آمنة وخليل (الجزء السابع)
..........................................
أفرج عن عواد بكفالة "الدفا" المقدمة من أبي خليل نيابة عن أبي سليم ، وبدأ التحضير لجاهة الصلحة بين الخصوم ، وفي موعد الإستحقاق توجه وجهاء عائلة المجني عليه لديوان العائلة ومعهم رئيس المخفر ووجوه عشائر القرى المجاورة لاستقبال جاهة الصلحة وتحضير القهوة ، وتوجهت الجاهة برئاسة الشيخ سليمان أبو رحمة الى مختار عشيرة عواد حيث تجمع وجهاء العشيرة هناك ومعهم عواد ، فطلبوا من عواد أن يلف على رقبته حطة بيضاء (كوفية) دلالة على الإعتراف بالذنب وطلب السلام (الراية البيضاء) ، ثم توجه أعضاء الجاهة ومعهم عواد ومختار ووجوه عشيرته ومعهم الذبائح الى ديوان عشيرة ابي خليل ، وكان عواد بالحطة البيضاء الملفوفة على رقبته يمشي خلف رئيس الجاهة وفي حمايته ، وصلت الجاهة الى الديوان يتقدمها رئيس الجاهة ، فقام الحاضرون في الديوان (وجوه عشيرة ابي خليل ومختارهم) لاستقبالهم والترحيب بهم ، وجلس رئيس الجاهة في صدر الديوان على فرشة مميزة بعلوها ومحاطة بالوسائد ، وبكارج القهوة والفناجين في المنتصف ، وبدأت مراسيم الصلحة كالتالي:
1. استهلت مراسيم الصلحة بآيات من القرآن الكريم رتلها شيخ مسجد القرية.
2. تحدث مختار عشيرة المجني عليه ورحب بالجاهة وشكرها على جهودها لرأب الصدع بين الإخوان واجراء المصالحة بين الأطراف المتخاصمة وأبدى استعداد عشيرته للصلح بقلب مفتوح وندد بالعمل الشائن الذي قام به عواد وآثاره السلبية على المجني عليه وعلى عموم أهل البلد.
3. ثم تحدث رئيس الجاهة الشيخ سليمان أبو رحمة وشكر عشيرة المجني عليه على تنازلهم عن الحق العام وعلى استعدادهم للصلح والتسامح ونبذ الخلافات وإثارة النعرات والعصبيات واستشهد على حديثه بآيات من القرآن الكريم. وطلب من الحاضرين كفيل وفا نيابة عن الجاني ، وذلك لكفالة الجاني بدفع ما يترتب عليه من مال أو عين عند النطق بالحكم من قبل رئيس الجاهة. فقام شيخ قبيلة السماحين وقال : أنا كفيل الوفا ووجهي عليها.
وبعد دراسة حيثيات المشكلة وآثارها على المجني عليه والتفاوض معه قبل الجاهة نطق الشيخ أبو رحمة بالحكم على عواد بما يلي :
4. تقديم اعتذار عن الفعلة الشائنة للجاني من قبل مختار عشيرة عواد نيابة عنه وعن كل العشيرة موجهاً إعتذاره الى عشيرة المجني عليه وطلب العفو والسماح والتسامح.
5. يقوم الجاني (عواد) بإعلان التوبة عن مثل هذه الأعمال والجرائم الشائنة ويتعهد بإنفاذ حيثيات الحكم الصادر عليه ويضع نفسه تحت تصرف المجني عليه طالباً منه السماح والعفو.
إعتذر مختار عشيرة عواد باسم عشيرته عن فعلة الجاني من عشيرته ، ثم قام عواد وأعلن التوبة وحبّ (باس) على رأس ابي سليم.
قدّر رئيس الجاهة قيمة الضرر الذي وقع على الجاني بسبعين دينار يدفعها الجاني للمجني عليه لقاء حرقه البيدر وذلك لتعويضه عن الأضرار التي لحقت به.
6. قام مختار عشيرة عواد وأخرج من جيبه المبلغ المطلوب وسلمه لرئيس الجاهة الذي بدوره قام بعده وتسليمه لمختار عشيرة المجني عليه.
نادوا خليل لكتابة بنود المصالحة والتي تنص على ما يلي: أ) قبول مبدأ الصلح وسيره على الجميع ب) تعويض المتضرر بمبلغ سبعين دينار وإقراره باستلامها ج) التزام جميع الأطراف ببنود الصلح وسقوط أي حق قضائي لجميع الخصوم. وقام جميع الأطراف مع الشهود بالتوقيع على وثيقة الصلح وتسليم رئيس المخفر نسخة منها.
7. قام خليل بقراءة بنود الصلح على مسامع الحاضرين جميعاً بصوت عالٍ
8. طلب رئيس الجاهة من الجميع قراءة الفاتحة على الصلح وبعدها أذِن للحاضرين بشرب القهوة وذبح الذبائح.
9. قام مختار عشيرة عواد بتقديم الشكر للجاهة ولعشيرة المجني عليه على كرمهم وعفوهم وتسامحهم وحسن ضيافتهم.
10. قاموا بشرب القهوة وذبح الذبائح والغداء على شرف الجاهة وتمت المصالحة وعاد عواد لدكانه نادماً على فعلته الشائنة ، وعم السلام بين الإخوان.
وفي الليلة التي عقبت يوم الجاهة اتخذ ابو خليل ركن البيت وكان صافناً قليل الكلام على غير عادته ، مما دعا ام خليل الى ترك أعمال البيت والجلوس معه لتستطلع ما يكدر صفوه ، وقالت له : خير يا ابو خليل ، هذي مش عوايدك تقعد ساكت وصافن ، شو في يا زلمة ، شدهت بالي ، والله ماني عارفه اشتغل ، فرد ابو خليل متأوهاً وقال : أوف ، والله اليوم رفعت راسي بخليل قدام هالمشايخ ، صدق اليّ قال العلم نور ، عواد تصالح مع ابو سليم وأنا وابني مش صفا ، صحيح سلّم عليّ يوم الجاهة وباس ايدي ثلاث مرات ، بس في حاجز بيني وبينه ، واغرورقت عيناه بالدموع ، وقالت ام خليل وقد سالت الدموع على خديها ، إنت الكبير يا ابو خليل قاعد بتحل مشاكل الناس وناسي ابنك ، طيّب خليه على راحته ، هو حر في نفسه يا زلمة ، أي والله لو يدري إنك بتقبل ييجي على الدار الاّ يطير من الفرح ، هذا ابنّا يا معّوَّد يعني نرميه ونتخلى عنه ، وبعدين لا هو هامل ولا هو عاطل ، وبحبك وبريدك وبحترمك ، والكل في البلد بحلف بحياته ، لأنو طالع لك شهم وكريم ونشمي ، فقال ابو خليل مزهواً بنفسه : والله كان نفسي أشوف اولاده قبل ما اشوف اولاد اخوته الصغار لأنه الكبير. فقالت ام خليل : إن شاء الله تشوف اولاده واولاد اولاده وطولة العمر إلك ، ورح يشرفك وتفتخر فيه بكرة لما يجيب الشهادة ، رد عليّ وخليه ييجي الدار بدي أروح أعملّك الشاي يا تاج راسي ، فقال ابو خليل متأثراً بمغازلة أم خليل ومدفوعاً بعواطف الأبوة التي يخفيها بداخله ولا يتظاهر بها خوفاً من نقصان هيبته في البيت ، خليه ييجي ، وحالاً أرسلت ام خليل ابنها الصغير يخبر أخاه خليل للقدوم للدار ، ولم يصدق خليل الخبر فجاء على عجلة من أمره ، فدخل الدار وعمد والده وانحنى له يقبل يديه ، واحتضنه والده وصار الجميع يبكي من فرحة اللقاء ومن جفوة الماضي غير المبررة ، وتم الصلح بين خليل ووالده الذي تعهد له بمصاريف الدراسة وقال له : في مانع تتزوج وانت تدرس يا بنيي ، فرد خليل : إن شاء الله يابا بصير خير ، توكل على الله ، الجيزة ملحوق عليها بس العلم إن فات قطاره ما برجع بسهولة. وعاد خليل للدار واحداً من العائلة لكنه استبقى السقيفة مسكناً له للدراسة. فكر ابو سليم في عزومة لأبي خليل وعائلته نظراً لمواقفه المشرفة معه ، وللتعبير عن إعتذاره لخليل نتيجةً لتصديقه ما ادعّى به عواد ضده ، وجفائه له ، وطرح الموضوع على ام سليم التي رحبت به بحرارة ، كما أبدى سليم رغبته في توطيد العلاقة مع عائلة ابي خليل لحبه لخليل ولأنه كان يشاركه الأكل الذي تبعثه له والدته ويريد رد الجميل له ، أما آمنة فقد أضمرت في داخلها فرحاً شديداً لم تستطع إظهاره على تقاسيم وجهها لئلا تجلب لنفسها النقد والإيحاء. وقبل ابو خليل العزومة. كان خليل قد توقف عن الذهاب للكرم احتجاجاً على مواجهة آمنة له بالإتهام الباطل بأنه وشا بوالدها ، وكانت آمنة كعادتها تذهب كل يوم وهي غير متأسفة على لقاء خليل الى أن بانت الحقيقة ، فصارت تنتظر قدوم خليل الى الكرم على أحر من الجمر لكي تبدي أسفها واعتذارها له عن التهمة الباطلة ، وشعرت بحاجتها الملحة لهذا اللقاء ، وأنها مشدودة نحوه بمشاعر متطورة عن مشاعر الأيام السابقة وكأن جيوش الحب بدأت بالهجوم على قلبها براً وبحراً وجواً ، واقتحمت قلاعه الحصينة ، كيف لا؟ وهي الفتاة التي يتحدث عنها كل شباب القرية المحرومين من الإختلاط بالجنس الآخر ، ويتمنون العلاقة العاطفية معها ، ويحلمون بالزواج منها أو من فتاة مثلها.
حان موعد العزومة وقد تهيأت عائلة أبي سليم لاستقبال عائلة ابي خليل ، حيث أكد عليه بإحضار الجميع صغيراً وكبيراً وخاصة خليل ، وكانت آمنة أشد لهفة من غيرها من أفراد العائلة لهذا الإستقبال الذي تهيأت له بفستان جديد ، وبتسريحة ذنبة الفرس ، حيث ربطت شعرها الخيلي االأسود الكثيف الى الخلف ، وتدلت غرة من خصلات شعرها على هامتها البيضاء ، وكانت تلتقي وتتعانق مع حاجبيها الأسودين كشلالات المياه المنحدرة من أعالي الكرمل والمتلاقية على سفوح حيفا الشامخة ممتدة الى ضفاف يافا الهادئة. وكانت تجوب البيت ذهاباً وإياباً ولا تهدأ ، وتساعد والدتها في عمل طبخة المقلوبة للتغيير عن أكلة القرية المعتادة (المنسف) في العزومات. وكانت تغسل وجهها وتتناول المرآة بين الفينة والأخرى لكي تبقي على صفاء وبهاء طلعتها وأناقتها ولتقيها من الدخان الأسود المتصاعد من بابور الكاز الذي تطبخ عليه مع والدتها. وأعدت الفرشات (الجوادل) بلغة أهل القرية) والجنابي والوسائد (المخدات) لاستقبال الضيوف الذين أوشكوا على الوصول. وسمعوا طرقاً بعصاةٍ على باب الحوش وصوت ابي خليل يتنحنح ويقول : تستور ، يا اهل الدار ، فهرع سليم الى البوابة وفتحها مهلياً بالضيوف ، ولما لم يجد خليل معهم سأل ابا خليل ، وين خليل يا عم ، فرد عليه : والله طلع من الصبح وما رجع وأنا نبهت عليه من مبارح من شان ييجي معانا ، الغايب عاد عذره معاه يا بنيي ، واليّ بحضر بسد ، وكانت آمنة تسترق السمع والأنظار لرؤية خليل حيث تفقدت وتفحصت نفسها على المرآة وتأكدت من جاهزيتها للقاء من ترجو لقاءه ، ولكن ويا للخيبة والصدمة ، لم يحضر من تود أن تكون العزومة على شرفه ، والذي في وجهة نظرها هو الأهم من بين الضيوف الحاضرين وهو الهدف المتوخى والمنتظر ، وامتقع وجهها الصافي كالسماء الصافية ، وكأنها ظللت بغيوم صيفية شاحبة متباعدة كالعهن المنفوش ولا تنبؤ بغيث ، وغارت الدماء المتدفقة في وجنتيها وكأن أحداً دلق على وجهها دلواً من الماء البارد ، وهنا طلب أبو سليم من سليم أن يبحث عن خليل في سقيفته ويحضره للعزومة. وكادت آمنة أن توقع نفسها في ورطة حيث اندفعت بلهفتها اللإرادية وهمت بالقول : يمكن يكون في الكرم ، وتذكرت ما يعنيه ذلك للحضور ولكنها تراجعت بعد كلمة - يمكن - وقطعت الحديث وغيرته بلباقة. وانفضت العزومة وعند خروج الضيوف وجه ابو خليل حديثه لإبي سليم وقال : ترى الخميس الجاي الغدا عندي يا جماعة الخير ، فرد ابو سليم : والله ما إلو لزوم يا ابو خليل إحنا بدنا نجرب بعض ، فقال ابو خليل : توكل على الله وطاوعني يا ابو سليم فعاود ابو سليم التمنع ، وأخيراً قال ابو خليل : عليّ الطلاق بالثلاثة من أم خليل الاّ نتغدى يوم الخميس سوى انت والجميع هيهم بسمعوني ، ترى بدنا نعمل مفتول على صيصان بلدية مش رح نعمل منسف ، الحمد لله رئيس المخفر الجديد وفر على البلد كثير وخلاّ عند الناس صيصان وجاج وحمام. فأذعن ابو سليم للدعوة صاغراً دون مجادلة غير مجدية لكي لا يتسبب في طلاق ام خليل.
كانت زوجة عواد الحردانة حاملاً ووضعت ولداً عند بيت أهلها ، فضاقوا ذرعاً بالولد وصار لديهم الإستعداد لحل المشكلة وإعادة ابنتهم لزوجها عواد ، حيث أن ابنهم تزوج على أخت عواد الحردانة والتي لم يدخل بها رغم زواجه منها لتمنعها وإصرارها على ذلك بالرغم من تعنيفها وتهديدها ، ويوافق على طلاقها بناءً على طلبها. وعواد أخذ يتحرق شوقاً لرؤية إبنه وولي عهده ، ولديه الإستعداد القديم للتعايش مع زوجته. وشعر وجهاء القرية بالنوايا الحسنة من الطرفين وتوسطوا لحل الخلاف ، فطلب أهل زوجة عواد مهراً لإبنتهم مقابل طلاق اخت عواد لأنها كانت بدون مهر مقبوض نظراً لزواج البدل ، وطلبوا مهراً مقداره مائتي دينار وأصروا عليه ، وعواد لا يملك هذا المبلغ الباهظ في تلك الأيام ، ويريد زوجته وولده ، فذهب للإقطاعي في مدينة الخليل يعرض عليه شراء أرض ، فباع له دونمين في أرض القصيبة الخصبة ، وعادت زوجة عواد لزوجها وتم تحرير أخت عواد من الزوج الذي غصبت عليه بزواج البدل.
يتبع الجزء الثامن (لقاء المصالحة بين آمنة وخليل بالكرم ثم العودة للدراسة للعام الدراسي 1961م وفك عرى الوحدة المصرية السورية).
بقلم أحمد ابراهيم الحاج
8/7/2009م
..........................................
أفرج عن عواد بكفالة "الدفا" المقدمة من أبي خليل نيابة عن أبي سليم ، وبدأ التحضير لجاهة الصلحة بين الخصوم ، وفي موعد الإستحقاق توجه وجهاء عائلة المجني عليه لديوان العائلة ومعهم رئيس المخفر ووجوه عشائر القرى المجاورة لاستقبال جاهة الصلحة وتحضير القهوة ، وتوجهت الجاهة برئاسة الشيخ سليمان أبو رحمة الى مختار عشيرة عواد حيث تجمع وجهاء العشيرة هناك ومعهم عواد ، فطلبوا من عواد أن يلف على رقبته حطة بيضاء (كوفية) دلالة على الإعتراف بالذنب وطلب السلام (الراية البيضاء) ، ثم توجه أعضاء الجاهة ومعهم عواد ومختار ووجوه عشيرته ومعهم الذبائح الى ديوان عشيرة ابي خليل ، وكان عواد بالحطة البيضاء الملفوفة على رقبته يمشي خلف رئيس الجاهة وفي حمايته ، وصلت الجاهة الى الديوان يتقدمها رئيس الجاهة ، فقام الحاضرون في الديوان (وجوه عشيرة ابي خليل ومختارهم) لاستقبالهم والترحيب بهم ، وجلس رئيس الجاهة في صدر الديوان على فرشة مميزة بعلوها ومحاطة بالوسائد ، وبكارج القهوة والفناجين في المنتصف ، وبدأت مراسيم الصلحة كالتالي:
1. استهلت مراسيم الصلحة بآيات من القرآن الكريم رتلها شيخ مسجد القرية.
2. تحدث مختار عشيرة المجني عليه ورحب بالجاهة وشكرها على جهودها لرأب الصدع بين الإخوان واجراء المصالحة بين الأطراف المتخاصمة وأبدى استعداد عشيرته للصلح بقلب مفتوح وندد بالعمل الشائن الذي قام به عواد وآثاره السلبية على المجني عليه وعلى عموم أهل البلد.
3. ثم تحدث رئيس الجاهة الشيخ سليمان أبو رحمة وشكر عشيرة المجني عليه على تنازلهم عن الحق العام وعلى استعدادهم للصلح والتسامح ونبذ الخلافات وإثارة النعرات والعصبيات واستشهد على حديثه بآيات من القرآن الكريم. وطلب من الحاضرين كفيل وفا نيابة عن الجاني ، وذلك لكفالة الجاني بدفع ما يترتب عليه من مال أو عين عند النطق بالحكم من قبل رئيس الجاهة. فقام شيخ قبيلة السماحين وقال : أنا كفيل الوفا ووجهي عليها.
وبعد دراسة حيثيات المشكلة وآثارها على المجني عليه والتفاوض معه قبل الجاهة نطق الشيخ أبو رحمة بالحكم على عواد بما يلي :
4. تقديم اعتذار عن الفعلة الشائنة للجاني من قبل مختار عشيرة عواد نيابة عنه وعن كل العشيرة موجهاً إعتذاره الى عشيرة المجني عليه وطلب العفو والسماح والتسامح.
5. يقوم الجاني (عواد) بإعلان التوبة عن مثل هذه الأعمال والجرائم الشائنة ويتعهد بإنفاذ حيثيات الحكم الصادر عليه ويضع نفسه تحت تصرف المجني عليه طالباً منه السماح والعفو.
إعتذر مختار عشيرة عواد باسم عشيرته عن فعلة الجاني من عشيرته ، ثم قام عواد وأعلن التوبة وحبّ (باس) على رأس ابي سليم.
قدّر رئيس الجاهة قيمة الضرر الذي وقع على الجاني بسبعين دينار يدفعها الجاني للمجني عليه لقاء حرقه البيدر وذلك لتعويضه عن الأضرار التي لحقت به.
6. قام مختار عشيرة عواد وأخرج من جيبه المبلغ المطلوب وسلمه لرئيس الجاهة الذي بدوره قام بعده وتسليمه لمختار عشيرة المجني عليه.
نادوا خليل لكتابة بنود المصالحة والتي تنص على ما يلي: أ) قبول مبدأ الصلح وسيره على الجميع ب) تعويض المتضرر بمبلغ سبعين دينار وإقراره باستلامها ج) التزام جميع الأطراف ببنود الصلح وسقوط أي حق قضائي لجميع الخصوم. وقام جميع الأطراف مع الشهود بالتوقيع على وثيقة الصلح وتسليم رئيس المخفر نسخة منها.
7. قام خليل بقراءة بنود الصلح على مسامع الحاضرين جميعاً بصوت عالٍ
8. طلب رئيس الجاهة من الجميع قراءة الفاتحة على الصلح وبعدها أذِن للحاضرين بشرب القهوة وذبح الذبائح.
9. قام مختار عشيرة عواد بتقديم الشكر للجاهة ولعشيرة المجني عليه على كرمهم وعفوهم وتسامحهم وحسن ضيافتهم.
10. قاموا بشرب القهوة وذبح الذبائح والغداء على شرف الجاهة وتمت المصالحة وعاد عواد لدكانه نادماً على فعلته الشائنة ، وعم السلام بين الإخوان.
وفي الليلة التي عقبت يوم الجاهة اتخذ ابو خليل ركن البيت وكان صافناً قليل الكلام على غير عادته ، مما دعا ام خليل الى ترك أعمال البيت والجلوس معه لتستطلع ما يكدر صفوه ، وقالت له : خير يا ابو خليل ، هذي مش عوايدك تقعد ساكت وصافن ، شو في يا زلمة ، شدهت بالي ، والله ماني عارفه اشتغل ، فرد ابو خليل متأوهاً وقال : أوف ، والله اليوم رفعت راسي بخليل قدام هالمشايخ ، صدق اليّ قال العلم نور ، عواد تصالح مع ابو سليم وأنا وابني مش صفا ، صحيح سلّم عليّ يوم الجاهة وباس ايدي ثلاث مرات ، بس في حاجز بيني وبينه ، واغرورقت عيناه بالدموع ، وقالت ام خليل وقد سالت الدموع على خديها ، إنت الكبير يا ابو خليل قاعد بتحل مشاكل الناس وناسي ابنك ، طيّب خليه على راحته ، هو حر في نفسه يا زلمة ، أي والله لو يدري إنك بتقبل ييجي على الدار الاّ يطير من الفرح ، هذا ابنّا يا معّوَّد يعني نرميه ونتخلى عنه ، وبعدين لا هو هامل ولا هو عاطل ، وبحبك وبريدك وبحترمك ، والكل في البلد بحلف بحياته ، لأنو طالع لك شهم وكريم ونشمي ، فقال ابو خليل مزهواً بنفسه : والله كان نفسي أشوف اولاده قبل ما اشوف اولاد اخوته الصغار لأنه الكبير. فقالت ام خليل : إن شاء الله تشوف اولاده واولاد اولاده وطولة العمر إلك ، ورح يشرفك وتفتخر فيه بكرة لما يجيب الشهادة ، رد عليّ وخليه ييجي الدار بدي أروح أعملّك الشاي يا تاج راسي ، فقال ابو خليل متأثراً بمغازلة أم خليل ومدفوعاً بعواطف الأبوة التي يخفيها بداخله ولا يتظاهر بها خوفاً من نقصان هيبته في البيت ، خليه ييجي ، وحالاً أرسلت ام خليل ابنها الصغير يخبر أخاه خليل للقدوم للدار ، ولم يصدق خليل الخبر فجاء على عجلة من أمره ، فدخل الدار وعمد والده وانحنى له يقبل يديه ، واحتضنه والده وصار الجميع يبكي من فرحة اللقاء ومن جفوة الماضي غير المبررة ، وتم الصلح بين خليل ووالده الذي تعهد له بمصاريف الدراسة وقال له : في مانع تتزوج وانت تدرس يا بنيي ، فرد خليل : إن شاء الله يابا بصير خير ، توكل على الله ، الجيزة ملحوق عليها بس العلم إن فات قطاره ما برجع بسهولة. وعاد خليل للدار واحداً من العائلة لكنه استبقى السقيفة مسكناً له للدراسة. فكر ابو سليم في عزومة لأبي خليل وعائلته نظراً لمواقفه المشرفة معه ، وللتعبير عن إعتذاره لخليل نتيجةً لتصديقه ما ادعّى به عواد ضده ، وجفائه له ، وطرح الموضوع على ام سليم التي رحبت به بحرارة ، كما أبدى سليم رغبته في توطيد العلاقة مع عائلة ابي خليل لحبه لخليل ولأنه كان يشاركه الأكل الذي تبعثه له والدته ويريد رد الجميل له ، أما آمنة فقد أضمرت في داخلها فرحاً شديداً لم تستطع إظهاره على تقاسيم وجهها لئلا تجلب لنفسها النقد والإيحاء. وقبل ابو خليل العزومة. كان خليل قد توقف عن الذهاب للكرم احتجاجاً على مواجهة آمنة له بالإتهام الباطل بأنه وشا بوالدها ، وكانت آمنة كعادتها تذهب كل يوم وهي غير متأسفة على لقاء خليل الى أن بانت الحقيقة ، فصارت تنتظر قدوم خليل الى الكرم على أحر من الجمر لكي تبدي أسفها واعتذارها له عن التهمة الباطلة ، وشعرت بحاجتها الملحة لهذا اللقاء ، وأنها مشدودة نحوه بمشاعر متطورة عن مشاعر الأيام السابقة وكأن جيوش الحب بدأت بالهجوم على قلبها براً وبحراً وجواً ، واقتحمت قلاعه الحصينة ، كيف لا؟ وهي الفتاة التي يتحدث عنها كل شباب القرية المحرومين من الإختلاط بالجنس الآخر ، ويتمنون العلاقة العاطفية معها ، ويحلمون بالزواج منها أو من فتاة مثلها.
حان موعد العزومة وقد تهيأت عائلة أبي سليم لاستقبال عائلة ابي خليل ، حيث أكد عليه بإحضار الجميع صغيراً وكبيراً وخاصة خليل ، وكانت آمنة أشد لهفة من غيرها من أفراد العائلة لهذا الإستقبال الذي تهيأت له بفستان جديد ، وبتسريحة ذنبة الفرس ، حيث ربطت شعرها الخيلي االأسود الكثيف الى الخلف ، وتدلت غرة من خصلات شعرها على هامتها البيضاء ، وكانت تلتقي وتتعانق مع حاجبيها الأسودين كشلالات المياه المنحدرة من أعالي الكرمل والمتلاقية على سفوح حيفا الشامخة ممتدة الى ضفاف يافا الهادئة. وكانت تجوب البيت ذهاباً وإياباً ولا تهدأ ، وتساعد والدتها في عمل طبخة المقلوبة للتغيير عن أكلة القرية المعتادة (المنسف) في العزومات. وكانت تغسل وجهها وتتناول المرآة بين الفينة والأخرى لكي تبقي على صفاء وبهاء طلعتها وأناقتها ولتقيها من الدخان الأسود المتصاعد من بابور الكاز الذي تطبخ عليه مع والدتها. وأعدت الفرشات (الجوادل) بلغة أهل القرية) والجنابي والوسائد (المخدات) لاستقبال الضيوف الذين أوشكوا على الوصول. وسمعوا طرقاً بعصاةٍ على باب الحوش وصوت ابي خليل يتنحنح ويقول : تستور ، يا اهل الدار ، فهرع سليم الى البوابة وفتحها مهلياً بالضيوف ، ولما لم يجد خليل معهم سأل ابا خليل ، وين خليل يا عم ، فرد عليه : والله طلع من الصبح وما رجع وأنا نبهت عليه من مبارح من شان ييجي معانا ، الغايب عاد عذره معاه يا بنيي ، واليّ بحضر بسد ، وكانت آمنة تسترق السمع والأنظار لرؤية خليل حيث تفقدت وتفحصت نفسها على المرآة وتأكدت من جاهزيتها للقاء من ترجو لقاءه ، ولكن ويا للخيبة والصدمة ، لم يحضر من تود أن تكون العزومة على شرفه ، والذي في وجهة نظرها هو الأهم من بين الضيوف الحاضرين وهو الهدف المتوخى والمنتظر ، وامتقع وجهها الصافي كالسماء الصافية ، وكأنها ظللت بغيوم صيفية شاحبة متباعدة كالعهن المنفوش ولا تنبؤ بغيث ، وغارت الدماء المتدفقة في وجنتيها وكأن أحداً دلق على وجهها دلواً من الماء البارد ، وهنا طلب أبو سليم من سليم أن يبحث عن خليل في سقيفته ويحضره للعزومة. وكادت آمنة أن توقع نفسها في ورطة حيث اندفعت بلهفتها اللإرادية وهمت بالقول : يمكن يكون في الكرم ، وتذكرت ما يعنيه ذلك للحضور ولكنها تراجعت بعد كلمة - يمكن - وقطعت الحديث وغيرته بلباقة. وانفضت العزومة وعند خروج الضيوف وجه ابو خليل حديثه لإبي سليم وقال : ترى الخميس الجاي الغدا عندي يا جماعة الخير ، فرد ابو سليم : والله ما إلو لزوم يا ابو خليل إحنا بدنا نجرب بعض ، فقال ابو خليل : توكل على الله وطاوعني يا ابو سليم فعاود ابو سليم التمنع ، وأخيراً قال ابو خليل : عليّ الطلاق بالثلاثة من أم خليل الاّ نتغدى يوم الخميس سوى انت والجميع هيهم بسمعوني ، ترى بدنا نعمل مفتول على صيصان بلدية مش رح نعمل منسف ، الحمد لله رئيس المخفر الجديد وفر على البلد كثير وخلاّ عند الناس صيصان وجاج وحمام. فأذعن ابو سليم للدعوة صاغراً دون مجادلة غير مجدية لكي لا يتسبب في طلاق ام خليل.
كانت زوجة عواد الحردانة حاملاً ووضعت ولداً عند بيت أهلها ، فضاقوا ذرعاً بالولد وصار لديهم الإستعداد لحل المشكلة وإعادة ابنتهم لزوجها عواد ، حيث أن ابنهم تزوج على أخت عواد الحردانة والتي لم يدخل بها رغم زواجه منها لتمنعها وإصرارها على ذلك بالرغم من تعنيفها وتهديدها ، ويوافق على طلاقها بناءً على طلبها. وعواد أخذ يتحرق شوقاً لرؤية إبنه وولي عهده ، ولديه الإستعداد القديم للتعايش مع زوجته. وشعر وجهاء القرية بالنوايا الحسنة من الطرفين وتوسطوا لحل الخلاف ، فطلب أهل زوجة عواد مهراً لإبنتهم مقابل طلاق اخت عواد لأنها كانت بدون مهر مقبوض نظراً لزواج البدل ، وطلبوا مهراً مقداره مائتي دينار وأصروا عليه ، وعواد لا يملك هذا المبلغ الباهظ في تلك الأيام ، ويريد زوجته وولده ، فذهب للإقطاعي في مدينة الخليل يعرض عليه شراء أرض ، فباع له دونمين في أرض القصيبة الخصبة ، وعادت زوجة عواد لزوجها وتم تحرير أخت عواد من الزوج الذي غصبت عليه بزواج البدل.
يتبع الجزء الثامن (لقاء المصالحة بين آمنة وخليل بالكرم ثم العودة للدراسة للعام الدراسي 1961م وفك عرى الوحدة المصرية السورية).
بقلم أحمد ابراهيم الحاج
8/7/2009م
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 - 20:54 من طرف جنى ميرو
» صيانة سخانات في دبي 0543747022 emiratefix.com
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 - 19:53 من طرف جنى ميرو
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في عجمان 0543747022
السبت 16 نوفمبر 2024 - 23:43 من طرف جنى ميرو
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في عجمان 0543747022
السبت 16 نوفمبر 2024 - 23:11 من طرف جنى ميرو
» تصليح أفران في دبي 0543747022 emiratefix.com
السبت 16 نوفمبر 2024 - 22:15 من طرف جنى ميرو
» تصليح أفران في دبي 0543747022 emiratefix.com
السبت 16 نوفمبر 2024 - 22:11 من طرف جنى ميرو
» تصليح ثلاجات في دبي emiratefix.com 0543747022
السبت 16 نوفمبر 2024 - 0:11 من طرف جنى ميرو
» تصليح سخانات في دبي - 0543747022 (الشمسية و المركزية) emiratefix.com
الجمعة 15 نوفمبر 2024 - 20:33 من طرف جنى ميرو
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في الشارقة 0543747022
الأربعاء 13 نوفمبر 2024 - 21:30 من طرف جنى ميرو
» اداة ذكاء اصطناعي للباحثين وطلاب الدراسات العليا
الجمعة 26 أبريل 2024 - 11:23 من طرف Abd