ثمة علاقة حميمة بين موجات الفلسطينيين التي تدفقت الى مصر، و ظهور الشخصيه الفلسطينية، مطلع عشرينات هذا القرن. فقد دفعت الصدامات و ثورة 1936-1939، الكثير من الفلسطينيين للجوء الى مصر. و لوحظ أن النسبة الاكبر من هؤلاء جاءت من الخليل، المدينة التي شهدت أشرس الصدامات بين العرب و اليهود، إبان هبة البراق. يلاحظ أن النسبة العظمى من هؤلاء حصلت على الجنسية المصرية، حتى قبل وقوع نكبة 1948 الفلسطينية.
ثم جاء لاجئو 1948، بأعدادهم الكبيره، نسبياً؛ و بعدهم توافدت اعداد قليله، ممن قذف بهم، احتلال القوات الاسرائيلية لقطاع غزة، خريف 1956، خلال العدوان الثلاثي. على ان أعدادا أكبر وصلت مصر بعد احتلال القوات الاسرائيلية للضفة الغربية و قطاع غزة، في حرب يونيو/ حزيران 1967. بل ان نزف المواطنين في هاتين المنطقتين المحتلتين لم ينقطع، منذئذ الى يوم قريب مضى.
بيد ان الكتلة الاكبر التي وردت الى مصر من الفلسطينيين كانت تلك التي هاجرت، بفعل نكبة 1948 الفلسطينية. فمع اشتداد القصف المدفعي للعصابات الصهيونية المسلحة( الهاغاناه؛ والارغون؛ و شتيرن) على مدينة يافا، و تشديد هذه العصابات الخناق حول المدينة، التي أخذت دفاعاتها المتواضعة في الانهيار المتوالي، اخذت جموع أهالي يافا تتدافع الى شاطئ البحر، الذي تركته العصابات الصهيونية دون ان تغلقه، مكتفية بمحاصرة المدينة على شكل حدوة حصان. و استخدمت هذه الجموع القوارب و اللنشات، و نزلت بها الى ماء البحر، متجهة الى الجنوب، في اتجاه قطاع غزة، و مصر، يدفعها الى ذلك الساحل الآمن، و قصر المسافة، نسبيا، ناهيك عن تحدر نسبة غير قليلة من أهالي يافا من مصر, و لعل في هذا كلة ما يفسر وصول نسبة كبيرة من أهالي يافا الى هاتين الجهتين، فيما نجح الباقون في الوصول الى سوريا و لبنان، و الضفه الغربيه، و تبقى بضعة مئات في يافا نفسها.
توالى وصول اليافيين الى بور سعيد، أول ثغر قابلهم في القطر المصري ؛ و سارعت السلطات المصرية الى ضرب طوق من حول قوارب الوافدين، و حاصرتهم في مبنى الحجر الصحي، التابع لشركة قناة السويس، جنوب شرقي المدينة، حمل اسم " المزاريطة"، فيما أخذت هذه السلطات من وصل من الفلسطينيين عبر البر، الى معسكر في " العباسية"، أحد ضواحي العاصمة المصرية.
سرعان ما ثار اليافيون المحصورون في " المزاريطة" على وضعهم المزري، و خرجت بنادقهم من مخابئها، و اندلع الصدام بينهم و بين الشرطة المصرية، و ان امكن محاصرتة واحتواءه، سمحت الحكومة المصرية بخروج الرأسماليين من " المزاربطة" و معسكر العباسية، و منحتهم حق الاقامة في مصر، كما سمحت بخروج كل من أتى بكفيل مصري مقتدر. و قد اتضح من هاتين الفئتين ان الحكومة المصرية أرادت ان تجنب نفسها عبئا اقتصاديا اجتماعياً. ثم سرعان ما جمعت الحكومة المصرية من تبقى في أحد المعسكرات التي هجرتها القوات البريطانية في القنطرة شرق، على قناة السويس.
في صيف 1949، زار وزير المعارف المصري، هذا المعسكر، فخرج حشد من اهله متظاهراً ساخطاً، يردد " بدنا غزة، بدنا غزة" . و ما هي الا ايام، حتى كانت القطارات تنقلهم الى قطاع غزة، حيث خصص لهم مخيم المغازي هناك. اما من تبقى منهم في مصر، فكانت لهم سيرة أخرى.
تسرد وثيقة رسمية مصرية قصة هذه الموجة سنة 1948 من الفلسطينيين(1) فتقول بأنة في 24 ابريل نيسان 1948، طلب الى وزارة الشؤون الاجتماعية في مصر الاستعداد لاستقبال المهاجرين من ابناء فلسطين. فأسرعت الوزارة الى اعداد مخيم لهم في منطقة العباسية، واستقبلت فيه الافواج الاولى منهم.
الا ان جموع المهاجرين تدفقت، تدفقا شديدا، ما بين 28 ابريل نيسان و اول مايو ايار سنة 1948، بعد تشديد الهجوم العسكري الصهيوني على مدينة يافا، التي سقطت فعلا في أيدي العصابات الصهيونية، يوم الجمعه 14-5-1948. و لم يبق فيها سوى الثلاثة الاف نسمة، من قرابة 120 الفا، هم مجموع اهاليها(2). مما جعل وزارة الشؤون الاجتماعيه المصريه تنهض الى استقبالهم في مدينة القنطرة شرق، وتستقبلهم في معسكر ضخم هناك، اتسع لهم جميعاً، وعلى الفور تشكلت لجنة، بقرار وزاري حملت اسم" اللجنة العليا لشؤون المهاجرين الفلسطينيين"، وكانت مؤلفه من عشرين عضواً، يمثلون وزارات الداخلية، و الشؤون الاجتماعيه والصحة، والزراعة، والدفاع، والخارجية، ومصلحة السكة الحديد، ومصلحة الحدود، وجمعية الهلال الاحمر. وتحددت مهمة هذه اللجنة في الاشراف على المهاجرين في المعسكر، من جميع النواحي: الصحية، الاجتماعية، الثقافية، الرياضية، الدينية الخ... ووضعت تحت تصرف اللجنة مبالغ من المال، أهمها رصيد يبلغ قرابة 300 الف جنية مصري، من الاحتياطي العام للدولة. ثم ما لبث جامعة الدول العربية ان ساهمت في تمويلها من المجلس الاعلى لاغاثة اللاجئين، بما قيمته أربعة الاف جنية مصري.
في الثالث من سبتمبر 1948 نقل المهاجرين من معسكر العباسية الى القنطرة شرق، وأضيفت اليهم دفعه اخرى، كانت محتجزة، في معسكر " المزارطية" في بور سعيد. وهكذا تجمع في معسكر القنطرة ما يقرب من اثني عشر الف لاجئ فلسطيني .
و ما لبثت العائلات التي خرجت من ديارها ببعض المال، ان طلبت السماح لها بترك المعسكر، و الاقامة داخل القطر المصري. هنا تشكلت لجنة خاصة للنظر في هذه الطلبات، و سمحت اللجنة بالخروج لكل من توفر فيه شرطان اساسيان: القدرة المالية، و كفيل ميسور من أهل البلاد.
استمرت لجنة الافراجات في عملها هذا، و أخذت تصرف بطاقات الاقامة المؤقته للمغادرين، الى ان بقي داخل معسكر القنطرة حوالي سبعة الاف لاجئ فقط تحت اشراف اللجنة العليا.
أما الخدمات التي قدمت للمقيمين في المعسكر، فابتدأت من اجراء احصاء اجتماعي شامل، وتقسيم المعسكر الى خمس مناطق، يشرف على كل منها مفتش من وزارة الشؤون الاجتماعية، يعاونه موظفو الوزارات الأخرى، يشاركهم نفر من أبناء فلسطين. حتى لقد أطلق على المعسكر اسم "مدينة اللاجئين "، و فيه توافرت اسباب الراحة . والخدمات الضرورية، فكانت المساكن مزودة بالمياه و الاضاءة الكهربائية. كما تم الإشراف على تغذية جميع المقيمين في المعسكر. فقدموا لهم الخبز و الطعام المطهي، باشراف طبيب بيطري على اللحوم وعاون ابناء فلسطين في عملية توزيع الطعام على اخوانهم.
من الناحيه الصحية، كان الاشراف كاملاً على الاطفال و الكبار في آن معاً و تم تحصين اللاجئين ضد الامراض و الاوبئه، وتأسست مستشفى و صيدلية بالمجان، و انتدبت الحكومة المصرية عدد من الاطباء و الممرضات لهذا الغرض.
فيما حظيت الناحيه الثقافيه بنصيب من عناية القائمين على المعسكر، فانشئت مدرسة اعدادية، التحق بها حوالي أربعمائة تلميذ، و اخرى ابتدائية، ضمت حوالي اربعمئه طفل آخرين، فيما الحق عدد من أبناء المعسكر بمدرسة القنطره الثانويه، و انتقل عدد أخر الى جامعتي فؤاد (القاهره الان)، و فاروق ( الاسكندرية الان). و اقيم في المعسكر مسجد كبير، خصص له واعظ مؤهل، كما سمح للمسيحين بالخروج ايام الاحاد و الاعياد، الى كنيسة القنطرة شرق، لأداء صلواتهم.
لم تحرم الرياضه من عناية اللجنة العليا، فأعد ملعب لكرة القدم، و صالة للتمرينات السويدية. و تولي أحد أبناء فلسطين تدريب الراغبين من الفلسطينيين في هذه التمرينات. وما لبثت أن قام نفر من اللاجئين في معسكر القنطرة بتأسيس هيئة لهم تمثلهم لدى السلطات الحكوميه في المعسكر.
لم تنس اللجنة العليا خدمة البرق و البريد، ليتسنى للفلسطينين هناك الاتصال بذويهم في شتى أرجاء الاقطار العربية، عن طريقها و بواسطة الاذاعة، ايضاً.
كما لم تهمل اللجنة الناحية الترفيهيه، فانشأت دار للسينما، تعرض فيها الافلام العلمية، الثقافية، والسياحيه. كما أنشأت مخافر للشرطة، وعينت دوريات للحراسة الداخليه في المعسكر وخارج الاسلاك الشائكة المضروبه من حول المعسكر في إحكام، منعاً لهروب من تسول له نفسة الاقامة في مصر. سرعان ما سمحت اللجنة للحرفين من اللاجئين مزاولة اعمالهم في المعسكر، ففتح هؤلاء محلات البقالة، ومحلات صغيرة لبيع الفول و الفلافل، ومحلات لتصليح الراديو مثلاً، واخرى لغسل الملابس وكيها، واخرى للخياطة، كما انخرط عدد غير قليل من فتيان المعسكر وفتياته في أعمال التمريض و الاسعاف، وعمل بعضهم كتبة في دوائر المعسكر المختلفة، وفي الشؤون الاجتماعية، وللمحافظة على النظام و الهدوء، والاشراف على التصرفات والسلوك، فكان المعسكر نظيفا من شتى الوجوه. وتم تدريب عدد كبير من الرجال على استخدام السلاح.
وعندما استقر قطاع غزة تحت رعاية الارادة المصرية، أصدر مجلس الوزراء المصري قرارا في سبتمبر سنة 1949، يقضي بترحيل اللاجئين الفلسطينيين من معسكر القنطرة الى قطاع غزة. ولعل مما عجل في استصدار هذا القرار تململ لاجئي المعسكر وتبرمهم من احتجازهم في المعسكر، حتى بعد ان عقدت الحكومة المصرية اتفاقية الهدنة مع اسرائيل، ووضعت الحرب أوزارها، وفقد وضع هؤلاء اللاجئين طابعه المؤقت. تم تنفيذ هذا القرار، وسلم نزلاء معسكر القنطره الى هيئة " الكويكرز" في قطاع غزة، التي تشرف على اغاثة اللاجئين في قطاع غزة كما سلمت لهذه الهيئه شتى المهمات التي كانت تقدم للمقيمين المعسكر، علاوة على قرابة ثلاثين ألف جنيه مصري، دفعتهااللجنة العليا من اعانات.
بانتقال القاطنين في معسكر القنيطرة الى قطاع غزة، وبالتحديد الى مخيم المغازي، انتقلت أعمال " اللجنة العليا لشؤون المهاجرين الفلسطينيين" الى القاهرة و المحافظات. وأصدرت جامعة الدول العربية، عام 1950 "قرار ضم الشمل" الذي يقضي بترحيل اللاجئين الراغبين في السفر الى المناطق العربيه في فلسطين، من أجل الانضمام الى اسرهم و ذويهم. و بلغ عدد هؤلاء 589 لاجئا، سافروا بطريق الجو، على نفقة الحكومة المصرية، فيما سافر على نفقة الامانة العامة للجامة العربيه، في المدة نفسها، 123 شخصاً، حسب جلسة جامعة الدول العربية في اكتوبر تشرين الاول 1951. و قد اعيد فتح معسكر العباسية، لتجميع الراغبين في مغادرة مصر. و في 5 أغسطس / اب 1950، نقل الى قطاع غزة 184 لاجئا، فيما كان نقل في 5 يونيو حزيران من السنة نفسها و ما تلاها، 516 لاجئا الى القدس، صرفت لهم 458 تذكرة، و قامت طائرات شركة مصر للطيران بنقلهم، تباعا، من القاهرة الى عمان، في حوالي 17 رحلة. و تراجع دور اللجنة العليا، حتى اختفى، تماماً. الى ان قامت ثورة في 23يوليو/تموز 1952؛ التي قررت في 12 اكتوبر/ تشرين الاول 1953، اعادة تشكيل هذة اللجنة (3). سرعان ما أخذت جموع اللاجئين الفلسطينيين تستقر في أرجاء مصر و تكتسب ملامحها.
يتبــع
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 - 20:54 من طرف جنى ميرو
» صيانة سخانات في دبي 0543747022 emiratefix.com
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 - 19:53 من طرف جنى ميرو
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في عجمان 0543747022
السبت 16 نوفمبر 2024 - 23:43 من طرف جنى ميرو
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في عجمان 0543747022
السبت 16 نوفمبر 2024 - 23:11 من طرف جنى ميرو
» تصليح أفران في دبي 0543747022 emiratefix.com
السبت 16 نوفمبر 2024 - 22:15 من طرف جنى ميرو
» تصليح أفران في دبي 0543747022 emiratefix.com
السبت 16 نوفمبر 2024 - 22:11 من طرف جنى ميرو
» تصليح ثلاجات في دبي emiratefix.com 0543747022
السبت 16 نوفمبر 2024 - 0:11 من طرف جنى ميرو
» تصليح سخانات في دبي - 0543747022 (الشمسية و المركزية) emiratefix.com
الجمعة 15 نوفمبر 2024 - 20:33 من طرف جنى ميرو
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في الشارقة 0543747022
الأربعاء 13 نوفمبر 2024 - 21:30 من طرف جنى ميرو
» اداة ذكاء اصطناعي للباحثين وطلاب الدراسات العليا
الجمعة 26 أبريل 2024 - 11:23 من طرف Abd