الجزء الرابع من ثقبٌ في جدار الصمت

الجزء الرابع من ثقبٌ في جدار الصمت
شلومو : اسمعني جيداً يا عماد ، هل تعرف أو أنك سمعت بشخص من بلدتكم يدعى صلاح ، ويلقبه أهل البلد (شِنّار) واسم عائلته أبو عطوان،
عماد: كلنا سمعنا عنه ، ولكنه لا يظهر على أحد ، لا في الليل ولا في النهار ، وهو مختبيءٌ في الكهوف ومتنقلاً بين الجبال والوديان، وكنت أعرفه في المدرسة حين كنا صغاراً في الإبتدائية. وقد كان ماهراً في الرياضة ورئيساً لفريق كرة القدم بالمدرسة ولم يكمل تعليمه لسوء حالتهم المادية.
شلومو : إن أية معلومات تدلي بها عنه ستفيدنا في القبض عليه حياً أو ميتاً ، لقد أفقد قريتكم الأمن والأمان ، واعتقلنا معظم أقاربه ، وحكمنا بالسجن على والده ثمانية أعوام ولم نصل اليه ، وحاصرناه مرة في أحد الأماكن بقواتنا وطائراتنا وآلياتنا ولكنه اختفى ولم نقبض عليه ، لا ندري كيف واين اختفى ، إنه كان يومها كالسحر ، مثلما يقول المصريون (فص ملح وذاب) ، نريده بأي ثمن. أتعرف كم تبلغ مكافأة من يدلنا عليه أو يرشدنا لطرف الخيط الذي ربما يوصلنا له ؟ إنها نصف مليون دولار يا عماد ، أتدري كم يساوي هذا المبلغ؟
عماد : أدري يا سيدي أدري ، ولكنه قليل على شخص كصلاح دوّخكم بكره وفره وبطولته فقد ملأ الدنيا بصيته وشجاعته وحنكته ومهارته القتالية. إنه يساوي جيشاً بأكمله.
شلومو : كل معلومة ترشدنا اليه بحسابها ، حتى لو وصل المبلغ لخمسة ملايين دولار أو عشرة ، لا يهمنا يا عماد ، تصور أن لديك هذا المبلغ ، سوف تشتري به أرضاً في أرقى الأماكن وتبني قصراً جميلاً وتركب أفخم السيارات ، وتتزوج أجمل النساء، وتطوف العالم سائحاً متنزهاً ناسياً كل الهموم.
عماد : وما هو المطلوب مني؟ ، وكيف سأعمل لهذا الهدف وأنا هنا كالأسير لا أخرج؟ ، وأهل البلد يعلمون انني بالسجن أسيراً لديكم.
شلومو : لقد جلست عندنا الآن ستة شهور والناس يعتقدون أنك بالسجن ، وسوف نتظاهر أننا أطلقنا سراحك لعدم ثبوت التهم عليك. وحينها سترجع الى قريتك ، وبعد أن يعلم الناس في القرية أنك عدت وخرجت من السجن ، تختفي عن الأنظار ، وكأنك فدائي مثل صلاح ، ولا مانع من زيارة القرية في الليل متخفياً لتوهم الناس أنك فدائي تنفذ عمليات ضد اسرائيل وجيشها وأنك تعمل مع الفدائيين. وحاول الإنضمام الى تنظيم صلاح (شنار) ، وصلتني معلومات أن زوج أختك صاحب القهوة يعلم عن صلاح بعض المعلومات ويتصل به أحياناً ، ولكن صلاح لا يُعلِمه عن مكانه أبداً. فقد اعتقلنا زوج اختك مرة وضربناه ضرباً مبرحاً واعترف بأنه رآى صلاح مرة حيث جاء فيها الى قهوته ليلاً ، لكنه لا يعلم أين مكانه. سنداهم بيتك في القرية نبحث عنك ، وسوف نتهمك بتنفيذ بعض العمليات التي ينفذها صلاح وجماعته ، وسوف نضع صورتك مطلوباً لنا ، ونوهم اهل القرية أنك على رأس قائمة المطلوبين لنا ، وخلال هذه الفترة تكون أنت محجوزاً لدينا ، وسوف نطلقك ليلاً في بعض الأحيان لتزور القرية للبحث والإستقصاء عن صلاح ، حيث سيثق بك من يعرفه من القرية ويبوح لك بسره ، وسنركز التهم والبحث عنك أنت ليشعر صلاح بالأمن والإطمئنان ويتخلّى عن الحذر الشديد ويركن للهدوء والإستقرار في مكان نستطيع أن نحاصره فيه ونقبض عليه حياً أو ميتاً، ووثق علاقتك مع اختك وزوجها ابو الخل ، فمعلوماتنا عن أختك تفيد أنها كزوجها مشتبهة بالتحاقها بتظيم فدائي ولكننا لا نملك الدليل ، ولا نريد اعتقالها والإساءة لها ، فقط لأنها أختك. فأنت عزيز علينا يا عماد ولن ننسى لك إن خدمتنا وساعدتنا في تحقيق هذا الهدف الذي طال وصعب وتعرج طريق الوصول اليه ، إنه كالجن ،تشعر أنه حولك ويخيفك ولكنك لا تراه. وبأت فكرة أهل القرية تغيّر رأيها في عماد بالاستغراب أحياناً وبعدم التصديق أحياناً أخرى.
عمل عماد بإتقان وبدقة ضمن الخطة المرسومة تحت اشراف شلومو مستخدماً ذكاءه المغيَّب نظراً لوصمه بالجهل من أهل القرية ، وفي أحد الليالي زار بيت أخته مدججاً بالسلاح من قنابل وأحزمة ناسفة ، وذلك بنية السؤال عن صلاح مدعياً أنه يريد التنسيق معه في عملية كبيرة تهز اسرائيل ، والتقى بها وبزوجها ، ولما ذهبت لتحضر العشاء اغتنم الفرصة وأخذ يسأل زوج أخته عن صلاح ،فأخته تفهم شخصيته جيداً ولا يستطيع التمثيل أمامها لأنه سيظهر على تقاطيع وقسمات وجهه ، فقال له ابو الخل (زوج اخته) : صلاح لا يعمل مع أي طرف دون التأكد من شخصيته ، ولكنه في هذه الأيام يفتقد الى الذخيرة وبعض القنابل ، وتأخر وصولها اليه من القيادة وتعذر في مثل هذا الإستنفار العسكري الإسرائيلي والحصار المضروب على الضفة الغربية ايصال الأسلحة له. فقال عماد متلهفاً : لدي الذخيرة وأنا على استعداد أن اوصلها له.
فرد ابو الخل : صلاح لن يقبل أن توصله أنت بنفسك الذخيرة والأسلحة ، فإن قررت ذلك ، سلِّمني أياها ، وأنا بدوري أعرف من يوصلها له. لأنني أنا شخصياً لا أعرف مكانه. وهو لا يتواجد في مكان محدد ، إنه يغير مكانه بكل لحظة. اسرائيل بكل إمكاناتها بحثت عنه أربع سنوات ولم تجده. وفي كل يوم يداهمون البلد لعلهم يفاجئونه فيقتلوه أو يقبضوا عليه. واعتقلوا من أهله ومن أقاربه الكثير وحاولوا معهم بالإغراء تارة وبالتعذيب تارة اخرى و بكل الوسائل ولكن بدون جدوى.
قال عماد : أين سأحضر الأسلحة ومتى وكيف ، نريد أن نوصلها بسرية تامة وسلام ، ويهمني جداً أن أعرف وقت استلامها من صلاح.
ابو الخل : لن يعطينا صلاح وقتاً محدداً لاستلامها ، فهو يتعامل بحذر.
عماد : إذن فمتى تريد أن أحضرها لك أنت لتتولى تسليمها بطريقتك وحسب معرفتك . وأخبر صلاح أنني أريد التعاون معه في المقاومة ، ونحن ننتمي لنفس التنظيم ولكن كل واحد منا يتبع لخلية مختلفة ، ولو تعاونا معاً لحققنا نتائج رائعة في المنطقة.
أبو الخل : أنا جاهز لاستلامها في أي وقت قبيل صلاة الفجر في أي يوم. وسأنقل رسالتك لصلاح وأخبرك برده على طلبك.
عماد : إنتظر مني خبراً قريباً إن شاء الله.
عاد عماد الى مقر إقامته في بيت شلومو ليخبره بما تم الإتفاق عليه مع ابو الخل ، وجد روزيت تنتظره على أحر من الجمر ، فقد شغفها حباً. حضر شلومو واجتمع مع عماد اجتماعاً مغلقاً ودار بينهما الحديث التالي:
يتبع الجزء الخامس
أحمد الحاج