الإنسان بين الواجب
الدنيوي والمصير الأخروي
يأتي الإنسان إلى هذه الحياة الدنيا ، مبتدئا ، إياها بيوم
مولده ، ثم ينشأ ويترعرع . وتترعرع في جنبيه آماله وأحلامه ، ويقوى تعلقه بهذه
الحياة ، فلا يسعه فراقها ولا يرضى بغيرها بدلا ، فيطوي على هذا الحال سنين
طويلة ، ويبلغ من عمره ما يبلغ ، فتأكل الأيام قواه ويثقل الزمان ظهره بحمل من
السنين ، فيقعد مرغما عن السعي إلى الآمال والركود خلف الأحلام .
وعندها تحين الالتفاتة ، وهو ما يفتأ يرى أنه قد بلغ
النهاية في عراكه مع أحداث الحياة من أجل الوصول إلى ما كان يرجوه من أسفاره .
وها هو الآن يضع عصا الترحال مستسلما لأمر الواقع ، إذا قد
حانت أشراط الفراق ، وقد ازدادت الشقة بينه وبين هذه الحياة ، ثم يلفظ آخر
أنفاسه خاتما تلك الحياة في لحظة من سكرات الموت .
فهل ينتهي إلى هنا كل شئ ؟
وهل تنتهي الحياة بموت الإنسان وتحوله إلى جثة هامدة وعظام نخرة ، ثم لا شئ بعد
ذلك ؟
فإن كان الأمر كذلك ، فما هو الفرق إذا بين الإنسان والحيوان ، وبين إنسان وآخر
من جنسه من حيث المصير ؟
ما الفرق بين الناس : الناجح منهم والفاشل في حياته ، وبين الخير والشرير ،
وبين العادل والظالم ؟
أم أن خالق الكون والإنسان لا يهدف إلى شئ من خلقه إياه ؟
أم أن وجود الإنسان محدود بهذه الحياة الدنيا فحسب ، فلماذا الموت والفناء إذا
، ولم لا يترك الإنسان مخلدا باقيا في حياته ، ما دام لا شئ بعد الموت ، أم أن
الخالق عاجز عن إبقائه فيها أبدا ؟
|
الكل يعلم - سواء استمد علمه هذا من عقيدة دينية أو من
الفطرة - أنه ميت وماض إلى حياة أخرى ، وحتى أولئك الماديون فإنهم إنما ينفون
هذا لفظا وجدلا لا يقوى على إقناع أو حجة بل يقرون بذلك فطرة أخفوها من خلف
مكابراتهم ومرائهم .
إن الحياة لا تنتهي بالموت ، وإنما الموت انتقال إلى الحياة
الثانية التي تبدأ بما يسمى بالحياة البرزخية .
وفي الواقع أنه بالموت يبدأ كل شئ ، فالحياة الدنيا ليست
سوى تلك الأعمال التي يتصدى لها الإنسان فيها منذ ولادته إلى يوم ارتحاله ،
والحياة الأخرى ليست سوى حضور تلك الأعمال التي تصدى لها الإنسان في حياته
الدنيا بذواتها منذ بلوغه التكليف ثم حصحصتها بلا تجاوز لصغيرة ولا كبيرة .
وعلى هذا الأساس - فالناس - وهم في حياتهم الدنيا - سواسية
من حيث إن لهم اكتساب هذه الفرصة للتحصيل والتزود كل على قدر ارتباطه بخالقه
والتزامه بتكاليفه . وهم بذلك على قدر وافر من الاختيار ، بل دون جبر يحول
بينهم وبين اكتساب هذه الفرصة السانحة التي لا تتكرر .
وطبقا لذلك فهم سواسية أيضا من حيث الثواب والعقاب في
الحياة الأخرى ، كل طبقا لما اكتسبه في حياته الأولى وما انتخبه من نهج فيها .
إذا فالحياة الأولى مرحلة الاكتساب والتزود ، والموت هو لحظة الانتقال إلى
الحياة الثانية التي هي حياة الاستقرار الأبدي لما اكتسبه وتزود به سابقا
( ليجزي الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب )
( 1 ) .
إن الحياة التي يحرزها الإنسان في آخرته بلا شك هي حياة
أبدية ويمكن للفرد أن يتصور ويمعن الفكر بعمق في معنى تلك الحياة الأبدية ، مع
العلم بأن الأبدية تعني إلى جانب عدم الانقطاع والانصرام اللاعودة واللارجعة
لترتيب الأمور وإصلاح ما فسد منها ، إذا أن ذلك أمر ممنوع ولا مجال له قط .
فليتصور الإنسان ذلك ، وليضع نفسه مرة في موضع من حالفه
التوفيق في تلك الحياة الأبدية ، ومرة في موضع الذي جانبه التوفيق وحدث على أقل
تقدير تقصير في أعماله فأصابه نوع من الشقاء فيها ، وليذوق طعم الحياتين في
الحالتين معا ، حتى يتبين له الفرق الشاسع وخطورة الموقف ، حتى تتبين
<table style="border-collapse: collapse;" id="AutoNumber18" border="0" bordercolor="#111111" cellpadding="0" cellspacing="0" width="100%"> <tr> <td bgcolor="#cccccc" width="2%"> </td> <td bgcolor="#cccccc" width="96%"> * هامش *</td> <td bgcolor="#cccccc" width="2%"> </td> </tr> <tr> <td bgcolor="#cccccc" width="2%"> </td> <td bgcolor="#cccccc" width="96%"> ( 1 ) إبراهيم : 51 . ( * ) </td> <td bgcolor="#cccccc" width="2%"> </td> </tr> </table> |
|
له أهمية الحياة الدنيا من حيث إنها مجال لا حراز
المصائر ، وبالتالي يدرك جيدا أن السعي إلى البحث عن سبيل السلام واجب ، يحتمه
عليه خطورة ما يؤول إليه مصيره الخاص في تلك الحياة التي لا فرصة فيها لإصلاح
ما فسد ، ولا عودة فيها للبدء من جديد .
فالحياة الدنيا - وهي مجال لأداء هذا الواجب ومنطلق لذاك
المصير - ليست مجالا لاكتساب أعمال قد أحيطت بالظنون وطوقت بالأوهام ، إذا أنها
حياة - وهي تؤدي إلى مصير كهذا قطعا - لا تحتمل ذلك لمحدوديتها وقصرها ، فلا بد
إذا أن يكون
كل فعل يكتسب فيها مؤسسا على اليقين والحق ، والفعل الذي
يبعث الاطمئنان على النتائج فتأسيس هذه الحياة على الظن والأوهام لا ينتهي إلا
إلى هذين .
إن أهمية الحياة الدنيا من هذا الحيث لا تقل شيئا عن أهمية
الحياة الأخرى ، إذ لا بد للإنسان أن يبعد عن حياته هذه كل ما من شأنه أن يباعد
بينه وبين السعادة الأبدية في تلك الحياة التي تقوم على أساس اليقين ، بل عين
اليقين .
وهذا هو أصل السعادة وأساس الفوز في الحياة الآخرة .
والسنخية بين الحياة الدنيا والحياة الآخرة واضحة، فما يفعله الإنسان في هذه
الحياة يحضر بعينه وبصورته النوعية الحقة ليجده الفرد هناك أمامه ، بل كل فعل
وكل شئ آنذاك يتجلى في صورته
الواقعية التي لا نستطيع ونحن في حياتنا هذه - ما دمنا
قد بنيناها على الظن - أن ندركها كما هي في الواقع الحقيقي ، وهذا هو اليقين
المطلوب في هذه الحياة ، الذي تكون علائمه التي تشير إليه هي اليقين المطلوب في
هذه الحياة في أدنى درجاته
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 - 20:54 من طرف جنى ميرو
» صيانة سخانات في دبي 0543747022 emiratefix.com
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 - 19:53 من طرف جنى ميرو
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في عجمان 0543747022
السبت 16 نوفمبر 2024 - 23:43 من طرف جنى ميرو
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في عجمان 0543747022
السبت 16 نوفمبر 2024 - 23:11 من طرف جنى ميرو
» تصليح أفران في دبي 0543747022 emiratefix.com
السبت 16 نوفمبر 2024 - 22:15 من طرف جنى ميرو
» تصليح أفران في دبي 0543747022 emiratefix.com
السبت 16 نوفمبر 2024 - 22:11 من طرف جنى ميرو
» تصليح ثلاجات في دبي emiratefix.com 0543747022
السبت 16 نوفمبر 2024 - 0:11 من طرف جنى ميرو
» تصليح سخانات في دبي - 0543747022 (الشمسية و المركزية) emiratefix.com
الجمعة 15 نوفمبر 2024 - 20:33 من طرف جنى ميرو
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في الشارقة 0543747022
الأربعاء 13 نوفمبر 2024 - 21:30 من طرف جنى ميرو
» اداة ذكاء اصطناعي للباحثين وطلاب الدراسات العليا
الجمعة 26 أبريل 2024 - 11:23 من طرف Abd