منتديات خاراس الرسمية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    ما بين الدين والعلم والسياسة

    أحمد ابراهيم الحاج
    أحمد ابراهيم الحاج

    {{ كبار الشخصيات }}


    {{ كبار الشخصيات }}


    الجنس : ذكر
    البرج : الحمل
    عدد المشاركات : 231
    العمر : 72
    البلد : فلسطين - خاراس
    نقاط النشاط : 204
    الاعجاب : 4
    الدوله : فلسطين

    ما بين الدين والعلم والسياسة Empty ما بين الدين والعلم والسياسة

    مُساهمة من طرف أحمد ابراهيم الحاج السبت 25 ديسمبر 2010 - 7:59

    ما بين الدين والعلم والسياسة
    ...................................
    ثلاث كلمات لم تجتمع وتتزاوج بمفاهيمها ومدلولاتها وبمعانيها الحقيقية النظيفة من كل شائبة على الأرض إلاّ في عصر الأنبياء والرسل الذين أقاموا دولاً وكيانات سياسية كسيدنا داود وإبنه سليمان وسيدنا محمد عليهم السلام ، فدولة داود وابنه سليمان اهتزت وانقسمت وسقطت بسرعة بعد موت سليمان لعدم شمولية الرسالة وعدم أمانة وايمان مكونات المجتمع البشري الذي نزلت له ، وجنوح العلماء الى علم السحر والشعوذة الضار وغير النافع والتحريف والتأويل في كلام الله وعاشت الدولة في مجملها حوالي 85 عاماً ، أما دولة محمد فقد استمرت لفترة طويلة بسبب شمولية الرسالة وقوة الدفع ورسوخ ايمان مكوناتها من البشر وإنجازاتها العلمية والحضارية العظيمة وحفظ محتوى الرسالة الى يومنا هذا بدون تحريف وتأويل لنصوصها وأصولها. وعاشت الدولة متماسكة ما يقارب 1400 عام. واجتمعت هذه الكلمات الثلاثة (السياسة والدين والعلم) وتزاوجت بشكل يقترب من الكمال في عصور صحابة الأنبياء والرسل الذين عاصروهم وتعلموا ما تلقاه الأنبياء والرسل من الله سبحانه وتعالى وحفظوه عن كثب وظهر قلب وكانوا يحكمون بالنصوص والقياس والإجتهاد ،بعكس الأنبياء الذين كانوا يحكمون من عند الله عندما يستعصي عليهم الأمر ، وبشكل يقل عن مستوى الكمال الذي وصل اليه التزاوج في عصر الأنبياء والرسل. ولم تعد هذه الكلمات بمفاهيمها ومعانيها تجتمع في أي فئة من بعد الأنبياء والرسل إلاّ بمقدار نسبي ينسب الي مقدار كمالها فيهم والذي يشكل جزءاً يسيراً من الكمال الرباني المطلق واللامتناهي والذي لا يمكن إدراكه من البشر إلاّ يوم القيامة ولا يمكن البناء عليه لاستخلاص نسبة العدل البشري على قاعدة العدل الرباني المطلقة واللامتناهية في إطار ومنظار العقل البشري المحدود الذي لا يدرك لعدل الإله حدوداً وآفاقاً وقيمة.
    السياسة هي الإدارة الداخلية والخارجية ، الداخلية لشئون الأمة بكل طوائفها على اختلافها في مكونات تلك الأمة من أطياف وأجناس ساكنيها ضمن محيطها الجغرافي وعلى اختلاف معتقداتهم والإدارة الخارجية التي هي إدارة علاقة هذه الأمة مع الأمم الأخرى مبنية على قاعدة التعارف (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا) والإحترام المتبادل للمعتقدات الدينية التي منح الله عباده حرية الإختيار فيها (لكم دينكم ولي دين) بعد أن بين تفاصيلها لنا في الرسالات السماوية المتتابعة وخلق لنا عقلاً نميز به الخبيث من الطيب ، وطلب منا التعايش بسلام على هذه الأرض بالمجادلة الحسنة والحوار البناء الهادف لتحقيق التعايش بالتي هي أحسن وعلى كلمة سواءٍ بين المتحاورين. وترك مسألة حساب العباد على المعتقدات له هو وحده الذي يعلم بما في القلوب (إن أكرمكم عند الله أتقاكم). ويعجز البشر عن معرفة المنافق من الصادق والمؤمن الحق من الكافر أو المؤمن المزيَّف ، والمستقيم من المعوج والطيب من الشرير والكريم من اللئيم. والسياسة تعتمد على السلطة في شكلها ومضمونها. والسلطة تحتاج الى القوة ، والقوة نتاج للعلم يسيرها العقل والأهواء ، فإن كان العقل ضالاًّ بجاذبية الأهواء البشرية تكون سياسة السلطة منحرفة بمقود الأهواء والغرائز ، وإن كان العقل نيِّراً مؤمناً تكون السياسة مستقيمة وتحقق العدل النسبي الناقص في الدنيا ليستكمل بالعدل الإلهي في الحياة الأخرى في انتصار للحق بالعدل المقسط والميزان الدقيق. وإن تحقيق الإستقامة في الدنيا من الصعوبة بمكان وزمان الوصول اليه من قبل البشر العاديين ولا بد أن يكون الميزان لكل إنسان مختلاً بين كفتيه ، إلاّ ما ندر من طائفة الأنبياء والرسل والصالحين القلائل والذين سيمرون عن الصراط المستقيم مرور الكرام.
    الدين هو تعليمات سماوية نموذجية على الوجه الأكمل أتت من الخالق العادل العالم بالمكنونات والنوايا البشرية لكي تحقق التعارف الإيجابي البناء من أجل إقامة السلام ، وهو جملة من الأخلاق الحميدة المثالية وآلية لتحقيق العدالة النسبية في الدنيا والتي تجلب السلام بين الناس ، والعدالة البشرية عدالة نسبية ويمكن مقياسها وحصرها بالعلم الدنيوي بالرياضيات ولا تقاس بعدالة الخالق المطلقة اللامتناهية والتي لم تتوفر حتى في الأنبياء والرسل حيث استعصى عليهم حلول بعض المسائل الدنيوية وطلبوا من الله النجدة والعون ونزل فيها أحكام سماوية للقياس عليها. وملكة الدين عند البشر مسألة نسبية لا يمكن أن تتحقق بشكل مطلق على الأرض ، فيُبتّ فيها يوم الحساب من الخالق ويتفاجأ البشر ببعضهم البعض حيث كانت عقولهم قاصرة عن فهم دواخل بعضهم بعضاً في الدنيا. ويتكشف المنافق على حقيقته التي استطاع أن يخفيها على الناس في الدنيا ويظهر كل واحد على حقيقته التي أخفاها بقدرته على النفاق وكتم ما في دواخله من اعتلالات خلقية وإخفائها عن الناس متظاهراً برداء الدين. ويتم تهذيب هذه الأخلاق بطاقة الايمان وممارسة العبادات التي فرضها الله على الناس لتكون رادعاً عن فعل وقول الشر بإعمال الضمير كمنظومة تحكم ذاتي يغذيه الايمان وتحركه العبادات في حركة دوران مستمر على مدار العمر.
    العلم هو الوسيلة التي توصل الإنسان الى معرفة الخالق والتي جعلها مفتوحة ومتاحة لجميع المخلوقات من الإنس والجن لكي لا يجعل اللهُ لهم حجة عليه يوم الحساب، وللمؤمن وللكافر منهم ، لتزيد المؤمن ايماناً ولتهدي الكافر أو ربما تزيده كفراً. وهو الطريق والوسيلة لتطوير الحياة على الأرض من أجل تسهيلها على البشر ، حيث سخر لنا الأرض لنستخرج منها نعمه التي لا تحصى ، وخلق لنا عقلاً لنفكر به ووظف له الحواس الخمسة كأدوات للفكر والإستشعار والأستمتاع بالحياة ، ، وخلق له الغرائز لتكون امتحاناً للعقل تجذبه للخير أو تنفره منه نحو الشر ، وحقيقة الأمر فقد نزلت الرسالات السماوية متدرجة مع تطور العلم الذي توصل اليه البشر على الأرض بناءً على الحاجة (الحاجة أم الإختراع) وهي القوة المحركة لولوج مجال العلم ، ومتناسقة مع قوة إدراك وتفسير الإنسان لما حوله من الظواهر الكونية ، ففي بداياتها ركزت على الإيمان بالله وبناء العقيدة على وجوده خالقٍ ومدبرٍ لأمور الكون ، تلك العقيدة التي تهذب النفس البشرية وتغسلها من الضلال والتوهان وتختصر عليها الطريق للوصول الى سر هذا الكون ودقة العلاقة وإحكامها بين مكوناته من الأجرام السماوية والأرض لأن سر هذا الكون يفوق القدرة العقلية للبشر مهما تعملقت ، وهو من صنع خالق لا يستطيع العقل البشري مهما تعملق وعلا شأنه وشحذ فكره بإدراكه فيزيائياً ، ثم انطلقت الى الأخلاق لتنظم التعايش بين الناس على أساس التسامح والتعاون والتراحم والمشاركة ، وبعد ذلك اكتملت في ختامها شاملة للعقيدة والأخلاق والتشريعات في المعاملات ، رسالة سماوية مكتملة وشاملة ومستوعبة للتطور العلمي الآني والمستقبلي وفي كل الحقول التي تحقق العدل والسلام بين الناس بقدر المستطاع . وكانت الثورة العلمية الحديثة نتاج لآخر الديانات السماوية التي نزلت على الأرض للإنسان. وضعت لها الأمة الإسلامية القاعدة وانطلقت بها الأمم الأخرى ووصلت الى ما وصلنا اليه اليوم. والعلم يخضع للعقل ، فإن كان العقل ضالاًّ يسيء استغلاله بحب السيطرة والأنانية والإحتكار وإن كان العقل مؤمناً يحسن استغلاله لخير الناس جميعهم. وحتى نحس نحن البشر بمعاني الحياة وبمتعتها وقيمتها ، فقد أوجد الله فيها عنصرين متضادين متصارعين متنافرين، عنصر الخير وعنصر الشر ، وانطلق منهما الأضداد (الحب والكره ، القوة والضعف ، الايمان والكفر ، العلم والجهل ، العقل والجنون ، الكرم والبخل....وهكذا) وأوجد لكل عنصر منهما أدوات الصراع بينهما ، وجعل من كل جنس زوجين كأضداد متجانسة متجاذبة ، فأنزل آدم بعد أن خلق منه حواء زوجين متضادين متجانسين متجاذبين الى الأرض لزراعتها بالإنسان ووهبهما عقلاً ليوازن بين الأضداد ، وأنزل معهما إبليس لزراعة نبات الشر ليقابل نزعة الخير ، وعلم آدم الأسماء كلها ، وخلق له عقلاً ليكون ميزاناً يزن به الأمور ليعرف خيرها من شرها ، وحيث أنه احتفظ لنفسه ولحكمة يعلمها هو وحده العدل والعلم المطلق ، وجعل الحياة الدنيا مختبراً يمر عليه كل البشر ليكون اختباراً لهم يؤدونه للمرور من حياة مؤقتة على الدنيا الى حياة دائمة في الأخرى يحدد فيها الإنسان مصيره بعقله ، إما شقياً وإما سعيدا بعلم مسبق من اللهً ، وجعل الموت حقاً على كل مخلوقاته كمصيرٍ محتوم لا يستطيع البشر التحكم في آجالهم مهما بلغوا شؤاً بعيداً من العلم ليخلق فيهم وازع الخوف والضعف والحاجة الى رحمة الخالق وبالتالي اتباع أوامره واجتناب نواهيه والإجتهاد من أجل امتحان الدنيا. وخلق الله للإنسان نعمة النسيان لكي لا تجعله دائم التفكير والخوف وتشلّه عن العمل والإستمتاع بالحياة. وخلق له نعمة الغرائز لكي تمنحه طاقة الإستمرار في الحياة. وحقيقة الأمر فإن طبيعة الحياة الدنيا تجعل الإنسان لا يستمتع بالنعمة إن كانت مستديمة وتنفي الحاجة لوظيفة الإنسان عليها في إعمار الأرض ، فلا يشعر الإنسان بقيمة البصر إلاّ بعد فقده ، ولا بقيمة الشبع الاّ بعد الجوع ، ولا بقيمة الأمان الاّ بعد الخوف ولا بقيمة النجاح الاّ بعد الفشل ولا بقيمة الشفاء والصحة الاّ بعد الآلام والمرض. لذا أوجد الأضداد المتنافرة على قاعدة ضدين هما الخير والشر. وإن أقوى أدوات الصراع بين الخير والشر هو العلم وأن العقل هو الحكم بينهما. فالعلم هو القوة والسلطة ومن يمتلك العلم يمتلك القوة والسلطة على الأرض. ويبقى الخير والشر في صراع طويل وجولات متعددة من الصراع يتبادلان فيها النصر والهزيمة (وتلك الأيام ندواولها بين الناس). فلو أدرك الإنسان أن مصيره الموت (وهذا حقيقة يعلمها كل إنسان) في غياب الايمان بالله واليوم الآخر لانتحر وخلص نفسه في أول مشكلة أو معضلة يواجهها. ومهما غاب الايمان عن الإنسان في حياته فإنه سوف يتذكره في سكرات الموت أو حين شعوره بدنو أجله أو تعرضه لضائقة خانقة فيلجأ الى الخالق طالباً رحمته. وهنالك الكثيرمن أصحاب الفكر الشيوعي من المسلمين الذين كانوا في حياتهم لا يعترفون بوجود الله ولا باليوم الآخر ، ولما أصيبوا بمرض السرطان لجؤا لقراءة القرآن والصلاة والعبادة ضارعين الى الله وطالبين رحمته وآملين الشفاء من عنده والغفران من أيام الضلال في توبة كتوبة فرعون التي لم يقبلها الله. ولم يقصر الله العلم على المؤمنين ليبقي الصراع مستمراً بين الظالم والمظلوم (بين الباطل والحق). ولن تكتمل نتائج المعارك الدائرة بينهما في الدنيا ، ولكنها تحسم في الآخرة بميزان العدل الإلهي المطلق وتظهر النتائج النهائية للصراع في جزاء وعقاب. فكثير من الناس يموتون مظلومين وكثير منهم يموتون ظالمين ، ولا بد للمظلوم أن ينصف وللظالم أن يعاقب (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره). ومن لا ينال عقابه أو جزاءه عاجلاً في الدنيا سيناله آجلاً في الآخره. وكان جزاء الله للمدافعين عن الخير والموت دونه الشهادة التي تغسل الذنوب كلها وتكون بمثابة تذكرة دخول للجنة بدون حساب وبدون انتظار لموعد الحساب يوم الحشر في قلق وخوف رهيبين رهبة القارعة والصاخة. وعندما اختار الله آخر الأنبياء والرسل ليبلغ آخر رسالاته للناس ، إختاره لا يملك من العلم شيئاً ، ولكنه كان يملك عقلاً يتفكر به في الخلق والكون والخالق ورفض بهدي عقله الواقع الخاطيء ، وكان لا يملك من المال شيئاً ، ولكنه كان يملك الأمانة والأخلاق العظيمة ، وهيأه لذلك بغسل قلبه من الصغر من كل الضغائن ونواقص النفس البشرية التي قد تضل الإنسان وتزعزع ميوله وتدغدغ غرائزه وتحرفه عن جادة الحق والصواب. وكان الأمر الأول الذي ألقاه عليه هو القراءة "إقرأ" وهو الخطوة الآولى في طريق العلم وذلك ليمتلك القوة والسلطة التي ئؤهله لنشر الرسالة للناس جميعاً. وهيأ عقله للحفظ والشرح والمنطق والإبداع ، ومنحه قوة التحمل والصبر والحكمة والحلم. ولكي لا يكون للناس حجة على الله بعدم إبلاغهم لرسالته السماوية الخاتمة الجامعة الشاملة فجاءت رسالته شاملة جامعة ومفصلة ودامغة لا تحتمل الشك. من هنا يجب أن نعلم أن الإنسان العادي لا ولن يرقى الى الأنبياء والرسل ، ليجعل من نفسه حكماً يميز المؤمن من غير المؤمن والتي لام بها النبي محمد صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد يوم أن قتل كافراً قال لا إله إلاّ الله قبل أن يقتله. إن المتتبع لنشوء الدولة الإسلامية منذ تكوينها وإرساء قواعدها ومبادئها بعهد النبي محمد الذي لمّا شعر بدنوّ أجله ، لم يفرض على المسلمين من بعده نظام حكمٍ معين ، وترك لهم حرية الإختيار ، فقد كان واجبه الأساسي إبلاغ الرسالة للناس ، وكانت مشيئة الله أن لا يخلفه ولد من أولاده إنما ماتوا جميعاً بحياته ، لكي لا يُفتن المسلمون بولده من بعده ليرثه بالحكم ، وبعد موته عليه السلام بدأ النموذج المثالي لدولته في المدينة المنورة يهتز شيئاً فشيئاً باهتزازات متدرجة بدأت خفيفة ومتزايدة بمرور الزمن وتطور العلم على أيدي البشر العاديين ، فظهر المرتدون في ولاية أبو بكر الصديق ، وحاربهم حتى قضى على الردة ، وجاء من بعده عمر بن الخطاب الذي بدأ بإرساء نظام الخلافة وتنظيم الدولة وجمع دستورها (القرآن الكريم) ، وكانت الخلافة في عهدي ابي بكر وعمر من أقرب النماذج لمنوذج الحكم في عهد النبوة ، وفي عهد الخليفة عثمان بن عفان أصبح الإهتزاز يتزايد حيث طمع بنو أمية في الحكم حيث ينتمي سيدنا عثمان، وبدأت الفتنة والخلاف على السلطة ، وظهرت العصبية القبلية من جديد واختلف الناس بين آل هاشم وآل أمية ، وكانت الفتنة على أشدها في عهد الخليفة علي بن أبي طالب ، وظهر الخوارج ، واختلف الناس بين علي ومعاوية وأدى الإختلاف الى الإقتتال ، ثم ظهر الخلاف بين العباسيين والأمويين وانتقلت العاصمة تباعاً من المدينة المنورة إلى دمشق ثم الى بغداد واستقر نظام توارث الحكم بين العائلات والأبناء ، وتحول الإهتزاز الى خلخلة للأركان وتمزق في جسد الدولة أدى إلى انهيارها في نهاية العهد العثماني. ولدى تطور العلم ظهرت قضايا جديدة طرأت على الناس مما دعا علماء الدين الى الإجتهاد والقياس وجمع الأحاديث وظهور المذاهب وعلم الإفتاء المكتوب ليعالج مظاهر التقدم العلمي في أوج الدولة الإسلامية في عصر الأمويين بداية والعباسيين بشكل واضح وصريح حيث كان التقدم العلمي في أوجه.
    في هذا الثالوث (السياسة والدين والعلم) ، متغيران وثابت واحد ، المتغيران هما السياسة والعلم ، والثابت هو الدين فإن كان التمغيران يعملان باتجاه الدين كوجهة واحدة وهدف مشترك لهما فسوف يصل الناس الى التعايش النموذجي ، وينهزم الشر أمام الخير ويتلاشى ، مما يوصلنا الى ما وصفه الله في الحياة الأخرى من حياة مستقرة دائمة بدون شر ،تلك الحياة التي تتحدد نتيجتها من الإختبار في الدنيا المؤقتة ، ويقعدنا عن العمل الإجتهاد في عبادته لإنتفاء الغرض وفقدان الوظيفة والرسالة التي كلفنا بها الله في إعمار الأرض ، وهذا ما لا أراده ولا يريده الله من الخلق ، حيث قال "وما خلقت الجن والإنس إلاّ ليعبدون" وكذلك قوله "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون" وكذلك قوله "واسعوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النّشور" وقوله "لقد خلقنا الإنسان في كبد". لقد بدى هذا الثالوث متناغماً ومتوافقاً في عهد النبوة المحمدية ليكون نموذجاً للحكم ، وعلى الناس أن يقتربوا منه بأقصى جهدٍ ممكن ولن يصلوا لمستواه مهما كانت قوة ايمانهم التي لن تصل أبداً لمستوى قوة ايمان الأنبياء والرسل الذين كانوا يستلهمون إدارتهم من الله الذي نقّى نفوسهم وطهّرها من الضلال والغي والأحقاد ، وكان محمد ٌ من أولي العزم من الرسل ، وكان إماماً لجميع الرسل والأنبياء في ليلة الإسراء والمعراج على الرغم من أنه آخر المرسلين والأنبياء ، وكان المقياس في ذلك شمول الرسالة السماوية الأخيرة زماناً ومكاناً ، وأنها نتاج لجهد كل الأنبياء في أرض مهبط الديانات السماوية السابقة وفي وحدة متكاملة بينها وربط تفاضلي بين مهبط آخرها في مكة وأولها في القدس. وصلّى جميع الأنبياء والرسل خلفه إعترافاً بأن رسالته هي الخاتمة الجامعة الشاملة الملائمة لكل زمان ومكان كسلسلة كانت حلقاتها متصلة ومتبلورة للوصول الى ما جاء به محمد في شكلها النهائي وللدلالة على أنه أرسل للناس جميعاً وليس لأمة محددة. وبعد أن تم إبلاغ الرسالة وإكمالها بيّن لهم سيدنا محمد أنه ترك في الناس أمرين إن تمسكوا بهما فلن يضلوا بعده أبداً. كتاب الله وسنة رسوله. ولم يجعل الله النصر صفة سائدة للمؤمنين ، وإنما وصفه شيئاً من الأشياء التي يحبونها (وأخرى تحبونها نصرٌ من الله وفتحٌ قريب) ، وكان الهدف من تهيئة أسباب النصر لسيدنا محمد وصحبه هو إبلاغ الرسالة الأخيرة التراكمية والتي تشمل ما جاءت بها سابقاتها للناس جميعاً ، وحقيقة الأمر لم يقعد سيدنا محمد يستجدي النصر من الله بدون توفير أسبابه من جانبه بالعمل والتخطيط وإنما أعقل وتوكل ودعا الله طالباً النصر. ولو قرن الله النصر بالايمان صفة دائمة لكان امتحان الناس في الدنيا سهلاً للمرور الى النجاح بدون عمل ولما كان هنالك راسبٌ واحد في الإمتحان ولما كان هنالك جنة تنتظر الناجح وجهنم تنتظر الراسب. لذلك لم يهب النصر لنبيه على طبق من ذهب ، إنما أذاقه طعم الهزيمة ، وتعرض للصد والعدوان والإستهداف والإيذاء ، ولكنه قاوم بطاقة الإيمان والصبر والعمل من أجل تحقيق النصر حتى بلّغ رسالته للناس وأوجد قوة الدفع لمن جاء من بعده لإيصالها لكل الناس على الأرض بالفتوحات الإسلامية من بعده.لذلك فإنه من الصعوبة بمكان الجمع بين هذا الثالوث لأي أمة إلاّ لأمة تشبه الأمة التي أخرجت للناس في عهد سيدنا محمد (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) ، تلك الأمة التي ملكت زمام العلم والسلطة والسياسة على قاعدة أخلاق ومباديء الدين كنموذج مثالي ولسان حاله يقول ستظلون كذلك إن حافظتم على نهج تلك الأمة التي خلت من قبلكم وهيهات هيهات أن نصل الى مستوى تلك الأمة على حالنا من إفتقاد للعلم والقوة والسلطة يحكمها أخلاق الدين، وبقى الدين ثابتاً في قلوب معتقديه (إنا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون) ، واستمر العلم والسياسة يتغيران في صعودٍ وهبوط وبتناسب عكسي ، فكلما صعد مؤشر العلم في العصور التي تلت سيدنا محمد هبط مؤشر السياسة النظيفة النموذجية التي كانت في عهده ، وكلما هبط مؤشر العلم في أمة تحتفظ بمباديء الدين فقدت قوتها المؤثرة وقدرتها على التمسك بتلك المباديء وتطبيقها بين الناس لتبعيتها لغيرها وعدم بناء القوة التي تحافظ على نهجها وخضوعها للإبتزاز ولإعتمادها على منتجات غيرها من الأمم وذوبانها في حضارتهم وثقافتهم بتتابع الأجيال. وبقي الدين كامناً في قلوب الناس مقتنعين به وغير قادرين على تطبيق أحكامه ولا يستطيعون جذب السياسة النظيفة اليه ومستسلمين للسلطة التي تشكل السياسة ، وأصبح المؤمن في هذا الزمان كالقابض على الجمر وبقيت القوة والسلطة لمن يمتلكون العلم ، يشكلون السياسة في غيابٍ للدين والأخلاق. ودخلت المصالح والأهواء الدنيوية لتشكل السياسة وتتلاعب فيها وتدير الحروب بين الأمم في معزلٍ عن الدين. لا بل استغل الدين في إثارة الفتن لتخدم أهداف الحروب من أجل المصالح كوقود يؤجج الصراعات ويزيدها اشتعالاً وخسائراً ومصائباً على الناس. ومن هنا كان تسيس الدين وإقحامه في الصراعات بين الأمم. وظهرت الأحزاب الدينية بين كل أتباع الديانات محتكرة للدين في أعضائها وكوادرها ومحرفة لمعانيه لخدمة أهدافها الدنيوية ، وزادت تطرفاً باعتبار غيرها لا دين له وكفرته وحولت صراعات الأمم المختلفة الى صراعات الأمة فيما بين أبنائها ممن يعتنقون الديانة نفسها متناقضة مع أن الدين كان وما يزال موجهاً للناس جميعاً ، وأنه لم ينزل للأرض ليكون محصوراً في فئة معينة ، وأن الله وحده علاّم الغيوب يعلم الكافر من المؤمن. ولو كان الدين يفرض نظام الحكم لعمل به الأنبياء وخاصة خاتمهم ، فإطار الدين إطار واسع وشامل يستوعب السياسة مدعومة بسلطان العلم القادر على تطبيق تعاليم الدين ويصنع السلطة إن وظف الدين على الطريقة النموذجية التي أقامها سيدنا محمد ، وإطار السياسة الحالية في غياب لا يمكن أن يتسع للدين وأصوله ، إنما يتسع للعلم ليخلق سلطة مبنية على الأهواء وموازين البشر الذين يمتلكون ناصية العلم ويحوزون عليها باجتهادهم العلمي وعملهم من أجلها واضعين الدين على الرّف ومستعيضين عنه بالمصالح. من هنا وفي معادلات هذا العصر ، فإن الدين والسياسة بمفهومها ومزاولتها العصرية لا يجتمعان ، ومن يحاول التظاهر بالجمع بينهما فهو مخادع ومنافق وكذاب ، وخير دليل على ذلك ما نشاهده من حالات الشذوذ السياسي والتحالفات المشبوهة بين الأضداد ، وعلاقات سياسية شاذة ،فحليف الأمس عدو اليوم ، وعدو الأمس حليف اليوم وهنالك علاقة تحالف تجمع الأحزاب الدينية التي تتخذ من الدين شعارات لها ومنطلقاً لأيدلوجيتها مع الأنظمة العلمانية والأنظمة اللادينية والتي تُحيِّد الدين عن السياسة وتعمل وتتحالف معها على قاعدة المصالح الدنيوية الشخصية الفئوية ، ولا داعي هنا لذكر الأمثلة بأسمائها والتي لا تخفى على أي عقل بشري متفتح العقل ومالك للبصيرة. السياسة الدولية المهيمنة في هذا العصر وحل وقاذورات ونفاق وشذوذ ، قلبت المفاهيم وجعلت الخيانة وطنية والوطنية خيانة ، والجهل علم والعلم جهل وشرعت الحرام البيِّن ليصبح حلالاً ، والحلال البيِّن ليصبح حراماً، وحاشا لله أن تجتمع مع الدين ومباديء الدين وأخلاق الدين، ومن دخل معترك السياسة ليمارسها بشعار الدين لا يمكن أن يقنعنا بصدقه وعفته ونقائه وصفائه. ومن رفع شعار الدين وأهمل العلم والعمل فقد ناقض نفسه وأفلس لأنه فاقد للسلطة التي تُحكِّم الدين بين الناس وفاقد لإحترامه وهيبته من الذين يملكون القوة بزمام العلم ومسيَّرٌ حسب أهوائهم ومقاصدهم الخاصة. ولنا في السيرة النبوية ما يوضح ذلك بجلاء ، فلن يأذن الله لمحمد وأتباعه بالقتال حتى يأخذوا بأسباب النصر بإعداد القوة بالعلم والتخطيط من أجل تحقيق الأهداف السامية التي جاءت بها رسالته. ولم يشرع الله القتال للناس جزافاً كردة فعل غاضبة ولمعالجة الهزيمة والعدوان بهزيمة أقسى بإلقاء النفس في التهلكة التي نهى الله عنها وفي غياب للتخطيط وغيابٍ لأسباب النصر بالعلم والحساب الدقيق والعمل والبناء. ومعادلة السياسة الدولية اليوم تتلخص في الآتي:
    نقِّل ولاءك حيث شاء من اعتلى ما الأمر إلاّ للقويِّ بما سعى
    واهبط برأسك كالخراف الى الثرى وإنِ اعترضّت فسوف تُذبحُ بالمِدى
    فلو تصورنا مركباً ناتجاً عن تفاعل بين ذرات هذا الثالوث (الدين ، العلم ، السياسة) وطبقناه على نموذج دولة محمد ، لنتج من هذا الإتحاد للذرات الثلاثة ، خلية مركزها ونواتها الدين ، ويدور في فلكها إلكترون العلم ، في مدار دائري مغلق يحيط بالنواة ، ومكوناً السلطة التي تنتج إلكترون السياسة ليدور في مدار يحيط بمدار إلكترون العلم في نموذج مثالي لا يمكن الوصول اليه بعد انقطاع الرسالات السماوية وتوقفها وختامها برسالة الإسلام الشاملة المكتملة في كل جوانب الحياة الدنيا وما بعد الحياة الدنيا وتستوعب كل تطور علمي ، ولوجدنا أن الكتروني العلم والسياسة منجذبان بقوة الى نواة الدين لا يحيدان عن هديها ولا ينفصلان عنها ، ولو طبقنا ذلك على عصر ما بعد نموذج دولة محمد لانقلبت الصورة تدريجياً بفعل الغرائز والأهواء البشرية لتشكل مع مرور الزمن ما وصلنا اليه الآن ، حيث أن العلم الذي ينتج عنه السلطة أصبح هو النواة ، التي يدور في فلكها السياسة أولاً والدين المُسيس والمُحرف ثانياً مسخرين للسلطة القائمة بفعل القوة العلمية ، وأما الدين الحق فقد انفصل عن فلكي السلطة والسياسة مستقراً في أنوية الأفراد المحكومين والحاكمين لا يستطيعون الإنتصار له وتطويع إلكتروني العلم والسياسة له والسير في فلكه ، وتسير ذرة هذا المركب السياسي العالمي من منطلق معادلات هذا العصر وموازينه بهدي بوصلة المصالح الدنيوية وجاذبية الأهواء والغرائز البشرية والشذوذ عن تعاليم تلك الرسالة بالرغم من كثرة المؤمنين بها في العالم في اختبار صعبٍ وسهلٍ ممتنع للناس في الدنيا ولفرز النتائج في الآخرة لكل المخلوقات وعلى انفراد بقانون السماء العادل ، ويحاسب كل إنسان بعمله ، وبمعزلٍ عن الشفاعة الاّ شفاعة سيدنا محمد لمن بقي وفياً لرسالته في نطاق شخصي مستقل يعتمد على ميزان يوازن بين الحسنات والسيئات من الأقوال والأفعال في يوم لا ينفع فيه الإنسان قرابة أو علاقة وليس فيه غش أو وساطة أو رشوة أو محاباة.
    ومن يحاول اليوم إحداث تزاوج بين الدين والسياسة في غياب للعلم والسلطة فهو يمارس الشذوذ السياسي في عرف الدين الحق .لأنه يتستر بغطاء الدين فأوصله ذلك الى التطرف ووتفسير آياة القرآن بعيداً عن مواضعها ومقاصدها للولوج الى رحم السياسة القذرة المبوءة بالأهواء والغرائز واللذات الدنيوية ، مما ينتج عن ذلك كياناً معاقاً لا يجلب الاّ الخراب والدمار والمصائب ويسيء للدين الحق المنزه عن وحل وقاذورات السياسة بمفهومها العصري. ومن تعامل مع واقع الأمة الضعيف واتبع ما علمنا به سيدنا محمد للتغيير فهو الأقرب الى تحقيق الأهداف من منطلق الإمكانيات متسلحاً بالصبر والايمان بقضيته وبعدالتها ومستثمراً لإنجازات مقاومته للواقع استثماراً تدريجياً ومرحلياً حسب إمكانته وحجمه الحقيقي بعمل وجهد يتناسب مع طاقته في حدود حفظ البقاء حتى يصل الى أهدافه القريبة والبعيدة. وحدد لنا سيدنا محمد طريقة التغيير للواقع المرفوض ومقاومته بثلاث خطوات وحسب الإمكانيات "من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان" وفي ظلال هذا الضعف للأمة لغياب سلطان العلم ومقدرات القوة ووسائلها لتهيئة أسباب النصر ، علينا أن نختار ما يناسب إمكاناتنا ويحفظ بقاءنا وايماننا حتى لا نلقي بأنفسنا الى التهلكة ونصير ضحايا بلا طائل. نعمل بالكتمان ونصبر وندعو الى الله أن يغير ما بأنفسنا ليغيّر حالنا لما هو أحسن. حتى يتطور التغيير من القلب إلى اللسان ثم الى اليد بإذن الله الذي وعد بنصر المؤمن. , ونص على تداوول الأيام بين الناس حيث تتغير موازين القوى باتجاه الحق تارة وباتجاه الظلم تارة اخرى.
    بقلم أحمد ابراهيم الحاج
    26 آذار 2008
    جميع الحقوق محفوظة لدنيا الرأي © 2003 - 2010


      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد 29 سبتمبر 2024 - 12:36