الجزء الخامس من رحلة في غياهب المجهول
وفي غمرة السعادة العابرة بالرحلة الطارئة على أمل العودة للأصل ، وعلى وقع الأوقات الطيبة التي قضيتها في عمان ، وعلى غفلة وبدون انذار ، في ضحى يوم 5 حزيران 1967 ونحن في المقهى نلعب الورق ونحتسي الشاي والقهوة والكزوز ، سمعنا دوي طائرات قريب منا ، وكأنه فوق رؤوسنا ، وخرجنا للتو لدى سماعنا الصوت الى الشارع نستطلع الأمر ، فإذا بطائرات الميراج الفرنسية الصنع الإسرائيلية العدوان قد غارت على قصر رغدان وقفلت راجعة ، وإذا بالناس يصيحون مبتهجين ومهللين "لقد ابتدأت الحرب ،يا رب من عندك النصر"، فاتجهنا راكضين بسرعة البرق كل الى مقر اقامته فوراً متلهفين لسماع الأخبار وتاركين المقهى على حاله بدون دفع الحساب. واجتزت طلعة جبل الحسين لا أشعر بقدماي تلمسان الأرض وكأنني أطير في الهواء ، لا أعبؤ بحدة ارتفاع طلعة الحسين وطولها ، وطويت الطريق في دقائق معدودة انهبها نهباً بقدمي ، ونزلت الدرج المتدهور الذي يصل جبل القلعة بوادي الحدادة مهرولاً ومتخطياً أربع درجات في خطوة واحدة ، دخلت البيت فوجدت أخي قد عاد من عمله محتضناً المذياع بدلاً من أبنائه وتغمره نشوة السعادة بالنصر فقد استمع الى الأخبار من الإذاعات العربية. وكان صوت فهد بلاّن الجهوري يغني "ويلك يلّي تعادينا ويلك يا ويل ، شبه النار تلاقينا بظلام الليل ، حِنّا للضيف ، للضيف ، حنا للسيف للسيف ، حنا لليل والخيل يا ليل يا ليل ...الخ" وبادرني أخي قائلاً " ما سمعت؟ ، الجيوش العربية هجمت على اسرائيل ، وجلست مع أخي أسمع البلاغات العسكرية العربية ، فقلت له حط على إذاعة لندن نسمع الأخبار ، فقال لي بلا لندن بلا بطيخ اصفر ، هذي مثل اذاعة اسرائيل ، وكان أخي مسَرَّحاً من الحرس الوطني ، وقال لي سأذهب الى قيادة الجيش للتطوع ، دير بالك على الأولاد والعيال ، وغاب ساعتين ورجع الى البيت يبدي أسفه لعدم الحاجة له حالياً فالجيش على مايرام ، وخلال غيابه كنت اقلِّب مؤشر المذياع بين الاذاعة الأردنية من عمان والقدس ، واذاعة صوت العرب ، واذاعة سوريا فيرتفع عندي منسوب التفاؤل والنشوة والحمية ، وتارة اخرى لاذاعة لندن فينخفض منسوب التفاؤل والنشوة والحمية قليلاً مكذباً لها ولأخبارها ، وادرت المؤشر لاذاعة اسرائيل فاذا بها تذيع اغنية لأم كلثوم وكأنها لا تخوض حرباً ، فقلت "اطربوا في هذه الدنيا قليلاً قبل أن يقضي الله أمره بكم وتودعوها الى غير رجعه أيها المجرمون القتلة". والتم أقاربنا ومعارفنا في بيت أخي في احتفال بالحرب التي ستنهي اسرائيل ، نستمع للبلاغات العسكرية عن تقدم الجيوش العربية في كل الجبهات ، وللأناشيد العربية من كل المطربين والمطربات العرب ، ونطرب لها في نشوة عارمة واثقة بالنصر المؤكد استناداً لما كنا نسمعه من بلاغات تزخر بالقتلى الاسرائيليين والطائرات الاسرائيلية المتساقطة كأوراق الخريف ، والأراضي العربية المحررة ، والجيوش العربية الزاحفة للقدس والناصرة وصفد وللخطب والتعليقات المبشرة بالنصر والتحرير ، والى الوقت الضيق أمام اليهود لحزم حقائبهم والرحيل ، والى مصير بعضهم كطعام للسمك الذي يتضور جوعاً بالبحر على شولطيء حيفا ويافا وعكا ، والى سبايا اليهود من الفتيات والنساء الحسناوات ، والى الغنائم من أثرياء اليهود الكثر التي سيتركونها وراءهم وما سينالنا منها ، تخيلنا الغنائم من كوننا سكان قرية على التماس مع اسرائيل وجزء من أراضهيا كان وما زال محتلاً، حيث كنا نلمس ونرى الخيرات داخل المستعمرات وكان بعض المتسللين من القرية يغيرون عليها ليلاً ويحضرون معهم الأبقار الهولندية والمهر الجميلة والحاجيات التي كنا نفتقدها في عيشنا على الكفاف بفقر مدقع في تلك الأيام ، وكان يدور بيننا نقاش عن كيفية تقسيم الغنائم بعد المعركة وعن كيفية عودة اللاجئين لديارهم ، ومن سيقسم الأراضي والغنائم وعلى أي أساس ، ومن لا يحتفظ بالطابو (الكوشان) الذي يثبت حقه في أرضه ، وهل ستكون لنا دولة أو ننضم للأردن ، نقاش حاد وطويل يمتد لساعات متأخرة من الليل بالقهقهات والنكات والفرحة بالنصر والتحرير. وكل البيوت المحيطة بنا كانت على نفس النمط والمنوال. وكنت اسرح بخيالي عندما آوي الى فراشي وأتخيل طويلاً قبل النوم ،من خلال حديث جدي وجدتي ووالدي ووالدتي عن بيارات البرتقال والحمضيات والتي كنا محرومين من ثمارها ويتلذذ بها اليهود ويصدرونها للغرب ونحن أصحابها الشرعيون محرومون منها ، تخيلت مرج بن عامر الذي اشتهر بخصوبته الشديدة ، والكرمل بجماله وحفلات يافا وحيفا ومقاهيها ودور السينما فيها وشطآنها الجميلة التي حُرِّمت علينا وحُرِمنا من التنزه عليها والاستمتاع بها، تخيلت القدس الغربية وآثارنا فيها ، جبل المكبر والقرى المحتلة من قضاء القدس، تخيلت الناصرة بكنائسها القديمة ، تخيلت نفسي حاجاً الى مكة وماراً بالمدينة المنورة وحاطّاً رحالي في نهاية الرحلة بالقدس الشريف لأقدس حجتي مصلياً في المسجد الأقصى ومتتبعاً رحلة الرسول الكريم سارياً من مكة الى القدس الشريف ، تخيلت الثروة السمكية والسياحية والزراعية في تلك الأرض التي بارك الله فيها وحولها ، والتي وردت نباتاتها في مجملها بالقرآن الكريم من التين والزيتون والرمان والأعناب والثوم والأبصال والنخيل واليقطين والقثاء والعسل لكثرة أزهارها وورودها ورحيقها ، تخيلت نفسي في قارب يمخر عباب المتوسط في نزهة متنقلاً بين يافا وحيفا وعكا وبيروت واللاذقية ومن الاسكندرية الى السويس والعقبة وغزة هاشم اتجول في بحريين أحدهما أبيض والآخر أحمر عبر قناة جبارة حفرها اشقاؤنا المصريون بزنودهم القوية ، وفي وطن عربي كبير موحد ، تخيلت نفسي أقف على بحيرة طبريا ، تخيلت نفسي عريساً أقضي شهر العسل في فلسطين المحتلة ، تخيلت نفسي طبيباً أو مهندساً أو طياراً أو محامياً أو مدرسا أو شرطياً أو جندياً أو فلاحاًً أعمل في وزارة فلسطينية أو عربية في دولة فلسطينية أوعربية تبسط سيادتها على كل التراب الفلسطيني وأعمل في فلسطين المحتلة أخدم في بناء الدولة والوطن ، وأتنفس عبق الماضي من روايات الأجداد وآثارهم على تلك الأرض المباركة الطيبة ، وقد صوَّر لي الإعلام العربي أنني على أبواب تحقيق هذا الحلم الذي كان يراودني دائماً ، وأنني قاب قوسين أو أدنى من تحويل هذا الحلم الى حقيقة لا بل أصبح في عداد الحقائق والواقع بعد نهاية المعركة التي اقتربت من نهايتها بالحسم لصالحنا كما كنا نسمع ولا نرى. وقلت في نفسي : يا لها من رحلة عجيبة رأيت فيها العجب العجاب ، وتحقق فيها الحلم الدائم ، وعندها كنت أندم على مجيئي من الوطن لكي يكون تحقيق الحلم أسرع ، حيث أنني بعيداً عنه في لحظة التحرير والنصر وبعيداً عن والديّ اللذان طالما تحرقا شوقاً لهذا اليوم لأشاركهما فرحتهما بعد معاناتهما أيام الحروب والإحتلالات ورؤية أفواج المهجرين المنكوبين من فلسطين المحتلة. وكانت أحلامي أثناء النوم تلامس تخيلاتي قبل النوم وتحقق بعضاً منها ، وأصحو سعيداً مبتهجاً وجائعاً من شدة السعادة المفاجئة التي لم أكن على موعدٍ مسبقٍ معها. والتي سببت لي صدمة موجبة ارتفعت بي فوق سطح التوقعات والأحلام أطير معلّياً ومحلقاً بالجو كالقبَّرة تتفنن بقدرتها على الطيران بالعلو الشاهق والتحليق والحوم والدوران والوقوف سابحة عائمة في أجواء الوطن الجميل.متبخترة متباهية وسعيدة تعبِّر عن سعادتها بالرقص في كبد السماء والغناء المتواصل ، وكنت أشبه القبرة في كل شيء عدا أنها كانت تطير في الحقيقة بما وهبها الله من إمكانية الطيران وفنونه بالأجنحة وخفة الجسم ورشاقته والتحليق والغناء والتغريد والسعادة ، بينما كنت أنا أطير وأحلق وأغني في الخيال الذي صنعه إعلام المعركة متناغماً مع أحلام الناس وطموحاتها وتمنياتها وأمانيها وآمالها في استعادة حقوقها. فجعلنا نطير بأرواحنا في أجواء النصر وأجسادنا ترقص على الأرض فرحاً متناغمة مع ايحاءات الأرواح في عنان السماء بينما كانت مفاجأة الهزيمة مخبّأة لنا.
وبدأت أخبار الهزيمة تتسرب من الإذاعات العالمية ، واتهمنا مروجي هذه الأخبار بالطابور الخامس ، والمتخاذلين والخونة ، ولم نصدّقها أبداً ، ولم نسمح لأنفسنا بالتفكير فيها أو سماعها إلاّ إكراهاً ، لأنها ستطيح بالآمال الكبيرة التي تعشعش في صدورنا ، والتمنيات الغالية العزيزة على قلوبنا ، وبدأت الإذاعات العربية تتراجع في بلاغاتها ، ولم نصدِّ ق ذلك ولم يستطع هذا التراجع الإعلامي العربي عن المعركة أن يفيقنا من غيبوبة الفرحة بالنصر والحب الضائع في ثنايا سنوات القهر الذي وضعنا فيه الإعلام العربي والبلاغات العسكرية الطائرة في سماء الحلم العربي ، وكان ذلك بمثابة الحمل الكاذب لامرأة عاقرٍ تحب زوجها ويبادلها الحب والوفاء والإخلاص ، والذي كان يتلهف ويحلم بإبن أو إبنة يحمل أو تحمل اسمه من بعده ، فتصدمهما المفاجأة الصاعقة بأن الحمل كان كاذباً.
يتبع الجزء السادس
أحمد الحاج
وفي غمرة السعادة العابرة بالرحلة الطارئة على أمل العودة للأصل ، وعلى وقع الأوقات الطيبة التي قضيتها في عمان ، وعلى غفلة وبدون انذار ، في ضحى يوم 5 حزيران 1967 ونحن في المقهى نلعب الورق ونحتسي الشاي والقهوة والكزوز ، سمعنا دوي طائرات قريب منا ، وكأنه فوق رؤوسنا ، وخرجنا للتو لدى سماعنا الصوت الى الشارع نستطلع الأمر ، فإذا بطائرات الميراج الفرنسية الصنع الإسرائيلية العدوان قد غارت على قصر رغدان وقفلت راجعة ، وإذا بالناس يصيحون مبتهجين ومهللين "لقد ابتدأت الحرب ،يا رب من عندك النصر"، فاتجهنا راكضين بسرعة البرق كل الى مقر اقامته فوراً متلهفين لسماع الأخبار وتاركين المقهى على حاله بدون دفع الحساب. واجتزت طلعة جبل الحسين لا أشعر بقدماي تلمسان الأرض وكأنني أطير في الهواء ، لا أعبؤ بحدة ارتفاع طلعة الحسين وطولها ، وطويت الطريق في دقائق معدودة انهبها نهباً بقدمي ، ونزلت الدرج المتدهور الذي يصل جبل القلعة بوادي الحدادة مهرولاً ومتخطياً أربع درجات في خطوة واحدة ، دخلت البيت فوجدت أخي قد عاد من عمله محتضناً المذياع بدلاً من أبنائه وتغمره نشوة السعادة بالنصر فقد استمع الى الأخبار من الإذاعات العربية. وكان صوت فهد بلاّن الجهوري يغني "ويلك يلّي تعادينا ويلك يا ويل ، شبه النار تلاقينا بظلام الليل ، حِنّا للضيف ، للضيف ، حنا للسيف للسيف ، حنا لليل والخيل يا ليل يا ليل ...الخ" وبادرني أخي قائلاً " ما سمعت؟ ، الجيوش العربية هجمت على اسرائيل ، وجلست مع أخي أسمع البلاغات العسكرية العربية ، فقلت له حط على إذاعة لندن نسمع الأخبار ، فقال لي بلا لندن بلا بطيخ اصفر ، هذي مثل اذاعة اسرائيل ، وكان أخي مسَرَّحاً من الحرس الوطني ، وقال لي سأذهب الى قيادة الجيش للتطوع ، دير بالك على الأولاد والعيال ، وغاب ساعتين ورجع الى البيت يبدي أسفه لعدم الحاجة له حالياً فالجيش على مايرام ، وخلال غيابه كنت اقلِّب مؤشر المذياع بين الاذاعة الأردنية من عمان والقدس ، واذاعة صوت العرب ، واذاعة سوريا فيرتفع عندي منسوب التفاؤل والنشوة والحمية ، وتارة اخرى لاذاعة لندن فينخفض منسوب التفاؤل والنشوة والحمية قليلاً مكذباً لها ولأخبارها ، وادرت المؤشر لاذاعة اسرائيل فاذا بها تذيع اغنية لأم كلثوم وكأنها لا تخوض حرباً ، فقلت "اطربوا في هذه الدنيا قليلاً قبل أن يقضي الله أمره بكم وتودعوها الى غير رجعه أيها المجرمون القتلة". والتم أقاربنا ومعارفنا في بيت أخي في احتفال بالحرب التي ستنهي اسرائيل ، نستمع للبلاغات العسكرية عن تقدم الجيوش العربية في كل الجبهات ، وللأناشيد العربية من كل المطربين والمطربات العرب ، ونطرب لها في نشوة عارمة واثقة بالنصر المؤكد استناداً لما كنا نسمعه من بلاغات تزخر بالقتلى الاسرائيليين والطائرات الاسرائيلية المتساقطة كأوراق الخريف ، والأراضي العربية المحررة ، والجيوش العربية الزاحفة للقدس والناصرة وصفد وللخطب والتعليقات المبشرة بالنصر والتحرير ، والى الوقت الضيق أمام اليهود لحزم حقائبهم والرحيل ، والى مصير بعضهم كطعام للسمك الذي يتضور جوعاً بالبحر على شولطيء حيفا ويافا وعكا ، والى سبايا اليهود من الفتيات والنساء الحسناوات ، والى الغنائم من أثرياء اليهود الكثر التي سيتركونها وراءهم وما سينالنا منها ، تخيلنا الغنائم من كوننا سكان قرية على التماس مع اسرائيل وجزء من أراضهيا كان وما زال محتلاً، حيث كنا نلمس ونرى الخيرات داخل المستعمرات وكان بعض المتسللين من القرية يغيرون عليها ليلاً ويحضرون معهم الأبقار الهولندية والمهر الجميلة والحاجيات التي كنا نفتقدها في عيشنا على الكفاف بفقر مدقع في تلك الأيام ، وكان يدور بيننا نقاش عن كيفية تقسيم الغنائم بعد المعركة وعن كيفية عودة اللاجئين لديارهم ، ومن سيقسم الأراضي والغنائم وعلى أي أساس ، ومن لا يحتفظ بالطابو (الكوشان) الذي يثبت حقه في أرضه ، وهل ستكون لنا دولة أو ننضم للأردن ، نقاش حاد وطويل يمتد لساعات متأخرة من الليل بالقهقهات والنكات والفرحة بالنصر والتحرير. وكل البيوت المحيطة بنا كانت على نفس النمط والمنوال. وكنت اسرح بخيالي عندما آوي الى فراشي وأتخيل طويلاً قبل النوم ،من خلال حديث جدي وجدتي ووالدي ووالدتي عن بيارات البرتقال والحمضيات والتي كنا محرومين من ثمارها ويتلذذ بها اليهود ويصدرونها للغرب ونحن أصحابها الشرعيون محرومون منها ، تخيلت مرج بن عامر الذي اشتهر بخصوبته الشديدة ، والكرمل بجماله وحفلات يافا وحيفا ومقاهيها ودور السينما فيها وشطآنها الجميلة التي حُرِّمت علينا وحُرِمنا من التنزه عليها والاستمتاع بها، تخيلت القدس الغربية وآثارنا فيها ، جبل المكبر والقرى المحتلة من قضاء القدس، تخيلت الناصرة بكنائسها القديمة ، تخيلت نفسي حاجاً الى مكة وماراً بالمدينة المنورة وحاطّاً رحالي في نهاية الرحلة بالقدس الشريف لأقدس حجتي مصلياً في المسجد الأقصى ومتتبعاً رحلة الرسول الكريم سارياً من مكة الى القدس الشريف ، تخيلت الثروة السمكية والسياحية والزراعية في تلك الأرض التي بارك الله فيها وحولها ، والتي وردت نباتاتها في مجملها بالقرآن الكريم من التين والزيتون والرمان والأعناب والثوم والأبصال والنخيل واليقطين والقثاء والعسل لكثرة أزهارها وورودها ورحيقها ، تخيلت نفسي في قارب يمخر عباب المتوسط في نزهة متنقلاً بين يافا وحيفا وعكا وبيروت واللاذقية ومن الاسكندرية الى السويس والعقبة وغزة هاشم اتجول في بحريين أحدهما أبيض والآخر أحمر عبر قناة جبارة حفرها اشقاؤنا المصريون بزنودهم القوية ، وفي وطن عربي كبير موحد ، تخيلت نفسي أقف على بحيرة طبريا ، تخيلت نفسي عريساً أقضي شهر العسل في فلسطين المحتلة ، تخيلت نفسي طبيباً أو مهندساً أو طياراً أو محامياً أو مدرسا أو شرطياً أو جندياً أو فلاحاًً أعمل في وزارة فلسطينية أو عربية في دولة فلسطينية أوعربية تبسط سيادتها على كل التراب الفلسطيني وأعمل في فلسطين المحتلة أخدم في بناء الدولة والوطن ، وأتنفس عبق الماضي من روايات الأجداد وآثارهم على تلك الأرض المباركة الطيبة ، وقد صوَّر لي الإعلام العربي أنني على أبواب تحقيق هذا الحلم الذي كان يراودني دائماً ، وأنني قاب قوسين أو أدنى من تحويل هذا الحلم الى حقيقة لا بل أصبح في عداد الحقائق والواقع بعد نهاية المعركة التي اقتربت من نهايتها بالحسم لصالحنا كما كنا نسمع ولا نرى. وقلت في نفسي : يا لها من رحلة عجيبة رأيت فيها العجب العجاب ، وتحقق فيها الحلم الدائم ، وعندها كنت أندم على مجيئي من الوطن لكي يكون تحقيق الحلم أسرع ، حيث أنني بعيداً عنه في لحظة التحرير والنصر وبعيداً عن والديّ اللذان طالما تحرقا شوقاً لهذا اليوم لأشاركهما فرحتهما بعد معاناتهما أيام الحروب والإحتلالات ورؤية أفواج المهجرين المنكوبين من فلسطين المحتلة. وكانت أحلامي أثناء النوم تلامس تخيلاتي قبل النوم وتحقق بعضاً منها ، وأصحو سعيداً مبتهجاً وجائعاً من شدة السعادة المفاجئة التي لم أكن على موعدٍ مسبقٍ معها. والتي سببت لي صدمة موجبة ارتفعت بي فوق سطح التوقعات والأحلام أطير معلّياً ومحلقاً بالجو كالقبَّرة تتفنن بقدرتها على الطيران بالعلو الشاهق والتحليق والحوم والدوران والوقوف سابحة عائمة في أجواء الوطن الجميل.متبخترة متباهية وسعيدة تعبِّر عن سعادتها بالرقص في كبد السماء والغناء المتواصل ، وكنت أشبه القبرة في كل شيء عدا أنها كانت تطير في الحقيقة بما وهبها الله من إمكانية الطيران وفنونه بالأجنحة وخفة الجسم ورشاقته والتحليق والغناء والتغريد والسعادة ، بينما كنت أنا أطير وأحلق وأغني في الخيال الذي صنعه إعلام المعركة متناغماً مع أحلام الناس وطموحاتها وتمنياتها وأمانيها وآمالها في استعادة حقوقها. فجعلنا نطير بأرواحنا في أجواء النصر وأجسادنا ترقص على الأرض فرحاً متناغمة مع ايحاءات الأرواح في عنان السماء بينما كانت مفاجأة الهزيمة مخبّأة لنا.
وبدأت أخبار الهزيمة تتسرب من الإذاعات العالمية ، واتهمنا مروجي هذه الأخبار بالطابور الخامس ، والمتخاذلين والخونة ، ولم نصدّقها أبداً ، ولم نسمح لأنفسنا بالتفكير فيها أو سماعها إلاّ إكراهاً ، لأنها ستطيح بالآمال الكبيرة التي تعشعش في صدورنا ، والتمنيات الغالية العزيزة على قلوبنا ، وبدأت الإذاعات العربية تتراجع في بلاغاتها ، ولم نصدِّ ق ذلك ولم يستطع هذا التراجع الإعلامي العربي عن المعركة أن يفيقنا من غيبوبة الفرحة بالنصر والحب الضائع في ثنايا سنوات القهر الذي وضعنا فيه الإعلام العربي والبلاغات العسكرية الطائرة في سماء الحلم العربي ، وكان ذلك بمثابة الحمل الكاذب لامرأة عاقرٍ تحب زوجها ويبادلها الحب والوفاء والإخلاص ، والذي كان يتلهف ويحلم بإبن أو إبنة يحمل أو تحمل اسمه من بعده ، فتصدمهما المفاجأة الصاعقة بأن الحمل كان كاذباً.
يتبع الجزء السادس
أحمد الحاج
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 - 20:54 من طرف جنى ميرو
» صيانة سخانات في دبي 0543747022 emiratefix.com
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 - 19:53 من طرف جنى ميرو
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في عجمان 0543747022
السبت 16 نوفمبر 2024 - 23:43 من طرف جنى ميرو
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في عجمان 0543747022
السبت 16 نوفمبر 2024 - 23:11 من طرف جنى ميرو
» تصليح أفران في دبي 0543747022 emiratefix.com
السبت 16 نوفمبر 2024 - 22:15 من طرف جنى ميرو
» تصليح أفران في دبي 0543747022 emiratefix.com
السبت 16 نوفمبر 2024 - 22:11 من طرف جنى ميرو
» تصليح ثلاجات في دبي emiratefix.com 0543747022
السبت 16 نوفمبر 2024 - 0:11 من طرف جنى ميرو
» تصليح سخانات في دبي - 0543747022 (الشمسية و المركزية) emiratefix.com
الجمعة 15 نوفمبر 2024 - 20:33 من طرف جنى ميرو
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في الشارقة 0543747022
الأربعاء 13 نوفمبر 2024 - 21:30 من طرف جنى ميرو
» اداة ذكاء اصطناعي للباحثين وطلاب الدراسات العليا
الجمعة 26 أبريل 2024 - 11:23 من طرف Abd