فرسان بني كنعان/الجزء الثالث
مقدمات لثورة 1936الشاملة
- ثورة الشيخ القسام -
.....................................
بعد ثورة البراق اتسمت الثورة الفلسطينية على الإستعمار والصهيونية بالصبغة القومية العربية تحت المظلة الإسلامية، وهذا ما يثبت عدم تناقض التوجهات القومية العروبية والتوجهات الإسلامية إن أخلصت النوايا، وكانت هذه التوجهات تصب في هدف واحد شعاره المصالح الوطنية الجغرافية والهوية التاريخية للأرض العربية، التي تأوي شعباً متوائماً ومتناسقاً في لغته وحضارته ومعتقداته مهما اختلفت. شعباً متعدد الأطياف لكنه يستظل بمظلة واحدة. لأنه منذ عام 1929م الى عام 1948م وبعد تكشف النوايا البريطانية في تنفيذ وعد بلفور صار صراع وجود مع محتل ينوي الإستيطان ويهدد بقية الجغرافية العربية في مخططاته وطموحاته، مما يصيب المشروع العربي في مقتل. أصبح المحتل والمستعمر يهددان سكان فلسطين العرب بالتهجير والتصفية والإحلال، وذلك لتغيير هوية الأرض وتاريخها العربي الأصيل. ولم يقتصر الجهاد والكفاح والنضال الشعوبي الوطني العربي على تحرير فلسطين الوطن، بل امتد ليكون صراعاً قومياً على هوية فلسطين سيمتد تهديده الى ما بعد فلسطين من الجوار وغير الجوار العربيين. لذلك وبالرغم من الإحتلالات الإستعمارية التي كانت تعاني منها الدول العربية هبت النجدات الشعبية العربية لفلسطين من المتطوعين العرب قوميين وإسلاميين لهدف واحد هو إفشال مخطط الصهيونية والإستعمار العالمي المتمثل في زرع كيان غريب في خاصرة الأمة للقضاء على هويتها وطمس تاريخها. ومن هذا المنطلق كانت بلاغات الثوار في فلسطين في الفترة ما بين عامي 1936 و 1939م تصدر باسم "القيادة العامة للثورة العربية في فلسطين". لقد كانت مشكلة الفلسطينيين أعقد وأصعب من مشاكل المحيط العربي. فإن كان المحيط العربي يعاني من محتل مستعمر لا بد وأن يرحل في يوم ما عندما تفوق خسائره أرباحه من جراء الإحتلال ، الاّ أن فلسطين كانت تعاني من محتل مستعمر يسعى لتوريث البلد الى عصابات قادمة من شتات العالم لتستوطن في فلسطين على حساب ساكنيها. فكان الضغط والقهر على الفلسطيني يفوق بكثير الضغط الذي يعاني منه قرينه العربي في المحيط العربي.
قدم فارس هذه المرحلة الشيخ عز الدين القسام من بلدته جبلة في محافظة اللاذقية مع بعض رفاقه بعد فشل ثورة السوريين في دحر الإستعمار الفرنسي، وكان قد تخرج من الأزهر وعاصر تجارب المقاومة في مصر ضد الإستعمار البريطاني خلال دراسته ، كما دعم الليبيين في ثورتهم ضد الإستعمار الإيطالي، وكذلك ساهم في مساندة ثورة عمر البيطار ضد الإحتلال الفرنسي لسوريا (ثورة جبل صهيون) من عام 1919 الى عام 1920م. وحكم عليه المستعمر الفرنسي بالإعدام. فقدم الى فلسطين عام 1921م وجدد المستعمر الفرنسي عليه حكم الإعدام غيابياً. واتخذ مسجد الإستقلال في الحي القديم في حيفا مقراً له. واستقطب أهل الحي بدعواته الدينية وخطبه. ثم اتخذ من قرية الياجور قرب حيفا مقراً له ولجأ معه من رفاق الجهاد الشيخ محمد الحنفي والشيخ علي الحاج عبيد، وكان يعلم فقراء الحي من الفلاحين في دروس ليلية ويقوم بزيارة الناس لتوعيتهم ويساهم في محو الأمية المتفشية في ذلك الوقت مما أكسبه حب الناس وتقديرهم وزاد من شعبيته في المنطقة. والتحق بالمدرسة الإسلامية بحيفا ثم بجمعية الشبان المسلمين هناك حتى أصبح رئيساً لها عام 1926م. وقد قام خلال تلك الفترة بالتعبئة المعنوية للتحضير لثورة جهادية ضد المحتلين والمستوطنين من الصهاينة، وكان يطوف مساجد الفلاحين في منطقة شمال فلسطين ويحيي ويذكي فيهم روح المقاومة والجهاد لطرد المستعمرين المحتلين. وبدأ بجمع المال والسلاح تجهيزاً لإطلاق الجهاد المسلح ضد المستعمر. كان لا يثق بالإنكليز واشتهر بمقولته المشهورة "من جرَّب المُجرَّب فهو خائن" لذلك عندما نوى اليهود احراق مسجد الإستقلال بحيفا رفض دعوات البعض الإستعانة بالإنكليز لثني اليهود عن هدفهم بل أشار الى أننا سنحمي المسجد بدمائنا. وفي إحدى خطبه، كان يخبؤ سلاحاً تحت ثوبه فرفعه أثناء الخطبة وقال للمصلين " من كان منكم يؤمن بالله فليقتن مثل هذا". فأخذه الإنكليز مباشرة الى السجن وتظاهر الناس لإطلاق سراحه وأضربوا إضراباً عاماً. وفي خطبه كان يقول للناس "هل أنتم مسلمين؟ فيجيب هو ويقول "لا" ثم يقول للناس " إن كنتم مؤمنين فلا يقعدن أحد منكم بدون سلاح وجهاد". ومن أقواله المشهورة في خطبه التعبوية " رأيت شباناً يحملون المكانس بالشوارع، هؤلاء مدعون لحمل البنادق، ورأيت شباناً يحملون الفرشاة لمسح أحذية الأجانب، هؤلاء مدعون لحمل المسدسات لقتل هؤلاء الأجانب". وكان يحث الناس على شراء السلاح للجهاد ويفضله على الصرف لزخرفة المساجد. وكان يتصل بمعظم الناس بصفته مأذوناً شرعياً وخطيباً بليغاً مؤثراً ولا يفوت فرصة للوعظ والإرشاد وحض الناس على الجهاد. وكان يختلف مع الشيوخ الذين يركزون خطبهم ووعظهم على أركان العبادة من صلاة وصوم وحج بينما الخطر الصهيوني يمتد بنيرانه اليهم. وكان يختلف مع المتحمسين والمتسرعين بإطلاق شرارة الجهاد، وكان يدعو للتريث وإعداد العدة جيداً قبل اعلان الثورة. فمكث حوالي عشر سنوات وهو يجهز ويحضر للثورة سراً. وبالرغم من ذلك فقد سمح الشيخ بقيام عمليات جهادية فردية من مجموعته في مناطق متفرقة من فلسطين خلال ثورة البراق وما بعد ثورة البراق وذلك لكسر حاجز الخوف وتطبيق التدريب على الأرض ومعرفة ردود الأفعال المتوقعة لدى كل الأطراف والتصعيد العملياتي للثورة بما يتناسب مع حجم وقوة العدة ولتهيئة الأجواء للثورة وإشعال روح الحماس والمقاومة واشعار العدو بعدم انطفاء شعلتها. وكانت مجموعته تقوم برحلات ليلية لتدريب المجاهدين في مناحي فلسطين بسرية تامة.
وبعد عشر سنوات من الإعداد والتنظيم السري والتعبئة المعنوية والمادية قرر الشيخ القسام إعلان الثورة على الإنكليز والصهاينة المستوطنين في عام 1935م. وقد ترافق ذلك مع ازدياد هجرة اليهود لفلسطين ووضوح النوايا الإنكليزية بتنفيذ وعد بلفور على الأرض والمخاطر التي كانت تهدد القدس والمسجد الأقصى. وتشكل مجلس القيادة الآول لمجموعة القسام من: عزالدين القسام قائداً ، والعبد قاسم، ومحمد زعرورة، ومحمد الصالح الحمد، وخليل محمد عيسى كمجلس للقيادة. وكانت القيادة جماعية تشاورية، وقد بلغ مجموع الأفراد حوالي 200 عنصر مسلح منتظم. وحوالي 800 من الأنصار غير المتفرغين والذين يقدمون الدعم اللوجستي للثوار. وأسست خمس وحدات وظيفية هي وحدة شراء السلاح، ووحدة التدريب ووحدة التجسس على العدو (وكان افراد هذه الوحدة ممن يعملون بدوائر حكومة الإنتداب وخاصة الشرطة العربية) ووحدة الدعاية والتعبئة للجهاد ووحدة الإتصالات السياسية والخارجية والتي طلبت الدعم من الكيانات العربية والشعبية ولم تتلق المتوقع منها. ومن الناحية المالية فقد كانت الحركة تعتمد على التمويل الذاتي من الأعضاء ومن المتبرعين الموثوق بهم. وكانت تطلب من كل عضو مشترك أن يسعى لتزويد نفسه اعتماداً على ممتلكاته من المجوهرات والموجودات عدا الأرض. وكانت تمحص العضو قبل انضمامه ولا تسمح لأي كان أن يدخل التنظيم الاّ بعد تمحيص وتدقيق عميق في ولائه لوطنه ولدينه ولهويته العربية. ومع الاعلان عن نفسها وثورتها كانت تمتلك حواي الف قطعة سلاح.
مع ازدياد الرصد والمراقبة له ولجماعته من الثوار من قبل البريطانيين قرر الشيخ الخروج مع مجموعته والإستقرار في جبال فلسطين بعد أن باع منزله وباع رفاقه المجاهدين حلي ومجوهرات زوجاتهم لشراء السلاح. فاستقر في المثلث الفلسطيني الواقع بين جنين وطولكرم ونابلس، وصار هذا الجبل منطقة مؤرقة للمحتلين من العمليات الجهادية التي كانت تغير منه ويشهد أنشطة مقاومة عنيفة أوقعت الخسائر الفادحة في صفوف المستعمرين والمستوطنين. من استهداف للضباط والقادة البريطانيين والصهاينة ونسف للقطارات التي تمد العدو بالعتاد والتموين ومهاجمة معسكرات الجيش البريطاني مع قتل اي عربي تثبت خيانته واتصله المريب بالمستعمرين والمستوطنين، ودعمه لوجود المحتلين أو بيعه أراض للجمعيات اليهودية.
استمرت الأوضاع على هذا النحو حتى فجر يوم 20 تشرين الثاني 1935م بعد أن فقد القائد القسام ومجموعته عنصر المفاجأة أثناء تخطيطهم للهجوم على مستعمرة" بيت إلفا" الصهيونية. وعلى الفور قامت قوات بريطانية مسلحة من 400 عنصر من العسكريين والشرطة العربية التي وضعت بالمقدمة بحصار مقر القسام ومعه عشرة من رفاقه في أحراش بلدة "يعبد" قضاء جنين، ورفضوا الإستسلام، ودارت معركة غير متكافئة بين الجانبين استمرت أربع ساعات وسط دوي هائل من الرصاص وقذائف الطيران المحلق على ارتفاع قليل عن الأرض. واسفرت المعركة عن استشهاد الشيخ القسام ورفاقه يوسف عبد الله الزيباوي وسعيد عطية المصري ومحمد ابو قاسم خلف والقت القوات البريطانية القبض على ستة آخرين منهم "نمر السعدي، وأسعد المفلح، وعربي بدوي، ومحمد يوسف وأحمد جابر، وحسن الباير" فيما تمكن اثنان من الفرار ، وقتل من العدو 15 شرطي وعسكري بريطاني بينما لم يعترف البريطانيون الا بمقتل عسكري واحد. وبعد استشهاد القسام وبعض من رفاقه تولى إكمال المسيرة ما تبقى من الجماعة. وكانت ثورة القسام مقدمة لاشتعال الثورة الشاملة في فلسطين عام 1936م وخاصة بعد عملية "عنبتا – نور الشمس" في منتصف نيسان 1936م والتي قادها القائد الجديد للجماعة الشيخ "فرحان السعدي". وظل نشاط الجماعة مستمراً أثناء ثورة 1936م التي انضم جزءٌ منهم اليها وبقي آخرون مستمرين في التنظيم وقاموا بعملية مشهورة في ايلول عام 1937م وهي اغتيال الجنرال "أندروز" الحاكم العسكري البريطاني لمنطقة الجليل.
ويمكن تقسيم ثورة القسام الى أربعة مراحل متتابعة
المرحلة الآولى: الإعداد النفسي والتعبوي للمقاومة والجهاد ضد المحتلين وامتدت من عام 1922 الى عام 1925م.
المرحلة الثانية: بدأت عام 1925م تأسيس حلقات جهادية ودعوية سرية (خلايا) بحيث لا تزيد الحلقة عن خمسة أشخاص يرأسهم نقيب وكان كل شخص يدفع اشتراك حسب طاقته لا يقل عن عشرة قروش شهرياً.
المرحلة الثالثة: مرحلة الجهاد السري الفردي ضد الإنكليز واليهود المتصهينين بعمليات فردية وبدأت من عام 1932م.
المرحلة الرابعة : إعلان الثورة عام 1935م بخروجهم من مدينة حيفا الى الجبال والأحراش في منطقة المثلث.
هذه هي سمات القائد الذي يتقدم الصفوف أثناء المعركة ويكون أول المستشهدين. ويضحي بروحه فداءً للواجب ومطلباً للشهادة في سبيل الله. وليست القيادة خطباً وشعارات مرفوعة وزج المجاهدين في اتون المعركة والإختباء من ورائهم لإلقاء الخطب الحماسية والشعارات. وليست القيادة الحرص على السلطة والجاه والمال المتحقق لغرض التحرير. لقد كانت ثورة القسام ثورة اسلامية حقة على غرار السلف الصالح، رجال وهبوا أنفسهم وقدموا أرواحهم على أكفهم فداءً لله والوطن. لا فرق في المقاومة بين القائد والمقاتل، القيادة قدوة للمقاتلين في أرض المعركة، يتقدمون الصفوف ولا يخشون ضياع السلطة والتحكم والسيطرة لأن الأمة ولاّدة للمقاتلين من القادة والأفراد.
من فرسان بني كنعان نذكر الأسماء التالية:
الشيوخ :محمد الحنفي وعلي الحاج عبيد قدموا مع الشيخ القسامم من جبلة/سوريا
الشيخ: عطية أحمد عوض من قرية الشيخ قضاء حيفا
الشيخ: يوسف الزيباوي من قرية الزيب
الشيخ: محمد حنفي أحمد من القاهرة
الشيخ : حسن الباير: من قرية برقين
الشيخ : فرحان السعدي من قرية المزار
الشيخ: نمر السعدي من شفا عمرو
الشيوخ: صالح طه، أحمد التوتة، نايف المصلح، محمد الغزلان، علي ابراهيم زعرورة من صفورية
الشيخ: محمود سالم المخزومي من قرية زرعين
الشيوخ: ناجي ابو زيد، أحمد جابر، محمود الخضري، داود الخضري، سرور بن برهم، محمد الخالدي واخووه خالد من حيفا
الشيخ: رشيد عبيد (ابو درويش) من طيرة حيفا
الشيخ: يوسف ابو درة من سيلة الحارثية
الشيوخ: محمد الصالح، وعبد الفتاح من سيلة الظهر
الشيوخ: عارف الحمدان، عربي بدوي من جنين
الشيخ: محمد الحلحولي من حلحول
الشيوخ: عبد الله يوسف، توفيق الزبري من عرابة
الشيخ: عبدالله من كفر دان
الشيخ: معروف حجازي من يعبد
الشيخ: محمد ديراوي من دير ابو ظعيف
الشيخ: نايف الزغبي من قرية سولم
الشيخ: محمد ابو جعب من قباطية
الشيخ: عبدالله عقيلة من عبلين
الشيخ: عبد القادر علي من عرعرة
الشيوخ: محمد العبد موسى، سليمان (ابو علي) من سمسم /غزة
الشيخ: الحاج حسين حمادة من إجزم
الشيخ: ابو علي مزرعاوي من قرية المزرعة
بقلم أحمد ابراهيم الحاج
12/1/2011م
مقدمات لثورة 1936الشاملة
- ثورة الشيخ القسام -
.....................................
بعد ثورة البراق اتسمت الثورة الفلسطينية على الإستعمار والصهيونية بالصبغة القومية العربية تحت المظلة الإسلامية، وهذا ما يثبت عدم تناقض التوجهات القومية العروبية والتوجهات الإسلامية إن أخلصت النوايا، وكانت هذه التوجهات تصب في هدف واحد شعاره المصالح الوطنية الجغرافية والهوية التاريخية للأرض العربية، التي تأوي شعباً متوائماً ومتناسقاً في لغته وحضارته ومعتقداته مهما اختلفت. شعباً متعدد الأطياف لكنه يستظل بمظلة واحدة. لأنه منذ عام 1929م الى عام 1948م وبعد تكشف النوايا البريطانية في تنفيذ وعد بلفور صار صراع وجود مع محتل ينوي الإستيطان ويهدد بقية الجغرافية العربية في مخططاته وطموحاته، مما يصيب المشروع العربي في مقتل. أصبح المحتل والمستعمر يهددان سكان فلسطين العرب بالتهجير والتصفية والإحلال، وذلك لتغيير هوية الأرض وتاريخها العربي الأصيل. ولم يقتصر الجهاد والكفاح والنضال الشعوبي الوطني العربي على تحرير فلسطين الوطن، بل امتد ليكون صراعاً قومياً على هوية فلسطين سيمتد تهديده الى ما بعد فلسطين من الجوار وغير الجوار العربيين. لذلك وبالرغم من الإحتلالات الإستعمارية التي كانت تعاني منها الدول العربية هبت النجدات الشعبية العربية لفلسطين من المتطوعين العرب قوميين وإسلاميين لهدف واحد هو إفشال مخطط الصهيونية والإستعمار العالمي المتمثل في زرع كيان غريب في خاصرة الأمة للقضاء على هويتها وطمس تاريخها. ومن هذا المنطلق كانت بلاغات الثوار في فلسطين في الفترة ما بين عامي 1936 و 1939م تصدر باسم "القيادة العامة للثورة العربية في فلسطين". لقد كانت مشكلة الفلسطينيين أعقد وأصعب من مشاكل المحيط العربي. فإن كان المحيط العربي يعاني من محتل مستعمر لا بد وأن يرحل في يوم ما عندما تفوق خسائره أرباحه من جراء الإحتلال ، الاّ أن فلسطين كانت تعاني من محتل مستعمر يسعى لتوريث البلد الى عصابات قادمة من شتات العالم لتستوطن في فلسطين على حساب ساكنيها. فكان الضغط والقهر على الفلسطيني يفوق بكثير الضغط الذي يعاني منه قرينه العربي في المحيط العربي.
قدم فارس هذه المرحلة الشيخ عز الدين القسام من بلدته جبلة في محافظة اللاذقية مع بعض رفاقه بعد فشل ثورة السوريين في دحر الإستعمار الفرنسي، وكان قد تخرج من الأزهر وعاصر تجارب المقاومة في مصر ضد الإستعمار البريطاني خلال دراسته ، كما دعم الليبيين في ثورتهم ضد الإستعمار الإيطالي، وكذلك ساهم في مساندة ثورة عمر البيطار ضد الإحتلال الفرنسي لسوريا (ثورة جبل صهيون) من عام 1919 الى عام 1920م. وحكم عليه المستعمر الفرنسي بالإعدام. فقدم الى فلسطين عام 1921م وجدد المستعمر الفرنسي عليه حكم الإعدام غيابياً. واتخذ مسجد الإستقلال في الحي القديم في حيفا مقراً له. واستقطب أهل الحي بدعواته الدينية وخطبه. ثم اتخذ من قرية الياجور قرب حيفا مقراً له ولجأ معه من رفاق الجهاد الشيخ محمد الحنفي والشيخ علي الحاج عبيد، وكان يعلم فقراء الحي من الفلاحين في دروس ليلية ويقوم بزيارة الناس لتوعيتهم ويساهم في محو الأمية المتفشية في ذلك الوقت مما أكسبه حب الناس وتقديرهم وزاد من شعبيته في المنطقة. والتحق بالمدرسة الإسلامية بحيفا ثم بجمعية الشبان المسلمين هناك حتى أصبح رئيساً لها عام 1926م. وقد قام خلال تلك الفترة بالتعبئة المعنوية للتحضير لثورة جهادية ضد المحتلين والمستوطنين من الصهاينة، وكان يطوف مساجد الفلاحين في منطقة شمال فلسطين ويحيي ويذكي فيهم روح المقاومة والجهاد لطرد المستعمرين المحتلين. وبدأ بجمع المال والسلاح تجهيزاً لإطلاق الجهاد المسلح ضد المستعمر. كان لا يثق بالإنكليز واشتهر بمقولته المشهورة "من جرَّب المُجرَّب فهو خائن" لذلك عندما نوى اليهود احراق مسجد الإستقلال بحيفا رفض دعوات البعض الإستعانة بالإنكليز لثني اليهود عن هدفهم بل أشار الى أننا سنحمي المسجد بدمائنا. وفي إحدى خطبه، كان يخبؤ سلاحاً تحت ثوبه فرفعه أثناء الخطبة وقال للمصلين " من كان منكم يؤمن بالله فليقتن مثل هذا". فأخذه الإنكليز مباشرة الى السجن وتظاهر الناس لإطلاق سراحه وأضربوا إضراباً عاماً. وفي خطبه كان يقول للناس "هل أنتم مسلمين؟ فيجيب هو ويقول "لا" ثم يقول للناس " إن كنتم مؤمنين فلا يقعدن أحد منكم بدون سلاح وجهاد". ومن أقواله المشهورة في خطبه التعبوية " رأيت شباناً يحملون المكانس بالشوارع، هؤلاء مدعون لحمل البنادق، ورأيت شباناً يحملون الفرشاة لمسح أحذية الأجانب، هؤلاء مدعون لحمل المسدسات لقتل هؤلاء الأجانب". وكان يحث الناس على شراء السلاح للجهاد ويفضله على الصرف لزخرفة المساجد. وكان يتصل بمعظم الناس بصفته مأذوناً شرعياً وخطيباً بليغاً مؤثراً ولا يفوت فرصة للوعظ والإرشاد وحض الناس على الجهاد. وكان يختلف مع الشيوخ الذين يركزون خطبهم ووعظهم على أركان العبادة من صلاة وصوم وحج بينما الخطر الصهيوني يمتد بنيرانه اليهم. وكان يختلف مع المتحمسين والمتسرعين بإطلاق شرارة الجهاد، وكان يدعو للتريث وإعداد العدة جيداً قبل اعلان الثورة. فمكث حوالي عشر سنوات وهو يجهز ويحضر للثورة سراً. وبالرغم من ذلك فقد سمح الشيخ بقيام عمليات جهادية فردية من مجموعته في مناطق متفرقة من فلسطين خلال ثورة البراق وما بعد ثورة البراق وذلك لكسر حاجز الخوف وتطبيق التدريب على الأرض ومعرفة ردود الأفعال المتوقعة لدى كل الأطراف والتصعيد العملياتي للثورة بما يتناسب مع حجم وقوة العدة ولتهيئة الأجواء للثورة وإشعال روح الحماس والمقاومة واشعار العدو بعدم انطفاء شعلتها. وكانت مجموعته تقوم برحلات ليلية لتدريب المجاهدين في مناحي فلسطين بسرية تامة.
وبعد عشر سنوات من الإعداد والتنظيم السري والتعبئة المعنوية والمادية قرر الشيخ القسام إعلان الثورة على الإنكليز والصهاينة المستوطنين في عام 1935م. وقد ترافق ذلك مع ازدياد هجرة اليهود لفلسطين ووضوح النوايا الإنكليزية بتنفيذ وعد بلفور على الأرض والمخاطر التي كانت تهدد القدس والمسجد الأقصى. وتشكل مجلس القيادة الآول لمجموعة القسام من: عزالدين القسام قائداً ، والعبد قاسم، ومحمد زعرورة، ومحمد الصالح الحمد، وخليل محمد عيسى كمجلس للقيادة. وكانت القيادة جماعية تشاورية، وقد بلغ مجموع الأفراد حوالي 200 عنصر مسلح منتظم. وحوالي 800 من الأنصار غير المتفرغين والذين يقدمون الدعم اللوجستي للثوار. وأسست خمس وحدات وظيفية هي وحدة شراء السلاح، ووحدة التدريب ووحدة التجسس على العدو (وكان افراد هذه الوحدة ممن يعملون بدوائر حكومة الإنتداب وخاصة الشرطة العربية) ووحدة الدعاية والتعبئة للجهاد ووحدة الإتصالات السياسية والخارجية والتي طلبت الدعم من الكيانات العربية والشعبية ولم تتلق المتوقع منها. ومن الناحية المالية فقد كانت الحركة تعتمد على التمويل الذاتي من الأعضاء ومن المتبرعين الموثوق بهم. وكانت تطلب من كل عضو مشترك أن يسعى لتزويد نفسه اعتماداً على ممتلكاته من المجوهرات والموجودات عدا الأرض. وكانت تمحص العضو قبل انضمامه ولا تسمح لأي كان أن يدخل التنظيم الاّ بعد تمحيص وتدقيق عميق في ولائه لوطنه ولدينه ولهويته العربية. ومع الاعلان عن نفسها وثورتها كانت تمتلك حواي الف قطعة سلاح.
مع ازدياد الرصد والمراقبة له ولجماعته من الثوار من قبل البريطانيين قرر الشيخ الخروج مع مجموعته والإستقرار في جبال فلسطين بعد أن باع منزله وباع رفاقه المجاهدين حلي ومجوهرات زوجاتهم لشراء السلاح. فاستقر في المثلث الفلسطيني الواقع بين جنين وطولكرم ونابلس، وصار هذا الجبل منطقة مؤرقة للمحتلين من العمليات الجهادية التي كانت تغير منه ويشهد أنشطة مقاومة عنيفة أوقعت الخسائر الفادحة في صفوف المستعمرين والمستوطنين. من استهداف للضباط والقادة البريطانيين والصهاينة ونسف للقطارات التي تمد العدو بالعتاد والتموين ومهاجمة معسكرات الجيش البريطاني مع قتل اي عربي تثبت خيانته واتصله المريب بالمستعمرين والمستوطنين، ودعمه لوجود المحتلين أو بيعه أراض للجمعيات اليهودية.
استمرت الأوضاع على هذا النحو حتى فجر يوم 20 تشرين الثاني 1935م بعد أن فقد القائد القسام ومجموعته عنصر المفاجأة أثناء تخطيطهم للهجوم على مستعمرة" بيت إلفا" الصهيونية. وعلى الفور قامت قوات بريطانية مسلحة من 400 عنصر من العسكريين والشرطة العربية التي وضعت بالمقدمة بحصار مقر القسام ومعه عشرة من رفاقه في أحراش بلدة "يعبد" قضاء جنين، ورفضوا الإستسلام، ودارت معركة غير متكافئة بين الجانبين استمرت أربع ساعات وسط دوي هائل من الرصاص وقذائف الطيران المحلق على ارتفاع قليل عن الأرض. واسفرت المعركة عن استشهاد الشيخ القسام ورفاقه يوسف عبد الله الزيباوي وسعيد عطية المصري ومحمد ابو قاسم خلف والقت القوات البريطانية القبض على ستة آخرين منهم "نمر السعدي، وأسعد المفلح، وعربي بدوي، ومحمد يوسف وأحمد جابر، وحسن الباير" فيما تمكن اثنان من الفرار ، وقتل من العدو 15 شرطي وعسكري بريطاني بينما لم يعترف البريطانيون الا بمقتل عسكري واحد. وبعد استشهاد القسام وبعض من رفاقه تولى إكمال المسيرة ما تبقى من الجماعة. وكانت ثورة القسام مقدمة لاشتعال الثورة الشاملة في فلسطين عام 1936م وخاصة بعد عملية "عنبتا – نور الشمس" في منتصف نيسان 1936م والتي قادها القائد الجديد للجماعة الشيخ "فرحان السعدي". وظل نشاط الجماعة مستمراً أثناء ثورة 1936م التي انضم جزءٌ منهم اليها وبقي آخرون مستمرين في التنظيم وقاموا بعملية مشهورة في ايلول عام 1937م وهي اغتيال الجنرال "أندروز" الحاكم العسكري البريطاني لمنطقة الجليل.
ويمكن تقسيم ثورة القسام الى أربعة مراحل متتابعة
المرحلة الآولى: الإعداد النفسي والتعبوي للمقاومة والجهاد ضد المحتلين وامتدت من عام 1922 الى عام 1925م.
المرحلة الثانية: بدأت عام 1925م تأسيس حلقات جهادية ودعوية سرية (خلايا) بحيث لا تزيد الحلقة عن خمسة أشخاص يرأسهم نقيب وكان كل شخص يدفع اشتراك حسب طاقته لا يقل عن عشرة قروش شهرياً.
المرحلة الثالثة: مرحلة الجهاد السري الفردي ضد الإنكليز واليهود المتصهينين بعمليات فردية وبدأت من عام 1932م.
المرحلة الرابعة : إعلان الثورة عام 1935م بخروجهم من مدينة حيفا الى الجبال والأحراش في منطقة المثلث.
هذه هي سمات القائد الذي يتقدم الصفوف أثناء المعركة ويكون أول المستشهدين. ويضحي بروحه فداءً للواجب ومطلباً للشهادة في سبيل الله. وليست القيادة خطباً وشعارات مرفوعة وزج المجاهدين في اتون المعركة والإختباء من ورائهم لإلقاء الخطب الحماسية والشعارات. وليست القيادة الحرص على السلطة والجاه والمال المتحقق لغرض التحرير. لقد كانت ثورة القسام ثورة اسلامية حقة على غرار السلف الصالح، رجال وهبوا أنفسهم وقدموا أرواحهم على أكفهم فداءً لله والوطن. لا فرق في المقاومة بين القائد والمقاتل، القيادة قدوة للمقاتلين في أرض المعركة، يتقدمون الصفوف ولا يخشون ضياع السلطة والتحكم والسيطرة لأن الأمة ولاّدة للمقاتلين من القادة والأفراد.
من فرسان بني كنعان نذكر الأسماء التالية:
الشيوخ :محمد الحنفي وعلي الحاج عبيد قدموا مع الشيخ القسامم من جبلة/سوريا
الشيخ: عطية أحمد عوض من قرية الشيخ قضاء حيفا
الشيخ: يوسف الزيباوي من قرية الزيب
الشيخ: محمد حنفي أحمد من القاهرة
الشيخ : حسن الباير: من قرية برقين
الشيخ : فرحان السعدي من قرية المزار
الشيخ: نمر السعدي من شفا عمرو
الشيوخ: صالح طه، أحمد التوتة، نايف المصلح، محمد الغزلان، علي ابراهيم زعرورة من صفورية
الشيخ: محمود سالم المخزومي من قرية زرعين
الشيوخ: ناجي ابو زيد، أحمد جابر، محمود الخضري، داود الخضري، سرور بن برهم، محمد الخالدي واخووه خالد من حيفا
الشيخ: رشيد عبيد (ابو درويش) من طيرة حيفا
الشيخ: يوسف ابو درة من سيلة الحارثية
الشيوخ: محمد الصالح، وعبد الفتاح من سيلة الظهر
الشيوخ: عارف الحمدان، عربي بدوي من جنين
الشيخ: محمد الحلحولي من حلحول
الشيوخ: عبد الله يوسف، توفيق الزبري من عرابة
الشيخ: عبدالله من كفر دان
الشيخ: معروف حجازي من يعبد
الشيخ: محمد ديراوي من دير ابو ظعيف
الشيخ: نايف الزغبي من قرية سولم
الشيخ: محمد ابو جعب من قباطية
الشيخ: عبدالله عقيلة من عبلين
الشيخ: عبد القادر علي من عرعرة
الشيوخ: محمد العبد موسى، سليمان (ابو علي) من سمسم /غزة
الشيخ: الحاج حسين حمادة من إجزم
الشيخ: ابو علي مزرعاوي من قرية المزرعة
بقلم أحمد ابراهيم الحاج
12/1/2011م
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 - 20:54 من طرف جنى ميرو
» صيانة سخانات في دبي 0543747022 emiratefix.com
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 - 19:53 من طرف جنى ميرو
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في عجمان 0543747022
السبت 16 نوفمبر 2024 - 23:43 من طرف جنى ميرو
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في عجمان 0543747022
السبت 16 نوفمبر 2024 - 23:11 من طرف جنى ميرو
» تصليح أفران في دبي 0543747022 emiratefix.com
السبت 16 نوفمبر 2024 - 22:15 من طرف جنى ميرو
» تصليح أفران في دبي 0543747022 emiratefix.com
السبت 16 نوفمبر 2024 - 22:11 من طرف جنى ميرو
» تصليح ثلاجات في دبي emiratefix.com 0543747022
السبت 16 نوفمبر 2024 - 0:11 من طرف جنى ميرو
» تصليح سخانات في دبي - 0543747022 (الشمسية و المركزية) emiratefix.com
الجمعة 15 نوفمبر 2024 - 20:33 من طرف جنى ميرو
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في الشارقة 0543747022
الأربعاء 13 نوفمبر 2024 - 21:30 من طرف جنى ميرو
» اداة ذكاء اصطناعي للباحثين وطلاب الدراسات العليا
الجمعة 26 أبريل 2024 - 11:23 من طرف Abd