لبعضهم([36]).

    ‌ب- مفاداة نفسه بالمال أو العمل.

    إذا استطاع الأسير أن يخلص نفسه ببذل المال (الغرامة المالية)، أو منفعة (قيام بعمل ما، صناعة، بناء، تجارة، و...)، فيجب ذلك صرح بذلك ابن جزي بقوله: " يجب على الأسير الغني فداء نفسه" ([37]).

    ‌ج- الإفراج عنه مقابل تعهده بالإقامة في منطقة معينة ـ الإقامة الجبربية ـ أو الإبعاد لفترة محددة:

    نص على ذلك الحنابلة: على أنه إذا أطلق سراح الأسير مقابل تعهده بالإقامة في دار الحرب ورضي بالشرط؛ لزمه الوفاء لهم بهذا الشرط ما لم يكن مكرهاً على ذلك، فإن أكره عليه؛ لم يلزمه الوفاء، وجاز له الهروب([38]).

    ثانياً: الإجراءات العملية التي تقوم بها فصائل المقاومة.

    من أقوى الجهات التي تلعب دوراً مهماً في تخليص الأسرى، وقد سبق لها ذلك ولها أثر كبير في ذلك فصائل المقاومة الفلسطينية، لذا لابد لها من اتخاذ إجراءات جدية جهادية لتخليص الأسرى، وأن تبقى كل الخيارات مفتوحة أمامها في سبيل تخليص الأسرى، ومن أهم تلك الإجراءات:-

    1- حمل هم الأسرى في صفوف مقاوميها.

    2- التخطيط الدائم والمستمر والمتقن لتخليص الأسرى.

    3- تشكيل المجموعات المشتركة والخاصة التي تبقى كل الخيارات مفتوحة أمامها لتخليص الأسرى.

    4- الجاهزية الدائمة لاغتنام أي فرصة لتخليص الأسرى.

    5- خطف الجنود وأسرهم؛ من أجل المبادلة بهم ثم إطلاق سراح الأسرى والمعتقلين.

    6- التخطيط الدقيق الدائم لاقتحام السجون ومواقع المعتقلات؛ لتخليص الأسرى والمعتقلين.

    7- تسهيل الهروب للأسير.

    إلى غير ذلك من الوسائل المتطورة والحديثة والتقنية التي يمكن الاستفادة منها؛ من أجل تخليص الأسرى والمعتقلين([39]).

    واجب ذوي الأسرى والشعب الفلسطيني.

    يعيش الشعب الفلسطيني بصورة عامة وذووا الأسرى والمعتقلين بصورة خاصة هم الأسير الفلسطيني في كل لحظة، حيث لم يخل بيت من البيوت الفلسطينية من: أسير أو جريح أو شهيد؛ لذا تقع على أهل الأسرى والشعب الفلسطيني مسئولية وواجب المشاركة في تخليص الأسرى والمعتقلين من سجون الكيان الصهيوني.

    ويمكن أن يساهم أهل الأسرى والمعتقلين والشعب الفلسطيني في خلاص الأسرى والمعتقلين من خلال ما يلي:-

    1- التواصل معهم بزياراتهم والاتصال بهم وتلبية حاجاتهم؛ من أجل التخفيف عنهم من معاناة الأسر وطي أيامه والترفع على آهاته وآلامه.

    2- تذكرهم دائماً وطرح قضيتهم بين صفوف الأهل والجيران والأحبة؛ لإبقائها حية مستمرة.

    3- رعاية مشاعرهم وأحاسيسهم والتخفيف عنهم ورفع معنوياتهم.

    4- تذكر سيرتهم ومواصلة ما بدءوه من دعوة وجهاد.

    5- الدعاء المخلص الدائم المستمر لهم.

    وفي هذا المجال نذكر بقصة ملخصها: أن امرأة كان لها ولد أسير عند (الروم) فجاءت لأحد علماء السلف، فقالت له: وهي تبكي: إن ولدي أسير، وهو وحيدي، فأرجو أن تسعى في فكاكه، فوعدها خيراً، ثم طلب منها أن تأتيه بعد أسبوع، وخلال ذلك الأسبوع اجتهد وابتهل إلى الله بالدعاء الصادق، وتضرع إليه حتى كاد أن يكون الدعاء موقوفاً على ذلك الأسير، حدث أن جاءت المرأة إلى الشيخ وهي تدعو له وتقول: فرج الله عنك كما فرجت عن ولدي، فقد وصل ولدها، وكان يحدثها عن طريقة خلاصه من الأسر، وكيف كانت تظهر العناية الإلهية فيها، فينبغي أن ندعو لأولئك الإخوة الأبطال ولو لم يكن من ذلك الدعاء إلا أداء بعض حقهم، والشعور بمشاركتنا في: ألمهم وكربهم وغربتهم([40]).

    واجب وزارة الأسرى والسلطة الوطنية الفلسطينية.

    تلقى على عاتق وزارة الأسرى والسلطة الوطنية مهمة كبيرة ومسئولية عظيمة جداً في إطلاق سراح الأسرى والمعتقلين؛ ذلك أنها تمثل جهة مسئولة رسمية في كل المحافل: المحلية والإقليمية والدولية ولذلك يمكن أن تقوم بما يلي:-

    1- إن قضية الأسرى والمعتقلين ثابت من الثوابت الفلسطينية التي لا يمكن التخلي عنها بأي حال من الأحوال، وإن تحرير الإنسان مقدم على تحرير الأوطان ولا يقف عند المساواة في التحرير؛ لأن الإنسان هو الذي يقوم بتحرير الأرض والمقدسات من نير الاحتلال الصهيوني.

    2- تذكير الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والإسلامية وأحرار العالم بالأسرى والمعتقلين والتواصل معهم.

    3- تكوين اللجان المختصة؛ لمتابعة قضية الأسرى والمعتقلين من الناحية القانونية ومن الناحية الإنسانية.

    4- الاتصال بالجهات الرسمية مع التأكيد على أهمية ممارسة الضغوط ؛ لمطالبة الكيان الصهيوني بالإفراج عن الأسرى والمعتقلين.

    5- القيام بالحملات الإعلامية المتواصلة؛ لحمايتهم، وإظهار عدالة قضيتهم وأنهم اعتقلوا ظلماً وعدواناً؛ لمدافعتهم عن: أرضهم ودينهم وعرضهم وشرفهم.

    6- فضح جرائم الكيان الصهيوني التي تمارس ضد الأسرى والمعتقلين، وما يمارس ضدهم من أصناف العذاب والإرهاب الجسدي والفكري.

    7- إيجاد البرامج الإذاعية والتلفازية التي تتبنى قضية الأسرى والمعتقلين، وتجعلهم على صلة دائمة مع ذويهم وأبناء شعبهم؛ لكسر الحصار المفروض عليهم.

    8- تشكيل لجنة من المحامين المتميزين؛ لتولي الدفاع عن قضية الأسرى والمعتقلين العادلة، وإظهار عدالة قضيتهم، ورد الظلم الواقع عليهم.

    9- المساهمة في تفعيل دور لجان ومنظمات حقوق الإنسان المحلية والإقليمية والعالمية، وتسهيل أعمالها مع إمدادها بالمعلومات الكاملة؛ لفضح جرائم الكيان الصهيوني التي تمارس ضد الأسرى والمعتقلين.

    10- يجب أن تكون كل الخيارات والوسائل مفتوحة أمام وزارة الأسرى والسلطة الوطنية الفلسطينية في سبيل تخليص الأسرى والمعتقلين من قبضة الاحتلال الصهيوني الظالم.

    إلى غير ذلك من الوسائل المناسبة التي يمكن أن تساهم في الإفراج عن الأسرى والمعتقلين([41]).

    واجب الشعوب والحكومات والأمة.

    مما يتميز به المسلمون أنهم متواصلون مترابطون بأقوى رباط ألاّ وهو رباط الإسلام والإيمان، وقد جسد القرآن الكريم ذلك في قول الله تعالى: )إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ( (الحجرات: من الآية10) وكذلك السنة النبوية الشريفة في قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "مثل المؤمنين في: توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو؛ تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى"([42]).

    ولكي يتحقق هذا لابد أن يتجسد واقعاً ملموساً بحيث يعيش أبناء الأمتين العربية والإسلامية آلام وهموم الأسرى والمعتقلين، فيعملون جاهدين على تخليص الأسرى والمعتقلين من أبناء الشعب الفلسطيني، ويمكن أن تكون المساهمة في تخليصهم من خلال ما يلي:-

    1- الدعاء الدائم والمستمر لهم.

    2- تذكر المسلمين الدائم للأسرى.

    تعتبر قضية الأسرى والمعتقلين من القضايا المركزية التي شغلت وما زالت بال المسلمين في حلهم وترحالهم، وفي وحدتهم واجتماعهم وفي قيامهم وقعودهم، فإذا اختلوا بأنفسهم دعوا الله بإنقاذهم، وإذا اجتمعوا في صلواتهم دعوا الله في كل صلاة بفك أسرهم، فلما أسرت قريش نفراً من المسلمين ولم يجد الرسول- صلى الله عليه وسلم - حيلة لإنقاذهم كان يدعوا الله لإنقاذهم دبر كل صلاة([43]).

    3- تسهيل سبل الهروب للأسير.

    يجب على المسلمين إذا كان بإمكانهم تسهيل سبل الهروب للأسرى والمعتقلين أن يمكنوهم من ذلك كما يجب على المسلمين توفير كل الحماية للأسرى والمعتقلين إذا لجئوا إليهم وهم هاربون، ولا يجوز تسليمهم أو إرجاعهم إلى الكيان الصهيوني، كما لا يجوز أن يدلوا عليهم؛ لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة"([44]).

    قال الإمام السرخسي: "لو هرب منهم أسير مسلم فطلبوا من أسير آخر أن يدلهم على مكانه لا يجوز؛ لأن الدلالة الممكنة من القتل بمنزلة مباشرة القتل"([45]).

    4- الإسهام في المفاداة بالمال:

    الأصل أن المسلمين يتكفلون بتقديم المال لمفاداة الأسرى والمعتقلين ولو أتى ذلك على جميع أموالهم([46]).

    وقد روي عن حيان بن أبي جيلة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: " إن على المسلمين في فيئهم أن يفادوا أسيرهم، ويؤدوا عن غارمهم" ([47]).

    5- المبادلة بأسرى الكيان الصهيوني.

    إذا كان لدى الحكومات العربية والإسلامية أو الأحزاب أو الشعوب أسرى للكيان الصهيوني فيجب عليهم مبادلتهم بالأسرى والمعتقلين من أبناء الشعب الفلسطيني.

    أما إذا لم يكن لديهم أسرى من الكيان الصهيوني؛ فإن للحكومات أن تقوم بخطف بعض أفراد الكيان الصهيوني كرهائن لمبادلتهم بالأسرى والمعتقلين([48]).

    روى البيهقي: أن الصحابة أسروا رجلاً من بني عقيل، فأوثقوه فطرحوه في الحرة، فمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ ونحن معه ـ فنادى الرجل: يا محمد، يا محمد، فأتاه، فقال: " ما شأنك؟"، قال: فيما أخذت؟ قال: "أخذت بجريرة حلفائك ثقيف"، وكانت ثقيف قد أسرت رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد، يا محمد، قال: "ما شأنك؟" قال: إني مسلم، قال: " لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح"، ففاداه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذين أسرتهما ثقيف"([49]).

    6- مقاطعة الكيان الصهيوني، وعدم التطبيع معه بأي حال من الأحوال.

    ذلك أنه عدو غاصب محتل قام على: القتل والاغتيالات والاعتقالات وتدمير المقدرات، لذا تجب مقاطعته وإعلان ذلك كحرب عليه حتى يرجع عن ظلمه وأفعاله الإرهابية ويفرج عن الأسرى والمعتقلين.

    7- إعلان الحرب على الكيان الصهيوني.

    إن لم تجد كل الوسائل السابقة طريقها، فإنه يجب على الحكومات العربية والإسلامية إعلان الحرب على الكيان الصهيوني إذا كانت في تلك الحكومات قوة تمكنهم من تحقيق الانتصار على العدو الصهيوني، كما يجب على الحكومات إعلان الحرب؛ بقصد استنقاذ الأسرى والمعتقلين إذا لم تفلح كل الوسائل السلمية في ذلك.

    قال ابن جزي: "يجب استنقاذهم من أيدي الكفار بالقتال"([50])، وأيد وأكد ذلك قوله تعالى: )وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً( (النساء:75) فالآية توجب القتال؛ لاستنقاذ المستضعفين والمراد بهم كل من كان في مكة من المؤمنين تحت إذلال كفرة قريش وأذاهم لا يستطيعون خروجاً.

    قال ابن عطية في تفسيره: "والآية تناولت المؤمنين والأسرى وحواضر الشرك إلى يوم القيامة"([51])، وقد قال العز بن عبد السلام -رحمه الله تعالى-: " وانقا ذ أسرى المسلمين من أيدي الكفار من أفضل القربات"، وقد قال بعض العلماء: وإذا أسروا مسلماً واحداً وجب علينا أن نقاتلهم حتى نخلصه أو نبيدهم"([52]).

    وقد حدثت في تاريخنا الإسلامي العظيم معركة كبيرة سجلها التاريخ؛ من أجل الدفاع عن حرية أسيرة مسلمة واحدة، فقد أسر الروم امرأة مسلمة؛ فأرسل المعتصم بالله الخليفة المسلم كتاباً يهدد فيه ملك الروم ويأمره بإطلاق سراح المرأة المسلمة، فكتب ملك الروم كتاباً إلى المعتصم يهدد فيه، فلما قُرئ عليه، قال للكاتب: اكتب : البسمله الرحيم، أما بعد،

    فقد قرأت كتابك وسمعت خطابك والجواب ما ترى لا ما تسمع، وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار([53]).

    ثم غزا المعتصم الروم فأنكاهم نكاية عظيمة لم يسمع بمثلها لخليفة، فشتت جمعهم وخرب ديارهم، ثم فتح عمورية بالسيف، وقتل منهم ثلاثين ألفاً، وسبى مثلهم حتى قال فيه الشاعر أبو تمام: السيف أصدق أنباء من الكتب في حد الحد بين الحد واللعب([54])

    فما واجب الحكومات اليوم تجاه آلاف الأسرى والمعتقلين من الرجال والنساء؟ بل ومن القصر والنساء الحوامل من أبناء الشعب الفلسطيني في سجون الكيان الصهيوني الغاصب؟!.

    الهوامش

      الوقت/التاريخ الآن هو الأربعاء 8 مايو 2024 - 4:42