منتديات خاراس الرسمية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    قنوات الثقافة وأنماط المثقفين

    أحمد ابراهيم الحاج
    أحمد ابراهيم الحاج

    {{ كبار الشخصيات }}


    {{ كبار الشخصيات }}


    الجنس : ذكر
    البرج : الحمل
    عدد المشاركات : 231
    العمر : 72
    البلد : فلسطين - خاراس
    نقاط النشاط : 204
    الاعجاب : 4
    الدوله : فلسطين

    قنوات الثقافة وأنماط المثقفين Empty قنوات الثقافة وأنماط المثقفين

    مُساهمة من طرف أحمد ابراهيم الحاج الإثنين 4 أكتوبر 2010 - 9:35

    قنوات الثقافة وأنماط المثقفين
    .....................................
    الثقافة : هي خلاصة ونتيجة معالجة خلطة متنوعة من المعلومات المدخلة للعقل (الدماغ) من خلال قنوات الثقافة المتاحة، وتحليلها وإعادة ترتيبها بما يخدم العقل في تقييم هذه المعلومات واسثمارها واستخلاص الأمر للجسد بما يملك من أعضاء تنفيذ ثم القيام بالتصرف المناسب لمواجهة أي معضلة حياتية أو أي مسألة وأمر من أمور الحياة للولوج الى الدار الآخرة بنتيجة إجمالية محصلتها الربح والفلاح. فالشخص المثقف هو الذي يملك درجة من الوعي المتكامل بمخاطر الطريق التي تصل بين الدنيا والآخرة تمكنه من إيصال مركبة حياته الى هدفها سالمة بأقل التكاليف وأنسب الأزمان وأقل المخالفات المروية. من هنا فإن درجات الثقافة متفاوتة بين البشر لكي تسير الحياة كما أرادها الخالق. ولو خلق الله الناس سواسية في المواهب والقدرات الذهنية والجسدية والإمكانيات لما سلكت واستمرت الحياة على الأرض. حيث قال تعالى في كتابه العزيز " وهو الذي جعلكم خلائف الأرض، ورفع بعضكم فوق بعضٍ درجات" كما قال أيضاً في تفسيره لذلك" وجعلنا بعضكم لبعض سخريا" كذلك قال "ولقد فضلنا بعضكم على بعض في الرزق". صدق الله العظيم.
    لقد وهبنا الخالق جل وعلا الحواس الخمسة والمواهب والقدرات الذهنية (العقل) والجسدية والجمالية بدرجات متفاوتة، والتي تمثل كلها قنوات متكاملة ومتفاضلة ومتفاوتة التدفق والجريان، وهي مختلفة المشارب والأذواق والمسارب تضخ الى عقولنا المعلومات (مدخلات الثقافة) لنكررها ونعقمها ونصقلها في مصفاة العقل لننهل منها ثقافتنا التي تحدد قيمة وعينا. وإن العقل بمثابة المقود لمركبة حياة الإنسان. والذي يوجه الإنسان باتجاه بوصلة مخرجات الثقافة ويقود العربة على دروب الحياة.
    ويمكن تقسيم قنوات الثقافة حسب الحواس الخمسة الى قناتين رئيسيتين وثلاثة روافد لهما كما يلي:
    القناة السمعية: أو الجوفية أو النووية (من النواة)، وهي أكثر قنوات الثقافة أهمية بدليل أن الله سبحانه وتعالى قدم السمع على البصر في القرآن الكريم، وأن الإنسان يبدأ تواصله مع الحياة بحاسة السمع قبل كل الحواس، كما أن فاقد حاسة السمع يحتاج الى لغة خاصة صعبة للتخاطب معه (لغة الإشارة)، ولا يقدر على الكلام والحديث ولا التعبير عن النفس بوضوح يفهمه الآخرين بسهولة ويسر، ويواجه صعوبات أكثر من فاقدي البصر للإندماج بالحياة. كما أن أصحاب القناة السمعية إن وجدت لديهم لوحدها بدون القناة البصرية، يمتلكون خاصة المشاهدة والمطالعة الصامتتين عن طريق العين. والمثقفون السمعيون هم أكثر الناس تأثيراً على المجتمعات إن أتيحت لهم الفرصة، لأنهم يؤمنون بالفعل قبل القول، ويعتمدون التحليل والتأمل والغوص في بواطن الأمور، ولا يأخذون بظواهرها ولا يتعاملون بردات الفعل، ويتمتعون بقدرة على الإستنباط والإستنتاج والربط والقياس من ظواهر الطبيعة وطبائع المخلوقات وفطرتها، ويتميزون بذاكرة قوية ومنظمة تربط بين الأمور قديمها وحديثها وتستدعي القديم لتربطه بالحديث لتخرج بنتيجة شافية وافية وتحليل منطقي متسلسل، ويتمتعون بعقلية علمية واقعية تعتمد التجريب، وقادرة على الخيال الموجب في تصوير الجماليات. وهم مستمعون جيدون، يحبون الإنصات لكل الآراء لتحليلها والخروج بالمفيد منها، لديهم قدرة على الإقناع والتوفيق بين المواقف المتباينة، ويفرضون احترامهم على الغير بعدم تدخلهم في شئون الغير الخاصة، ولا يحبون الأذى للناس ولا يحسدون، ثقتهم بأنفسهم عالية، ويحبون الوسطية في كل الأمور، لا يبخلون ولا يبذرون، يحبون التوازن والإتزان، وهم قليلوا الكلام، وإن تحدثوا أفهموا بمختصر القول، ينطقون بالمختصر المركز المفيد والشافي وبأقرب الطرق، ويعتمدون سياسة الخط المستقيم المباشر، ولا يتصفون بالنفاق والوصولية والحركة اللولبية. وحظهم بالحياة قليل لأنهم لا يجيدون إحاطة أعمالهم بهالة إعلامية تعتمد تكبير أفعالهم مهما كانت بسيطة. يعملون الخير ولا ينتظرون الجزاء عليه، يخدمون الناس مهما استطاعوا الى ذلك سبيلا. فهم لا يبحثون عن المظاهر والمناصب. وتركض وراءهم المناصب ولا يركضون اليها إن عاشوا في مجتمع يتصف بالعدل والشفافية وسيادة القانون والحريات. يلتزمون بالمواعيد ويوفون بالعهود. لا يُستفزون ولا يثورون بسهولة، ولديهم قدرة على كظم الغيظ والصبر، وإن ثاروا يحسب لهم ألف حساب. منهم العلماء والمخترعون والمبدعون. إنهم الجنود المجهولون في المجتمعات. وهم بناتها الحقيقيون. ويحظون باحترام وتقدير في المجتمعات المتطورة. ولا يلقون حظوة ولا احتراماً ولا تقديراً في المجتمعات المتخلفة النامية. رزقهم محدود فلا تجد منهم الأثرياء، ولكن أبواب الرزق مفتوحة دوماً لهم لا تنقطع أو تغلق نظراً لإمكاناتهم وقدراتهم. وهم قانعون شاكرون لا يتطلعون للمال بقدر ما يتطلعون للسيرة الحسنة والسمعة الطيبة وعمل الخير بصمت. وهذه ليست قواعد وأحكام مطلقة ، إذ لكل قاعدة شواذ.
    القناة البصرية: أو القشرية أو السطحية، وينطوي تحتها القراءة والمطالعة (قراءة الكتب والمؤلفات والصحف والمجلات...الخ)، والمشاهدة (مشاهدة قنوات التلفزة والسينما والمناظر الطبيعية واللوحات الفنية المعبرة). وهي ثاني أهم قنوات الثقافة للإنسان، ولا يعني الحرمان منها خسران الثقافة أو عدم اكتمالها لدى الإنسان. وهذا ما أثبته الكثير من فاقدي البصر الذين يحتفظون بحاسة السمع الأهم. حيث يضاعفون جهودهم ويستنفرون باقي الحواس لتعويض النقص من فقدان الثقافة البصرية. ويعتمدون على حاسة اللمس للقراءة وكذلك حاسة السمع بالإستماع لمن يقرؤون لهم أو من يتحاورون على مسامعهم، ويبدعون كغيرهم من كاملي الحواس ويتفوقون عليهم في بعض الأحيان. والمثقفون من هذا النمط البصري في مجملهم يهتمون بالكم من الثقافة على حساب النوع والجودة، يقرؤون بنهم، ويجمعون المدخلات من كل حدب وصوب، ولكنهم شحيحوا المخرجات والنتائج الناجعة. لا يجيدون الإنصات وحسن الإستماع، فإن تتحدث للفرد منهم لا يستمع اليك، ويقاطعك ليتحدث هو عن نفسه وعن تجاربه وبما التقطه من قنوات الثقافة، ولا يعطيك مجالاً للحديث، فتلتقط منه الأفكار وتستفيد منه ولا يستفيد منك، وهم لا يميلون للعمق والتحليل، ويجيدون الكلام وفن الخطابة، وذاكرتهم ضعيفة، حيث يمسح الجديد من المعلومات القديم منها ويجبه، والفرد منهم يفرغ ذاكرته باستمرار لتتسع لما يجمعه من حسن وسيء، ومن هنا وهناك ومن القيل والقال، وتسبق أقوالهم أفعالهم بوقت طويل جداً، ويهتمون بظواهر الأمور ولا يلتفتون لبواطنها. ويتعاملون بردات الفعل، يجيدون الكلام والثرثرة والتكرار الممل ويستطردون بالمواضيع، تجد منهم المنافقين والوصوليين والمرتشين، وإن قدموا خدمة ينتظرون المقابل ولا يقدمون الخدمات للغير مجاناً، إعلاميون بطبعهم ويكبرون صغائر الأمور، ألسنتهم تسبق عقولهم، عدوانيون على الغير ويلقون بالتهم على الناس جزافاً. كثيروا الوعود قليلوا الإنجازات والوفاء ولا يلتزمون بالمواعيد،. يأخذون الأخبار على علاتها ولا يسألون عن خلفياتها، يُستفزون ويثورون بسرعة، ويهدؤون كذلك بسرعة، ولا يقدرون على كظم الغيظ والصبر، مصابون بسوء هضم المعلومات، يأخذونها بنهم ولا يمضغونها جيداً فتتلبك عقولهم وتتخبط أحشاء دماغهم، فيخرجونها بسرعة دون الإستفادة منها، هم محظوظون في المجتمعات المتخلفة والقبلية والعرقية والعنصرية. ويحتلون المراكز القيادية في تلك المجتمعات. وهذه ليست قواعد وأحكام مطلقة إذ لكل قاعدة شواذ.
    هنالك روافد مكملة تساهم في صقل الثقافات من القناتين الرئيستين أعلاه وتحديد معالمهما، وهي:
    قنوات (الشم واللمس والتذوق)، أو القنوات الحسية، وأدواتها الأنف والجلد واللسان SENSORSوهذه الروافد والروافع مكملات للقنوات الرئيسية لا غنى عنها لتنقية المشارب الثقافية من الشوائب والمُلوِثات وفك عسر مياه الثقافة المتدفقة من كل صوب وحدب، لجعلها صالحة للشرب لري العطش وصحية للجسد وشافية للعافية. وهي بمثابة وسائل السلامة والأمن والوقاية في مركبة الحياة، كالمرايا والمجسات والعدادات والمنبهات وحزام الأمان والكيس الهوائي والتي بعضها ينبؤ بالخطر قبل وقوعه والبعض الآخر يخفف من أضراره إن وقع. وبها نتجنب ونتقي الأعطال بعربة الحياة وإن وقعت نعرف منها أين الخلل ونعمل على إصلاحه قبل فوات الأوان. وهي أيضاً بمثابة الكماليات في عربة الحياة كالمكيف والمسجل ومثبت السرعة والفتحة بالسقف والفرش، ووهبها الله لخلقه لمزيد من الإستمتاع في الحياة الدنيا، ولقياس نعم الله على مخلوقاته التي لا تعد ولا تحصى. وإن برع المثقف في استخدام مدخلات هذه الروافد والروافع واستثمارها، صقل ثقافته وجنبها السقوط في الحفر والمطبات والرذائل والإسفاف والتسطيح. ووضعها في إطار جميل تبدو كلوحة فنية رائعة.
    هنالك قناة الحاسة السادسة (البصيرة) : وهي التبصر من خلال العقل بعيد الرؤى باستقراء الأحداث قبل وقوعها، وأخذ الحذر والحيطة والتحضير لها قبل حلولها للوقاية منها. وهي النظر الى الوقائع والأحداث بمنظور العقل المتبحر في التأمل والتفكر في خلق الله من السموات والأرض. ودراسة أحداث الماضي وتحليل وقائع الحاضر ومعطياته علمياً واستخدام هذه الدراسة كأساس لمخطط متوقع لبناء المستقبل يرسمه الشخص في ذهنه. وهذه موهبة منحها الله لفئة قليلة من البشر. وجعلت منهم مثقفون فوق العادة يندر وجودهم. وهم أناس مؤثرون على مستوى العالم والأمم، مثل القادة الثوار العظام الذين يحدثون التغيير، والمكتشفون والمخترعون. وهم لا يتكررون كثيراً في حياة الأمم.
    فمن جمع مياه ثقافته من القناتين الرئيسيتين، ومن الروافد الثلاثة التي هي بمثابة محطة تنقية وفلترة وتكرير وتعقيم لتلك المياه غير الصالحة للشرب، فهو مثقف ثقيل الوزن. ويفترض أن يحالفه النجاح بعيداً عن اعتبارات وحسابات سوء الطالع والحظ الذي قذف به في مكان يتسلط عليه أنماط ثقافية قشرية متخلفة. وهذه الفئة محاربة في الأمم التي تفتقد الى الثقافة المجتمعية الشاملة. لأنها ستكون محاربة من سواد المجتمع. إذ أن هنالك ثقافة فردية وثقافة مجتمعية جماعية. والمجتمعات التي تملك الثقافة المجتمعية والتي هي عبارة عن تفاضل وتكامل للثقافات الفردية برعاية سلطوية نخبوية وطنية حاكمة تطلق الحريات للفكر والتفكر، همها مصالح الوطن والمجتمع تعتبر مجتمعات متطورة.
    ومن اكتفى بجمع ثقافته من مياه القناتين الرئيسيتين دون تكرير وتنقية وفلترة وتعقيم من الروافد الثلاثة، فهو مثقف متوسط الوزن، ويمكن استيعابه ودمجه في المجتمعات ذات الثقافة المجتمعية واستثماره ليصبح عنصراً عاملاً ومنتجاً، وكذلك يمكن تطويرثقافته في المجتمعات النامية التي لديها مشروع ثورة للنهوض والتطورمن نخبة ثقافية ثائرة على الواقع، فهو بمثابة المواد الخام التي يمكن استثمارها والإستفادة منها في دفع عجلة التنمية والتطوير. وهذا النوع يحتمل النجاح بمقدار احتمال الفشل ويعتمد نجاحه أو فشله على حالة الثقافة المجتمعية السائدة في بيئته وعلى نظام حكمه إن كان وطنياً ديمقراطياً يؤمن بالحريات والتعايش مع الآخر، أو كان حزبياً/قبلياً/عرقياً دكتاتورياً.
    ومن جمع ثقافته من قناة رئيسية واحدة واستثنى الأخرى وكذلك استبعد وتجاهل الروافد فهو مثقف خفيف الوزن، أجوف العقل والفكر، ضحل الثقافة والمعلومات، ضيق الأفق، منغلق على نفسه، متعصب لفكره، متطرف في ممارساته، موبوء الفكر ومعرض للإنحراف والشرذمة، ويصعب تعايشه مع غيره من الأطياف والأعراق وأصحاب الفكر المغاير لفكره، فيكثر من أعدائه على حساب أصدقائه، وهو متلقٍ للمعلومات، فاقد لحرية الفكر والتعبير، لا يجيد الحوار والنقاش، ولا يعترف بخطئه، يدعي المثالية وهو أبعد ما يكون عنها. يعبد الأصنام ولكن ليست بصورتها كما كانت في الجاهلية التي كانت تعبد أصناماً من الحجارة، ففي هذا العصر تحولت اصنام الحجارة الى فكر حزبي ضيق الأفق (ولا يقصد هنا كل الأحزاب)، أو طائفي أو عرقي مقدس في نظره ينطلق من نظرة دينية مشوهة. وهو أقرب ما يكون الى الوثنية منه الى التوحيد. لذلك فهو فاقد لحريته، رهن نفسه لفكر حزب ضيق أو معتقد طائفة أعمى، أو تقديس إمام أو زعيم أو ولي صالح أو شيخ قبيلة...الخ. واستسلم لعبودية غيره من البشر بدلاً من عبوديته لله. وهو إمّعة إذا الريح مالت مال حيث تميل.
    لذلك حافظوا على صيانة آذانكم وأعينكم وأنوفكم وألسنتكم وعلى نظافة جلودكم ما استطعتم الى ذلك سبيلا، لكي ترتفعوا بثقافتكم الى مستويات أخلاق دينكم العالية إقتداءً بنبيكم الكريم الذي قال فيه الخالق "وإنك لعلى خلق عظيم". صدق الله العظيم ، وأوفى رسوله بما وصفه به خالقه العليم.
    بقلم أحمد ابراهيم الحاج
    7/3/2010م

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة 20 سبتمبر 2024 - 4:29