غزة... حيث تمر الجرائم بلا عقاب
فلسطيني يحمل ابنه المصاب خلال عدوان إسرائيل على غزة أوائل العام - (أرشيفية) |
غزة المحاصرة تختفي من وسائل الإعلام ومواطن الاهتمام، وكأنما نسي العالم الفظاعات التي مرت بها وما تزال
بريان كلاوغلي – (كاونتربنتش)
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
غزة. أين يقع هذا المكان؟ هل سمعت شيئاً عنها مؤخراً؟ إنها لا تظهر على قائمة القضايا المهمة التي ينبغي أن يفكر بها زعماء العالم ورؤساء وزرائه. لقد اختفت من وسائل الإعلام. ولم يكن الناس ليهتموا أقل إزاء جيل من الفلسطينيين الذين يتم إخضاعهم لحرمان مطلق تمارسه عليهم بوحشية دولة إمبريالية فقدت اتصالها مع الإنسانية.
معظم البلدان، ومعظم الكائنات البشرية، مع استثناءات متوقعة، دانت إسرائيل على انغماسها في ممارسات وحشية مسعورة خلال هجومها على غزة في شهري كانون الأول (ديسمبر) وكانون الثاني (يناير) الماضيين. وليس هناك شك في أن الكثير من سلوكياتها كانت إجرامية. على سبيل المثال، هناك حوادث موثقة جيداً لاستخدام قذائف المدفعية المذخرة بالفوسفور الأبيض ضد المدنيين. وهو غاز سام، بعبارات أخرى –ولو أنه كان أعلى قليلاً من حيث التقنية من الأبخرة القاتلة التي كانت قد أخذت حياة الملايين من الرجال والنساء والأطفال اليهود الأبرياء في معسكرات التجميع النازية.
لكن إسرائيل، التي يتم تحريكها مثل دمية متغطرسة عدوانية على المسرح العالمي، بأصابع واشنطن قوية العضلات وبعض العواصم التي يبدو إقرارها للعنف بلا حدود، يمكن لها أن تفلت، حرفاً، بارتكاب القتل. ويمكن القضاء على الرجال والنساء والأطفال البريئين على أيدي القوات المسلحة التي لا سبب لديها لتخاف العدالة، بل ولا حتى تلقي النقد من النظام القضائي العالمي.
ثمة قاض دولي يحظى باحترام كبير، هو السيد ريتشارد غولدستون (يهودي من جنوب إفريقيا)، كان قد رفع تقريراً إلى الأمم المتحدة حول محاولات إسرائيل لممارسة التطهير العرقي واعتداءات حماس، وكان غير منحاز وموضوعي إزاء تقييم الحقائق وتقدير المسؤولية، كما يتوقع من مثل هذا القاضي البارز
كانت عباراته المرجعية "التحقيق في كافة الانتهاكات لقانون حقوق الإنسان الدولي والقانون الإنساني الدولي التي ربما كانت قد مورست في أي وقت في سياق العملية العسكرية التي كانت قد شنت في غزة خلال الفترة ما بين 27 كانون الأول (ديسمبر) 2008 وحتى 18 من كانون الثاني (يناير) 2009، سواء كان ذلك قبل، أو خلال، أو بعد العملية".
وقد حقق الرجل بإمعان (ولو أن الإسرائيليين رفضوا التعاون معه بأي طريقة) وقدم تقريره بشكل عادل. وكانت مكتشفاته أن الجماعات الإرهابية الفلسطينية كانت متورطة في ارتكاب انتهاكات، كما كان حال القوات الإسرائيلية المسلحة. وبسبب حكمه الأخير تعرض لهجوم مباشرة من جهة إسرائيل، وصحيفة وول ستريت جورنال، والإيكونوميست، والفايننشال تايمز. وكذلك من جهة الرئيس أوباما.
أعلنت إدارة أوباما أن التقرير كان "معيباً" من دون أي إشارة عن طبيعة تلك العيوب. وقد لاحظ السيد غولدستون، على نحو كيّس ومتوازن كما هو حاله دائماً وبلطف: "ما أزال أنتظر أن أسمع من إدارة أوباما ماذا كانت تلك العيوب التي شخصتها في التقرير... وسوف أكون سعيداً في الرد عليها، وفي أي وقت أعرف فيه ما هي... وأنا أهتم بطبيعة الحال وأود أن أنخرط مع إدارة أوباما، بشكل غير رسمي على الأقل".
ثمة فرصة شبه مستحيلة لحدوث ذلك، إلا إذا كانت إدارة أوباما مستعدة للمخاطرة بإثارة غضب إسرائيل.
لكن السيد أوباما، مثل أسلافه، لا يفضل أي شيء ينطوي على انتقاد لإسرائيل، لأنه يريد فترة رئاسية ثانية بعد كل شيء، ولا ينبغي أن يثير حفيظة اللوبي الإسرائيلي الغني والمهيمن. كما أن مشرعي بلاده، الخائفين بالمقدار نفسه من ذلك اللوبي والمجبرين على اتباع خط تل أبيب "مرروا بأغلبية ساحقة قراراً يدين التقرير الذي أصدرته لجنة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق، والذي انتقد إسرائيل كجزء من تقديره لأزمة غزة في العام 2008 بين إسرائيل وحماس". وقد صوتوا ضد التقرير بنسبة 344 في مقابل 36، كاشفين بذلك، مثلهم مثل البيت الأبيض، عن ازدرائهم لأي تحليل غير منحاز، وللأمم المتحدة، وللقاضي البارز غولدستون، والقانون الدولي، وكل شيء تقريباً مما تبقى متسماً بالتحضر في هذا العالم المرعب. (ولكم أن تتساءلوا عن عدد أولئك الذين قرؤوا التقرير فعلاً قبل التصويت).
لقد باع المئات من المشرعين في الولايات المتحدة وبريطانيا أرواحهم لإسرائيل، وسوف يدعمون تل أبيت تحت أي ظروف.
يقف حزب العمال البريطاني الحاكم مباشرة وراء إسرائيل. وقد سُجل أن "أصدقاء إسرائيل العماليين"، وهي جماعة ضغط تتخذ من ويستمنستر مقراً لها وتعمل داخل حزب العمل البريطاني لدعم دولة إسرائيل، قد أقامت علاقات وثيقة مع رئيس الوزراء السابق توني بلير، الذي انضم إلى الجمعية بناء على طلبه".
بعد العقد الكارثي الذي قضاه رئيساً للوزراء، تم تعيين بلير، وهو رجل جشع وبلا مبادئ، والذي ثبت كذبه، ليكون "مبعوثاً للشرق الأوسط يعمل نيابة عن الولايات المتحدة وروسيا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي"، وهي المهمة التي ينجز فيها أي شيء حرفياً. وقد كان اختيار بلير ليكون ممثل "الرباعية" في الشرق الأوسط غرائبياً. ولم يستطع أي شخص أن يتخيل ولو للحظة أن نشاطاته يمكن أن تعد غير منحازة –على عكس السيد غولدستون-. لكن ذلك لم يكن مهماً، لأنه كان يحظى بختم الموافقة الإسرائيلي.
وتماماً كما كان الحال في الولايات المتحدة، لا تعرف إسرائيل أي حدود سياسية في بريطانيا، والتي كان رئيس وزرائها الحالي، وهو شخص مغفل وغير ملهم ومشاكس يدعى براون، قد أعلن:
"إن من أعظم دواعي سروري أنني استطعت التحدث إلى أصدقاء إسرائيل العماليين، وأن أتمكن من شكركم على كل شيء تقومون به لتعزيز قضية العدالة... وأنا لا أعتبر نفسي صديقاً لإسرائيل فقط، وإنما شخص يريد أن يدعم مستقبل إسرائيل أيضاً".
"قضية العدالة؟"
كما سجل القاضي غولدستون، فإن إسرائيل قد "ارتكبت تصرفات ترتقي إلى مرتبة جرائم الحرب، وربما الجرائم ضد الإنسانية"، بقيامها عن قصد بقتل المدنيين خلال اجتياح غزة.
لكن رئيس وزراء بريطانيا يتصور أن مذبحة إسرائيل لأكثر من 300 طفل سوف "تعزز قضية العدالة".
وكان زعيم حزب المحافظين البريطاني متذللاً بالمقدار نفسه في شهر حزيران (يونيو) عندما قال لأصدقاء إسرائيل المحافظين في حفل لجمع التبرعات في فندق دورتشستر إنه يدعم إسرائيل بلا هوادة، "ليس بسبب دعم حزبي غير المتوقف إسرائيل عبر العقود بكل بساطة، ولكن لأن ذلك يشكل أيضاً شيئاً أشعر به عميقاً في داخلي".
يا له من هراء. هذا الرجل صغير الحجم الذي لا يحضرني اسمه، قفز إلى عربة الفرقة الإسرائيلية لأن ذلك يعني النقود. هناك 80% من نواب حزب المحافظين هم أعضاء في لجنة أصدقاء إسرائيل المحافظين، والمساعدات التي تأتي للحملات السياسية من منظمات الأعمال الداعمة لإسرائيل يجري التكتم عليها وأخذها بسعادة.
ثمة بالكاد كلمة نقد لإسرائيل ينطق بها ساسة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وليس من المفاجئ أبداً أن يكون الأمر هكذا، لأن الكثيرين جداً لم يكونوا ليوجدوا من دون الأموال التي يتلقونها من اللوبي الإسرائيلي، والتي تمرر إليهم بطريقة أو بأخرى. وكافة رحلات العطلات المترفة الغالية المدفوعة التكاليف إلى أرض "قضية العدالة"، إنما تشكل تأكيداً على أن المشرعين يكونون قد ذهبوا ليحصلوا على كل ما يستطيعونه مجاناً.
والسيد أوباما الفائز بجائزة نوبل للسلام، والذي بنى عليه الكثيرون منا آمالاً عريضة حول نظافة اليد، له وزيرة خارجية قالت للوبي الإسرائيلي: "من الرائع أن أكون هنا معكم جميعاً وبين كل هذا العدد من الأصدقاء، وأنا أشعر بأن هذا حفل لم شمل عائلي عملاق... وأنا أشعر وكأنني بين أفراد عائلتي... لدي التزام مبدئي بأمن إسرائيل... ليبارك الله إسرائيل...".
مع أصدقاء ذليلين يلعقون الأحذية كهؤلاء، يمكن لإسرائيل أن تستمر بتجاهل قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ويمكن لها أن تبني العشرات من المستوطنات غير القانونية على أراض مسروقة من الفلسطينيين، ويمكن أن تحكم على أهل غزة -خاصة تلك الآلاف التي لا تعد من الأطفال- بالعيش تحت ظروف شظف العيش الهائلة إلى ما لا نهاية. إن دولة إسرائيل توجد في عالم مواز شرير وشرس، يدعمها ساسة غربيون متعجرفون ومهلهلون.
ولكن، في وقت يكون فيه كل هذا العدد الهائل من الساسة والكثير من وسائل الإعلام في الولايات المتحدة وبريطانيا عاقدي النية على دعم صهيون وتجاهل انتهاكات إسرائيل الصارخة لحقوق الإنسان، فإنك تتساءل عما إذا كانت الدروس المستخلصة من الهولوكوست تظل أحادية الجانب إلى حد ما. إن أهل غزة يعانون من آثار حصار إسرائيلي غير شرعي وحاقدة. ويتحمل سكانها حرماناً مقيماً ومروعاً. وتذهب الجرائم المرتكبة في حقهم من غير عقاب.
ولا أحد يهتم لشأنهم. لأنه سيكون في غاية الصعوبة الاعتراف بأن جرائم الحرب قد ارتكبت على يد أناس يأتون إلى حفلاتك الهائلة لجمع الشمل، والذين يدعمون "قضية العدالة".
*بريان كلاوفلي: كاتب ومؤلف كتاب عن الجيش الباكستاني، الحرب والانقلابات والإرهاب، على وشك الصدور
.
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 - 20:54 من طرف جنى ميرو
» صيانة سخانات في دبي 0543747022 emiratefix.com
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 - 19:53 من طرف جنى ميرو
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في عجمان 0543747022
السبت 16 نوفمبر 2024 - 23:43 من طرف جنى ميرو
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في عجمان 0543747022
السبت 16 نوفمبر 2024 - 23:11 من طرف جنى ميرو
» تصليح أفران في دبي 0543747022 emiratefix.com
السبت 16 نوفمبر 2024 - 22:15 من طرف جنى ميرو
» تصليح أفران في دبي 0543747022 emiratefix.com
السبت 16 نوفمبر 2024 - 22:11 من طرف جنى ميرو
» تصليح ثلاجات في دبي emiratefix.com 0543747022
السبت 16 نوفمبر 2024 - 0:11 من طرف جنى ميرو
» تصليح سخانات في دبي - 0543747022 (الشمسية و المركزية) emiratefix.com
الجمعة 15 نوفمبر 2024 - 20:33 من طرف جنى ميرو
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في الشارقة 0543747022
الأربعاء 13 نوفمبر 2024 - 21:30 من طرف جنى ميرو
» اداة ذكاء اصطناعي للباحثين وطلاب الدراسات العليا
الجمعة 26 أبريل 2024 - 11:23 من طرف Abd