منتديات خاراس الرسمية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

2 مشترك

    وداعاً لختم المخترة

    أحمد ابراهيم الحاج
    أحمد ابراهيم الحاج

    {{ كبار الشخصيات }}


    {{ كبار الشخصيات }}


    الجنس : ذكر
    البرج : الحمل
    عدد المشاركات : 231
    العمر : 72
    البلد : فلسطين - خاراس
    نقاط النشاط : 204
    الاعجاب : 4
    الدوله : فلسطين

    وداعاً لختم المخترة Empty وداعاً لختم المخترة

    مُساهمة من طرف أحمد ابراهيم الحاج الإثنين 1 نوفمبر 2010 - 14:00

    وداعاً لختم المخترة
    .....................
    بعد أن أكملت اسرائيل احتلالها للضفة الغربية ، وأحكمت سيطرتها العسكرية على القرى والمدن الفلسطينية عام 1967 ، أرسل الحكام العسكريون للمناطق طلبات لاستدعاء لمخاتير القرى ، وهذه قصة مختار أحدى قرى منطقة الخليل مع الحاكم العسكري لمنطقة الخليل:
    بعدما أُبلِغ ابو صالح بمراجعة الحاكم العسكري في مدينة الخليل ، وفي الليلة التي تسبق الموعد المنتظر آوى الى فراشه تلفه الحيرة ويظلله القلق ، أخذ ابوصالح يتقلب في فراشه ، ويطلق تنهيدة بين الفينة والأخرى تعبر عن ألمٍ مكبوتٍ في صدره ، وكان نومه متقطِّعاً ينام للحظات قصيرة يعلو فيها شخيره ويصحو على غير عادته ، وصحا مرة على صوت أم صالح تقول له ، توكل على الله يا ختيار وريِّح راسك على المخدّة بلكي شخيرك يخف شوية ، مش عارفه أنام ، مرة بتهلوس ومرة بتشخر شو جرالك الليلة ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، اسم الله حولك وحواليك ، يا زلمه إليّ بقع من السما بتتلقاه الأرض ، وكّلها لألله ، هو إنت كاين أحسن من هالشباب إليّ استشهدوا ، فرد عليها أبو صالح : والله ما هو خوف على نفسي يا حرمه ، ولكن إليّ حازّ في نفسي إنّو في آخر هالعمر أصير مختار على أهل بلدي تحت حكم اليهود ، ويتأمَّروا عليّ ، روح وتعال ، وتعال وروح ، وين فلان ووين علاّن ، وشو صفة فلان ، وشو بشتغل علاّن ، يعني بالعربي الفصيح بدهم إياني أصير مخبر إلهم ، لكن والله ما يحلموا في هالشيء أبداً لو على قطع راسي. طول عمري بعمل خير في البلد ، وسمعتي وسيرتي وسيرة أبوي وجدّي من قبلي مثل البفتة البيضة بين أهل البلد ، وإن شاء الله رح تظل مثل ما هي. أنا عارف شو بدهم ، عايزين تقرير كامل عن البلد وأهل البلد من طقطق لسلام عليك. أنا بنسى يوم دخلوا البلد سنة الإحتلال وجمعوا الناس في الساحة صغار وأطفال وكبار ونسوان وزلام وهم قاعدين يحققوا معاي في غرفة قائد الشرطة في المخفر وأنا سامع صوت الأطفال بصيّحوا وشايف زلام البلد مكسورين الخاطر ، والعساكر حاشرينهم في الساحة قدّام نسوانهم واولادهم ومطوقين البلد من كل ناحية ، الله يلعن أبوها من ساعة نحس. كل ما بتذكرها بنسم بدني وبمرض وبتسد نفسي عن الأكل والشرب.
    وقبل موعد استيقاظه المعتاد من النوم بوقت طويل ، نهض ابو صالح وتوضأ ينتظر آذان الصبح وقضي هذا الوقت بقراءة القرآن والدعاء بالستر وحسن الخاتمة وكان يخرج ساعته من جيبه من وقت لآخر يستطلع الوقت وكأنه يستعجله ، وأيقظ ام صالح قبل موعد آذان الصبح بقليل لتأدية الصلاة وخرج الى المسجد لأداء الصلاة جماعة كالمعتاد. وبعد أداء الصلاة عاد أبوصالح للبيت ، فوجد أم صالح قد جهزت له ابريق الشاي وصحناً من الزيت مع خبز الطابون الجديد الساخن ، كما جرت العادة في كل يوم ، أخرج ابوصالح كيس دخان الهيشي ، وأخذ يلف السجائر الواحدة تلو الأخرى ويضعها في علبة السجائر المعدنية. وأشعل سيجارة وصب كأساً من الشاي على غير عادته قبل الإفطار ، فبادرته أم صالح قائلة باستغراب: خير ياطير ، شو اليّ تغيّر عليك يا زلمه ، بدك تدخن قبل ما تفطر ، هذي مش عوايدك ، وهنا ابتسم أبو صالح محاولاً إزاحة غيوم الهموم التي كانت تلقي بظلالها على البيت قائلاً : اليوم بدي أروح على المدينة مثل ما إنتِ عارفه ، اتذكرت واشتهيت الكباب وخبز السوق ، متذكرة كل ما نروح عالمدينة كنا نفطر كباب وشقف في العرايش اليّ في الكراجات ولمّا كان صاحب العريشة يحشي شقف اللحمة المشوية والكباب اليّ بنقِّط دهنة في خبز السوق السخن ، ما هي ريحة اللحمة بس ننزل من الباص بتصير تلفح في مناخيرنا وبتفتح نفوسنا على الأكل وبعدين بتشهي ، وبصراحة زاكية كثير وفيها تغيير عن المنسف والواحد ما بشبع منها ، فقالت أم صالح: آه لا تذكرني يا ابوصالح وتشهيني على هالصبح ، والله لولاك رايح تشوف الحاكم العسكري لرحت معاك وأفطرت كباب وشقف محشية في خبز السوق . لكن ما بندري شو رح يصير معاك يا معوَّد. أنا خايفه يسجنوك يا مسخمط إذا ما أعطيتهم اليّ بدهم إياه. هز أبو صالح رأسه وقال: هو أنا ظل إلي قيمة في البلد وغير البلد يا أم صالح ، اليهود عملوا من الصايعين والدُّشر والزعران والزعلّطية في البلد مخاتير وشيوخ ، آوف آوف ... وآخ آخ منك يا زمن ...والله الدنيا انقلب حالها وتغيَّرت أحوالها .يا رب طالبين سترك وحسن الختام. والله لولا الناس ووجوه البلد وشيخ المسجد أصروا علي أظل مختار البلد لرميت هالختم من زمان أول ما دخلوا اليهود ، صرت ما بطيق هالختم وبكرهو وبخجل منو ومرات بلوم أبوي وجدي الله يرحمهم إليّ ورثوني إياه في هالزمان النحس. والله لو كنت عارف شو بدو يصير ما تمخترت ولا حملت هالختم. إنت ملاحظة إنو أهل البلد بطلوا حتى يطلّوا ويِلْفوا عليّ ويشاوروني ، وصار كل واحد فالت على راسو والصغير في البلد صارت كلمتو تمشي على الكبير ، والكبير ما يحكم على الصغير ، طاسة وضايعه ، وصار الأميّ والعامل يحصّل مصاري أكثر من المتعلِّم والمثقف ، يا حسافه على أيام زمان.
    أبو صالح كان يعيش مع زوجته أم صالح في البيت الكبير لوحدهما ، فأولادهم مهجَّرون قسراً عن البلدة نظراً لوجودهم خارج الوطن عندما اندلعت حرب 1967 ، إبنه الكبير صالح كان ضابطاً في الجيش الأردني ، وإبنه الثاني محمد كان مغترباً ويعمل في جريدة في الخليج عندما اندلعت الحرب ، وكان له ابنتان متزوجتان في البلدة ، وكانت البنتان وأبناؤهما يملآن عليهما حياتهما الخالية الهادئة في هذا البيت الكبير ، وكان بيت أبو صالح قبل الإحتلال لا يخلو من الضيوف من أهل البلدة ومن خارجها ، وكانت قدور الطعام والشراب عنده لا تجف ولا تهدأ عن الرنين ، فقد كان كريماً وطيِّب النفس ، ينفق كلَّ ما يبعثه له أبناؤه وما يأتيه من ريع الأرض التي كان يرهنها كل سنة للفلاحين على الولائم والإصلاح بين الناس ، وكان بيته كمقر الضيافة للبلدة كلها ، يتحمل أعباء الضيوف عن أهل البلدة التي كانت أحوالهم المعيشية صعبة وعسيرة الحال في تلك الأيام.
    وبعد صلاة الفجر ، سمعت أم صالح منبه الباص يصدر الإنذار الأول للناس معلناً عن نيته الإنطلاق في أول رحلة له الى مدينة الخليل ، ونادت أبو صالح ليلحق بالباص قبل أن يبدأ الرحلة ، توجه ابوصالح بعد أن لبس اللباس العربي الفلسطيني ، السروال الطويل والدِّكة ، والقمباز والشملة والكوفية الفلسطينية والعقال والعباءة ، وساعة الجيب وتوجه الى ساحة البلدة التي يدوّر بها الباص متجهاً الى الخليل بالرغم من أن موعده مع الحاكم العسكري كان عند الساعة الحادية عشرة قبل الظهر ، ولكن رحلات الباص محدودة حيث كان يعمل لثلاث قرىً ويقضي وقتاً طويلاً بالوقوف المتكرر في كل قرية للتحميل والتنزيل ، وكانت الطريق غير مزفلتةٍ بل مرصوفةً بالحصمة الناعمة.
    أبو صالح رجل لم ينل من العلم قسطاً كبيراً ، أنهى دراسته في الكتاب على يد شيخ القرية ، يقرأ جيداً ، وكتابته لم تكن بمستوى قراءته ، لكنه يحفظ أجزاءً كثيرة من القرآن الكريم ، وقد ورث عن أبيه وجده ختم المخترة بإجماع عشيرته في القرية والتي تشكل الأغلبية من سكانها ، وكان في القرية مختارٌ آخر للعشيرة الأخرى. لكن أبو صالح كان يمتاز بشعبية غطت على المختار الآخر نظراً لكرمه وحكمته وتواضعه وخدمته أهل القرية.
    ركب ابو صالح في مقدمة الباص حيث قام أحد الشباب تاركاً مقعده للمختار ليرجع الى مقعدٍ في وسط الباص ، وفي جولة مساعد السائق (الكنترول) ليحصل الأجرة تجاوز بو صالح قائلاً له : واصل يا عمي المختار ، لقد دفع الأجرة جارك أبو اسماعيل ، طالت الرحلة من القرية الى المدينة نظراً لأن الباص يعمل لثلاثة قرى ، وقد توقف عدة مرات للتحميل والتنزيل فينزل ركاب ويصد آخرون. وفي الطريق أخرج ابو صالح علبة سجائر الدخان وأشعل سيجارةً من الدخان الهيشي ، وكانت سحابات الدخان ترتد للوراء على الركاب الجالسين خلفه في الباص وذلك من نسمات الهواء الغربي والتي كانت تهب من اتجاه معاكس من الشباك.
    وأخيراً وصل الباص الى محطته الأخيرة في مدينة الخليل (منطقة مجمَّع الكراجات) عند الساعة التاسعة صباحاً ليجد ابو صالح متسعاً من الوقت لتناول وجبة الكباب ، وبدأت رياح الصباح المحملة برائحة الشواء تغزو أنف ابو صالح ، وتثير فيه الشهية ، فنزل من الباص وتوجه فوراً الى عريشة مطعم الكباب والشقف ، وجلس على طاولة تحت العريشة ، وجاءه عامل المطعم (الجرسون) (وهو من فلاحي القرية المجاورة ) مسرعاً يمسح الطاولة مهلياً به :أهلين عمي المختار ، شرفتنا اليوم ، فقد تعود أبو صالح أن يكرمه بالبقشيش ، طلباتك عمي ابو صالح ، فأجابه المختار: كالعادة يا بنيّي ، فرد عليه حاضر ياعمي من عيوني ، وبعد لحظات من الإنتظار وضفادع بطنه تنق من رائحة الشواء ، لأنه لم يتناول فطوره كالمعتاد ، أحضر الجرسون الطبق المعتاد لأبو صالح ، صحنٌ فيه رغيف من خبز السوق محشوٌّ بأربعة أسياخ من الكباب ، وصحنٌ به رغيف آخر يغطي أربعة أسياخ من الشقف (الأوصال) يتخللها بضعة رؤوس من البصل المشوي وتحتها رغيف من الخبز تشرّب من ماء الشواء ، وطبقاً من الرِّيش المشوية مع الفلفل الأخضر يغطيه رغيف من الخبز ، وصحناً من السلطة الخضراء وصحناً من الحمص ، وإبريقاً من الماء البارد وكأساً لشرب الماء ، وبدأ ابو صالح يتناول وجبته المعتادة كلما قصد المدينة ، ولما انتهى من فطوره وغدائه اللذين جمعهما جمع تأخير وتقديم ، تأخير للفطو وتقديم للغداء ، أحضر الجرسون كوباً من الشاي المغلي على النار ، وكان أبو صالح يشربه حالياً زيادةً عن المألوف ، وأخرج سيجارته الملفوفة سلفاً لينفثها مع الشاي ، وأخرج ساعته من جيبه يستطلع الوقت فإذا الساعة تشير الى التاسعة وخمسة وأربعين دقيقة.
    توجه ابو صالح لزيارة الحرم الإبراهيمي الشريف والصلاة فيه صلاةً نافلة ، ولما وصل الى باب الحرم فوجيء بإقفاله من جيش الإحتلال ، وعدم فتحه الإ في مواعيد الصلاة وإخضاع المصلين لعملية تفتيش ، وطلب من العسكر الدخول لأنه قادم من القرية ، لكنهم رفضوا طلبه ، فغيّر وجهته لقضاء وقته المتبقي على اللقاء في السوق العِتِم ، وهو سوق مغلق ومقوس وفيه البضائع التراثية والتقليدية ومحلات تجارية وحرفية ، تذكر أن حذاءه بحاجة الى إصلاح ، حيث برزت في قاعدته بعض المسامير التي كانت تؤلمه ، فأصلحه في السوق العتم ، وهذا السوق لا تشعر وأنت تسير به في أيام الحر الشديد بالحرارة أبداً وكأنه مكيَّف بأحدث آلات التكييف المركزي.
    اقترب موعده مع الحاكم العسكري ، فتوجه الى مقر الحاكم العسكري مشياً على الأقدام ، ولما وصل الى باب المقر ، أوقفه العسكر للتفتيش بعد أن تأكدوا من دعوته من الداخل ، وفتشوه تفتيشاً دقيقاً ، فطلبوا منه خلع عباءته ، وقمبازه وحذاءه وكوفيته ، تردد أبو صالح في الإستجابة لطلبهم ، لكنه كظم غيظه واستجاب على مضض الى أن طلبوا منه خلع سرواله ، وهنا انتفض ابوصالح لأنه لا يوجد ما يستر عورته تحت السروال ، ورفض رفضاً قاطعاً خلع سرواله ، فاتصلوا بمكتب الحاكم العسكري يبلغوه اصراره على عدم خلع السروال ، فأشار عليهم أن لا يضغطوا عليه ويكتفوا بتمرير الجهاز على السروال ، فمرروا الجهاز على كل أعضائه تحت السروال عضواً عضواً.
    وبعد تفتيشه اصطحبه عسكري الى داخل المقر ، وأوصله الى غرفة الإستقبال وأخبر سكرتيرة الحاكم العسكري أنه موجود بباحة الإستقبال. وبعد لحظات غير طويلة قدم الحاكم العسكري لباحة الإستقبال مهلياً بأبو صالح: أهلاً وسخلاً مختار ، وصافحه وشد على يديه بحرارة تنم عن مكرٍ شديد ، وحبٍ مزيف ، وكأن أبو صالح من أعز أصدقائه عليه ، واصطحبه الى داخل مكتبه وأغلق الباب بعد أن أخبر السكرتيرة الأ تحول له المكالمات الهاتفية وتعتذر لكل من يريده لأنه في اجتماع هام وطاريئ ، أخرج الحاكم العسكري ملفاً من درج مكتبه وأخذ يتصفحه ويطالعه ، وضغط على جرس فحضر جرسون ، وقال له شوف المختار ايش بدّو يشرب ، فأبدى المختار عدم رغبته في شرب أي شيء ، فألحّ عليه الحاكم العسكري ، فطلب فنجاناً من القهوة ، وبدأ الحاكم العسكري يسرد للمختار معلومات دقيقة ، وأسراراً عن أهل القرية وكأنه يعيش بينهم ، وأحضر الجرسون القهوة ، فقام الحاكم العسكري من على كرسيه حاملاً علبة من التبغ ، ودعا أبو صالح الى تناول سيجارة مع القهوة ، فقال له أبو صالح ، ما بغيِّر دخان الهيشي ، فألحّ عليه أن يجرب التبغ الإسرائيلي ، وقال له سترتاح على هذا التبغ ، إنه مكرر ولذيذ النكهة.
    عاد الحاكم العسكري لمطالعة الملف ، وبعد أن شرب ابو صالح القهوة ، أسند الحاكم العسكري ظهره ، ورفع رأسه ناظراً لأبو صالح ومبادراً بالحديث:
    الحاكم العسكري: كيف حالك مختار ، وكيف البلد ، والأمن في البلد؟
    المختار: الحمد لله ، ما في مشاكل.
    الحاكم العسكري: هل تعلم لماذا دعوتك لزيارتي في المكتب؟
    المختار: لا أعلم شيئاً ، العلم عندك ، هات نسمع شو بدّك.
    الحاكم العسكري: نريد أن نتعاون في شئون البلد وإدارتها ، وأسمع منك مطالب أهل البلد وحاجاتهم من أجل توفير الأمن والإستقرار في ظل دولة اسرائيل.
    المختار: طلباتك يا خواجه وضِّح أكثر ، ايش عايز بالزبط ، وحط النقاط على الحروف وخليك دغري معاي من شان أكون صريح معك.
    الحاكم العسكري: الأمن يا مختار ، الأمن مش كويِّس في بلدكم ، فيها مخربين بيجوا بالليل ، من البلد وغير البلد ، وأهل البلد برحبوا فيهم وبساعدوهم وبطعموهم وبسقوهم ، هذا مش كويس مختار
    المختار: يا خواجه أنا عندي جيش وشرطة من شان أوفر الأمن في البلد ، كل اليّ عندي هالختم ، بختم معاملات الناس ، ايش بدّي أعمل في الأمن.
    الحاكم العسكري: لا ، لا يا خبيبي ، إنت ممكن تعمل كثير ، انت شيخ ومختار وكل البلد بسمعوا كلامك وبنفذوا أوامرك.
    المختار : حدّد بالزبط ايش مطلوب مني ، مثل ما قلت من أول خليك دغري وواضح معاي في كلامك بدون لف ودوران حتى أقدر افيدك ، واقولّك بقدر والاّ ما بقدر. واحد زائد واحد يساوي اثنين.
    الحاكم العسكري : ايوه يا مختار ، جينا للمهم واسمع كويس: بدنا تخبرنا أول بأول عن اسماء المخربين من البلد وغير البلد والنشاطات والإجتماعات اليّ بتصير بالليل بين شباب القرية وبعض المخربين . وايش بشتغلوا الشباب اليّ ما بشتغلوا داخل اسرائيل ، وكيف ومنين بعيشوا ، مين بعطيهم مصاري يا مختار ، البلد عندكم مش مزبوطة يا مختار ، وهذي مسئوليتك.
    وهنا قرع الحاكم العسكري الجرس ، وحضرت السكرتيرة وطلب منها استدعاء شخص لمكتبه ، وأخبرالمختار بأنه سيذهب لإجتماع بعد قليل ، وسيكمل معه الحديث شخص آخر يعرفه جيداً وسيوضح للمختار ما تريده منه دولة اسرائيل بصفته مختاراً للقرية.
    أسند المختار رأسه الى الكرسي في انتظار ذاك الشخص الذي أثار في نفسه فضول المعرفة. وفوجيء المختار عند دخول الشخص الآخرالى مكتب الحاكم العسكري وقام المختار من كرسيه مهلياً ومرحباً "مش معقول ...مين ...أبو داود" وتعانق المختار مع ابو داود. والحاكم العسكري مبتسمٌ على المشهد الذي يراه.
    المختار : هذا ابو داود مش يهودي ، هذا صاحبنا وحبيبنا كلنا في القرية.
    الحاكم العسكري : لا خبيبي ابو داود يهودي من مواطنين دولة اسرائيل المخلصين
    المختار : كيف عاد يا خواجه ، ابو داود كان مسئول توزيع السندقة (المؤن) على اللاجئيين في قريتنا والقرى المجاورة ، يعني بشتغل بوكالة الغوث ، ويعرف القرية فرداً فرداً. هو مغربي ، عربي مثلنا وعاش بينا ، وحتى بتكلم مثلنا ، نفس اللهجة.
    الحاكم العسكري : صحيح هو مغربي بس يهودي ، وابو داود ضابط في جيش الدفاع من الضباط المخلصين والأبطال في حرب 1967. أنا عندي اجتماع ، اسمح لي مختار ، ابو داود رح يكمِّل معك الحديث بعد صلاة الظهر ، روخ يا خبيبي صلي الظهر في المسجد وارجع بعد الصلاة كمِّل حديثك مع صاحبك وحبيبك ابو داود.
    ذهب المختار في حيرة من أمره الى اقرب مسجد لأداء الصلاة ، وعاد الى مقر الحاكم العسكري ليجتمع مع ابو داود ، وخضع لتفتيش دقيق آخر قبل دخوله للمقر.
    وبدأ اجتماع مغلق بين ابو داود والمختار في تمام الساعة الواحدة والنصف.
    ابو داود : أهلاً وسهلاً ابو صالح ، وكيف حالك وحال أهل القرية كلهم ، (وأخذ يعدد اسماء الشخصيات المعروفة في البلد ، ابو مصطفى وابو بدوي وابو اسحق وابو حماد وابو أحمد ......الخ)
    المختار : الجميع بخير وبصحة والحمد لله وبهدوك كثير السلام ، بس يا ابو داود بدي تفسر لي كيف كنت تشتغل بوكالة الغوث وفي نفس الوقت ضابط في جيش الدفاع الإسرائيلي ، والله بديِّر فيها شرق وغرب وشال ويمين ما أنا لاقي إلها حل ولا تفسير ، يا زلمه فاجأتني بهالخبرية ، مش مصدّق لغاية الآن إليّ سمعته واليّ شفته ليكون انت مش ابوداود اليّ بنعرفه بس يا عمي أنا متأكِّد.
    ابو داود : بعدين بفهمك كل شيء ، خبرني عن الداية الحاجة عزيزة شو أخبارها؟
    المختار : الحجة عزيزة أعطتك عمرها من تقريب ثلاث شهور الله يرحمها.
    ابو داود : ايش أخبار الخلافات العائلية في البلد ، بين دار ابو راسين ودار الحروب؟ هل انتهت أم زالت على حالها.
    المختار : أصلحناهم من زمان ، والولد القاتل رحَّلناه من البلد عند اخواله في قضاء جنين
    ابو داود : أظن خواله في بلدة عرابة
    المختار : صحيح ، هيّك عارف كل شيء ، والله كاين ما انت قليل يا ابو داود. مخبّا في قشورك.
    ابو داود : وإيش أخبار ابنك صالح ، ما زال في الجيش الأردني والاّ تقاعد؟
    المختار : تقاعد بعد الحرب على طول
    ابو داود : ولسّه بيسكن في حي معصوم بالزرقاء؟
    المختار نعم! في حي معصوم وين بدو يروح.
    ابو داود : وأخبار ابنه إليّ بدرس طب في تشيكسلوفاكيا؟ أظن اسمه على اسمك صالح.
    المختار : صحيح ما زال بدرس هناك في تشكسفاكيا الله يقطع اسمها شو صعب ، وما تخرّج بعد.
    ابو داود : وابنه المشاكس عزمي ، هذا كان ما يخلي مظاهرة إلاّ ويشترك فيها لمّا كان يدرس هنا
    المختار : صار عاقل اشتغل وتزوج وخلف ولد وبنت عقبال عند اولادك
    ابو داود : أظن اشتغل في مصفاة البترول بالزرقاء
    المختار : يا زلمه أنا ما بسأل وين اشتغل ولا بعرف شو بشتغل ، طيب إنت كيف عرفت؟
    ابو داود مبتسماً : طيّب ابنك اليّ كان في الحزب الشيوعي وكان يألف كتب عن اسرائيل والإستعمار والصهيونية والمقاومة والمنظمات التخريبية.
    المختار : بشتغل في الخليج في جريدة والله ما بعرف شو اسمها.
    ابو داود : جريدة الرأي العام في الكويت.
    المختار : هيّك عارف كل شيء ، وليش الأسئلة؟ بدّك تختبرني يا معوَّد ، نسيت العيش والملح
    ابو داود : ما نسيت يا مختار ، بس شو رأيك أجيب اولادك لمّ شمل
    المختار : يا ريت يا ابو داود ، والله نار الشوق إلهم حرقت قلبي أنا وهالختيارة ، قاعدين لوحدنا.
    ابو داود : طيّب نروح لأخبار البلد "، كيف الناس عايشين كويس ، في شغل للشباب
    المختار : والله الحال تعبان يا ابو داود ، ما في أشغال ، والموسم السنة مش ولا بُدّ ، حتى الزيت والزيتون مش كالعادة ، والحياة غالية والناس أحوالها ما بتسرّ.
    ابو داود : لا تقلق يا مختار ، إن شاء الله كل هالأمور بنحلها مع بعض ، ورح نوفّر فرص عمل للشباب عمرهم ما حلموا فيها وحتى كمان للبنات والنسوان إذا بدهم يشتغلوا شغل يناسبهم مثل قطاف الفواكه والخضار. أنا بصراحة مهتم بالقرى اليّ كنت مسئول عنها أيام شغلي بوكالة الغوث.
    المختار: بارك الله فيك يا ابو داود ، لكن شو المقابل ، إحنا فاهمين بعض.
    ابو داود: ما هو صعب يا مختار ، كل ما نريده هو انخراط شبابكم بالعمل داخل دولة اسرائيل ، عندنا مشاريع كثيرة ورح يوخذوا أجور عمرهم ما حلموا فيها ، وينسوا المظاهرات والفوضى والمخربين. يعني بدنا مراقبة الشباب ومنعهم من الإنحراف وراء المخربين ، وخاصة الشباب الذين لا يعملون مع اسرائيل ، وتخبرنا كيف عايشين ومن وين دخلهم ، وتحركاتهم أول بأول ، أين يذهبون ومع من يجتمعون ، ومن يأتي للبلد من خارج البلد ، يا مختار التقارير بتقول في مخربين ببلدكم وفي تنظيمات وخلايا للمنظمات الإرهابية ، فتح وجبهة شعبية وديمقراطية ...الخ) ، وبظهروا مسلحين في الليل ، وبحكموا البلد وبسيطروا عليها ، والناس بتخاف منهم وبعملولهم ألف حساب ، بدنا مراقبتهم وتزويدنا بمعلومات عنهم ، إنهم ضد مصلحة البلد يا مختار ، ولا يريدون الأمن والإستقرار لكم ولنا ، أنا وصلتني بعض الأسماء ، واشتبه ببعض الأسماء ، هذه هي فرصتكم يا ابوصالح ، سنجعل كل شباب البلد أغنياء ، الأمّي والمتعلم ، ما رح نخلي عندكم فقير ، ورح نعمل مشاريع في البلد تستفيدوا منها ، وبعدين ما رح نخلي الشباب بحاجة للتعليم ، بصراحة يا مختار فرص العمل لغير المتعلمين عندنا أكثر من المتعلمين ، بدنا حرفيين ، وعمال بناء ونجارين وحدادين وسباكين ، ورح يكسبوا ذهب ، ذهب يا مختار ، شجعوا اولادكم على المهن ومش رح ينفعهم التعليم مثل المهنة.
    أبو صالح : كل شيء ولا التعليم يا ابو داود ، إحنا شعب آمنّا بالتعليم ، ومستعدين نضحي بكل شيء في سبيل تعليم أبنائنا وبناتنا ، ونظل فقراء بس يتعلموا ، وهنا قاطع ابو داود المختار قائلاً:
    مختار .. حضّر لي قائمة بطلبات القرية ، من عدد فرص العمل ، ومن لمّ شمل ، ومن طلبات تصاريح زيارة ، ومن احتياجات طرق ومواصلات ، وإن شاء الله بصير كل خير.
    ألمختار : طيب بدي أسألك هالسؤال وتجاوبني عليه بصراحة ، شو شغلك إنت بالزبط ، والله حيرتني يا زلمه!!!
    ابو داود : أنا مسئول المخابرات عن القرى اليّ كنت مسئول عنها أيام شغلي بوكالة الغوث ، وبصراحة بدي أخدم هالقرى ، وأعمل فيها مشاريع تنمية ، أنا بعرف إنوّ خطوط الطرق مش معبدة ، وهنالك احتياجات مياه وكهربا ، وإن شاء الله تكون هالمنطقة من أحسن المناطق.
    وهنا دخل الحاكم العسكري ، وقال موجهاً حديثه للمختار:
    اسمع مختار ، ما بدنا تردّ علينا الآن ، معاك اسبوع تفكر ، وبعد اسبوع بنشوفك هون ، يعني يوم الإثنين الجاي في نفس الموعد الساعة الحادية عشرة ، وتخبرنا القرار ، وإن شاء الله بتكون فكرت بالعقل والحكمة وقررت تشتغل لبلدك من خلالنا. وطلب الحاكم العسكري من أبي داود اصطحاب المختار الى صالة الطعام لتناول الغداء معه ووداعه بعد ذلك.
    خرج المختار من مكتب الحاكم العسكري بصحبة ابي داود ورجلاه تتلاطمان ، وذاكرته سارحة في مفاجأة ابو داود ، صديق القرية بوجهه المألوف وإبتسامة العريضة ، ويتخيل ويسرح في الوجه الآخر له ، الرجل العسكري ورجل المخابرات الإسرائيلية ، وشعر بفقدان الشهية للأكل ، وطلب من أبو داود إعفاءه من الغداء لعدم إحساسه بالجوع لأنه تناول فطوره متأخراً قبل حضوره للمركز ، وألحّ عليه ابو داود ، ولكن المختار أصرَّ على الإعفاء ، وتفهّم ابو داود إصراره وكان له ما أراد.
    قال له أبو داود ، لك عندنا هدية قيمة يا مختار ، انتظرني لحظة لأحضرها لك.
    وهنا انتفض المختار وقال: ابو داود!! كيف بدّك إيّاني أخرج من هان حامل هدية ، ايش رح يقولوا عني الناس ، بدّك الأولاد الصغار يزفوني بالشارع ، عميل .. عميل ، وبعدين ما شفتوا خيري من شري ، وما سمعتوا مني القرار النهائي والقاطع. فرد عليه ابو داود قائلاً: مهما يكن القرار يا ابو صالح ، فلن أنسى العِشرة والعيش والملح ، أنا أكلت عندك وفي بيتك كثير ، وعارفك رجل غانم وطيب وكريم وشهم ، وهذي الهدية منّي أنا شخصياً مش من اسرائيل ، وأنا متوقع ايش رح يكون قرارك سلف لأنك رجل أصيل. وودّع المختار أبا داود ، وشد أبو داود على يديه معبِّراً له عن حبِّه واحترامه وتقديره له. والمختار في حيرة شديدة بادية على وجهه المكفهرّ والذي يعبر عن تصارع الأفكار في خلده وتلاطمها كالزوبعة اللولبية.
    خرج أبو صالح من المركز مبعثر الجسد ، متخبط الأفكار ، ومصدوماً من مفاجأة ابي داود ، أدرك أنه أمام امتحان عسير وصعب ، وأمام عدوِّ يكشف أدق اسرار الناس في القرية وكل الوطن، واستطاع الوصول لهدفه بالمكر والتخطيط والعمل الدؤوب ، ويتذكر أيام الفوضى والضوضاء العربية ، يستعرض في ذهنه أيام ثورة 1936 ، وحرب 1948 ، وهزيمة 1967 ، وأدرك الفرق الشاسع بين العدو والعرب ، جبهات عربية متفرقة متعددة الأهداف والنوايا ، تدب في صفوفها الفوضى ، تملؤها الخطب والتصريحات والوعد والوعيد للعدو ، وجبهة اسرائيلية موحدة الأهداف ، تعرف الكثير عن عدوها ، تعمل على الأرض عملاً جاداً دؤوباً ، وترشِّد وتقنّن الكلام والتصريحات والخطب وتدعو للسلام وهي تستعد للحرب وفي نيتها الحرب لا السلام.
    خرج وفي نيته الإتجاه لمحطة الباصات ، وظل يمشي على رجليه المتعبتين مبتعداً وسارحاً ، وكانت عيناه تدمعان ، ويتسلل الدمع بين شعر ذقنه البيضاء المتشحة بالسواد ، وفجأة وبعد طول المسير اكتشف أنه كان يمشي في إتجاه معاكس لمحطة الباصات ، يبتعد عن الهدف في واقعه وفي نيته وخاطره الإقتراب منه فأدرك أنه بذلك التوهان والإبتعاد عن الهدف في خط مستقيم معاكس يمثل واقع الأمة العربية. استدار أبو صالح نحو الهدف الصحيح لكنه كان منهك القوى ، ومتعب القدمين ، وأدركه الزمن المتبقي للوصول ، فأوقف سيارة أجرة لتقله لمحطة الباصات وليلحق رحلة الباص الأخيرة للقرية.
    وصل الى محطة الباصات ووجد الباص ممتلئاً يتهيأُ للمسير ، ولم تعد رائحة الشواء تثير شهيته ، نهض أحد شباب القرية لإجلاسه مكانه ليقف طوال الطريق ، ارتمى ابو صالح بجسده المبعثر على الكرسي واستأذن من الجالس بقربه أن يجلسه بجانب الشباك لشعوره بضيق في النفس ، وكان له ما أراد ، وانطلق الباص في رحلة ذهاب الى القرى الثلاثة بدون إياب.
    فتح المختار الشباك لشعوره بحاجة الى الهواء ، وسرح بنظره يستعرض الطريق على غير عادته ، فقد تعود أن يدير الأحاديث مع الركاب من معارفه ، لكنه هذه المرة كان يستعرض بخياله أسباب الهزائم العربية وكانت الصور تتوالى من مخزون الذكريات:
    الصورة الآولى: تذكر يوم أن كان ابنه محمد منتمياً للحزب الشيوعي مخالفاً لرغبته ، وكيف تمت مطاردته ، وبقي مطارداً في الجبال ستة أشهر ، وفي كل يوم كان الفرسان يأتون الى القرية بحثاً عنه ويتناولون الفطور والغداء في بيته ، يفطرون على لحم الصيصان ويتغدون على لحم الخراف أو الجديان ، تذكر الفارس الذي جلس لوحده على خروف لم يبق منه إلاّ القليل ، ونام عنده تلك الليلة ، ولما ذهب ليفيقه في الصباح وجده ميتاً مختنقاً من زحمة الدهون والشحوم ،وكيف كانت خيولهم تأكل الشعير الذي كان طعاماً لبعض العائلات الفقيرة والكثيرة في تلك الأيام ، ليس لأنه شيوعياً يعتنق فكراً منافياً للدين ، ولكن لأنه كان يرفع شعارَ تحرير فلسطين.
    الصورة الثانية : تذكر أحد شباب القرية الذي كان يخدم بالحرس الوطني ، وكان قائداً لدورية على الحدود مع اسرائيل ، فاشتبكت دوريته مع دورية اسرائيلية ، وأمر الجنود بالرد على الدورية الإسرائيلية ، وخاضت الدورية معركة بطولية استطاعت فيها القضاء على الدورية الإسرائيلية ، وكيف أدخِل هذا الشاب مستشفى المجانين في بيت لحم بشبهة لوثة عقلية ، وتم تسريحه من الخدمة العسكرية بتقرير طبي يطعن في قدراته العقلية.
    الصورة الثالثة : تذكر يوم أن كان مخفر الأمن بالقرية يحتجز الرعاة الذين تنتهك أغنامهم الحدود مع اسرائيل بحثاً عن العشب والمراعي التي كانت قاحلة في الأرض العربية ، وكان لا يطلق صراحهم إلاّ بكفالة منه كمختار للقرية وبعد وليمة من المناسف عند أهاليهم يتلوها حفل قراء للفرسان ولخيولهم في بيت المختار للتوقيع والختم على الكفالة. وتذكر بالمناسبة يوم أن فرّت مهرة اسرائيلية الى الحدود العربية وأمسك بها أحد شباب القرية وأحضرها معه للقرية ، ثم تم اعتقاله وإعادة المهرة لإسرائيل ، ووجهت اليه تهمة التعامل مع العدو ولولا وساطة رئيس بلدية الخليل لحكم عليه بالإعدام.
    الصورة الرابعة : تذكر يوم أن وزعت على القرية تسعة بنادق انجليزية قديمة قبل حرب حزيران 1967 ، وذلك للمقاومة الشعبية ، وكيف سقطت القرية بدون مقاومة بعد سقوط المدن وتراجع الجيوش العربية الى خطوط الدفاع الخلفية ، ولما دخل الجيش الإسرائيلي الى القرية طلب منهم تسليم البنادق التسعة التي سلمت لهم.
    على الصورة الرابعة انتفض المختار وكأنه يزيح كابوساً على صدره ، ولجأ الى النوم لعله يريح تفكيره المتلاطم ، ويريح ذاكرته من هذا الصراع مع الذات ، وراح في غفوة ، وعلا شخيره في الباص ليصل اسماع الركاب الذين غضوا النظر عنه. استيقظ ابو صالح من نومه على هزهزات الباص بعدما دخل طريق القرى التي كانت مهترئة ومملوءة بالحفر والمطبات والحجارة الصغيرة وأدرك أنه على وشك الوصول. وهنا بدأ يعود لرشده ويحلل أسباب الهزائم العربية من فصول رحلته في هذا اليوم. عاد أبو صالح الى بيته منهكاً وبادياً عليه التعب والإرهاق ، وكانت في استقباله أم صالح وخاب ظنها في تلقي هدية معتادة كلما ذهب للمدينة ، كانت يداه خاويتان ، لا يحمل تمراً أو حلقوماً أو كنافة في يديه كما عوّدها في رحلاته العديدة.
    بادرته بالسؤال وقد بدا عليها الخوف من تقاسيم وجهه : خير يا أبو صالح ، شو في ، إنت مش طبيعي ، وهذي مش عوايدك؟؟ رد عليها : خير إن شاء الله ، أنا تعبان ، خليني أنام شوية يا أم صالح ، واعذريني والله ما صحّ لي أروح للسوق ولا أشتري إشي. فقالت له : المهم ما يكون في إشي يا رجّال ، وكل إشي بعد هيك بسيط وبهون وفداك.
    نام أبو صالح ولكن نومه كان قلقاً ومضطرباً يتخلله شخيرٌ يعلو تارة على غير العادة ، وينخفض تارة أخرى ، وكانت أم صالخ ترقبه وفي عينيها خوف وحيرة وتعد له عشاءً.
    استيقظ من نومه ، ووجد الطعام جاهزاً ، وأم صالح بانتظاره ، وشعر براحة جسدية انعكست على حالته النفسية وعلى تقاطيع وجهه ، واغتنمت أم صالح الفرصة وسألته ، ما حكيت لي شو صار معاك ، والله خوفتني يا زلمه. رد أبو صالح : هذا الزمان مش زماني يا أم صالح ، خلاص انتهى كل شيء بالنسبة إلي ، أنا رح أترك المخترة كلها وأرمي هالختم ، إنت شايفه يا أم صالح ، ما عاد الناس يزوروني ويشاوروني مثل زمان ، وبيتي صار يظل فاضي ، الناس ما إلها مصالح عندي من شان أقضيها إلهم. خلاص كل شيء انتهى. والله صعبان عليّ أرمي هالختم إليّ ورثتو عن أبوي وجدّي وتعودت عليه. لكن للضرورة أحكام ، وكل شيء إلو نهاية. والحمد لله نهايتي إن شاء الله تكون بحسن الختام والذكر الطيب في هالمخترة ، اليهود بدهم إياني عميل ومُخبِر إلهم ، إنت بتقبلي؟ فردت : أعوذ بالله يا زلمه ، لا تشيل همّ ، المهم إنك تظل محافظ على سمعتنا نظيفة وشريفة وطاهرة.
    وفي صلاة الجمعة طلب أبو صالح من الشيخ أن يخبر الناس بتخليه عن المخترة لأنه لا يستطيع حمل أمانتها تحت الإحتلال ، وأن لا يراجعوه في قضايا تتطلب ختم المختار ، وأن بيته سيظل مفتوحاً للناس كما كان في قضايا الإصلاح والخير، وكان له ما أراد.
    لم يكن الأمر سهلاً على ابو صالح ، حيث فقد قيمته كمختار للقرية كان بيده خدمة الناس ، وظل أبناؤه مهجرين خارج الوطن ، وفي صبيحة يوم الموعد مع الحاكم العسكري ، صلىّ صلاة الصبح جماعة ، وعاد للبيت يتهيأ للسفر الى المدينة ، اطلق الباص الإنذار الأول ، وذهبت أم صالح تذكره بالموعد ، نادت عليه ولم يرد ، ذهبت اليه فوجدته قد انتقل للرفيق الأعلى ، وتعلو وجهه ابتسامة ،ويبدو مرتاحاً من تقاطيع وجهه وقسماته. شُيعت جنازته وفوجيء المشيعون بأبي داود بينهم يرتدي ملابسه المدنية وقد بدا عليه الحزن الشديد.

    بقلم أحمد ابراهيم الحاج
    28 مايو (أيار) 2008









    Hakeem
    Hakeem

    _.·[المديرالعام ]·._ وداعاً لختم المخترة Stars13


    الجنس : ذكر
    البرج : الجوزاء
    عدد المشاركات : 3545
    العمر : 37
    البلد : kharas
    الحالة الاجتماعية : in a relationship
    التخصص : مهندس قيد الإنشـاء
    نقاط النشاط : 935
    الاعجاب : 26
    المهنة : وداعاً لختم المخترة Engine10
    المزاج : وداعاً لختم المخترة 8911
    الدوله : فلسطين

    البطاقة الشخصية
    my sms:

    وداعاً لختم المخترة Empty رد: وداعاً لختم المخترة

    مُساهمة من طرف Hakeem الإثنين 1 نوفمبر 2010 - 16:56

    لم استطع اكمالها .. على دفعة واحدة .. ولكن .. تبدو مثيرة جدا ..
    لذلك .. اعدك بعودتي ..

    شكرا لك سيدي

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت 21 سبتمبر 2024 - 5:44