منتديات خاراس الرسمية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

2 مشترك

    آمنة و خليل/الجزء السادس عشر

    أحمد ابراهيم الحاج
    أحمد ابراهيم الحاج

    {{ كبار الشخصيات }}


    {{ كبار الشخصيات }}


    الجنس : ذكر
    البرج : الحمل
    عدد المشاركات : 231
    العمر : 72
    البلد : فلسطين - خاراس
    نقاط النشاط : 204
    الاعجاب : 4
    الدوله : فلسطين

    آمنة  و خليل/الجزء السادس عشر Empty آمنة و خليل/الجزء السادس عشر

    مُساهمة من طرف أحمد ابراهيم الحاج الأحد 13 مارس 2011 - 9:17

    آمنة وخليل
    الجزء السادس عشر
    .............................................
    التحق خليل بمعهد خضوري الزراعي ، وتفاجأ عندما دخل حرم المعهد ، لم يكن يتوقع أو يتخيل ما رآه من جمال الطبيعة ، رآه حلة خضراء ، تتخللها الطرق الداخلية التي تحف بها الأشجار من كل نوع ومن كل حدب وصوب، وكأنها جموع الناس المصطفة على جانبي الطريق لإستقبال زعيم شعبي فاتح لفلسطين، وتتخللها الورود والأزهار بألوان الطيف المختلفة ، وشعر أنه وسط بستان شاسع مترامِيَ الأطراف ، وأحسّ بأنه يدخل حدائقاً معلقة ومنبسطة وغناء ، وكانت العصافير تعانق أعالي الأشجار ، وتتراقص على أغصانها وفي بطونها ، وتزقزق وتغرد بألحانها المطربة والمشجية ، فاعترت نفسه الفرحة ، وغمرها السرور والنشوة ، وقال في نفسه ، إن فلسطين أرض متفاضلة ومتكاملة ، فكلما رأيت بقعة حسبت أنها أفضل من سابقتها ، وتكمِّل كل واحدة نواقص الأخرى، وكانت الأشجار تتمايل على نغمات وزقزقة وشدو العصافير ، حيث تتلاعب بها نسمات الهواء العليل ، وكأنها فتيات يانعات ميّاسة القد ، كعود البان ، أو كطُلق الريحان ، وتؤدي رقصاً شرقياً أصيلاً ، وتهز خصرها على هبات نسمات رقيقة ، غربية وشرقية وشمالية وجنوبية متواترة ، فألهب المنظر المشاعر الجياشة بدواخله ، وأثار في نفسه الهيجان ، فراحت قدماه تتراقصان على الأرض ، وكأنه في دبكة شعبية فلسطينية لا إرادية ، وبدون مناسبة ، وراح يدندن تلقائياً بأغاني الدلعونا والعتابا والميجنا. مما أنساه لحين مشاعر الإنقباض التي ولدها في نفسه فراق الحبيبة والأهل والبعد عنهم. وما أن وصل غرفته التي سيسكن بها في السكن الداخلي للمعهد ، ورتب امتعته حتى تملكه شعور دافق بنقل ما رآه وأحس به الى حبيبته في رام الله في سكن المعهد الداخلي. جلس خليل بعد صلاة العشاء على كرسي وطاولة ، وتحت نور الكهرباء الذي لم يعهده بقريته من قبل ، وبدأ في كتابة الرسالة الآولى لآمنة ليرسلها بالبريد من طولكرم الى رام الله تحمل اللهفة للتواصل والتناجي ، ولينقل فيها مشاعره وأشواقه المفعمة بالحنين الى ذكرياته في الكرم ، وليبث اليها مشاعره المتراوحة بين الإرتياح والسعادة لاختياره، وبين الإنقباض الذي يعتريه للبعد والفراق، وبين التفاؤل بالمستقبل والأماني بأن يجمع الله بينهما في عش الزوجية وقد حقق كل منهما ما يصبو اليه في طريق العلم والمعرفة وخدمة الوطن. وانخرط خليل في صبيحة اليوم التالي بالدراسة في المعهد ، وقام بوضع الرسالة في صندوق البريد ، وتلقى رداً من آمنة على رسالته بعد انتظار على الجمر، تصف في رسالتها الجو الجديد الذي انتقلت اليه ، وتتغزل برام الله وتلالها وهوائها العليل ومن كتاباتها له "رام الله وما أدراك ما رام الله ، إنها مدينة جميلة ولطيفة فوق الوصف ، وتبعث الراحة والهدوء في النفس" ، وبثت فيها أشواقها وتمنياتها له بالتوفيق والتفوق ودوام التقدم.
    كان خليل يشارك في كل النشاطات التي يقوم بها طلبة المعهد من مختلف الجنسيات ، نشاطات ثقافية ورياضية وزراعية ، ويخوض مع الطلبة في نقاشات وحوارات حول القضية الفلسطينية ، ويتعرف على مزيد من الإتجاهات السياسية للطلبة من عموم مناطق فلسطين ومن شرق الأردن ومن الخارج، ولم تكن الدراسة سهلة في هذا المعهد العريق والذي تأسس في بداية الثلاثينيات من القرن الماضي ، بل تحتاج الى مزيد من الجهد والبحث يفوق المدارس بكثير، وتخوض في مساقات علمية متقدمة توازي أعرق الجامعات العربية ، بل وتتخطاها أحيانا ، فقد كان المعهد يضم جوقة من المدرسين من فطاحل وعباقرة فلسطين وعقولها العلمية النيرة المتفتحة ، وكان المعهد مكتفياً ذاتياً حيث يوفر طعام الطلبة والمدرسين ومصاريفه من إنتاجه الزراعي والحيواني ، وكان نظامه التعليمي صارماً وملتزماً ومتشدداً ، فلا مجال لإضاعة الوقت ، ولا بد من بذل الجهود المضاعفة للحصول على النجاح ، وكان في نهاية كل اسبوع يقوم بزيارة الى قرى طولكرم وجنين وقلقيلية ليتعرف أكثر على وطنه الفلسطيني ، وعلى تراثه وعاداته وتقاليده من شماله الى جنوبه. وأقام علاقات مع أقرانه من الطلبة ومع الأساتذة من مختلف انتماءاتهم العرقية والثقافية والسياسية ، وكان يحضر المناسبات كلما اتيح له ذلك كمناسبات الخطوبة والزواج والعزاء التي كانت تقام في مدن وقرى شمال فلسطين بدعوة من زملائه ، وكان لا يتوانى عن المشاركة في الدبكات الشعبية ، ولا عن التعرف على تقاليد الأعراس ويقارنها ويوافقها بتقاليد منطقته ، وكان يقبل الدعوات من زملائه من منطقة الشمال بدون تردد ، وأعجبه كثيراً أكلة "المسخن" التي يشتهرون بها في الشمال ، وتعتبر أكلتهم الشعبية الرئيسية ، بينما كانت الأكلة الرئيسية الشعبية في مناطق الجنوب هي "المنسف" ، وطلب من والدة أحد زملائه من بلدة دير الغصون أن تعلمه على تحضير أكلة المسخن لينقلها الى منطقته. وكان لا يحب الإنطواء مع أقرانه في المعهد وخاصة زملاءه من نفس المنطقة التي ينتمي اليها، ويدعوهم الى الخروج من قوقعة العصبية القبلية ، وشرنقة الإنطواء والعزلة ، والإنفتاح على كل صداقة جديدة، حيث كان نفر من بعض زملائه من منطقته يدعون الى التقوقع والتحوصل وعدم الإحتكاك والعزوف عن الإنفتاح على صداقات جديدة ، وكان يحب الإختلاط والتشعب بالعلاقات ليكسب مزيداً من المعرفة في بني قومه وفي الأقوام الأخرى التي قدمت للمعهد من الخارج لتحصيل العلم والمعرفة.
    ومرت الأيام دون أن يرى حبيبته ، واقتصرت التواصل بينهما على المراسلة ، والحديث عن بعد عبر البريد ، ولم يكن باستطاعته زيارة أهله في قريته وذلك لضيق الحالة المادية وعدم قدرته على دفع مصاريف الرحلة من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب من ناحية ، ووسائل المواصلات الشحيحة والبطيئة من خلال الباصات التي تعمل بين المدن من ناحية ثانية ، إذ كان عليه أن يتنقل بين عدة محطات ليصل الى قريته ، (طولكرم – نابلس ، نابلس – القدس ، القدس – الخليل ، الخليل – القرية) ، وضغط الدراسة وصعوبتها والحرص على عدم إضاعة الوقت الثمين في عطلة نهاية الأسبوع ليستغله في الدراسة والتحضير وحل الواجبات ، والمشاركة في النشاطات الثقافية والرياضية من ناحية ثالثة ، فقد كان يشارك في مجلة الحائط بمقالات وطنية وتراثية وأدبية ، ويشارك في الفرق الرياضية في لعبة كرة القدم ولعبة كرة الطائرة. وفي النشاطات الزراعية وفي الحوارات والنقاشات السياسية ، وإقامة الحفلات والإحتفال بالمناسبات.
    وبالمقابل كانت آمنة هي الأخرى بنفس الوضع والظروف ، حيث لا تستطيع زيارة أهلها بالقرية ، فكان عليها المرور بعدة محطات لتصل اليها ، (رام الله – القدس ، القدس – الخليل ، الخليل – القرية) ، وانخرطت بالدراسة والنشاطات الثقافية والرياضية بالمعهد ، ولم تكن الدراسة سهلة عليها ، وخاصة تخصص اللغة الإنجليزية.
    بدأ الشارع الفلسطيني والعربي بالغليان في بداية عام 1964م ، وقد لعبت إذاعة صوت العرب من القاهرة دوراً هاماً لا يمكن تجاهله في بث روح الوطنية والعزة والكرامة والحرية ، بحملاتها التعبوية ضد الإستعمار وأعوانه ، والتوعية بقضايا كل الشعوب العربية الباحثة عن حريتها واستقلالها ، ومن ضمن اهتماماتها كانت القضية الفلسطينية ، وخصصت لها خدمة تابعة لها تحمل اسم "إذاعة فلسطين" ، وكان ذلك أول بث إذاعي يعبر عن فلسطين ، وبدأ من القاهرة في 29 أكتوبر 1960م موجهاً الى أبناء الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس العربية ، والى الشعب الفلسطيني بالشتات. وكذلك اهتمامها بقضية الجزائر والمغرب واليمن ....الخ. وازداد الشارع العربي غلياناً والتهاباً وسخونة وذلك بعد إظهار اسرائيل نيتها في تحويل مجرى نهر الأردن ، مما دعا الرئيس جمال عبد الناصر الى الدعوة لإنعقاد اول مؤتمر قمة عربي لمواجهة الخطر الإسرائيلي ، وعقد أول مؤتمر قمة عربي بالقاهرة في 13/1/1964م لمناقشة الوضع ، حيث تم في هذا المؤتمر إصدار قرار يقضي بإنشاء كيان فلسطيني يعبر عن إرادة الشعب الفلسطيني ، ويقيم هيئة تطالب بحقوقه لتمكينه من تحرير وطنه وتقرير مصيره ، وكلف المؤتمر أحمد الشقيري ممثل فلسطين في جامعة الدول العربية الإتصال بأبناء فلسطين لهذه الغاية وإبلاغ مؤتمر القمة بالنتيجة. قام أحمد الشقيري بجولة زار خلالها الدول العربية واتصل بأبناء فلسطين فيها ، وأثناء جولته ومشاوراته تم وضع مشروع الميثاق الوطني الفلسطيني والنظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية ، وتقرر عقد مؤتمر فلسطيني عام ، واختار أحمد الشقيري اللجان التحضيرية للمؤتمرمن جميع البلاد العربية المضيفة للفلسطينيين ، وانعقد المؤتمر الأول في القدس بتاريخ 28/5/1964م واستمر لغاية 2/6/1964م وافتتح المؤتمر الملك حسين بن طلال وألقى فيه خطاباً. وتفرعت عن المؤتمر تسع لجان وخرج المؤتمر بعدة قرارات أهمها إعلان قيام منظمة التحرير الفلسطينية حيث نص القرار على التالي:
    1- ايماناً بحق الشعب الفلسطيني في وطنه المقدس وتأكيداً لحتمية معركة تحرير الجزء المغتصب منه وعزمه وإصراره على ابراز كيانه الثوري الفعال وتعبئة طاقاته وامكانته وقواه المادية والعسكرية والروحية ، وتحقيقاً لأمنية أصيلة من أماني الأمة العربية ممثلة في قرارات جامعة الدول العربية ومؤتمر القمة العربي الأول نعلن بعد الإتكال على الله باسم المؤتمر العربي الفلسطيني الأول المنعقد بمدينة القدس في 28/5/1964م قيام منظمة التحرير الفلسطينية قيادة معبئة لقوى الشعب العربي الفلسطيني لخوض معركة التحرير ، ودرعاً لحقوق شعب فلسطين وأمانيه ، وطريقاً للنصر.
    2- المصادقة على الميثاق القومي لمنظمة التحرير الفلسطينية وعدد بنوده 29 بنداً.
    3- المصادقة على النظام الأساسي وعدد بنوده 31 بنداً واللائحة الداخلية للمجلس الوطني والصندوق القومي الفلسطيني.
    4- انتخاب أحمد الشقيري رئيساً للجنة التنفيذية وتكليفه باختيار أعضاء اللجنة التنفيذية وعددهم 15 عضواً
    5- يصبح المؤتمر بكامل أعضائه ال 397 عضواً "المجلس الوطني الأول لمنظمة التحرير الفلسطينية.
    واستبشر الشعب الفلسطيني خيراً بمولد كيانهم الذي يعبر عنهم ، ويقود نضالهم كرأس حربة في معركة التحرير ، ولاقى هذا الإعلان تأييداً شعبياً عربياً وفلسطينياً جارفاً ، وكان بمثابة الماء القراح لإنسان تائه بالصحراء الحارة والمغبرة العاصفة ، ويعاني من الظمأ الشديد ويشعر بدنو قدره المحتوم فيستسلم للموت ، فوجد هذه القربة من الماء القراح مدفونة بالرمال تحت يديه المرتعشتين من شدة العطش ، وكان خليل بصفته شاباً متحمساً لقضيته سعيداً جداً بنشأة هذا الكيان، وكأنه وجد ضالته التي يبحث عنها في سبيل التعبير عن وطنيته وممارسة واجبه الوطني من خلال هيئة وطنية تقود الكفاح والنضال من أجل تحرير فلسطين ، هديها وهدفها المصالح الوطنية الفلسطينية في إطارها القومي العربي ومحيطها الإسلامي ، وقيام كيان فلسطيني يعبر عن الهوية الفلسطينية المستقلة لتعيد صبغة ارض فلسطين من النهر الى البحر بهويتها الحقيقية الأصلية والتاريخية والحضارية وتزيل عنها هذا الطلاء السطحي الطاريء عليها ، وتعيدها الى وجهها الأصلي والحقيقي. ولم يلاق هذا الإعلان استحسان بعض القوى العربية والفلسطينية التي تتبعها ، وأعلنت معارضتها لسبب ظاهري هو بحجة تضييق الإطار الذي يعمل من أجل تحرير فلسطين في شعب فلسطين ، وعدم المناداة بها قضية إسلامية شاملة تضم كل العالم الإسلامي والدعوة لإقامة خلافة اسلامية كمقدمة لتحرير فلسطين ، وكان على رأس هذه القوى المعارضة والمشككة في هذا الكيان الأحزاب الإسلامية وأهمها حزب الإخوان المسلمين الذي كان على تناقض مع التيارات القومية الرائجة والتي كان يتزعمها جمال عبد الناصر. وبدأت منظمة التحرير الفلسطينية عملها ككيانٍ عربي ضمن إطار الجامعة العربية ، ولم يتعدَّ نشاطها خارج حدود الأطر العربية وسياساتها.
    انتهت السنة الدراسية 1963-1964م ، ونجح خليل بتفوق وامتياز بالسنة الآولى وكذلك آمنة ولكن بتقدير جيد جداً ، ونجح سليم بالثانوية العامة (توجيهي علمي بمعدل 73 %.) ، وأعلن سليم نيته الإنضمام الى جيش التحرير الفلسطيني وسط معارضة والديه ، لأنه الوحيد الذي سيكون المعيل للعائلة بعد والده ، سيما وأن والدته عادت للإنجاب بعد فترة طويلة من ولادته ، وله إخوة وأخوات يصغرونه هو وآمنة بكثير وما زالوا أطفالاً صغاراً. واتصلت والدته مع اختها ندى المتزوجة من استاذ جامعي بجامعة القاهرة لتدبر له مقعداً بالجامعة ، وكذلك اتصل والده بأخته لطيفة وبزوجها الصحفي المقرب للنظام المصري والذي ينحدر من بلدة بيت دجن ليدبر لإبنه مقداً بالجامعة ، وكان له ذلك وحصل على بعثة دراسية على حساب الحكومة المصرية ، فحصل على مقعد بكلية التجارة ، ولكنه أضمر في نفسه أن ينفذ ما يريد عندما يصل القاهرة ويلتحق بأول دفعة ضباط بجيش التحرير الفلسطيني ، والتي بدأت باستقبال المتطوعين بتاريخ 1/9/1964م.
    كان في العطلة الصيفية عام 1964م لقاءات بالكرم بين آمنة وخليل ، وكان اللقاء الأول الذي جمعهما بعد طول فراق وغياب ، وفي هذا اللقاء شعر كلاهما باللهفة والشوق والحنين لذكريات الكرم ، وبثا فيه لواعج الفرقة ، وتبادلا الأحاديث عن الأجواء الجديدة التي انتقلا اليها وعن ذكرياتهما فيها ، وبعد ذلك أخبرته آمنة بأن عمها "محمود" السعودي الجنسية سيقضي اجازته لهذا الصيف هو وعائلته عندهم ، ولدى عمها نية في طلب يدها لإبنه سعيد الذي حصل على الثانوية العامة السعودية قبل عامين ، ويعمل حالياً موظفاً في وزارة الصحة السعودية براتب مجز بصفته حاصلاً على الجنسية السعودية ، وأضافت بأن والدها أبدى رغبته بذلك وأن والدتها وأخاها لا يمانعان بذلك إن هي قبلت به ، وهنا امتقع وجه خليل وقال لها : وما رأيك أنت في الموضوع فقالت له : لماذا تسأل هذا السؤال وأنت تعرف الإجابة عليه ، فرد عليها : وكيف ستقاومين الأمر ، وهل لديك الإستعداد إن تقدمت اليك لأطلب يدك من أهلك ، فقالت له : لا تخلط الأمور يا خليل كي لا يتضح أن المانع هي العلاقة التي بيننا ، طبعاً أنا أبديت رفضي لأمي ولأخي لكي يبلغا والدي بعدم رغبتي لأسباب تتعلق بالغربة عن الأهل والوطن ، وكذلك لطبيعة الحياة هناك ، والتي تصعب علي ممارستها نظراً لحياة الإنطلاق والحرية التي أعيشها هنا ، وحياة الكبت التي تعيشها المرأة هناك كما علمت من بنات عمي وتذمرهن من الحشر الذي يعانين منه ، ونظراً للأجواء الصحراوية الحارة التي لا استطيع احتمالها مقارنة بالجو اللطيف المعتدل والطبيعة الجميلة هنا ، ولأسباب أخرى جوهرية تتعلق بشخصية ابن عمي الخجولة والإنطوائية ، فهو لا يتحدث معك إن لم تحدثه ، وإن تحدث احمرّ وجهه وتعرق خجلاً كالبنات ، وأجل طلبك ليدي بعد التخرج مباشرة ، وأنا مقتنعة بأن والدي سيتفهم الأسباب ، فهو متعلق بي ويحبني كثيراً ولن يضغط علي بما لا أرضاه لنفسي ، وفي هذه الأثناء زال الإمتقاع عن وجه خليل ، وانفرجت أساريره ، وزالت ثنايا الإنقباض عن عضلات وجهه وجبينه ، وتدفقت اى وجهه الدماء لتعيد اليه البهجة والحيوية التي يتمتع بها. فقال لها : لماذا لا تمانع والدتك زواجك من ابن عمك وهي تعرف بالعلاقة التي بيننا؟ فقالت له : بدي أكون صريحة معك يا خليل وأرجوك تكون صريح معاي حتى نمشي طريقنا على نور، إن والدتي متخوفة من شيء واحد وأنا أحياناً اشاركها هذا التخوف ، وهو طريقة حياتكم في القرية ، عايشين على البركة بقانون الفوضى والطيبة الزائدة عن حدها الى درجة العيش بالحاضر وللحاضر وبقيود الماضي دون التطلع للمستقبل ، والتفريط بالمستقبل وبشعاع الأمل بتغيير الحال والواقع الى الأفضل ، ما في عندكم تدبير ولا في تخطيط ، ولا في طموح للتغيير والتطوير والإنتقال لحياة أفضل ، وبتحبوا الراحة وعدم تحمل المسئولية ، وما في اهتمام بالتعليم والعلم ، وبصراحة في جهل كثير ، والطايح عندكم رايح أول بأول بدون حساب للزمن والمستقبل ، وكمان التمسك ببعض العادات والتقاليد والتخاريف والسحر والشعوذة التي ما عادت صالحة في هذا الزمان ، وأنا اقولها بصراحة ووضوح ، لن أكون طيعة لك ومتوافقة معك في مثل هذه الحياة النمطية إن تبعتها ، وبالتالي لن أكون سبباً في تخليك عن أهلك ، فهم بحاجة اليك سيما وأنت الكبير والمسئول بعد والدك أطال الله في عمره ، وأخاف أن ترث منه هذه الطيبة الفائضة والطافحة ، وتلك المسئوليات العشائرية وتغرق في طياتها ، وتنسى بيتك وأولادك وتعليمهم ومستقبلهم.
    فقال لها خليل : لقد سبق وأن أفهمتك بأنني معارض لكثير من اساليب حياتنا وخاصة ما يطَّلع به والدي من مسئوليات عشائرية ، تحمله طاقة مادية تودي بكل مواردنا المادية والعينية ، وتشغل وقته عن أسرته وهمومها ومشاكلها، وترهق والدتي وتقصر من عمرها ، وقد بدأت ثورة على كل هذه المعوقات على مستوى القرية بدعوتهم لتعليم ابنائهم وبناتهم ، وتطوير أساليبهم وطريقة حياتهم فشجعت والدي على شراء معصرة الزيتون ، واقنعته بإدخال أخواتي الصغار وبنات إخواني الى المدارس المختلطة ، وفي هذا الصيف أقنعته بشراء حصادة ، وشراء تراكتور للحراثة ، وربما نشترك مع والدك في الحصادة والتراكتور ، وصار والدي يتفهم الكثير من أفكاري التي تشذ عن المألوف لدى هذه القرية وعاداتها وتقاليدها التي لم تعد تصلح ، ولا تصب بالصالح الخاص والعام ، وثقي تماماً أنني سأكون عند حسن ظنك وظن والدتك وأهلك ، زوجاً مخلصاً لبيته وعائلته وبلده ، وطبعاً لن أتخلى عن أصلي وعائلتي وقريتي ووطني ، وسوف أسعى الى تحقيق التوازن بين هذه الدوائر الثلاثة (الأسرة ، الأهل والعائلة ، الوطن) دون أن تنتقص دائرة أو تزيد عن مثيلاتها. ولدي ايمان مطلق بأن الأسرة عماد الوطن ، ولبنة صلبة في جداره الذي يحميه من الإختراق ، وتربية الأولاد وتعليمهم بحد ذاتها رسالة وطنية واجبة على كل إنسان. وأن ملهمي في تعاملي مع زوجتي هو قول الله تعالى "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا اليها ، وجعل بينكم مودة ورحمة ، إن في ذلك لآياتٍ لقوم يتفكرون". هذا هو تصوري وخطي لحياتي مع شريكتي في الحياة ، وآمل أن أوفق فيه ، وإن كنت راضية بذلك وعلى ضوء ما بينته ورسمته لك عن تصوري للمستقبل ، فسأكون على استعداد لبذل الغالي والنفيس للإقتران بك مهما كلفني ذلك ، وإن رأيت أنك لا تتفقين مع هذا التصور فإنني اتمنى لك التوفيق والسعادة مع نصيبك.
    فقالت له آمنة "لقد كفيَّت ووفيَّت نظرياً يا خليل ، وهل ستطلب المرأة من شريكها أكثر من ذلك؟ فلا أظن ذلك بالقطع ، لم تبق شيئاً تتمناه المرأة في شريك حياتها ولكن - شريطة تطبيق الأقوال وتحويلها الى أفعال لا أن تبقى شعارات مرفوعة ومفرغة من محتواها كشعارات الأحزاب العربية".
    فقال لها خليل "أعدك بذلك ، وأطلب من الله أن يوفقني ويعينني عليه على الرغم من صعوبته ، ووعد الحر دين عليه ، ولن تعيق الصعاب همة الرجال وطاقاتهم وتمنعهم من تحقيق أهدافهم".
    لقد كان لقاء مصارحة يخلو من التمثيل والمداهنة والمراوغة والنفاق ، وحديثاً جاداً متبادلاً بينهما نابع من القلب الى القلب ، دون رياء ومداهنة وتمثيل ، ولقاء وفاءٍ للعلاقة الفطرية بين الذكر والأنثى التي فطرها الله على الجاذبية بخيوط الفطرة الغريزية المتكاملة وحبال السكن والمودة والرحمة والوحدة الإندماجية. وافترقا بنفوس هادئة راضية مطمئنة وسعيدة وحالمة بمستقبل واعد.
    وقبل الوداع أخبرها خليل بأنه مشغول في الأيام الثلاثة القادمة ، حيث ينتظر قدوم زملاء له من منطقة الشمال ، وزملاء دراسة بالمعهد من شرق الأردن وأفريقيا ، فقد دعاهم لزيارته في قريته للتعرف عليها ، ودعا معهم زملاءه ومعارفه من منطقته ومن مختلف مناطق فلسطين. حيث وعدهم بمنسف من العيار الثقيل بعد أن طلبوا منه ذلك. وسيقيم حفل الغداء لهم بالكرم. وأنهم سيقضون ثلاث ليالٍ عنده بالقرية وسيحضرون عرس ابن عمه الذي سيقام في هذا الصيف ، ليعرفهم على تقاليد الأعراس بمنطقته ، وسيجهز لهم مكاناً للنوم بالكرم في العزبة، وسيصحبهم بجولة على ربوع القرية وآثارها القديمة وعلى مراتع طفولته ، وسيقفون معه على مشارف خط الهدنة الذي التهم نصف أراضي القرية ، حيث صادرها المغتصبون ظلماً وعدواناً.
    وللقصة بقية في الجزء السابع عشر.

    بقلم أحمد ابراهيم الحاج
    17/11/2009م

    اياد النمراوي
    اياد النمراوي

    { مشرف }


    آمنة  و خليل/الجزء السادس عشر Stars15


    الجنس : ذكر
    البرج : الجدي
    عدد المشاركات : 2028
    العمر : 46
    البلد : الاردن
    نقاط النشاط : 982
    الاعجاب : 7
    المهنة : آمنة  و خليل/الجزء السادس عشر Accoun10
    الدوله : فلسطين

    البطاقة الشخصية
    my sms:

    آمنة  و خليل/الجزء السادس عشر Empty رد: آمنة و خليل/الجزء السادس عشر

    مُساهمة من طرف اياد النمراوي الأحد 13 مارس 2011 - 10:46

    يسلموا للمعلومات التاريخية للقضية الفلسطينيه

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة 20 سبتمبر 2024 - 8:50