من دفاتر سائح بقلم أحمد ابراهيم الحاج
تاريخ النشر : 2008-12-29
من دفاتر سائح مغامر في غزة
.........................................................
في غزة بحرٌ وهضابٌ وتلال ،
بحرٌ مرتحلٌ هجرته الأسماك ،
وموانيء هجرتها العمّال
وشجرٌبالكرم يواجهُ حكم الإعدام ،
وزرعٌ يستسقي قطرة ماءَ،
وأشجارٌ لا تثمر أجهضها حقد الأعداء
وعرّوها من ثوب يستر عورتها ،
فلا تورفُ ظلاًّ وظلال ،
في غزة شلاّلٌ من ماءٍ أبيض
لا يصلح للشرب ،
وشلاّل من ماءٍ أسود ،
لا يصلح للرّي ،
تتلاقى مع نهرٍ من ماءٍ أحمر ،
ينبع من تلّةِ جسد الإنسان ،
في غزة يختلط الماءُ الأحمر ، والماءُ الأبيض ،
والماءُ الأسودُ ، والنبتُ الأخضر بالأوحال ،
.............................................................
رأيت بيوتاً في غزة كبيوت العنكبوت ،
وبيوتاً كالعهن المنفوش،
يسكنها الإنسان بلا زادٍ وبلا أنفال ،
في غزة دورٌ وبيوتٌ كالأطلال ،
في غزة اشلاءٌ تتناثر فوق الأرض ،
وأمتعةٌ .. وأحزمةٌ ..وأربطة..ٌ ونِعال ،
في غزة إنسانٌ يشبهني , ويحيّرني ،
يعيشُ بلا قطرة ماءٍ وبلا كسرة خبزٍ ،
يأكل من ملح الأرض
ويشرب من ماء الأرض بُعيْدَ الزلزال ،
يفترش الأرض ، وينام بأغطية كالغربال ،
تنفخها الريح الباردة ، يخرقها ماءٌ همّال ،
ينام ويحلم مثل البشر بمالٍ وعيال ،
يحب ويعشق لا يعبؤ بالقتل وبالأهوال ،
في غزة أشبالٌ ونساءٌ ورجال ،
وأطفالٌ تنبت في قحطٍ وصخورٍ ورمال ،
تزهر كاللوز ، تتفتح كالورد ،
مُحاطاً بالخضرة والزرقة وإبرُ الأشواك ،
وتحمل أحلاماً مثقلةً بالهم وبالأهوال ،
يُخفِتها لحنُ الأنذال ،
تُنعشها قطرة آمال ،
يُحبطها قوْلٌ للأعمام وللأخوال ، بلا أفعال ،
يغدرها الوحش فتسكتها حُمّى الآجال ،
...............................................................
في غزة قوْلٌ ، قيلٌ ، قوَلان ،
في غزة تُهمٌ وتراشق أبناءٍ بسهامٍ ونبال
في غزة شِقٌّ وشقيقٌ غرقوا بسجال ،
في غزة تقطيع للحم وللعظم وللأوصال ،
في غزةَ حربٌ بالغةُ الخسران ،
مبارزةٌ بين الإنسان الأعزل ،
والوحش الجائع والمفترس بجوف الأدغال ،
لا صوتاً يُسمعُ لا غوثاً يُنقِذ ، بل خذلان ،
سجالٌ بين الكفِّ وبين المخرز ، هل يستويان؟
بين اللحم وبين السكينِ المسنون بحجر الصّوان ،
بين الصيّاد وبين قطيع الغزلان ،
في هدأةِ مرعىً ، قيلولة راعٍ أعياهُ الدّوران ،
في غزة حربٌ برَّرها كِبْرُ الإنسان ،
وفرقة إخوانٍ بحثاً عن سلطان،
وسدادٌ للفاتورة بدماءِ الشعب الغلبان،
وهتافٌ بأناشيد النصّرِ بلا وزنٍ أو حُسبان ،
بميزان الربح مقابل ميزان الخسران ،
في غزة قتلٌ وقتالٌ وخرابٌ ودمار ،
في غزة فقرٌ مشتعلٌ بوقود حصار ،
في غزة نارٌ تستعرُ بلحم وعظم الثوار ،
في غزة هدرٌ للدّمِّ بلا ريعٍ ُمنتظرٍ أو إعمار ،
وغزةُ بالقلب جراحٌ ، وجمْرٌ مختزنٌ بالنار.
.................................................................
رأيت طفلة هائمة على وجهها تردد:
"أشهد أن لا إله إلاّ الله وأشهد أن محمداً رسول الله"
سألتها:
لماذا يا بنيتي بالشهادة تنطقين؟
فقالت : يا عم ، البحر الميت من خلفنا
وبحر الموت من أمامنا ، فإن متنا نموت مسلمين.
في غزة أوقفني طفلٌ يبحث عن عنوان ،
يُمسك خارطةً بيديه ، يسمونها خارطة الطريق
كطريق شُقت بالإصبع في الكثبان ،
يدقق فيها ، ينظر ، يتفحّص في إمعان ،
ويصرخ : أين بيتنا؟ إنه هنا في هذا المكان ،
فقلت له : يا بني كان هنا بيتكم ،
كان يا ما كان في قديم الزمان ،
وكان هنا بيت الشافعي بجواركم ،
وقبر هاشم جد النبي ومقبرة الشهداء
يا بنيّ: لقد أبدِل الحال ،ألك والدان؟
تنهّد وقال : كان لي والدان ، وأخوان وأختان ،
أخي عثمان في قبضة السجان ،
وأخي حسان شهيد يسكن الجنان ،
وأختي الكبيرة لحقت زوجها نعمان ،
الذي تطوّع في حرب أفغانستان ،
وأختي الصغيرة ماتت بين الركام
ولم نعثر عليها ، وطواها النسيان
وسألته:
مع من تعيش يا بني؟؟
رد عليّ وقال : لا أدري ياعم
أصبحت وحيداً في هذا الزمان
لا مكان ، لا عنوان ، لا جيران
لا أمن ولا أمان.
واستطرد يردد:
حسبي الله ونعم الوكيل
والأمل في وجه الرحيم الرحمن.
......................................................
رأيت حمامة في العراء
يسمونها حمامة السلام
وكانت تفرد جناحيها على صغارها الجياع
وكانوا يلحون عليها بالطعام
فتسكتهم بإدخال منقارها في أفواههم
كانت توهمهم وتصبّرهم وفي نفس الوقت
كانت تعلمهم نطق الشهادتين.
لسان حالهم يقول : نحن لا نعلم ما تعلمين
ولا نرى ما ترين لكننا نسمع ما تسمعين
ولا نفهم ما تفهمين ، ما نفهمه أننا جائعون
وفي نفسها كانت حمامة السلام تقول:
إنا لله وإنا اليه راجعون!
بقلم أحمد ابراهيم الحاج
28/12/2008م
جميع الحقوق محفوظة لدنيا الرأي © 2003 - 2010
تاريخ النشر : 2008-12-29
من دفاتر سائح مغامر في غزة
.........................................................
في غزة بحرٌ وهضابٌ وتلال ،
بحرٌ مرتحلٌ هجرته الأسماك ،
وموانيء هجرتها العمّال
وشجرٌبالكرم يواجهُ حكم الإعدام ،
وزرعٌ يستسقي قطرة ماءَ،
وأشجارٌ لا تثمر أجهضها حقد الأعداء
وعرّوها من ثوب يستر عورتها ،
فلا تورفُ ظلاًّ وظلال ،
في غزة شلاّلٌ من ماءٍ أبيض
لا يصلح للشرب ،
وشلاّل من ماءٍ أسود ،
لا يصلح للرّي ،
تتلاقى مع نهرٍ من ماءٍ أحمر ،
ينبع من تلّةِ جسد الإنسان ،
في غزة يختلط الماءُ الأحمر ، والماءُ الأبيض ،
والماءُ الأسودُ ، والنبتُ الأخضر بالأوحال ،
.............................................................
رأيت بيوتاً في غزة كبيوت العنكبوت ،
وبيوتاً كالعهن المنفوش،
يسكنها الإنسان بلا زادٍ وبلا أنفال ،
في غزة دورٌ وبيوتٌ كالأطلال ،
في غزة اشلاءٌ تتناثر فوق الأرض ،
وأمتعةٌ .. وأحزمةٌ ..وأربطة..ٌ ونِعال ،
في غزة إنسانٌ يشبهني , ويحيّرني ،
يعيشُ بلا قطرة ماءٍ وبلا كسرة خبزٍ ،
يأكل من ملح الأرض
ويشرب من ماء الأرض بُعيْدَ الزلزال ،
يفترش الأرض ، وينام بأغطية كالغربال ،
تنفخها الريح الباردة ، يخرقها ماءٌ همّال ،
ينام ويحلم مثل البشر بمالٍ وعيال ،
يحب ويعشق لا يعبؤ بالقتل وبالأهوال ،
في غزة أشبالٌ ونساءٌ ورجال ،
وأطفالٌ تنبت في قحطٍ وصخورٍ ورمال ،
تزهر كاللوز ، تتفتح كالورد ،
مُحاطاً بالخضرة والزرقة وإبرُ الأشواك ،
وتحمل أحلاماً مثقلةً بالهم وبالأهوال ،
يُخفِتها لحنُ الأنذال ،
تُنعشها قطرة آمال ،
يُحبطها قوْلٌ للأعمام وللأخوال ، بلا أفعال ،
يغدرها الوحش فتسكتها حُمّى الآجال ،
...............................................................
في غزة قوْلٌ ، قيلٌ ، قوَلان ،
في غزة تُهمٌ وتراشق أبناءٍ بسهامٍ ونبال
في غزة شِقٌّ وشقيقٌ غرقوا بسجال ،
في غزة تقطيع للحم وللعظم وللأوصال ،
في غزةَ حربٌ بالغةُ الخسران ،
مبارزةٌ بين الإنسان الأعزل ،
والوحش الجائع والمفترس بجوف الأدغال ،
لا صوتاً يُسمعُ لا غوثاً يُنقِذ ، بل خذلان ،
سجالٌ بين الكفِّ وبين المخرز ، هل يستويان؟
بين اللحم وبين السكينِ المسنون بحجر الصّوان ،
بين الصيّاد وبين قطيع الغزلان ،
في هدأةِ مرعىً ، قيلولة راعٍ أعياهُ الدّوران ،
في غزة حربٌ برَّرها كِبْرُ الإنسان ،
وفرقة إخوانٍ بحثاً عن سلطان،
وسدادٌ للفاتورة بدماءِ الشعب الغلبان،
وهتافٌ بأناشيد النصّرِ بلا وزنٍ أو حُسبان ،
بميزان الربح مقابل ميزان الخسران ،
في غزة قتلٌ وقتالٌ وخرابٌ ودمار ،
في غزة فقرٌ مشتعلٌ بوقود حصار ،
في غزة نارٌ تستعرُ بلحم وعظم الثوار ،
في غزة هدرٌ للدّمِّ بلا ريعٍ ُمنتظرٍ أو إعمار ،
وغزةُ بالقلب جراحٌ ، وجمْرٌ مختزنٌ بالنار.
.................................................................
رأيت طفلة هائمة على وجهها تردد:
"أشهد أن لا إله إلاّ الله وأشهد أن محمداً رسول الله"
سألتها:
لماذا يا بنيتي بالشهادة تنطقين؟
فقالت : يا عم ، البحر الميت من خلفنا
وبحر الموت من أمامنا ، فإن متنا نموت مسلمين.
في غزة أوقفني طفلٌ يبحث عن عنوان ،
يُمسك خارطةً بيديه ، يسمونها خارطة الطريق
كطريق شُقت بالإصبع في الكثبان ،
يدقق فيها ، ينظر ، يتفحّص في إمعان ،
ويصرخ : أين بيتنا؟ إنه هنا في هذا المكان ،
فقلت له : يا بني كان هنا بيتكم ،
كان يا ما كان في قديم الزمان ،
وكان هنا بيت الشافعي بجواركم ،
وقبر هاشم جد النبي ومقبرة الشهداء
يا بنيّ: لقد أبدِل الحال ،ألك والدان؟
تنهّد وقال : كان لي والدان ، وأخوان وأختان ،
أخي عثمان في قبضة السجان ،
وأخي حسان شهيد يسكن الجنان ،
وأختي الكبيرة لحقت زوجها نعمان ،
الذي تطوّع في حرب أفغانستان ،
وأختي الصغيرة ماتت بين الركام
ولم نعثر عليها ، وطواها النسيان
وسألته:
مع من تعيش يا بني؟؟
رد عليّ وقال : لا أدري ياعم
أصبحت وحيداً في هذا الزمان
لا مكان ، لا عنوان ، لا جيران
لا أمن ولا أمان.
واستطرد يردد:
حسبي الله ونعم الوكيل
والأمل في وجه الرحيم الرحمن.
......................................................
رأيت حمامة في العراء
يسمونها حمامة السلام
وكانت تفرد جناحيها على صغارها الجياع
وكانوا يلحون عليها بالطعام
فتسكتهم بإدخال منقارها في أفواههم
كانت توهمهم وتصبّرهم وفي نفس الوقت
كانت تعلمهم نطق الشهادتين.
لسان حالهم يقول : نحن لا نعلم ما تعلمين
ولا نرى ما ترين لكننا نسمع ما تسمعين
ولا نفهم ما تفهمين ، ما نفهمه أننا جائعون
وفي نفسها كانت حمامة السلام تقول:
إنا لله وإنا اليه راجعون!
بقلم أحمد ابراهيم الحاج
28/12/2008م
جميع الحقوق محفوظة لدنيا الرأي © 2003 - 2010
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 - 20:54 من طرف جنى ميرو
» صيانة سخانات في دبي 0543747022 emiratefix.com
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 - 19:53 من طرف جنى ميرو
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في عجمان 0543747022
السبت 16 نوفمبر 2024 - 23:43 من طرف جنى ميرو
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في عجمان 0543747022
السبت 16 نوفمبر 2024 - 23:11 من طرف جنى ميرو
» تصليح أفران في دبي 0543747022 emiratefix.com
السبت 16 نوفمبر 2024 - 22:15 من طرف جنى ميرو
» تصليح أفران في دبي 0543747022 emiratefix.com
السبت 16 نوفمبر 2024 - 22:11 من طرف جنى ميرو
» تصليح ثلاجات في دبي emiratefix.com 0543747022
السبت 16 نوفمبر 2024 - 0:11 من طرف جنى ميرو
» تصليح سخانات في دبي - 0543747022 (الشمسية و المركزية) emiratefix.com
الجمعة 15 نوفمبر 2024 - 20:33 من طرف جنى ميرو
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في الشارقة 0543747022
الأربعاء 13 نوفمبر 2024 - 21:30 من طرف جنى ميرو
» اداة ذكاء اصطناعي للباحثين وطلاب الدراسات العليا
الجمعة 26 أبريل 2024 - 11:23 من طرف Abd