منتديات خاراس الرسمية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

2 مشترك

    النحلة والجرادة والفلاح

    أحمد ابراهيم الحاج
    أحمد ابراهيم الحاج

    {{ كبار الشخصيات }}


    {{ كبار الشخصيات }}


    الجنس : ذكر
    البرج : الحمل
    عدد المشاركات : 231
    العمر : 72
    البلد : فلسطين - خاراس
    نقاط النشاط : 204
    الاعجاب : 4
    الدوله : فلسطين

    النحلة والجرادة والفلاح Empty النحلة والجرادة والفلاح

    مُساهمة من طرف أحمد ابراهيم الحاج السبت 22 يناير 2011 - 9:18

    النحلةُ والجرادةُ والفلاح

    ............................

    قدِمت نحلة الى بستان فلاح فلسطيني ، ولمّا رآها أخذ يطاردها ظنّاً منه أنها حشرةٌ ضارة بالمزروعات في البستان ، فلسعته النحلة في يده ، وتألمَ من لسعتها ، وعاد الى بيته ، وتورمت يده قليلاً ، وفي اليوم التالي شفيت يده من اللسعة ، وبعد ثلاثة أيام عاد الى البستان ، وفي عريشته بالبستان التي يستريح فيها ، نادته النحلة من على غصن ناشف في العريشة قائلة : يا صديقي الفلاح ، أعتذر لك عن لسعتي عندما حاولت أن تقتلني لتخلص البستان مني ، لقد تركت لك هدية تؤكل في العريشة على طرف جرة الماء لعلها تكون رسالة سلام بيني وبينك ، تذوقها وأخبرني النتيجة. فالتفت الفلاح الى الجرة فوجد عليها قرصاً صغيراً من الشمع ، وأمسك به ، فنظر بداخله فوجد سائلاً مترقرقاً لونه بني مائلٌ للحمرة ، وأدار القرص على فمه ، وتذوق السائل فوجده شراباً حلواً سائغاً فارتشفه حتى آخر قطرة ، وعجب من طعمه اللذيذ ، فسأل النحلة : من أين أتيت بهذا؟ فقالت له : استخرجته من رحيق أزهار بستانك ، وأعدْته لك عسلاً ، فقال الفلاح : أحقاً هذا هو العسل الذي و رد ذكره في القرآن الكريم ، فقالت نعم ، فقال لها : أريد المزيد ، ما رأيك أن ندخل في اتفاق ، أمنحك الإقامة في الحقل ، وتغدقي علي بالعسل شريطة أن لا تلسعيني مهما حدث بيننا من خلاف ، فردت النحلة: وكيف لي أن أغدق عليك بالعسل وأنا نحلة صغيرة لوحدي ، اسمح لي باستقدام اسرتي وعشيرتي وأهلي لنقيم بالحقل ، وحينها نستطيع الإغداق عليك بالعسل ، فقال الفلاح : أنا موافق شريطة أن لا أتحمل أية نفقات ، فردت النحلة : لن نحملك أية تكاليف ، نحن نأخذ ونعطي ، نأخذ الرخيص غير المكلف ونعطي الكثير الغالي ، ومقابل إقامتنا في بستانك سندفع لك أجراً مجزياً. أما بالنسبة الى اللسع ، فسوف أعمل جهدي مع أتباعي من النحل أن لا يقدما على لسعك ولسع اسرتك وأهلك وأنت بالمقابل أن تفهم اسرتك وأهلك أن لا يتعرضوا لنا بالمطاردة والإيذاء أو المزح باللعب معنا ، لأننا قوم جادون لا نتحمل المزاح. ولا أضمن لك كل عشيرتي ، فكل عشيرة فيها الجاهل والضال والمنحرف وأصابعك في يدك مختلفة ، وبالمقابل سوف أتجاوز عن زلات الجهلة والضالين والمنحرفين من أهلك. فقال الفلاح : أنا موافق على كل طلباتك فلندخل في مرحلة التنفيذ فوراً وكأنه أُخِذ بطعم العسل ويريد المزيد ليطعم أهله وذويه وجيرانه وأقاربه وأهل بلده.

    واستقدمت النحلةعشيرتها من الملكة الى الذكور والعاملات من العراء ، وسكنت بالحقل ، وبدأت بالتكاثر والعمل والإنتاج. وعاد الفلاح الى الحقل في أحد الأيام ، وذهب الى بيت النحل يستطلع الأوضاع ليقف على وفاء النحل ببنود الإتفاق ، فوجد كمية من العسل ، وبينما هو يقوم باستخراج العسل لسعته نحلة يافعة صغيرة بالسن، وفرك يده ، وشعر بألم بسيط وشفي منها ، وخاطبته النحلة قائلة ، أنصحك بأن تلبس كفوفاً واقية ليديك ، وقناعاً واقياً لوجهك وعينيك لأنني لا أضمن كل عشيرتي. وتأمل الفلاح في خلية النحل مندهشاً ، ما هذا النظام ، وتبادل المهام والتنسيق المحكم والعمل الدؤوب والإختصاص والإلتزام وتوزيع الأدوار ، كأنه تلميذ في درس يستمع الى أستاذ متخصص في علم التربية والإجتماع والإقتصاد والإدارة والدفاع ، ما هذا المجتمع البديع في تآلفه وانسجامه وتوافقه وإنتاجه وتربيته. وقال في نفسه مبهوراً :حقاً لقد أراد الله أن يعلمنا بمخلوقاته كيف نعيش!! ألم يعلم الله من الغراب كيف يدفن الإنسان أخاه الميت ليحفظ كرامته من وحوش الأرض؟ سبحانك اللهم آمنت بالله العظيم. وعاد الى بيته يحمل عسلاً لأسرته. وتمر الأيام ويتكاثر الإنتاج ، وأصبح الفلاح يطعم جيرانه وأقاربه ، ويبيع من العسل ويكسب منه ما يساعده في تلبية متطلبات الأسرة. وأصبح ميسور الحال. وبعد تحول الأزهار الى ثمار ، قل الإنتاج ، فقال الفلاح للنحلة معاتباً : لماذا قل انتاج العسل ، انني أرى نقضاً للعهد وللإتفاق ، فردت النحلة: يا عزيزي الفلاح ، نحن نتغذى من رحيق الأزهار في الربيع ، وجاء موسم قطف ثمار المحصول الزراعي ، وقل غذاؤنا ، ونعيش على رحيق الزهر الناشف المخزن ، فأن أردت الإنتاج فأحضر لنا طعاماً يعوض النقص في الرحيق ، فقال الفلاح : وما هو هذا الطعام ، فقالت النحلة قليلاً من السكر ، ولكن أحذرك من أمر ، فقال الفلاح وما هو فقالت النحلة : إن العسل الناتج من هذا الطعام لا يرقى بجودته للعسل الطبيعي ، ولا تحاول أن تغش الناس وتقول لهم إنه عسل صافي ، يمكنكم أن تتغذوا عليه ولكن ليس فيه شفاء للناس. فعجب الفلاح من صدق النحلة وإخلاصها ، وأحضر كمية من السكر وأذابها بالماء وقدمها للنحل طعاماً يساعد في المحافظة على مستوى الإنتاج.

    ومرت السنون والحال يزداد يسراً وخيراً والنحل يوفي بالتزاماته وتعهداته ، والفلاح صادق في تعاملاته مع الناس ، يبين لهم أصل العسل ، ولا يغشهم. وحلت البركة في البستان والعسل ، وعاش الفلاح سعيداً ومقتنعاً وهاديء البال.

    وفي أحد الأيام ، جاء الفلاح للحقل ، فوجد على باب العريشة جرادتين تتناجيان ، ذكر وانثى يتغازلان ، فطاردهما الفلاح ، وأمسك بالأنثى دون أن تلسعه ، بل عضته عضة خفيفة لم يشعر بها ولم تؤلمه، وفر الذكر ، وجاءت النحلة تصفق له فرحاً ، وقالت للفلاح : لقد عملت خيراً لك ولنا ، لا تترك هذه الأنثى تفقس ، خذها الى البيت ، واقليها وكلها ، إن طعمها لذيذ ، فلو تركتها لفقست جراداً كثيراً ، ولأكل هذا الجراد الحرث والزرع وأضر بالنسل ، وسبب لك ولنا مجاعة ، إنه يتغذى على المزروعات من جذرها الى زهرها وثمرها ، فيجتثها من الأرض ، ويشوهها ويسبب لها الإعاقة المستديمة القاتلة ويمنعها من النمو ، وإن عادت ونمت عاد وأكل ما ينمو ، ولا تأخذه في النبات رحمة أو لومة لائم. وإن بقي الذكر لوحده فلن يتكاثر ، وسوف ندافع عن البستان ونمنعه من أكل الزرع والزهر والثمر. ربما نسمح له بأكل ورقة في اليوم ليحافظ على حياته ، ولن نتسبب في قتله ، فلا يضرك ولا يضرنا ما دام لا يتكاثر. ولن يؤثر على اتفاقنا. فنتركه حتى يهرم ويموت ميتة ربه.

    عاد الفلاح الى بيته وبيده الجرادة ، وفصل رأسها وأجنحتها وقلاها بالزيت ، وأكلها فاستحسن طعمها ، وقال في نفسه ، إن الجراد لا يلسع كالنحل ، وطعمه لذيذ ، ربما يكون أفضل من النحل ، وتذكر يوماً ابنه الصغير الذي تركه يلهو في الحقل دون أن يحذره من لسع النحل ، فلسعته نحلة في طرف عينه وكادت أن تسبب له فقدان البصر. فحسب الأمور بطريقة عاجلة وهو يتذوق طعم الجرادة ، وسيطرت عليه الغريزة في غياب للعقل والحكمة وفي ظل استذكار لسع النحل له ولولده ، فقرر أن يعود للحقل ويتفاهم مع ذكر الجراد في اتفاق يؤمن له مزيداً من الجراد في الحقل. وافق ذلك مع موسم قحط حل على البلاد شحت فيه الأمطار وكثرت فيه الأعاصير والعواصف ، وقل إنتاج النحل من العسل. وبينما هو يبحث في الحقل وجد ذكر الجراد على نبتة يقضم الورقة المسموحة له من النحل. فخاطبه الفلاح قائلاً: ما رأيك أن أبحث لك عن زوجة وتسكنا في الحقل ، وتتكاثرا بشرط ، فقال ذكر الجراد : وما هو هذا الشرط ؟ فرد الفلاح : في كل مرة يفقس البيض آخذ أنا نصف الفراخ بعد تسمينها وأترك النصف الآخر لكم ، فقال الجراد: موافق ، ولن أكلفك بالبحث عن زوجة لي ، فأنا أحب جرادة تعرفت عليها في الحقل المجاور ، وأجلنا زواجنا بعد انتهاء فترة الحداد على زوجتي التي اختطفتها. وسمعت النحلة ما دار بين الفلاح والجراد ، وجاءت مسرعة ونادت الفلاح قبل أن تصل : أيها الفلاح ، سمعت ما دار بينك وبين الجراد من اتفاق ، وأود أن أبيِّن لك رأيي بصفتي شريكة في اتفاق معك ، فقال الفلاح : قولي يا حكيمة وهات ما عندك ، فقالت النحلة: أنا فيَّ قليل من الشر ، وكثير من الخير ، وفي الجراد قليل من الخير وكثير من الشر ، فيّ سمٌّ قليل غير قاتل ، وعسلٌ كثير فيه الخير والغذاء الشافي ، فيَّ ديمومة الإنتاج وقلة الضرر وفي الجراد ديمومة الإستهلاك وكثرة الضرر ، وأضيف لمعلوماتك إن في سمّي شفاءٌ لبعض الأمراض وبتنقلي بين الأزهار أساعد على تلقيح النباتات فيزيد الإنتاج والثمر. وأشغل حيزاً قليلاً من البستان . وبالتالي فإن ضرري فيه نفع وشفاء. وأريد أن تخبرني من الآن حتى أعدّ للأمر عدّته ، فأنا والجراد متناقضان لا نتفق ، فإن اخترت الجراد ، فسوف أرحل عن الحقل ، الجراد يتكاثر بسرعة مذهلة ، ويهلك الزرع ، وليس لي حياة معه في بستانك ، لذا فإن اختيارك للجراد فيه نقض للإتفاق معي ، وسأبحث عن مكان آخر في بلدٍ آخر ، لأن الجراد إن حل في بلد سوف يخرب كل بساتينها وزرعها ونبتها ، ويقطع أرزاق العباد والمخلوقات الأخرى .

    وهنا تناسى الفلاح الدروس والخير الذي عاد عليه من النحل ، وتذكر طعم الجراد ، وقال في نفسه : النحلة تبحث عن مصلحتها الخاصة ، هذه النحلة الحشرة الصغيرة ، قصيرة الزبانة ، تريد أن تعلمني دروساً في الحياة. وقال لها عناداً واستكباراً : أنتخب الجرادة ، لا سم لها ولا زبانة ، وسئمت من عسلك وسمك ، أريد التغيير ، ببعدك يا نحلة ولا تلسعيني أو تلسعي أولادي. (بعسلك يا نحلة ولا تقرصيني) أبحثي لك عن بستان آخر. وقد تركّز تفكير الفلاح في هذه اللحظة بسم النحلة فقط ، ونسي عسلها في موسم قحطٍ خفت فيه الأمطار ، وأمحلت الأرض ، وضعف الزرع. وقل الإنتاج لعوامل المناخ التي تلف البستان. والرياح التي هبت عليه وأخذت معها كثيراً من الأزهار.

    وبدأ النحل في رحلة البحث عن مكان آخر ، واستقدم الجراد معشوقته الى البستان ، وتزوجا ، واستقرّا في بستان الفلاح. وبدءا بالتكاثر ، وفي أول وجبة أنجبا جيشاً من الجراد ، وأخذ الفلاح النصف بعد أن تسمَّن على زرع البستان الذي فقد نصف زرعه ، ولمّا حمل نصيبه من الجراد الى البيت ، وأراد طبخه ، هربت زوجته وأولاده من البيت ، فهم لا يستمرؤون أكله ، ودعى الجيران للوليمة ولم يستجب منهم أحد ، ودعى الأقارب واعتذر معظمهم عن أكل الجراد ، وبالتالي خاب ظنه في تسويقه وبيعه والإستفادة منه . فجلس ومعه نفر قليل يأكلون ، وزاد كثير من طعام الجراد ، ولم يجد من يأكله ، وأصيب بتخمة خانقة ، وشعر وكأنه محاصرٌ من الجيران والأهل ، يستغربون فيه أكل الجراد الذي لم يتعودوا عليه ولم يستطعموه.

    ذهب الى الحقل ، فوجد البستان خالياً وخاوياً على عروشه ، حتى عريشته من النبات الجاف لم يجدها ، ولم يستطع دخول البستان من كثرة الجراد وزحمته ، وجاء موعد الحصاد وقطف الثمار فلم يجنِ شيئاً. ذهب مسرعاً الى أهله ومستنجداً للتخلص من الجراد ، تذكر نصيحة النحلة له ، وذهب اليها في حقل بعيد يطلب منها العون في درء خطر الجراد والعودة للإتفاق ، فقالت له النحلة: كيف لي أن أعود لبستان يخلو من الزرع والنبات ، حرر بستانك من الجراد الذي انتخبته واخترته ، وازرعه من جديد ، وسوف أعود شفقة على حالك. ومن أجل العيش والملح الذي كان بيننا. فأنا حشرة أصيلة ، أحمل كثيراً من الخير ، وقليلاً من الشر دفاعاً عن نفسي من طلاب الشر في هذا العالم. وهام الفلاح على وجهه يطلب النجدة من هلاك بستانه ، وقال في نفسه ، ليت البستان يرجع الى وضعه القديم ، لا أريد نحلاً ولا جراداً. أريد حالاً مستوراً ، أسد فيه رمق جوع اسرتي ، أستغني عن العسل والجراد ، ولكنني لا أستغني عن القمح ، الذي منه رغيف الخبز ، ولا أستغني عن الزيت الذي يسري في عروقي وأدمنت وأسرتي عليه ، اللهم أعد لي بستاني كما كان ، اللهم إني لا أسألك عسلاً ولا جراداً ، بل أسألك قمحاً وزيتاً وبصلاً وحناناً وهدوءاً واستقراراً. وأنشد شعراً:

    لا نحلَ أبغي والجراد ُ كمثله أبغي رغيفاً والمياه ُ بقربهِ

    والزيتُ والزيتون رُحتُ بطعمهِ والثومُ والأبصالُ هِمتُ بعطرهِ

    اترك للقاريء أن يضع النقاط على الحروف ، وأن يستنتج بنفسه رمزية القصة. وأن يسقطها على الواقع الفلسطيني.ِ

    بقلم أحمد ابراهيم الحاج

    12 أيلول 2007
    |
    اياد النمراوي
    اياد النمراوي

    { مشرف }


    النحلة والجرادة والفلاح Stars15


    الجنس : ذكر
    البرج : الجدي
    عدد المشاركات : 2028
    العمر : 46
    البلد : الاردن
    نقاط النشاط : 982
    الاعجاب : 7
    المهنة : النحلة والجرادة والفلاح Accoun10
    الدوله : فلسطين

    البطاقة الشخصية
    my sms:

    النحلة والجرادة والفلاح Empty رد: النحلة والجرادة والفلاح

    مُساهمة من طرف اياد النمراوي السبت 22 يناير 2011 - 10:24

    مشكور جدا

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت 23 نوفمبر 2024 - 4:31