البنوة زينة الحياة الدنيا ونبضها الحيوي الدافق . وهذه البنوة لا تؤتي ثماره
اليانعة إلا
إذا واكبها ذلك النبض الشعوري الدقيق الذي جسده لنا ديننا الحنيف بذلك
المسمى الرائع
الشفيف ( بر الوالدين ) ورسم من خلاله منهج الحياة الفاضلة للحياة الأسرية
التي هي ركيزة الحياة الإنسانية , في قوله تعالى: ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا
إياه وبالوالدين إحسانا. إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما
أفٍ ولا تنهرهما. وقل لهما قولا كريما ) .
فبر الوالدين وفق هذا التوجيه القرآني جاء أمراً قطعياً واجباً لا تهاون فيه ,
ولأهميته قرنه سبحانه وتعالى بعبادته "وبالوالدين إحساناً " وهذه المكانة الأثيرة
للوالدين تستدعي للأذهان صورة البنوة القلقة في واقعنا المعاصر , إذا
أصبحت ظاهرة تقتضي التشخيص والعلاج , ومنها على سبيل المثال: دخول
الأبوين على أبنائهم وهم مضجعون على الأرائك يشاهدون التلفاز , لا
يشعرون بدخولهم , ولا يعدلون من أوضاعهم أو ينهضون لاستقبالهم ! كما
أصبح من المألوف أن تحاور الفتاة والدتها بلهجة حاسمة , قائلة لها: قلت لكِي
أكثر من مرة لا تتدخلي في شؤني , وفي أحسن الأحوال تقول لها: " أقنعيني
وأقنعك"وقد يقف الشاب حيال والده مناقشاً إياه مناقشة الند للند , وإذا ما
أصر الوالد على رأيه , مراعياً مصلحة ولده , أشاح بوجهه عنه , مبدياً
مظاهراً الضيق والتذمر.
أجل لقد ارتسمت هذه الصورة في ذهني عندما رسمتها لنا عدد من الأمهات في
مجلس ضمنا بالأمس القريب ,مستغربات من التحول الواضح بين القيم
التربوية والسلوكية بين جيل الأمس واليوم , متطلعات في الوقت نفسه إلى
حل ناجح لهذه الظاهرة !
وحينئذ قفزت لذهني على الفور نماذج من الصور النبوية المشرقة في تراثنا
العربي منها أن
عمر بن ذر سئل عن بر ابنه به , فقال:
{ ما مشيت نهار قط إلا مشى معي خلفي , ولا ليلاً إلا مشى ورائي , وما
ارتقى سطحاً وأنا تحته } ..
وقيل لزين العابدين رضي الله عنه : { أنت من أبر الناس بأمك ولا نراك
تؤاكلها ؟! قال:
" أخاف أن تسبقها يدي إلى ما قد سبقتها عينها إليه فأكون قد عققتها"} .
أجل قفزت هذه الصورة إلى ذهني مع تسليمي بأن هناك اختلاف بين
الأجيال , لكن هذا الاختلاف لا يعني إلغاء الثوابت والقيم الرئيسية في الحياة
الأسرية , لاسيما يلك التي ارتقت إلى مصاف أحب الأعمال إلى الله , عن ابن
مسعود رضي الله عنه قال:{ سألت النبي صلى الله عليه وسلم , أي الأعمال
أحب إلى الله تعالى , قال: (( الصلاة على وقتها , قلت ثم أي , قال: بر
الوالدين , قلت ثم أي , قال: الجهاد في سبيل الله )) متفق عليه }
وعلى هذا فإن بر الوالدين وفق هذه المحصلة المرجعية من الكتاب والسنة تمثل
واجباً دينياً لا يمكن التهاون فيه , أو التغاضي عنه , لأنه من الثوابت الدينية
التي لا تخضع لمتغيرات الحياة . فالدين الإسلامي كما هو معلوم صالح لكل
زمان ومكان , لأنه منهج السماء .
ومن هنا تبرز أهمية رعاية البنوة وتأهيله للقيام بواجبها حيال الأبوة , بتسليط
الضوء على العوامل المعوقة لها ودواعي علاجها ! وتقع المسؤلية الأولى لهذه
الظاهرة على عاتق الآباء أنفسهم سواء كان ذلك تهاون منهم في تقبل كل ما
يصدر عن الأبناء من تصرفات دون تقويم أو تنبيه , أو كان ذلك تعمداً رغبة
منهم في إعطاء الحرية للأبناء كي تنمو شخصيتهم دون ضغوط أو إكراه , ثقة
منهم برجاحة عقولهم , وسلامة توجههم .
وهذا الرأي على الرغم من وجاهته إلا أنه يحسن أخذه بحذر شديد , مع
وضع الضوابط التي لا تمس المبادئ والقيم الدينية والخلقية التي سنها التشريع
الحكيم .
كما تقع هذه المسئولية – والآباء جزء منها – على ما تطرحه القنوات
الفضائية التي وجدت لنشر الفساد بين الناشئة من خلال ما تعرضه من برامج
ومسلسلات وأفلام هابطة, لاسيما المدبلجة منها , لما تحفل به من مشاهد
سيئة , وألفاظ غير مهذبة في ثنايا الحوار القصصي بين الآباء والأبناء .
وقد يكون من الأسباب الأخرى الصحبة السيئة للأبناء , دون توجيه من
الآباء في حسن اختيار أصحابهم .. فالصحبة السيئة لها مخاطرها في هذه
المرحلة العمرية الغضة , وصدق من قال: (( قل لي من تعاشر أقل لك من
أنت )) .
وعلى ضوء ما تقدم قد يقول قائل: (( ليس كل الأبناء في مجتمعنا العربي على
تلك الشاكلة , أجل..هذا حق ! ولكنها ظاهرة بدأت تتنامى وتلح بظهورها
ونخشى طغيانها حتى لانقع تحت طائفة أضعف الإيمان ! نستنهض همم علماء
الشريعه , وأساتذة التربية والاجتماع , لعلاجها لتأخذ مسارها الصحيح إن
شاء الله .
ويحق للأبناء الاهتمام والاحتفاء بهم , فهم فلذات الأكباد والاستثمار الحقيقي
للأوطان .
بقلم /د. رجاء محمد عوده
كلية الآداب – جامعة الملك سعود
راقني جداً ما طرحته الدكتورة بين سطور قلمها الشامخ .. فأحببت أن تشاركوني الفائدة
شكراً كأنفاس الأسحار .. لكل من يعانق ذوقه هذا الزخم الذهبي ..
لكم خالص الأمنيات وأرقها
دمتم بحفظ الرحمن
ابو شنــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــك
اليانعة إلا
إذا واكبها ذلك النبض الشعوري الدقيق الذي جسده لنا ديننا الحنيف بذلك
المسمى الرائع
الشفيف ( بر الوالدين ) ورسم من خلاله منهج الحياة الفاضلة للحياة الأسرية
التي هي ركيزة الحياة الإنسانية , في قوله تعالى: ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا
إياه وبالوالدين إحسانا. إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما
أفٍ ولا تنهرهما. وقل لهما قولا كريما ) .
فبر الوالدين وفق هذا التوجيه القرآني جاء أمراً قطعياً واجباً لا تهاون فيه ,
ولأهميته قرنه سبحانه وتعالى بعبادته "وبالوالدين إحساناً " وهذه المكانة الأثيرة
للوالدين تستدعي للأذهان صورة البنوة القلقة في واقعنا المعاصر , إذا
أصبحت ظاهرة تقتضي التشخيص والعلاج , ومنها على سبيل المثال: دخول
الأبوين على أبنائهم وهم مضجعون على الأرائك يشاهدون التلفاز , لا
يشعرون بدخولهم , ولا يعدلون من أوضاعهم أو ينهضون لاستقبالهم ! كما
أصبح من المألوف أن تحاور الفتاة والدتها بلهجة حاسمة , قائلة لها: قلت لكِي
أكثر من مرة لا تتدخلي في شؤني , وفي أحسن الأحوال تقول لها: " أقنعيني
وأقنعك"وقد يقف الشاب حيال والده مناقشاً إياه مناقشة الند للند , وإذا ما
أصر الوالد على رأيه , مراعياً مصلحة ولده , أشاح بوجهه عنه , مبدياً
مظاهراً الضيق والتذمر.
أجل لقد ارتسمت هذه الصورة في ذهني عندما رسمتها لنا عدد من الأمهات في
مجلس ضمنا بالأمس القريب ,مستغربات من التحول الواضح بين القيم
التربوية والسلوكية بين جيل الأمس واليوم , متطلعات في الوقت نفسه إلى
حل ناجح لهذه الظاهرة !
وحينئذ قفزت لذهني على الفور نماذج من الصور النبوية المشرقة في تراثنا
العربي منها أن
عمر بن ذر سئل عن بر ابنه به , فقال:
{ ما مشيت نهار قط إلا مشى معي خلفي , ولا ليلاً إلا مشى ورائي , وما
ارتقى سطحاً وأنا تحته } ..
وقيل لزين العابدين رضي الله عنه : { أنت من أبر الناس بأمك ولا نراك
تؤاكلها ؟! قال:
" أخاف أن تسبقها يدي إلى ما قد سبقتها عينها إليه فأكون قد عققتها"} .
أجل قفزت هذه الصورة إلى ذهني مع تسليمي بأن هناك اختلاف بين
الأجيال , لكن هذا الاختلاف لا يعني إلغاء الثوابت والقيم الرئيسية في الحياة
الأسرية , لاسيما يلك التي ارتقت إلى مصاف أحب الأعمال إلى الله , عن ابن
مسعود رضي الله عنه قال:{ سألت النبي صلى الله عليه وسلم , أي الأعمال
أحب إلى الله تعالى , قال: (( الصلاة على وقتها , قلت ثم أي , قال: بر
الوالدين , قلت ثم أي , قال: الجهاد في سبيل الله )) متفق عليه }
وعلى هذا فإن بر الوالدين وفق هذه المحصلة المرجعية من الكتاب والسنة تمثل
واجباً دينياً لا يمكن التهاون فيه , أو التغاضي عنه , لأنه من الثوابت الدينية
التي لا تخضع لمتغيرات الحياة . فالدين الإسلامي كما هو معلوم صالح لكل
زمان ومكان , لأنه منهج السماء .
ومن هنا تبرز أهمية رعاية البنوة وتأهيله للقيام بواجبها حيال الأبوة , بتسليط
الضوء على العوامل المعوقة لها ودواعي علاجها ! وتقع المسؤلية الأولى لهذه
الظاهرة على عاتق الآباء أنفسهم سواء كان ذلك تهاون منهم في تقبل كل ما
يصدر عن الأبناء من تصرفات دون تقويم أو تنبيه , أو كان ذلك تعمداً رغبة
منهم في إعطاء الحرية للأبناء كي تنمو شخصيتهم دون ضغوط أو إكراه , ثقة
منهم برجاحة عقولهم , وسلامة توجههم .
وهذا الرأي على الرغم من وجاهته إلا أنه يحسن أخذه بحذر شديد , مع
وضع الضوابط التي لا تمس المبادئ والقيم الدينية والخلقية التي سنها التشريع
الحكيم .
كما تقع هذه المسئولية – والآباء جزء منها – على ما تطرحه القنوات
الفضائية التي وجدت لنشر الفساد بين الناشئة من خلال ما تعرضه من برامج
ومسلسلات وأفلام هابطة, لاسيما المدبلجة منها , لما تحفل به من مشاهد
سيئة , وألفاظ غير مهذبة في ثنايا الحوار القصصي بين الآباء والأبناء .
وقد يكون من الأسباب الأخرى الصحبة السيئة للأبناء , دون توجيه من
الآباء في حسن اختيار أصحابهم .. فالصحبة السيئة لها مخاطرها في هذه
المرحلة العمرية الغضة , وصدق من قال: (( قل لي من تعاشر أقل لك من
أنت )) .
وعلى ضوء ما تقدم قد يقول قائل: (( ليس كل الأبناء في مجتمعنا العربي على
تلك الشاكلة , أجل..هذا حق ! ولكنها ظاهرة بدأت تتنامى وتلح بظهورها
ونخشى طغيانها حتى لانقع تحت طائفة أضعف الإيمان ! نستنهض همم علماء
الشريعه , وأساتذة التربية والاجتماع , لعلاجها لتأخذ مسارها الصحيح إن
شاء الله .
ويحق للأبناء الاهتمام والاحتفاء بهم , فهم فلذات الأكباد والاستثمار الحقيقي
للأوطان .
بقلم /د. رجاء محمد عوده
كلية الآداب – جامعة الملك سعود
راقني جداً ما طرحته الدكتورة بين سطور قلمها الشامخ .. فأحببت أن تشاركوني الفائدة
شكراً كأنفاس الأسحار .. لكل من يعانق ذوقه هذا الزخم الذهبي ..
لكم خالص الأمنيات وأرقها
دمتم بحفظ الرحمن
ابو شنــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــك
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 - 20:54 من طرف جنى ميرو
» صيانة سخانات في دبي 0543747022 emiratefix.com
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 - 19:53 من طرف جنى ميرو
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في عجمان 0543747022
السبت 16 نوفمبر 2024 - 23:43 من طرف جنى ميرو
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في عجمان 0543747022
السبت 16 نوفمبر 2024 - 23:11 من طرف جنى ميرو
» تصليح أفران في دبي 0543747022 emiratefix.com
السبت 16 نوفمبر 2024 - 22:15 من طرف جنى ميرو
» تصليح أفران في دبي 0543747022 emiratefix.com
السبت 16 نوفمبر 2024 - 22:11 من طرف جنى ميرو
» تصليح ثلاجات في دبي emiratefix.com 0543747022
السبت 16 نوفمبر 2024 - 0:11 من طرف جنى ميرو
» تصليح سخانات في دبي - 0543747022 (الشمسية و المركزية) emiratefix.com
الجمعة 15 نوفمبر 2024 - 20:33 من طرف جنى ميرو
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في الشارقة 0543747022
الأربعاء 13 نوفمبر 2024 - 21:30 من طرف جنى ميرو
» اداة ذكاء اصطناعي للباحثين وطلاب الدراسات العليا
الجمعة 26 أبريل 2024 - 11:23 من طرف Abd