طيف الحبيبة

طيف الحبيبة
حكاية حلم بأول نيسان (كلام بالعامية)
...........................................................................
البارحة في ظلام الليل ، وفي عزّ المنام
وقبل ما يشقشق فجر نيسان ،
زارني طيف الحبيبة ، محمّلة شوق وسلام
شمّيت ريحة عطر نفاث،
فواح بالطّيب والفل والياسمين ،
وزهر اللوز والليمون ، والرُّمان
وشفت على ثوبها : نابت شقايقِ النعمان
وعلى خدودها ترفرف زهور الأقحوان
وعلى وجناتها حنّون يتشابك مع الريحان
ومنديلها مطرَّز على الدّاير مثل طوق الحمام
منديلها ملوَّن مثل قوس القزح متعدد الألوان،
أبيض وأسود وأخضر وأحمر قانْ.
يرفرف على الجنبين والكتفين ، ويطير عالي في سماها فوق ،
ويرجع ، يهدّي على الأغصان
حوريّةٍ يا ناس ، حورية جمالها فتّان،
أجمل من الغزلان ، وعيني ما شافت مثلها نسوان ،
قدّها مياس ، وخصرها رقيقٍ مثل عود البان
وشفافها تنقِّط عسل مع زيت ، وتحكي بكل لسان
تروي قصص يوسف وموسى وعيسى وسيّد الأنام ،
تحكي وتتأمّل ، وتستشهد على حكاياتها
من التواراة ، والإنجيل و القرآن.
................................................................................
سمعت صدى صوتها راجع من الوديان
تنادي عليّ ، وترندح بإسمي أعذب الألحان
تفردْ جناحاتها وتطير يمّي ، وبعيونها شوق وحنان
فزّيتْ من نومي ، وقمت ريقي منشّف وعطشان ،
أريد أفرِّغ شحنة الشوق ، ولوعة الهجران
وِرْكضت يَمّْها ، وايديّْ مشرَّعة بتسابق السّيقان
أريد أحطّ بصدرها ، وارقد بحضنها ،
واطرب على مناغاتها ، وأذوب بين ضلوعها ،
وأنام بظلها نومة أهل الكهف ،
وأرسم بأحضانها أروع الأحلام ،
وأروي ظما الشوق والعطش والحرمان،
...............................................................................
دوّرتها... ، ما لقيتها ، ذابت ، طارت ، تبخرت
ناديت بعالي الصوت ، وقلت:
يا سامعين الصوت ، صلوا على محمد
يا مِن حاس ، يا مِن دِري ، يا مِن شاف
غزالة شاردة بِالوديان والسهول والغيطان
غزالة هاربة ، من فرقة الأبناء والإخوان
غزالة شاردة بتسابق الأيام والأزمان
تهامسوا ، وردّوا عليّ : علامك تهوجس يا رجل
خلّك بعقلك يا ابن كنعان ، وسيبك من الأوهام والهذيان
راحت وتركتني أتقلَّب على النيران
وصرت اتحرّق من الشوق والبعد والحرمان
وعظيت على ايديّ متحسِّف كثير وندمان
وصحيت من نومي وأنا بالحيل فزعان
وتذكرت كذبة فجر نيسان
وقلت يا ريت شهر نيسان ما كان ، ويا ريتني أقدر على النسيان
.......................................................................................
وكيف أقدر على النسيان؟
وردّيت تذكّرت أيامها بشهر نيسان
نوّارها ، وأزهارها ، وألوانها ، وأطيافها
وشمساتها تزرق من الحارات والطاقات
ولمّة عجايز في السّراديب قاعدات ،
يتسامرن ، يتناقرن ، يتصالحن ويسولفن عن الكِنات
وشِلّة صبايا في الحوش واقفات ، يسولفن عن الحموات
وجمعة مشايخ يلعبوا السّيجة في الزقاق وفي الساحات،
يلعبوا ، يتهاوشوا ، يتصالحوا ويتخرّفوا عن الطوشات
وفزعة شباب مشوبشة على الحيطان ، قاعدة تغازل بنات
وأطفال فايعه بتتنطنط على الطرقات والحواكير والحارات
.......................................................................................
وتذكرت بعد ، خدودها لِمقمَّرة ولِمحمرة بالدّم والشامات
وشعورها السمرة ، بتِتحايل على منديلها
تتغاوى بطولها ، وخصلاتها ترفرف على الهامات
وعيونها الملونة ، والمخضبة بالغيث والدّمعات
بلون البحر والثرى والرّمل والصخر والشجرات
ورموشها وأهدابها تسلِّم على الوجنات
وغيماتها وأمطارها ترشرش مع النسمات،
تتكتك على الشبابيك والبيبان والحيطان ، وتعزف علينا أجمل الألحان
رَدّيت تراجعت وتندمت ، لأني تخيَّلت طيفها بفجر نيسان
وأول ما لمحتها يوم شقشقت عيني على هالكون في شهر نيسان.
ويا ريت كل شهورنا نيسان. نعيش بحلم وبوهم ، ونكذب على حالنا ، لا باس
معلشّ ، بس نقدر نتخيّل الأوطان ، ويا حيف ، "هذا أضعف الإيمان".

بقلم أحمد ابراهيم الحاج
1/4/2009