زواج برسم التحصيل
حيث أنكم حجبتم قصة المعشوقة الخائنة القاتلة لأسباب لا أعرفها فهاكم قصة بديلة
اسم الكاتب : أحمد ابراهيم الحاج
يحملُ على كتفه الأيسر جرةً يرشحُ منها ماء ، وعلى كتفه الأيمن جرة يرشحُ منها زيت جاءته هدية من أمه التي تمتد ساقيها في أعماق الأرض ، ويختلط الماء والزيت على صدره مع العرق المتصبب من جبينه ، والذي يدلف من لحيته ملتقياً مع شلالين من الدموع ينبعان من أغوار مقلتيه فتتساقط الدموع الحارة من عينيه الحمراوتين كحبات المطرالصيفي ، حيث تذرو رياحه الجافة المجنونة المتلاطمة الغبار في عينينه فتدمعان ، ويعلقُ في رقبته سلسلة كسلسلة من الجبال يتوسطها جبلان كأنهما جبلي جرزيم وعيبال ، وعلى صدره خارطة مجسّمة من الصخور الصوانية الحمراء ، والحوَّرِية البيضاء الملونة ، وفي وسطها ما يشبه الصخرة المشرفة ، وكان جسمه يشبه تماماً قطعاً من الفسيفساء وجدت في مادبا جنوب العاصمة الأردنية ، يقولون عنها إنها فسيفساء لفلسطين ، وكان يجر خلفه خيمة يلف حبلها على معدته ، هي بيته الذي يأويه في شتاته ، متنقلاً به بين المرتفعات والأغوار حسب الفصول ونشرات الأحوال الجوية ، وكان ظهره مقوّساً متعرجاً ، وقدماه متعبتان لكنهما ثابتتان راسختان كأعمدة المدرج الروماني ، ويحمل على ظهره مجموعةً من التلال النافرة كتلال رام الله وغزة والجليل ، وكأن قطيعاً من الجمال يجثو على ظهره ويرعى من النباتات الصحراوية الشوكية التي نبتت عليه منذ ستين عاماً مضت ، في بداياتها كانت النباتات سوداء ، وغزاها البياض وصارت بيضاء متشحة بالسواد ، في محصلتها تبدو اليوم رمادية اللون ، وكانت سنامات قافلة الجمال والتي تسير متتابعة على صحراء ظهره القاحلة المصفرة كصحراء الربع الخالي تشبه تتابع موج البحر الهائج المائج. ، وكان يمشي محنيَّ الظهر من ثقل الأحمال على رأسه وعلى ظهره وكتفيه وعنقه ، يقولون إنه يحمل على رأسه وصية متوارثة عن الأجداد من والديه ، مرسوماً عليها صورة مفتاح بيتٍ قديم ، وكانت الوصية مكتوبة بالحبر الأحمر على ورقة رقيقة من الورق الذي كان يستعمله جده ليلف به التبغ الناشف من حكورته خلف البيت ، وبدت وكأنها أقحوانة حمراء قانية ، طارت الورقة مع الهواء ، ولكنه وقبل أن تطير مع الرياح العاتية ، شف كلمات الوصية من الورقة الشفافة على لفائف دماغه ، فبقيت مخطوطة لا بل محفورة في تضاريس دماغه ، نقلها وشفها في ذاكرته قبل أن يحل واجبه المدرسي، وكان ينبعث منها خيوطٌ مغناطيسية دقيقة ، فيها قوة سحرية عجيبة تجذبه باتجاه الأرض التي حملته ، ورأى النور على ربوعها وتحنيه باتجاهها ، لكنه كان يرفع هامته الى السماء ويمشي كأحدب نوتردام ، يحمل في يده اليمنى غصن زيتون ، وفي اليسرى بندقية قديمة مقوسة ، صارت رصاصاتها من القدم والصدأ وشح الدهر ترتد الى الخلف ، كالبنادق الإنجليزية التي كان يتسلح بها الجندي العربي في حرب النكسة ، أصابته البندقية الهرئة بكعبها في عضلة الصدر ، وأحدثت جرحاً في صدره ، وجرحاً في كفه فرشحت دماءٌ نازفةٌ من الجرحين ، وكان يمسح بكفه العرق من على جبينه ، فاختلطت الدماء بالعرق والدموع والماء والزيت ، وبدا هذا المزيج على صدره وجبهته وكأنه لوحة زيتية ملونة ، مخطوطة بريشة فنان ملهم مثل ليوناردو دافنشي وبدت اللوحة تماماً كفسيقساء فلسطين.
...........................................................................................................................
عجبت لأمر هذا الإنسان المثقل بالأحمال على ظهره وصدره وكتفيه وعنقه ، وتساءلت كيف يسير بهذه الأثقال ويحافظ على هامته مرفوعة؟ ، وكان يصدر من عينيه شعاع من الأمل والإيمان والصبر والتحدي يضيء له الطريق ، كان يسير على أرصفة المدن العربية ، يقزقز حب الزيتون الأسود الناشف ، ويمتص ما تبقى من رحيقه ، لكنه لا يرمي الأنوية!! ، يحتفظ بها في جيوبه الخالية ، كالوسادة الخالية من القطن والمليئة بالأحلام ، أحلام العودة للوطن ومسقط الرأس ، ودولة بعاصمة مقدسة غرّاء ، يسمونها زهرة المدائن ، يقولون إنه يصنع من أنوية الزيتون سِبحة عدد حباتها مئة حبة وحبة ، يلظمها بخيوط من شعاع الشمس وهي تتوسط كبد السماء لعلها تطلُّ على مسقط رأسه ، فيشتم منها رائحة البلاد تحت صلي شعاع الشمس ، توقف عند الحبة الستين يحاول إدخال الخيط بها لكنه لم يستطع ، وانشطرت النواة الستين شطرين من محاولات اللظم الفاشلة ، كتب على الشطر الأول فتح وعلى الشطر الثاني حماس وحفظهما في صندوق حديدي ، وكأنه يؤرخ الأحداث التي تمر بالوطن ، وأصبحت السبحة مئة حبة على غير العادة ، وكانت كقلادة البامية التي كانت جدته تنسجها في الصيف وتفرطها بالشتاء طعاماً للعائلة ، يحتفظ بالسبحة كذكرى متجددة لأيام اقامته بوطنه الذي حرم منه ، وليسبِّح ، ويستغفر ، ويحمد ، ويكبر الله بعد الصلوات الخمس ، وفي الأسحار وقبل النوم وبعد النوم ، وكان يزيد تسبيحة وتكبيرة واستغفاراً وحمداً وتوحيداً على عدد حبات السبحة لأنها كانت ناقصة ، ويقول في آخر الدعاء 'اللهم افتح على حماس ، وأعِد الحماس لفتح' ، يقولون أن هذا هو سر بقائه محتفظاً بالأمل ، وإصراره على الحياة ومقاومته لبذور الفناء وتفاؤله بالنصر. ووقود صبره الذي يشبه صبر أيوب. تصده الحدود بين الدول العربية عن الحركة ، فيدور حول نفسه في حلقة مفرغة من الهواء ، فقد طلبوا منه أن يقضي ويسخر كل وقته بالتفكير في وطنه ، وأن يقرأ عن ثورات التحرر ويحفظ النظريات في سره دون العمل بها ودون أخذ للعبرة ودون نشرٍ وتعميم وتطبيق ، وطلبوا منه أن يكون مثالياً لا يخطيء لأنه ابن قضية ، وأن يجتر الذكريات والشعارات دون التغني بها جهراً ودون تطبيقها ، ، وأن يتغنى فقط بدعم الأشقاء الذي لا ينضب ، وببطولة القادة والزعماء ، وكان مكبلاً بالقوانين والدساتير والمحاذير والإتفاقيات الأمنية العربية ، والخلافات والعداوات الأخوية. يقولون له : لا نريدك أن تنسى وطنك السليب ، لذلك: فأنت ممنوعٌ من العمل لكي لا يشغلك عن وطنك فتنساه ، ممنوعٌ من التنقل لكي لا تضيِّع وطنك في المنتجعات سائحاً متنزهاً ، ممنوع من الأنتخابات والتجنس لكي لا تُوَطَّن في غير وطنك ، ممنوعٌ من التحدث للصحافة والإعلام ، فلست مخولاّ بالحديث عن وطنك ونخشى من زلة لسانك الطويل فتوقعنا في معركة غير مُستحِقه مع عدو متربص ، فلسنا جاهزين لها رغم استحقاقها قبل ستين عاماً ، أنت ممنوعٌ من الشكوى ، ممنوع من الضحك والإبتسام ، وممنوع من البكاء جهراً حتى لو ضُربت ، ممنوع أن تطلق لحيتك وممنوع أن تحلقها كل يوم لكي لا يبدو عليك التنعم بالحياة ، ممنوعٌ أن تأكل ثلاث وجبات في اليوم ، يكفيك وجبة واحده ، ممنوع أن تشرب المياه الصحية المفلترة والمعقمة ، ممنوعٌ من التعليم والمطالعة ووطنك محتل ،ممنوع من المقاومة ممنوع ، ممنوع ....الخ.
مسموحٌ لك أن تهاجر الى أي مكان بحثاً عن الرزق ، وأن تدير ظهرك للوطن ولا تنظر اليه ، ومسموح لك بأن تحصل على أي جنسية أجنبية غير عربية ، وتنصاع لقوانين البلد الجديد الذي ستحمل جنسيته ، وامسح من ذاكرتك كل ما رأيت وسمعت عندنا ، وسلم وثيقتك لنا لنمزقها شر مُمَزق ، وخلِّص ذاكرتك من كل ما تحمل من ذكريات عن مسقط رأسك. وسوف نكسر جرة لفراقك.
وكان أشقاؤه العرب (أكرمهم الله) كرماء معه كحاتم الطائي ، يستضيفونه أحياناً كثيرة أكثر من ثلاث ليالٍ فوق العادة العربية في معتقلات الحجز بدون سبب أو ذنب اقترفه ، ويزجونه في دهاليزها مع مخالفي قوانين السير من قاطعي الإشارات المرورية الحمراء ، ومنتهكي الحرمات الدينية والأخلاقية يقطعون يده ليطبخوا عليها مرقاً ليكون طعامه مع كسرة خبز ، ويأكلون لحمها ويمتصون نخاع عظمها ويرمون عظمها للكلاب ، يجردونه من كل وسيلة اتصال ، ومن ربطة العنق ، لئلا يشنق بها نفسه بالسجن من هول ما يراه ويسمعه أو لكي لا يشنقه بها نزلاء السجن من المجرمين . فقد كانوا يجبرونه على الصلاة في غير موعدها ، ولغير الله ، إنها الصلاة للحاكم والزعيم. يقول لهم: لن أركع طوعاً الاّ لله ولن أسجد الاّ لله ، هكذا تعلمت وأوصاني أبي ، فيركِّعونه بالإكراه مغشياً عليه بالطرق على مؤخرة رأسه بالشاكوش المدبب الرأس ، ويجبرونه على السجود غصباً دون علمه ، ويلقنونه كلمات التحيات والصلوات للحاكم ويردد خلفهم دون وعي بما يقول معتقداً أنه يصلي لله.
...........................................................................................................................
ورأيته في الأحياء الراقية في المدن الغربية ، يسكن القصور ، ويتجاوز الحدود بأريحية ، ويركب السيارات الفارهة ، ويطلق لحيته ويحلقها كما يريد ، يشتري الكتب والصحف والمجلات دون قيود ، يقرأ ويطالع وينتقد كيفما شاء ، لكنه لم يكن سعيداً ، وكأنه محرومٌ من شيء ما، وكأن شيئاً مهماً وضرورياً للحياة ينقصه ، يقولون إنهم في الغرب يدللونه لأنه عالمٌ ومخترع ولأنه بحده الأدنى إنسان ، ولأنه باحث ومكتشف ، سألوه: لماذا أنت عابس تحمل الهموم كالأثقال؟ حصلت على المال ورزقت بالبنين والشهرة والسكن والمودة والمتعة والإلفة مع زوجة جميلة مخلصة تحبك بجنون ، وتسكن في القصور ، ولديك ضمان إجتماعي ، وتأمين صحي ، وأولادك يتعلمون بدون كلفة ، وتنعم بكل الحريات ما عدا حرية واحدة هي حرية التعبير العملي عن الحب والشوق للوطن وترجمته الى فعلٍ على الأرض ، ويضيفون: ولكنك خلقت وولدت مشرداً على الأرصفة ، وبالخيام متنقلاً كالبدوي ، لا تعرف الإستقرار ، ليس لك وطن ، فأنت من شعب بلا أرض ، كالوحوش المفترسة والطيور المهاجرة ، تتنقل بحثاً عن رزقها ، وقد استضفناك وأكرمناك ومنحناك الجنسية وحقوق المواطنة ، وربما تصبح مثل ضيفنا الذي صار مواطناً مثلنا (باراك اوباما) في يومٍ من الأيام ، وتترشح للرئاسة وربما تفوز وتكون رئيساً علينا.
أجابهم: إنّ لكل إنسان على هذه الأرض وطن يحمله ويأويه ويسكن فيه ويلجأ اليه عندما يشعر بالإهانة وبعدم الإحترام في أي مكان آخر يوجد فيه ، إلاّ أنا فوطني يسكن بداخلي وبين جوانحي وأحمله أنا بدلاً من أن يحملني هو ، فهو معي ، بداخلي وبوجداني أينما حللت في الشتات بعيداً عنه ، كل شيءٍ ننساه بنعمة النسيان ، الاّ الوطن فهو الشيء الوحيد الذي يأبى النسيان ، إنني من شعبٍ آدميّ له وطن جميل ومعطاء ، وسرقته عصابات سطوٍ مسلحة ، إنهم قراصنة الأوطان ، وعصابات متعصبة ومنبوذةٌ من جيرانها ، ومن شتات الأرض ، لا وطن لهم ، لذلك فأنا كالعتّالٌ المتجولٌ في الكرة الأرضية ، لأنني أحمل ثقل الوطن ، وهموم تحرير الوطن ولواعج الغربة عن الوطن ، وأعيش في وسطٍ من العالم لا يدرك ما معنى أن لا يكون لك وطن. لأنه لم يجرب ما معنى أن تكون إنساناً بلا وطن. فالحيوانات تعشق أوطانها والطيور تخلص لأوكارها ، فما بالك نحن البشر.
...........................................................................................................................
التقته إعلامية (صحفية) على أحد الأرصفة في عاصمة عربية ، وقد ضاقت تلك العاصمة كغيرها من بقية العواصم ذرعاً بحكامها المتسلطين عليها ، لأن أحلامهم في التسلط تصغر في عقولهم مع التقدم بالعمر ولم تهرم مع هرمهم ، يحملهم الوطن على ظهره ، ولكنهم شعروا بكوابيس أحلامهم المزعجة أنهم سيسقطون عن سنام الوطن ، وصاروا يتدافعون ويترافسون عليه وكأنهم في معركة صراع البقاء في السلطة ، كصراع البقاء في الغاب ، متسلقين على ظهر الوطن ، يكسرون أغصانه الخضراء ، ويمزقون أوراقه اليانعة ويقطّعون أزهاره المتفتحة تشبثاً بالسلطة ، وأصبح يطلق عليهم الإخوة الأعداء ، إنهم موجودون واقعاً حيّاً اليوم في فلسطين وفي لبنان وفي العراق ، والحبل على الجرار....الخ . وأجرت معه الصحفية التي لم تجد مادة اعلامية تملؤ بها الوقت المخصص لها في القناة الفضائية في برنامج اسمه 'دردشة على الرصيف' (منبر من لا منبر له) اللقاء التالي:
الصحفية : ممكن نتعرف على البطاقة الوطنية الشخصية للأخ
كنعان: في الحكيكة ما معي بطاكة وطنية ولا ركم وطني ، معي وثيكة مؤكّته بركم يميزني عن غيري من المواطنين الأصليين فقاطعته طالبة منه أن يتكلم بالفصحى ، فأكمل قائلاً : وأنا بانتظار وطن موعود ، وعده كالسراب ، كلما اقتربنا منه ، تلاشى واختفى ، وكأنه يقفز الى مكان بعيدٍ في الطريق ، فنلحقه فيركض أمامنا ، واستمر على هذا الحال ستين عاماً ، وها أنا على مشارف الستين ، أعيش بالأمل والألم ، ممنوع علي العمل من أجل تحقيق الأمل ، لكن أعرف أن اسمي : كنعان بن أحمد بن محمد بن اسماعيل بن كنعان بن سام. ، ولدت قبل النكسة بخمسة عشر عاماً وبعد النكبة بأربعة أعوام ، فقاطعته مرتجفة تقول في نفسها ' قل أعوذ برب الناس ، من وين طلع لي هالنحس اليّ رح يجيب لي الشبهة' وقالت له: عفواً كنعان ، ما هي النكسة وما هي النكبة؟ هل هي قصائد شعرية أم روايات أم عناوين وشعارات لخطب زعماء فقال: النكبة هي نكبة جدي وأبي ، والنكسة هي نكسة أبي ونكستي ونكسة أبنائي ، فهزت رأسها باستغراب وكأنها تعرف عنهما لأول مرة لتبعد الشبهة عن نفسها ، واستطردت قائلة : أيوه صحيح ، سمعت عنها كثيراً في القنوات الفضائية خاصة في هذه الأيام ، وطلبت منه أن يكمل الحديث ضمن الجواب على السؤال دون الإستطراد متذرعةً بقرب انتهاء الوقت المخصص للبرنامج ، فقال: أنا متزوج وزوجتي من أسرة لاجئة ، وأنا من أسرة نازحة ، تخرجت من الثانوية من مدرسة سجن عوفر في اسرائيل ، ونفيت خارج الوطن ، وهنا تبرَّمت مرة أخرى وقالت في نفسها ، ' شو هالورطة اليّ وقعت فيها ، في كل جواب يدخلنا في المحظور والممنوع' ، وأكمل حديثه قائلاً: وأكمات دراستي الجامعية من كلية العلوم تخصص كيمياء. وحصلت على الماجستير والدكتوراة في علم الأدوية ، وأنا الآن عاطل عن العمل. وهنا ابتسمت الصحفية وبادرته بالسؤال: هل سمعت من خلال دراستك عن دواء ينقص الوزن بوقت قصير وبدون عوارض جانبية؟؟ لقد جاءتني اشارة من المخرج بتمديد وقت البرنامج فخذ راحتك في الإجابة على هذا السؤال.
فقال لها : في الحقيقة لا يوجد دواء كيميائي بدون عوارض جانبية ، لكن عندي وصفة بلدية وشعبية اكتسبتها بالخبرة ممكن أفيدك فيها وبتعطي نتائج ممتازة بدون عوارض جانبية. وقالت له بإلحاح تفضل وقل لي عن هذه الوصفة ولا تستعجل فالوقت فضفاض،
فقال لها بعد تردد وخجل: أن تتزوجي فلسطينياً يحمل وثيقة سفر ويعيش في إحدى الدول العربية غير التي منحته الوثيقة. وهنا امتعضت مرة أخرى ، وقالت في نفسها ، 'كيف ما نلف وندور معاه بظل يلف ويدور في هالسيرة اليّ بتجيب وجع الراس' ، وكان هو مستطردأً في حديثه قائلاً: فهو لا يستطيع مغادرة البلد الذي يعيش فيه الى أي بلد آخر الاّ بشق الأنفس وهو ممنوع من الإقامة في البلد الذي أصدر له الوثيقته ، فلن تلتقيا أنت وإياه أبداً في إجازة ، وأولادكما سوف تختلف جنسياتهم من واحد لآخر حسب مكان ولادته قسم تابع لك وقسم تابع له ، ولن تجتمع العائلة في أي مناسبة ، ربما تموت والدتك دون أن تريها ، ويتزوج ابنك أو يتخرج دون أن تفرحي بعرسه ،أما هو فبالتأكيد لن يحضر جنازة أو عرس ، كل مصيبة ستكون جائزة في حالتك تلك إن تزوجت من فلسطيني يحمل وثيقة سفر برسم التحصيل مع وقف التنفيذ ، وسأضمن لك سَمِّة البدن التي ستنقص من وزنك كما تريدين. ربما يبدو ذلك مستغرباً ، ولكن صدقي أم لا تصدقي أنت حرة.
فقالت له برجاء وتوسل : كيف سأعثر على الشخص المناسب لسني وجمالي ومركزي الإجتماعي ، بربك ألا تعرف أنت شخصاً محترماً مناسباً لي ويليق بمقامي تنصحني به ؟؟؟ فرد عليها متلعثماً متردداً وخجلاً : والله ما بعرف الاّ محسوبك ، بصراحة مش عارف كيف بدي أدخل في الموضوع ، لكن بدي أدبها ورزقي على الله 'خلّينا نحط سمناتك (دهناتك) الزايده على عسلاتنا يا بنت الحلال ونعيش ، فبدلاً من أن أكون عاطلاً عن العمل ، أصبح زوج الصحفية'. كل ما في الموضوع إنك تقولي : أنا كاعدة على حجر وإنتَ يا مشرّد كاعد كبالي على حجر ، كبلتك يا معثّر على سنة الله ورسوله إلي ذكر ، ومع اثنين شهود من البياعين المتجولين في الشارع بتم الموضوع بكل بساطة. فقالت له : وزوجتك وأولادك ، ماذا ستفعل بهم ، ومن يقبل أن يشتريهم منك وليس لديهم شهادة منشأ مصدقة ومعتمدة وممنوعين من التنقل والحركة؟
كنعان : سيكونون شركاء معنا في التنمية ، وسنحدثك أنا وزوجتي الآولى كثيراً عن النكسة والنكبة ونروي ونكتب لك القصص المأساوية والتراجيدية عن الهجرة والنزوح ونزودك بالصور المثيرة ، ونكتب لك الأشعار والقصائد الرقيقة والغليظة ، في الغزل وفي الرثاء وفي المدح والهجاء والشهادة والحب والوطنية والخيانة والفخر والشجاعة وقصيدة مدح لصاحب القناة الفضائية وتدّعين أن كل هذا من تأليفك ، وبدورك تُعدّين عنهما البرامج والتقارير والريبورتاجات والبانوراما والأفلام الوثائقية والبوليسية فتملئين وقت القناة ، فيرتاح لك المسؤولين عنها ويزودوا راتبك وتصبحي مشهورة وستنالين عطف الجماهير العربية والإسلامية وأصحاب الضمائر الحية ، وزوجتي الآولى ستقوم بأعمال البيت ، وأنا سأعمل لديك سائقاً وقاصاً ومخرجا وزوجاً مثقفاً متعلماً لكنه عاطلاً عن العمل ، وربما تقنعي رئيس القناة الفضائية أن يخصص لي برنامجاً صحياً مع المستمعين والمشاهدين عن الأدوية وعلاج الأمراض المستعصية والوصفات الشعبية أتحدث فيها عن فوائد الجعدة والميرمية والزعتر والقزحة والحلبة وقشر الرمان .....الخ، وهذه البرامج ستدر علينا الذهب.
وبينما هما واقفان على الرصيف يصوغان الأتفاق النهائي على الزواج، حيث جلسا على حجرين متقابلين على الرصيف للبدء في مراسيم عقد القران ، سمعا صوت سيارة شرطة قادمة يتقادح منها الضوء ويهدر صوتها المميز، فوقفت بجانبهما ، ونزل منها لفيف من الشرطة مدججين بالعصي والهراوي والمسدسات ، وأمسكوا بهما وزجوهما بسيارة الشرطة الى المعتقل بتهمة تهديد أمن الوطن والقيام بمظاهرة وتجمعٍ لأكثر من مواطن واحد دون الحصول على إذن ، وحكم عليهما بالسجن ستة أشهر ، وبعد ذلك خرجا من السجن وقد فقدت الصحفية من وزنها أكثر مما كانت تتمنى. وراح كنعان يبحث عنها لإتمام الإتفاق الذي توصلا اليه قبل دخولهما السجن ، فالتقى بها في أحد الأسواق وكانت تشبك يدها بيد شاب طرير ووسيم ، وأوقفهما كنعان يستفسر منها عن الوعد الذي قطعته على نفسها بالزواج منه ، فردت عليه بأنها حققت ما كانت تتمناه بناءً على رغبة خطيبها وحبيبها المصور الصحفي في انقاص وزنها كشرط للزواج ، حققت أمنيتها دون الزواج منه كجسرٍ للهدف ، وأنها الآن بعد تحقيق شرط حبيبها في حلٍّ من الإتفاق ، متذرعة بأنه اتفاق شفوي على الرصيف ، وهنا تدخل خطيبها مدفوعاً بغيرته يقدم خطوة ويؤخر الأخرى محتمياً خلفها ، وفكاه ينزلان ويصعدان ، وقميصه مفتوح لفوق السرة بقليل ، وأزاح شعره المتهدّل على جبينه وعينيه بيده مهدداً كنعان بالضرب ، فسحبه كنعان من خلف الصحفية ، فوخزه بكفيه ولكمه لكمة أردته الأرض ، وبعثرت شعره المتطاير فإذا هو شعر اصطناعي كشف عن رأسه الأصلع القاحل ، وجاءت الشرطة بشكوى هاتفية عاجلة مقدمة منها ضده مفادها أنه تعرض لها وهي تسير مع خطيبها ، وأنه كان يعاكسها ويسيء الأدب معها واعتدى بالضرب على خطيبها ، فاعتقلوه وقيدوه وأودعوه السجن. وذهب حلمه مع الريح سراباً مُضللاً كما هو الحال في كل مرة. وخاب حلم الصحفية بخطيبها الجبان والمزيف والذي لم يستطع الدفاع عن نفسه وعنها وراحت تتمتم 'ظِلِّ حيطة ولا ظِلّ راجل'
بقلم أحمد ابراهيم الحاج
21/5/2008م
حيث أنكم حجبتم قصة المعشوقة الخائنة القاتلة لأسباب لا أعرفها فهاكم قصة بديلة
اسم الكاتب : أحمد ابراهيم الحاج
يحملُ على كتفه الأيسر جرةً يرشحُ منها ماء ، وعلى كتفه الأيمن جرة يرشحُ منها زيت جاءته هدية من أمه التي تمتد ساقيها في أعماق الأرض ، ويختلط الماء والزيت على صدره مع العرق المتصبب من جبينه ، والذي يدلف من لحيته ملتقياً مع شلالين من الدموع ينبعان من أغوار مقلتيه فتتساقط الدموع الحارة من عينيه الحمراوتين كحبات المطرالصيفي ، حيث تذرو رياحه الجافة المجنونة المتلاطمة الغبار في عينينه فتدمعان ، ويعلقُ في رقبته سلسلة كسلسلة من الجبال يتوسطها جبلان كأنهما جبلي جرزيم وعيبال ، وعلى صدره خارطة مجسّمة من الصخور الصوانية الحمراء ، والحوَّرِية البيضاء الملونة ، وفي وسطها ما يشبه الصخرة المشرفة ، وكان جسمه يشبه تماماً قطعاً من الفسيفساء وجدت في مادبا جنوب العاصمة الأردنية ، يقولون عنها إنها فسيفساء لفلسطين ، وكان يجر خلفه خيمة يلف حبلها على معدته ، هي بيته الذي يأويه في شتاته ، متنقلاً به بين المرتفعات والأغوار حسب الفصول ونشرات الأحوال الجوية ، وكان ظهره مقوّساً متعرجاً ، وقدماه متعبتان لكنهما ثابتتان راسختان كأعمدة المدرج الروماني ، ويحمل على ظهره مجموعةً من التلال النافرة كتلال رام الله وغزة والجليل ، وكأن قطيعاً من الجمال يجثو على ظهره ويرعى من النباتات الصحراوية الشوكية التي نبتت عليه منذ ستين عاماً مضت ، في بداياتها كانت النباتات سوداء ، وغزاها البياض وصارت بيضاء متشحة بالسواد ، في محصلتها تبدو اليوم رمادية اللون ، وكانت سنامات قافلة الجمال والتي تسير متتابعة على صحراء ظهره القاحلة المصفرة كصحراء الربع الخالي تشبه تتابع موج البحر الهائج المائج. ، وكان يمشي محنيَّ الظهر من ثقل الأحمال على رأسه وعلى ظهره وكتفيه وعنقه ، يقولون إنه يحمل على رأسه وصية متوارثة عن الأجداد من والديه ، مرسوماً عليها صورة مفتاح بيتٍ قديم ، وكانت الوصية مكتوبة بالحبر الأحمر على ورقة رقيقة من الورق الذي كان يستعمله جده ليلف به التبغ الناشف من حكورته خلف البيت ، وبدت وكأنها أقحوانة حمراء قانية ، طارت الورقة مع الهواء ، ولكنه وقبل أن تطير مع الرياح العاتية ، شف كلمات الوصية من الورقة الشفافة على لفائف دماغه ، فبقيت مخطوطة لا بل محفورة في تضاريس دماغه ، نقلها وشفها في ذاكرته قبل أن يحل واجبه المدرسي، وكان ينبعث منها خيوطٌ مغناطيسية دقيقة ، فيها قوة سحرية عجيبة تجذبه باتجاه الأرض التي حملته ، ورأى النور على ربوعها وتحنيه باتجاهها ، لكنه كان يرفع هامته الى السماء ويمشي كأحدب نوتردام ، يحمل في يده اليمنى غصن زيتون ، وفي اليسرى بندقية قديمة مقوسة ، صارت رصاصاتها من القدم والصدأ وشح الدهر ترتد الى الخلف ، كالبنادق الإنجليزية التي كان يتسلح بها الجندي العربي في حرب النكسة ، أصابته البندقية الهرئة بكعبها في عضلة الصدر ، وأحدثت جرحاً في صدره ، وجرحاً في كفه فرشحت دماءٌ نازفةٌ من الجرحين ، وكان يمسح بكفه العرق من على جبينه ، فاختلطت الدماء بالعرق والدموع والماء والزيت ، وبدا هذا المزيج على صدره وجبهته وكأنه لوحة زيتية ملونة ، مخطوطة بريشة فنان ملهم مثل ليوناردو دافنشي وبدت اللوحة تماماً كفسيقساء فلسطين.
...........................................................................................................................
عجبت لأمر هذا الإنسان المثقل بالأحمال على ظهره وصدره وكتفيه وعنقه ، وتساءلت كيف يسير بهذه الأثقال ويحافظ على هامته مرفوعة؟ ، وكان يصدر من عينيه شعاع من الأمل والإيمان والصبر والتحدي يضيء له الطريق ، كان يسير على أرصفة المدن العربية ، يقزقز حب الزيتون الأسود الناشف ، ويمتص ما تبقى من رحيقه ، لكنه لا يرمي الأنوية!! ، يحتفظ بها في جيوبه الخالية ، كالوسادة الخالية من القطن والمليئة بالأحلام ، أحلام العودة للوطن ومسقط الرأس ، ودولة بعاصمة مقدسة غرّاء ، يسمونها زهرة المدائن ، يقولون إنه يصنع من أنوية الزيتون سِبحة عدد حباتها مئة حبة وحبة ، يلظمها بخيوط من شعاع الشمس وهي تتوسط كبد السماء لعلها تطلُّ على مسقط رأسه ، فيشتم منها رائحة البلاد تحت صلي شعاع الشمس ، توقف عند الحبة الستين يحاول إدخال الخيط بها لكنه لم يستطع ، وانشطرت النواة الستين شطرين من محاولات اللظم الفاشلة ، كتب على الشطر الأول فتح وعلى الشطر الثاني حماس وحفظهما في صندوق حديدي ، وكأنه يؤرخ الأحداث التي تمر بالوطن ، وأصبحت السبحة مئة حبة على غير العادة ، وكانت كقلادة البامية التي كانت جدته تنسجها في الصيف وتفرطها بالشتاء طعاماً للعائلة ، يحتفظ بالسبحة كذكرى متجددة لأيام اقامته بوطنه الذي حرم منه ، وليسبِّح ، ويستغفر ، ويحمد ، ويكبر الله بعد الصلوات الخمس ، وفي الأسحار وقبل النوم وبعد النوم ، وكان يزيد تسبيحة وتكبيرة واستغفاراً وحمداً وتوحيداً على عدد حبات السبحة لأنها كانت ناقصة ، ويقول في آخر الدعاء 'اللهم افتح على حماس ، وأعِد الحماس لفتح' ، يقولون أن هذا هو سر بقائه محتفظاً بالأمل ، وإصراره على الحياة ومقاومته لبذور الفناء وتفاؤله بالنصر. ووقود صبره الذي يشبه صبر أيوب. تصده الحدود بين الدول العربية عن الحركة ، فيدور حول نفسه في حلقة مفرغة من الهواء ، فقد طلبوا منه أن يقضي ويسخر كل وقته بالتفكير في وطنه ، وأن يقرأ عن ثورات التحرر ويحفظ النظريات في سره دون العمل بها ودون أخذ للعبرة ودون نشرٍ وتعميم وتطبيق ، وطلبوا منه أن يكون مثالياً لا يخطيء لأنه ابن قضية ، وأن يجتر الذكريات والشعارات دون التغني بها جهراً ودون تطبيقها ، ، وأن يتغنى فقط بدعم الأشقاء الذي لا ينضب ، وببطولة القادة والزعماء ، وكان مكبلاً بالقوانين والدساتير والمحاذير والإتفاقيات الأمنية العربية ، والخلافات والعداوات الأخوية. يقولون له : لا نريدك أن تنسى وطنك السليب ، لذلك: فأنت ممنوعٌ من العمل لكي لا يشغلك عن وطنك فتنساه ، ممنوعٌ من التنقل لكي لا تضيِّع وطنك في المنتجعات سائحاً متنزهاً ، ممنوع من الأنتخابات والتجنس لكي لا تُوَطَّن في غير وطنك ، ممنوعٌ من التحدث للصحافة والإعلام ، فلست مخولاّ بالحديث عن وطنك ونخشى من زلة لسانك الطويل فتوقعنا في معركة غير مُستحِقه مع عدو متربص ، فلسنا جاهزين لها رغم استحقاقها قبل ستين عاماً ، أنت ممنوعٌ من الشكوى ، ممنوع من الضحك والإبتسام ، وممنوع من البكاء جهراً حتى لو ضُربت ، ممنوع أن تطلق لحيتك وممنوع أن تحلقها كل يوم لكي لا يبدو عليك التنعم بالحياة ، ممنوعٌ أن تأكل ثلاث وجبات في اليوم ، يكفيك وجبة واحده ، ممنوع أن تشرب المياه الصحية المفلترة والمعقمة ، ممنوعٌ من التعليم والمطالعة ووطنك محتل ،ممنوع من المقاومة ممنوع ، ممنوع ....الخ.
مسموحٌ لك أن تهاجر الى أي مكان بحثاً عن الرزق ، وأن تدير ظهرك للوطن ولا تنظر اليه ، ومسموح لك بأن تحصل على أي جنسية أجنبية غير عربية ، وتنصاع لقوانين البلد الجديد الذي ستحمل جنسيته ، وامسح من ذاكرتك كل ما رأيت وسمعت عندنا ، وسلم وثيقتك لنا لنمزقها شر مُمَزق ، وخلِّص ذاكرتك من كل ما تحمل من ذكريات عن مسقط رأسك. وسوف نكسر جرة لفراقك.
وكان أشقاؤه العرب (أكرمهم الله) كرماء معه كحاتم الطائي ، يستضيفونه أحياناً كثيرة أكثر من ثلاث ليالٍ فوق العادة العربية في معتقلات الحجز بدون سبب أو ذنب اقترفه ، ويزجونه في دهاليزها مع مخالفي قوانين السير من قاطعي الإشارات المرورية الحمراء ، ومنتهكي الحرمات الدينية والأخلاقية يقطعون يده ليطبخوا عليها مرقاً ليكون طعامه مع كسرة خبز ، ويأكلون لحمها ويمتصون نخاع عظمها ويرمون عظمها للكلاب ، يجردونه من كل وسيلة اتصال ، ومن ربطة العنق ، لئلا يشنق بها نفسه بالسجن من هول ما يراه ويسمعه أو لكي لا يشنقه بها نزلاء السجن من المجرمين . فقد كانوا يجبرونه على الصلاة في غير موعدها ، ولغير الله ، إنها الصلاة للحاكم والزعيم. يقول لهم: لن أركع طوعاً الاّ لله ولن أسجد الاّ لله ، هكذا تعلمت وأوصاني أبي ، فيركِّعونه بالإكراه مغشياً عليه بالطرق على مؤخرة رأسه بالشاكوش المدبب الرأس ، ويجبرونه على السجود غصباً دون علمه ، ويلقنونه كلمات التحيات والصلوات للحاكم ويردد خلفهم دون وعي بما يقول معتقداً أنه يصلي لله.
...........................................................................................................................
ورأيته في الأحياء الراقية في المدن الغربية ، يسكن القصور ، ويتجاوز الحدود بأريحية ، ويركب السيارات الفارهة ، ويطلق لحيته ويحلقها كما يريد ، يشتري الكتب والصحف والمجلات دون قيود ، يقرأ ويطالع وينتقد كيفما شاء ، لكنه لم يكن سعيداً ، وكأنه محرومٌ من شيء ما، وكأن شيئاً مهماً وضرورياً للحياة ينقصه ، يقولون إنهم في الغرب يدللونه لأنه عالمٌ ومخترع ولأنه بحده الأدنى إنسان ، ولأنه باحث ومكتشف ، سألوه: لماذا أنت عابس تحمل الهموم كالأثقال؟ حصلت على المال ورزقت بالبنين والشهرة والسكن والمودة والمتعة والإلفة مع زوجة جميلة مخلصة تحبك بجنون ، وتسكن في القصور ، ولديك ضمان إجتماعي ، وتأمين صحي ، وأولادك يتعلمون بدون كلفة ، وتنعم بكل الحريات ما عدا حرية واحدة هي حرية التعبير العملي عن الحب والشوق للوطن وترجمته الى فعلٍ على الأرض ، ويضيفون: ولكنك خلقت وولدت مشرداً على الأرصفة ، وبالخيام متنقلاً كالبدوي ، لا تعرف الإستقرار ، ليس لك وطن ، فأنت من شعب بلا أرض ، كالوحوش المفترسة والطيور المهاجرة ، تتنقل بحثاً عن رزقها ، وقد استضفناك وأكرمناك ومنحناك الجنسية وحقوق المواطنة ، وربما تصبح مثل ضيفنا الذي صار مواطناً مثلنا (باراك اوباما) في يومٍ من الأيام ، وتترشح للرئاسة وربما تفوز وتكون رئيساً علينا.
أجابهم: إنّ لكل إنسان على هذه الأرض وطن يحمله ويأويه ويسكن فيه ويلجأ اليه عندما يشعر بالإهانة وبعدم الإحترام في أي مكان آخر يوجد فيه ، إلاّ أنا فوطني يسكن بداخلي وبين جوانحي وأحمله أنا بدلاً من أن يحملني هو ، فهو معي ، بداخلي وبوجداني أينما حللت في الشتات بعيداً عنه ، كل شيءٍ ننساه بنعمة النسيان ، الاّ الوطن فهو الشيء الوحيد الذي يأبى النسيان ، إنني من شعبٍ آدميّ له وطن جميل ومعطاء ، وسرقته عصابات سطوٍ مسلحة ، إنهم قراصنة الأوطان ، وعصابات متعصبة ومنبوذةٌ من جيرانها ، ومن شتات الأرض ، لا وطن لهم ، لذلك فأنا كالعتّالٌ المتجولٌ في الكرة الأرضية ، لأنني أحمل ثقل الوطن ، وهموم تحرير الوطن ولواعج الغربة عن الوطن ، وأعيش في وسطٍ من العالم لا يدرك ما معنى أن لا يكون لك وطن. لأنه لم يجرب ما معنى أن تكون إنساناً بلا وطن. فالحيوانات تعشق أوطانها والطيور تخلص لأوكارها ، فما بالك نحن البشر.
...........................................................................................................................
التقته إعلامية (صحفية) على أحد الأرصفة في عاصمة عربية ، وقد ضاقت تلك العاصمة كغيرها من بقية العواصم ذرعاً بحكامها المتسلطين عليها ، لأن أحلامهم في التسلط تصغر في عقولهم مع التقدم بالعمر ولم تهرم مع هرمهم ، يحملهم الوطن على ظهره ، ولكنهم شعروا بكوابيس أحلامهم المزعجة أنهم سيسقطون عن سنام الوطن ، وصاروا يتدافعون ويترافسون عليه وكأنهم في معركة صراع البقاء في السلطة ، كصراع البقاء في الغاب ، متسلقين على ظهر الوطن ، يكسرون أغصانه الخضراء ، ويمزقون أوراقه اليانعة ويقطّعون أزهاره المتفتحة تشبثاً بالسلطة ، وأصبح يطلق عليهم الإخوة الأعداء ، إنهم موجودون واقعاً حيّاً اليوم في فلسطين وفي لبنان وفي العراق ، والحبل على الجرار....الخ . وأجرت معه الصحفية التي لم تجد مادة اعلامية تملؤ بها الوقت المخصص لها في القناة الفضائية في برنامج اسمه 'دردشة على الرصيف' (منبر من لا منبر له) اللقاء التالي:
الصحفية : ممكن نتعرف على البطاقة الوطنية الشخصية للأخ
كنعان: في الحكيكة ما معي بطاكة وطنية ولا ركم وطني ، معي وثيكة مؤكّته بركم يميزني عن غيري من المواطنين الأصليين فقاطعته طالبة منه أن يتكلم بالفصحى ، فأكمل قائلاً : وأنا بانتظار وطن موعود ، وعده كالسراب ، كلما اقتربنا منه ، تلاشى واختفى ، وكأنه يقفز الى مكان بعيدٍ في الطريق ، فنلحقه فيركض أمامنا ، واستمر على هذا الحال ستين عاماً ، وها أنا على مشارف الستين ، أعيش بالأمل والألم ، ممنوع علي العمل من أجل تحقيق الأمل ، لكن أعرف أن اسمي : كنعان بن أحمد بن محمد بن اسماعيل بن كنعان بن سام. ، ولدت قبل النكسة بخمسة عشر عاماً وبعد النكبة بأربعة أعوام ، فقاطعته مرتجفة تقول في نفسها ' قل أعوذ برب الناس ، من وين طلع لي هالنحس اليّ رح يجيب لي الشبهة' وقالت له: عفواً كنعان ، ما هي النكسة وما هي النكبة؟ هل هي قصائد شعرية أم روايات أم عناوين وشعارات لخطب زعماء فقال: النكبة هي نكبة جدي وأبي ، والنكسة هي نكسة أبي ونكستي ونكسة أبنائي ، فهزت رأسها باستغراب وكأنها تعرف عنهما لأول مرة لتبعد الشبهة عن نفسها ، واستطردت قائلة : أيوه صحيح ، سمعت عنها كثيراً في القنوات الفضائية خاصة في هذه الأيام ، وطلبت منه أن يكمل الحديث ضمن الجواب على السؤال دون الإستطراد متذرعةً بقرب انتهاء الوقت المخصص للبرنامج ، فقال: أنا متزوج وزوجتي من أسرة لاجئة ، وأنا من أسرة نازحة ، تخرجت من الثانوية من مدرسة سجن عوفر في اسرائيل ، ونفيت خارج الوطن ، وهنا تبرَّمت مرة أخرى وقالت في نفسها ، ' شو هالورطة اليّ وقعت فيها ، في كل جواب يدخلنا في المحظور والممنوع' ، وأكمل حديثه قائلاً: وأكمات دراستي الجامعية من كلية العلوم تخصص كيمياء. وحصلت على الماجستير والدكتوراة في علم الأدوية ، وأنا الآن عاطل عن العمل. وهنا ابتسمت الصحفية وبادرته بالسؤال: هل سمعت من خلال دراستك عن دواء ينقص الوزن بوقت قصير وبدون عوارض جانبية؟؟ لقد جاءتني اشارة من المخرج بتمديد وقت البرنامج فخذ راحتك في الإجابة على هذا السؤال.
فقال لها : في الحقيقة لا يوجد دواء كيميائي بدون عوارض جانبية ، لكن عندي وصفة بلدية وشعبية اكتسبتها بالخبرة ممكن أفيدك فيها وبتعطي نتائج ممتازة بدون عوارض جانبية. وقالت له بإلحاح تفضل وقل لي عن هذه الوصفة ولا تستعجل فالوقت فضفاض،
فقال لها بعد تردد وخجل: أن تتزوجي فلسطينياً يحمل وثيقة سفر ويعيش في إحدى الدول العربية غير التي منحته الوثيقة. وهنا امتعضت مرة أخرى ، وقالت في نفسها ، 'كيف ما نلف وندور معاه بظل يلف ويدور في هالسيرة اليّ بتجيب وجع الراس' ، وكان هو مستطردأً في حديثه قائلاً: فهو لا يستطيع مغادرة البلد الذي يعيش فيه الى أي بلد آخر الاّ بشق الأنفس وهو ممنوع من الإقامة في البلد الذي أصدر له الوثيقته ، فلن تلتقيا أنت وإياه أبداً في إجازة ، وأولادكما سوف تختلف جنسياتهم من واحد لآخر حسب مكان ولادته قسم تابع لك وقسم تابع له ، ولن تجتمع العائلة في أي مناسبة ، ربما تموت والدتك دون أن تريها ، ويتزوج ابنك أو يتخرج دون أن تفرحي بعرسه ،أما هو فبالتأكيد لن يحضر جنازة أو عرس ، كل مصيبة ستكون جائزة في حالتك تلك إن تزوجت من فلسطيني يحمل وثيقة سفر برسم التحصيل مع وقف التنفيذ ، وسأضمن لك سَمِّة البدن التي ستنقص من وزنك كما تريدين. ربما يبدو ذلك مستغرباً ، ولكن صدقي أم لا تصدقي أنت حرة.
فقالت له برجاء وتوسل : كيف سأعثر على الشخص المناسب لسني وجمالي ومركزي الإجتماعي ، بربك ألا تعرف أنت شخصاً محترماً مناسباً لي ويليق بمقامي تنصحني به ؟؟؟ فرد عليها متلعثماً متردداً وخجلاً : والله ما بعرف الاّ محسوبك ، بصراحة مش عارف كيف بدي أدخل في الموضوع ، لكن بدي أدبها ورزقي على الله 'خلّينا نحط سمناتك (دهناتك) الزايده على عسلاتنا يا بنت الحلال ونعيش ، فبدلاً من أن أكون عاطلاً عن العمل ، أصبح زوج الصحفية'. كل ما في الموضوع إنك تقولي : أنا كاعدة على حجر وإنتَ يا مشرّد كاعد كبالي على حجر ، كبلتك يا معثّر على سنة الله ورسوله إلي ذكر ، ومع اثنين شهود من البياعين المتجولين في الشارع بتم الموضوع بكل بساطة. فقالت له : وزوجتك وأولادك ، ماذا ستفعل بهم ، ومن يقبل أن يشتريهم منك وليس لديهم شهادة منشأ مصدقة ومعتمدة وممنوعين من التنقل والحركة؟
كنعان : سيكونون شركاء معنا في التنمية ، وسنحدثك أنا وزوجتي الآولى كثيراً عن النكسة والنكبة ونروي ونكتب لك القصص المأساوية والتراجيدية عن الهجرة والنزوح ونزودك بالصور المثيرة ، ونكتب لك الأشعار والقصائد الرقيقة والغليظة ، في الغزل وفي الرثاء وفي المدح والهجاء والشهادة والحب والوطنية والخيانة والفخر والشجاعة وقصيدة مدح لصاحب القناة الفضائية وتدّعين أن كل هذا من تأليفك ، وبدورك تُعدّين عنهما البرامج والتقارير والريبورتاجات والبانوراما والأفلام الوثائقية والبوليسية فتملئين وقت القناة ، فيرتاح لك المسؤولين عنها ويزودوا راتبك وتصبحي مشهورة وستنالين عطف الجماهير العربية والإسلامية وأصحاب الضمائر الحية ، وزوجتي الآولى ستقوم بأعمال البيت ، وأنا سأعمل لديك سائقاً وقاصاً ومخرجا وزوجاً مثقفاً متعلماً لكنه عاطلاً عن العمل ، وربما تقنعي رئيس القناة الفضائية أن يخصص لي برنامجاً صحياً مع المستمعين والمشاهدين عن الأدوية وعلاج الأمراض المستعصية والوصفات الشعبية أتحدث فيها عن فوائد الجعدة والميرمية والزعتر والقزحة والحلبة وقشر الرمان .....الخ، وهذه البرامج ستدر علينا الذهب.
وبينما هما واقفان على الرصيف يصوغان الأتفاق النهائي على الزواج، حيث جلسا على حجرين متقابلين على الرصيف للبدء في مراسيم عقد القران ، سمعا صوت سيارة شرطة قادمة يتقادح منها الضوء ويهدر صوتها المميز، فوقفت بجانبهما ، ونزل منها لفيف من الشرطة مدججين بالعصي والهراوي والمسدسات ، وأمسكوا بهما وزجوهما بسيارة الشرطة الى المعتقل بتهمة تهديد أمن الوطن والقيام بمظاهرة وتجمعٍ لأكثر من مواطن واحد دون الحصول على إذن ، وحكم عليهما بالسجن ستة أشهر ، وبعد ذلك خرجا من السجن وقد فقدت الصحفية من وزنها أكثر مما كانت تتمنى. وراح كنعان يبحث عنها لإتمام الإتفاق الذي توصلا اليه قبل دخولهما السجن ، فالتقى بها في أحد الأسواق وكانت تشبك يدها بيد شاب طرير ووسيم ، وأوقفهما كنعان يستفسر منها عن الوعد الذي قطعته على نفسها بالزواج منه ، فردت عليه بأنها حققت ما كانت تتمناه بناءً على رغبة خطيبها وحبيبها المصور الصحفي في انقاص وزنها كشرط للزواج ، حققت أمنيتها دون الزواج منه كجسرٍ للهدف ، وأنها الآن بعد تحقيق شرط حبيبها في حلٍّ من الإتفاق ، متذرعة بأنه اتفاق شفوي على الرصيف ، وهنا تدخل خطيبها مدفوعاً بغيرته يقدم خطوة ويؤخر الأخرى محتمياً خلفها ، وفكاه ينزلان ويصعدان ، وقميصه مفتوح لفوق السرة بقليل ، وأزاح شعره المتهدّل على جبينه وعينيه بيده مهدداً كنعان بالضرب ، فسحبه كنعان من خلف الصحفية ، فوخزه بكفيه ولكمه لكمة أردته الأرض ، وبعثرت شعره المتطاير فإذا هو شعر اصطناعي كشف عن رأسه الأصلع القاحل ، وجاءت الشرطة بشكوى هاتفية عاجلة مقدمة منها ضده مفادها أنه تعرض لها وهي تسير مع خطيبها ، وأنه كان يعاكسها ويسيء الأدب معها واعتدى بالضرب على خطيبها ، فاعتقلوه وقيدوه وأودعوه السجن. وذهب حلمه مع الريح سراباً مُضللاً كما هو الحال في كل مرة. وخاب حلم الصحفية بخطيبها الجبان والمزيف والذي لم يستطع الدفاع عن نفسه وعنها وراحت تتمتم 'ظِلِّ حيطة ولا ظِلّ راجل'
بقلم أحمد ابراهيم الحاج
21/5/2008م
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 - 20:54 من طرف جنى ميرو
» صيانة سخانات في دبي 0543747022 emiratefix.com
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 - 19:53 من طرف جنى ميرو
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في عجمان 0543747022
السبت 16 نوفمبر 2024 - 23:43 من طرف جنى ميرو
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في عجمان 0543747022
السبت 16 نوفمبر 2024 - 23:11 من طرف جنى ميرو
» تصليح أفران في دبي 0543747022 emiratefix.com
السبت 16 نوفمبر 2024 - 22:15 من طرف جنى ميرو
» تصليح أفران في دبي 0543747022 emiratefix.com
السبت 16 نوفمبر 2024 - 22:11 من طرف جنى ميرو
» تصليح ثلاجات في دبي emiratefix.com 0543747022
السبت 16 نوفمبر 2024 - 0:11 من طرف جنى ميرو
» تصليح سخانات في دبي - 0543747022 (الشمسية و المركزية) emiratefix.com
الجمعة 15 نوفمبر 2024 - 20:33 من طرف جنى ميرو
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في الشارقة 0543747022
الأربعاء 13 نوفمبر 2024 - 21:30 من طرف جنى ميرو
» اداة ذكاء اصطناعي للباحثين وطلاب الدراسات العليا
الجمعة 26 أبريل 2024 - 11:23 من طرف Abd