آمنة وخليل
الجزء الثامن عشر
…………………
في صيف عام 1965م تخرج خليل من معهد خضوري بطولكرم ، وتخرجت آمنة من معهد الوكالة برام الله ، وعادا للقرية في بداية العطلة الصيفية ، وقدم كل منهما طلباً للعمل بوزارة التربية والتعليم في سلك التدريس وقدمت آمنة طلباً لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين ، وكانا ينتظران الموافقة والإلتحاق بعملهما في بداية العام الدراسي القادم 1965- 1966م ، وعاد سليم من القاهرة بعد أن اكمل السنة الآولى بالجامعة ليقضي العطلة الصيفية مع أهله في القرية ، وكان خليل قد واجه ضغوطاً كبيرة من أهله للزواج خلال دراسته ، ورفض عروضاً كثيرة من والده ووالدته للزواج من بنات العم والعمة وبنات الخال والخالة ، ومن أي بنت بالقرية يؤشر عليها ، كما أن والده وبحكم معارفه بالقضاء عرض عليه الزواج من بنات نظرائه من وجوه القضاء ، من دورا وحلحول وصوريف وبيت أمر ، لكن خليل قاوم كل هذه الضغوطات لأنه يضمر في نفسه شيئاً مغايراً ومختلفاً عما يريدون. وحانت لحظة الحقيقة بعد التخرج من المعهد ، ولم يعد يملك مبرراً للرفض والمراوغة ، وتكثفت جهود والديه وأشقائه وأخواته وعماته وخالاته لحثه على الزواج. وفي جلسة مع والدته صارحها بما يريد وبمن يريد أن يقترن، وطلب منها أن تنقل رغبته لوالده ، إنه يريد آمنة بنت أبو سليم شريكهم بالمعصرة وشريكهم بالحصادة والتراكتور ، فقالت له والدته:
يا بنيي كل بنات البلد وبنات القرى إليّ حوالينا مش عاجبينك ، يمّه هذي لبسها مش مستور الله يا ربي يستر عليها ، دايماً مفرعة راسها وبتلبس قصير ، أنا ما بحكي عليها ولا بتهمها بإشي ، هي مستورة ربنا الله، بس ما هي من ثوبنا ، وإحنا ما بنقبل مرتك تمشي في الزقاق بين الخلق والزلام مفرعة عن شعرها وكاشفة رجليها يا حبيبي ، وانت نفسك ما ظنيت إنك بتقبل ، وبعدين أمها قوية وسالبة عقل أبوها ، دايماً لابسة على آخر طرز كأنها عروس في ليلة دخلتها ، دايماً متستتة وقاعدة في البيت بس تتزوق وتترستك ، وجوزها مثل الخاتم باصبعها، ما بقلها ثلث الثلاثة كم ، بالعربي ابوها محكوم وخايف إنك بكره تتسوسح ويسلبن عقلك وتنحكم مثل أبوها وتنسانا ، وتضيع من بين ايدينا، أي طيب مرة سمعتها بتقول لجوزها يوم عزمناهم على المفتول وناداها من شان يروحوا وقلها "يلّه يا ام سليم" ، ردت وقالت:
"طيب يا حبيبي استنى شوية بس أخلص كاسة الشاي" ، ورد عليها وقعد يستنى بعد ما قام ، كأنها هي الزلمة وهو المرة ، وايش قال بتقول "يا حبيبي"، لا حيا ولا خجل من القاعدين ، قديش الي عايشه مع أبوك عمري ما سمعته ناداني الاّ "يا حرمة ، ويا ولية ، ويا مره" ، حتى اسمي "خضرة" عمره ما نطق فيه على لسانه. وبس أسمع صوته ينادي بترك كل اشي بيدي مهما يكون ، وبرد عليه لو كنت قاعدة على منسف بوكل في لحمة خروف مش بشرب في كباية شاي ، وابوك بسلامته صارت شواربه تترقوص وعينه تتقادح لما سمعها بتحكي لجوزها يا حبيبي ، ما بدري هو كان مبسوط على هالحكي والاّ زعلان ، هذا الإشي ما بمشي عندنا يا حبيبي الله يهديك ويرضا عليك. وأنا ظني أبوك ما يوافق على هالجيزة.
أنصت خليل لوالدته وهو يتأمل حديثها ويقلب في خاطره صور العلاقة الزوجية بين الأزواج في القرية ومن ضمنها علاقة والده بوالدته ، واستعرض علاقة عمه بزوجته الآولى ، وكيف تزوج عليها الثانية بدون مبرر ، وعلاقة خاله بزوجته الآولى وكيف نسي تضحياتها وشقائها معه في هذه الحياة وتزوج عليها ثانياً وثالثاً. وأدرك مدى الظلم الذي تعاني منه نساء القرية ومن ضمنها والدته بالرغم من تحملهن ثقلاً زائداً عن الرجل لأعباء هذه الحياة ، وكيف تقابل المرأة بهذا النكران والعقاب من زوجها بزواجه عليها دون سبب مقنع الاّ البحث عن المتعة والخلف بدلاً من التقدير وحسن الجزاء. فهو يمتص طاقتها وجهدها وحيويتها حتى تذبل فينقلب عليها باحثاً عن متاع الحياة الدنيا ،
نظر خليل الى وجه والدته المتألق المشرق رغم تقدمها بالعمر ، ورغم شقائها بالحياة ، حيث ما زالت تحتفظ بجمالها الأصيل ، وحيويتها المتدفقة ، فقد كانت الدماء تتدفق لوجنتيها المتوردتين وكأنها فتاة في العشرين من عمرها ، وقارنها في مخيلته بشجرة الزيتون التي تتحدى عوامل التعرية وانقلاب المناخ ، وتقاوم زحف الخريف على أوراقها الندية الخضراء ، فيستسلم أمامها الخريف صاغراً ، وينسحب مهزوماً أمام مقاومتها الضارية ، وقام خليل وقبل رأسها ثلاث مرات للتخفيف من المعاناة التي تواجهها في إدارة شئون البيت والمشاركة في أعمال الزرع والحصاد والطبيخ والنفيخ والخبيز......الخ. أدرك خليل أنها تكبت في نفسها مشاعر الظلم صابرة ومكابرة مما تعانيه من تعب وشقاء وقلة تقدير لهذا الجهد الرائع في مقابلة متاعب الحياة وضنكها وكبدها. وأيقن خليل أن والدته كانت تتمنى أن يعاملها والده بنفس الطريقة التي يتعامل بها ابو سليم مع زوجته ، واستعرض في ذهنه حرص والدته على هندام والده ، حيث كانت تتفقد كوفيته وملابسه قبل خروجه من البيت ، وتحرص على نظافته وطعامه وتخصه بالعناية الفائقة ، وتذكر خليل ما أفضى به اليه صديقه سليم ذات يوم من سر سمعه عن والد خليل في جلسة جمعت ابا خليل وابي سليم في حاكورة بيت ابي سليم وهما يحتسيان قهوة الصباح ، وسمعهما سليم من شباك المنزل ، حيث سمع ابا خليل يطلب من ابي سليم يد عمته "صفية" زوجة الشهيد والتي كانت تعيش مع ابنائها اليتامى يوم أن كانت تسكن في مخيم الدهيشة ، وقال له ابو سليم "لا أظن أنها تترك أبناءها اليتامى وتتزوج يا ابو خليل ، فهم صغار بالسن ويحتاجون للرعاية والحضانة وإدارة شئونهم ، وأنا نفسي ما بأيد الموضوع ولا بوافق عليه ، وكانت العمة صفية المهجرة تعمل آذنة مدرسة ، وفتحت مشغلاً لخياطة الثياب التراثية الفلسطينية بالمخيم وتديره بعد الدوام ، ودرست أبناءها ورعتهم ، وهذا ما جعل ام سليم تتحفظ وتتخوف من زواج ابنتها من خليل لكي لا يصاب بعدوى تعدد الزوجات المنتشر بالقرية ، وفي نهاية جلسته مع والدته ، قال لها خليل:
"يمه الله يطوِّل عمرك، العالم بتطور من حوالينا ، يعني ضروري أعامل زوجتي مثل ما كان سيدي (جدي) يعامل جدتي (ستي) - ولكي لا يجرح مشاعرها لم يقل لها مثلما يعاملك والدي – أنا مصمم على الزواج من آمنة ولا أريد غيرها ، اطرحي الموضوع على والدي وأظن أنه سيوافق ، لأنه يحب ابا سليم ويريد التقرب منه أكثر ، ولا يمانع في ذلك ، وآمنة بنت مؤدبة وخلوقة ومستورة وتحبك كثيراً "، فقالت في نفسها دون أن تجهر بذلك أمام ابنها:
" الولد مبيِّن عليه عشقان ومسوسح ، ربنا يستر ويجيب العواقب سليمة"
وقالت لابنها " طيب يمه مثل ما بدك ، إذا رغبان فيها الله يحييها ويجعلها من نصيبك ، وإن صارت كنتي رح أحطها على راسي من فوق ، لأنها مرت الغالي ، وربنا يجعل نصيبك فيها ان شا الله ، أنا شو بدي غير سعادتك يا بنيي ، وتكون مبسوط مع مرتك اليّ بدك تجوزها ، بس كنت بدي كنة تساعدني في شغل البيت ، خواتك الكبار تجوزوا ، والصغار في المدارس ، ونسوان إخوتك كل وحدة صار وراها عُرّ ولاد ، ومش ملحقات عليهم ، ومش فاظيات إلي كمان ، وهن ما بقصرن معاي ، بس بقول الله يكون بعونهن".
في لقاء الصداقة الحميمة بين سليم وخليل في عطلة صيف عام 1965م ، وهما يتمشيان عصراً في حقول وسهول القرية دار بينهما حديثاً طويلاً عن ذكريات سليم بالقاهرة وعن ذكريات خليل بمعهد خضوري بطولكرم ، وتبادلا فيه مشاعر الصداقة والأخوة الحميمة ، الى أن انتهيا للتطرق للوضع السياسي ولما وصلت اليه القضية الفلسطينية. وسأل خليل صديقه سليم عما إذا كان يملك معلومات عن التنظيم الجديد الظاهر على السطح ويدعى حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" و"العاصفة" والذي شغل الشعب الفلسطيني والشعب العربي ولم يحظ برضا الحكومات العربية. قال سليم :
إن هذا التنظيم يا خليل يتوافق مع فكرنا تماماً بعد تجربتنا في حزب البعث ، ولقد تقصيت عنه تماماً وعن مؤسسيه ، إنهم نخبة متعلمة وواعية ومثقفة من شعبنا الفلسطيني معظمهم كانوا يدرسون بالقاهرة وفي أماكن اخرى، والتقوا في دول الخليج التي عملوا بها وكانت القيادة بالكويت وتواصلت مع أعضائها في الدول العربية وفلسطين وخاصة في قطاع غزة ، وكانوا ينتمون لعدة أحزاب عربية أهمها الإخوان المسلمين ، والقوميين العرب من ناصريين وبعثيين ، ومنهم أيضاً شيوعيين ، جمعهم الهم الوطني الفلسطيني بعيداً عن كل شائبة ، وكان هاجسهم القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني المشتت ، ودرسوا التجربة الجزائرية وثورات التحرر بالعالم ، وأدركوا أهمية الحرب الشعبية ومشاركة الشعوب في حروب التحرر والإستقلال ، وخبروا التنظيمات الحزبية وأجنداتها الخاصة التي تسبق الأجندات العامة في سلم اولوياتهم ، وتلمسوا الفشل العربي الرسمي في إدارة شئون القضية الفلسطينية منذ النكبة ، وتوصلوا الى ضرورة ايجاد مظلة وطنية فلسطينية فاعلة وغير مرتبطة بالإرادة العربية الممزقة في عملية تطوير لمنظمة التحرير الفلسطينية ، يستظل بها الفلسطينيون لتعبر عن آمالهم وطموحهم وهمومهم ويعملوا تحت ظلالها من أجل استعادة الهوية الفلسطينية والمطالبة بحقوق الشعب الفلسطيني المغتصبة من أفواه من وقع عليهم الظلم والذين يعانون الفرقة والشتات والتشريد. إنها الإنطلاقة من رحم المعاناة ومن رحم الأم الأرض الفلسطينية ، ومن دياجير التهجير والتغريب عن الوطن ، ومن مشاعر الأشواق الملتهبة في الصدور الى معانقة وطن الآباء والأجداد. والإستشهاد على ثراه الطاهر الطهور المبارك. لقد سمعت عن مؤسس هذا التنظيم ، فقد تخرج عام 1956م من جامعة القاهرة تخصص هندسة مدنية ، ويدعى محمد عبدالرؤوف القدوة ، وكان رئيس رابطة طلبة فلسطين في مصر ، ويقولون أنه كان يتمتع بحيوية وديناميكية نادرتين ، ونبوغ عقلي قلما تجد مثله في عصره ، وافق بين الدراسة في كلية عملية صعبة وبين النشاط الوطني المثابر ، كان دائب الحركة والنشاط ، فلم يترك مناسبة الاّ ويقحم فلسطين وقضيتها فيها ، وأقام علاقات متشعبة ومتوازنة مع الأشقاء العرب ومع أحرار العالم بحكم رئاسته للرابطة ، كان يجمعهم حول قضيته الفلسطينية ، لقد كان شاباً مغامراً لا يخشى الموت ، بالرغم من صغر حجمه الاّ أنه كان قوي الشكيمة ، يتمتع ببعد نظر ومصداقية وطنية ، وبعد تخرجه مباشرة حصل العدوان الثلاثي على مصر ، وتطوع مع بعض رفاقه من التنظيم في صفوف المصريين للدفاع عن مصر وعن الأمة العربية تحت مظلة حزب الإخوان المسلمين ، وبعد انتهاء العدوان الثلاثي على مصر وفشله وانسحاب القوات الأجنبية من مصر اتجه للعمل في الكويت ، وأسس شركة مقاولات ، وكان ناجحاً في عمله ، ومن أوائل المهندسين العرب القلائل الذين دخلوا للكويت في ذلك الوقت ، ولو استمر في مشواره العملي لكان الآن من أغنى أثرياء العرب. لم يكن همه جمع المال ، لقد كان همه الوحيد وشغله الشاغل قضية وطنه وشعبه ، فآثر وطنه على نفسه ، واختار الوطن ، وتبرأ من الذات وقهر رغباتها وشهواتها ، وصهرها في بوتقة الوطن والشعب ، كان باحثاً عن حقوق شعبه وهويته الوطنية الفلسطينية ، والتي يحاول المجتمع الدولي طمسها وإذابتها في الهوية العربية لتوطين الفلسطينيين بالدول العربية ، ويصورون القضية على أن اسرائيل تملك مساحة ضئيلة من الأرض لا تتسع لشعبها مقارنة بهذا البحر العربي الشاسع من الجغرافيا والمترامي الأطراف من حولها. إنهم يمولون هذا التنظيم من مصادر دخلهم الخاصة ، يقطعون المال عن عوائلهم وأبنائهم من أجل الوطن ، ووضعوا مدخراتهم في دعم هذا التنظيم وتدريبه وتسليحه.
كان خليل ينصت بكل جوارحه لسليم ، ولكنه مازال متحفظاً ومتشككاً بهوية هذا التنظيم ، حيث كان ميالاً للفكر القومي العربي الناصري ، وتواقاً للوحدة العربية ، ومؤمناً بالقومية العربية ، وما زاد من تشككه نشأة هذا التنظيم في أحضان دول الخليج العربي التي تناهض حكوماتها التوجه الناصري القومي العربي ، كما كانت ثقافة أهل الضفة الغربية مستقاة من الإعلام المصري الذي كان محظوراً عليهم سماعه ، وكانت الضفة الغربية ترزح تحت قبضة حكم السلطة الأردنية الحديدية ، وتحت حصار ثقافي وخاصة فيما يختص بقضية فلسطين خارج منظور السلطة لها ، تماماً كما يعانيه الشعب الفلسطيني في كل الدول العربية الحاضنة له ، وكانت الكتب ومناشير الأحزاب ممنوعة ، ويعاقب عليها القانون بأقصى انواع العقوبات ، وكانت ثقافة الناس بالقضية محصورة في نظرة السلطات العربية المختلفة ، حيث كان القضاء العشائري سائداً بين الناس في الضفة الغربية ، وكانت عائلات فلسطينية تعتبر نفسها عريقة متحالفة مع النظام الحاكم وعرف عنها تحالفها مع أي سلطة قائمة للحفاظ على مكاسبها من الجاه والأراضي التي منحت لها من السلطات الحاكمة المتواترة على حساب الطبقات الكادحة الفقيرة ، وذلك ترسيخاً لوباء الإقطاع المتوارث ، وكانت هذه العائلات الحليفة للسلطة القائمة تتوارث المناصب الإدارية والعشائرية في حكم الناس من سلطة زائلة الى سلطة قائمة بغض النظر عن وطنية السلطة من عدمها ، هذا بالإضافة الى حالة الفقر والبطالة التي كانت تسود الضفة الغربية لقلة المشاريع التنموية فيها ، حيث كانت جهود الحكومة منصبة على بناء العاصمة الأردنية ، وتطوير الريف الأردني بالضفة الشرقية ، والذي كان متخلفاً كثيراً عن نظيره بالضفة الغربية نظراً لجفاف الأراضي ، وسيادة البداوة وتفوقها على الحضارة ، ولم يلمس سليم من صديقه خليل ما يجعله متشجعاً لدعوته للإنضمام لهذا التنظيم ، هذا علاوة على خوف سليم على صديقه خليل من سطوة السلطات عليه إن اكتشفت أمره ، لذلك كان متحفظاً في ضمه للتنظيم ، وكان لمداخلة خليل على ما قاله سليم أثراً واضحاً في تحفظ سليم واحجامه عن دعوته لولوج التنظيم ، وتلخصت مداخلة خليل في " أن الفلسطينيين وحدهم لا يستطيعون الوصول لأهدافهم دون الدعم العربي لهم ودون فتح ساحاتهم الجغرافية المجيطة باسرائيل أمامهم لتسهيل مهمة المقاومة ،ودون توفير نظام دفاع عربي يردع اسرائيل التي كانت تتفوق عسكرياً على كل الدول العربية مجتمعة ،ويفتح لهم حدوده وآفاقه الواسعة والمحدقة باسرائيل لذلك أبدى خليل تشاؤمه لسليم حيال نجاح هذا التنظيم دون مساندة ودعم عربي يلتف من حولهم ، لأن المؤامرة الدولية من القوى العظمى المتحكمة بمصائر الشعوب أكبر من الفلسطينيين بل تتفوق على العرب كلهم في وضعهم المتشرذم الحالي". وانتهى اللقاء بينهما دون التوافق على امكانية نجاح التنظيم الفتحاوي الجديد في الوصول للأهداف.
وفي صبيحة أحد الأيام في صيف ذلك العام ، وبعد ليلة رضىً من ابي خليل على ام خليل ، أفاقت من نومها على صياح الديوك كالعادة قبل صلاة الفجر ، وسخنت الماء على بابور الكاز واغتسلت ، وأعادت التسخين لأبي خليل ليغتسل من الجنابة ، وحضرت له اللكن ليستحم فيه ، وأعدت له فطوراً من الزبدة والعسل والزيت والبيض البلدي المقلي بالسمن البلدي ، وابريقاً من الشاي المُحلى بسكر زائد ، وبعد أن استحم وأفطر ، ونفث سيجارتين من الدخان الهيشي مع الشاي وملأ البيت بالدخان، ذهب لأداء صلاة الفجر بالجامع ، ثم عاد وأحضر المحماسة وحمَّص القهوة على بابور الكاز ، ثم طحنها بالهاون في جرن القهوة ، وكان يتلاعب بالهاون طرباً وكأنه على الدف يشارك في تلحين أغنية شعبية ، ثم صب القهوة في البكرج واحتسى القهوة العربية (السادة) مع سيجارة من الهيشي. وعند طلوع الشمس وتسللها من داخل الشباك الشرقي للعقد وعلى وقع تغريد العصافير حول البيت وفي أعشاشها بشقوقه وعلى أشجار حاكورته ، لبس قمبازه (الدماية) وكوفيته وعقد شملته (حزامٌ من القماش) على خصره ، واستل ساعته من جيب القمباز ونظر اليها يريد الخروج للساحة ليلعب السيجة مع أقرانه ، استوقفته ام خليل تتفقد ملابسه وخاصة كوفيته البيضاء (حطة البوال) ، فاطمأنت على هندامه ونظافته ، وبينما هو يعيد ساعته لجيبه قالت له :
أبو خليل بدي أحكي معاك في هالموضوع ، فرد عليها "خير يا حرمة شو بدك ، اتأخرت على الختيارية ، قاعدين بستنوني في ساحة الديوان ،
فقالت : والله الليلة حلمت حلمة كويسة ، اللهم اجعلها خير يا رب ، شفتك في المنام حامل ولد صغير ملفع ومقمط بشرح القلب والخاطر وبشبه خليل أيام ما كان في اللفاع ، الخالق الناطق خليل ، فقال لها ابو خليل : الله يعينك على معقوليتك ، صحيح النسوان ناقصات عقل ودين ، هو كل واحد حلم حلمة بدها تصير ، والله ماني عارف ليش ابنك قاعد بدون جيزة ، الولد مبين عليه مش طبيعي ، فقالت له وهي مبتسمة : إن شاء الله رح تُفرج يا ابو خليل ، والله نفسي متلوعة ومتلهفة أشوف اولاد خليل ، ابنك خليل يا ابو خليل وقبل أن تكمل قال لها: شو ماله خليل يا مره ، فقالت : خليل نوى يتجوز يا بعد عمري ، ويا تاج راسي إنت ، فقال لها : طيب من زمان بنزن عليه وهو معنِّد ورافض ، هيّ بنات عمّه جاهزين ، وأي بنت بأشر عليها من البلد أنا مستعد وحتى من برّا البلد أنا مستعد ، فقالت له : نوى يتجوز من البلد بس مش من البلد ، فقال مستغرباً : إنت انجنيتي يا ولية ، ايش يعني من البلد بس مش من البلد ، فقالت له : بدي أقربها عليك كثير يا فهيم ، أهلها ساكنين بالبلد وهم مش من سكان البلد الأصليين ، وإذا كنت شاطر بتحزر بنت مين هي ، فقال : أنا مش فاضي لخراريف النسوان بدي اطلع ، احكي اليّ عندك وخلصيني بلاش طولة بال ، فقالت له : كل هاظا مش عارف يا ابو العريف ، آمنة بنت أبو سليم ، فصمت قليلاً وقال لها :
طيب خليني أديِّر الموضوع وأقلّبو وأشقلبو براسي ، وبنشوف بس أرجع وأحكي معاه ، وخليه يستناني الليلة قبل صلاة العشا ما يطلع يسهر مثل عوايده. يلّه السلام عليكم
وخرج ، وتبعته ام خليل في الحوش وهي تقول "وعليكم السلام ، الله يا ربي يحفظك ويديمك ويسهل طريقك ويخليك إنّا ، اسمع تقولّلك : فاستدار ابو خليل للوراء وقال : عوّقتيني عن ميعادي ، إنت شو جرالك اليوم قولي اليّ عندك مرة وحدة وخلصيني ،
وقالت :عندنا عزومة اليوم على الغدا ، خليل عزم سليم عشان جاي من مصر ، وبدي أطبخ مسخن على صيصان ، تعال على الغدا لا تتأخر زي كل يوم ، هذي الأكلة بطبخوها أهل فلسطين الفواقا (يعني أهل الشمال)، وعلمني عليها خليل الله يرضى عليه ، وبقول عنها زاكية وبدها زيت وبصل كثير ، وبدي أكثر الطبخة من شان نبعث لدار ابو سليم. وبعدين دير بالك مش تيجي مغبَّر قدام الضيف من القعدة على الغبرة والتراب ولعب السيجة. مهو دايماً انت والختيارية بتفعفلوا على التراب في ساحة الديوان مثل الجاج ، وهاظا من الفظاوة وراحة البال إليّ انتو فيها. وكمان إذا شفت ابو سليم اعزم عليه ييجي يتغدا. وجيب معاك من الدكانة رطل سكر ووقيتين شاي ، وعلبتين كبريت وابرة بابور (نكاشة عين البابور) وفتيلة لامظة ، وخميرة وملح ليمون وبكيت حلقوم من شان نحلي الضيوف بعد الأكل ، وخلي شعبان يسجلهم على الدفتر لأني عارفة ما معاك مصاري يكفي. وبطريقك مر على دار بنتك "سمية" وانت رايح للساحة ، إذا جاي جوزها إجازة من الجيش خليه ييجي يتغدى معانا ، وإذا مش جاي خليها تيجي هي وولادها ، زمان ما شفتها ، ومشتاق إلها ولولادها ، وكمان بتساعدني في العزومة وشغل البيت ، وهي حنونة علي كثير ، أكثر من كل بناتي وبتحس فيّ وبتعبي ، الله يرضى عليها دنيا وآخرة ، ويرضى على كل بناتي واولادي ، وإنت ربنا يطول عمرك إن شالله ويعز مقدارك ، ويعليّ ناموسك فوق روسنا كلنا.
وبعد العزومة دار حديث بين خليل ووالده عن نيته الزواج من آمنة ، وأبدى ابو خليل تحفظات بخصوص هندامها على الطريقة المدنية وشعرها المكشوف والذي يختلف عن طريقة هندام بنات ونساء القرية ، وهو الثوب الفلسطيني المطرز بالحرير ، والمنديل الطويل ، ولكن خليل أقنعه بسهولة سيما وقد افتتحت بالقرية مدرسة للبنات ، وقدم اليها معلمات بلباس مدني ، التنورة القصيرة والقميص ، فصارت القرية تتقبل ذلك تدريجياً بالإضافة الى أن طالبات القرية فرض عليهن لبس المريول القصير. وأبدى ابو خليل عزمه على مفاتحة ابي سليم بالموضوع ليحصل على الموافقة المبدئية. وتدخلت هنا ام خليل وأبدت اقتراحها بأن تزور هي وابو خليل بيت ابي سليم ومفاتحتهم بذلك في بيتهم. وكانت زيارتهم في أحد ليالي صيف عام 1965م ، وكان رد ابي سليم أن يمهلوهم فترة أسبوع للتشاور فيما بينهم ومشورة أقاربهم في الموضوع.
وقضى خليل سبعة أيام في الإنتظار الصعب ، مرت عليه كأربع سنوات عجاف يتبعهن بالتناوب ثلاث سنوات يغاث فيها الناس ويغاث فيها هو مع الناس ، لا يعرف للنوم الهاديء الساكن طعماً ، وقضاها متواتر الأفكار ، ومتموج الخواطر ، ومتقاطع الأماني في مساحات فسيحة تارة وضيقة تارة أخرى، ما بين قمة من التفاؤل وقاع من الإحباط. وما بين جبل من الأمل والطموح ووادٍ من اليأس والقنوط. وما بين بساط ربيع أخضر من الأحلام تتخلله ألوان الزهور والنوار والورود ، يتبعه صيف حار يطيح بالخضرة ، ويقلب لونها من الأخضر الندي الى الأصفر الجاف ، فيثير في نفسه الغيرة على ثمار حضنتها الأزهار والنوار في نباتات زرعها بيديه في الكرم نبتت من بذرة ومن شتلة ، ورعاها وسقاها وحافظ عليها ، وربما لا يستطيع جنيها فيجنيها من لا يستحقها ، مغتصباً منه عشقه وحبه الأول والأخير والراسخ في فؤاده كرسوخ الجبال في وطنه. يذهب للكرم يجتر الذكريات ، ويحسب المعطيات والمؤشرات ، ويستخلص النتائج ليصوغ الجواب التقريبي على سؤاله الذي نقله والداه لولاة أمر حبيبته. والجواب الصائب والدقيق على مسألته في الجزء التالي حيث ما زال لقصة العشق الفلسطيني الفلسطيني بقية ستأتي. يتبع الجزء التاسع عشر
بقلم أحمد ابراهيم الحاج
1/12/2009م
الجزء الثامن عشر
…………………
في صيف عام 1965م تخرج خليل من معهد خضوري بطولكرم ، وتخرجت آمنة من معهد الوكالة برام الله ، وعادا للقرية في بداية العطلة الصيفية ، وقدم كل منهما طلباً للعمل بوزارة التربية والتعليم في سلك التدريس وقدمت آمنة طلباً لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين ، وكانا ينتظران الموافقة والإلتحاق بعملهما في بداية العام الدراسي القادم 1965- 1966م ، وعاد سليم من القاهرة بعد أن اكمل السنة الآولى بالجامعة ليقضي العطلة الصيفية مع أهله في القرية ، وكان خليل قد واجه ضغوطاً كبيرة من أهله للزواج خلال دراسته ، ورفض عروضاً كثيرة من والده ووالدته للزواج من بنات العم والعمة وبنات الخال والخالة ، ومن أي بنت بالقرية يؤشر عليها ، كما أن والده وبحكم معارفه بالقضاء عرض عليه الزواج من بنات نظرائه من وجوه القضاء ، من دورا وحلحول وصوريف وبيت أمر ، لكن خليل قاوم كل هذه الضغوطات لأنه يضمر في نفسه شيئاً مغايراً ومختلفاً عما يريدون. وحانت لحظة الحقيقة بعد التخرج من المعهد ، ولم يعد يملك مبرراً للرفض والمراوغة ، وتكثفت جهود والديه وأشقائه وأخواته وعماته وخالاته لحثه على الزواج. وفي جلسة مع والدته صارحها بما يريد وبمن يريد أن يقترن، وطلب منها أن تنقل رغبته لوالده ، إنه يريد آمنة بنت أبو سليم شريكهم بالمعصرة وشريكهم بالحصادة والتراكتور ، فقالت له والدته:
يا بنيي كل بنات البلد وبنات القرى إليّ حوالينا مش عاجبينك ، يمّه هذي لبسها مش مستور الله يا ربي يستر عليها ، دايماً مفرعة راسها وبتلبس قصير ، أنا ما بحكي عليها ولا بتهمها بإشي ، هي مستورة ربنا الله، بس ما هي من ثوبنا ، وإحنا ما بنقبل مرتك تمشي في الزقاق بين الخلق والزلام مفرعة عن شعرها وكاشفة رجليها يا حبيبي ، وانت نفسك ما ظنيت إنك بتقبل ، وبعدين أمها قوية وسالبة عقل أبوها ، دايماً لابسة على آخر طرز كأنها عروس في ليلة دخلتها ، دايماً متستتة وقاعدة في البيت بس تتزوق وتترستك ، وجوزها مثل الخاتم باصبعها، ما بقلها ثلث الثلاثة كم ، بالعربي ابوها محكوم وخايف إنك بكره تتسوسح ويسلبن عقلك وتنحكم مثل أبوها وتنسانا ، وتضيع من بين ايدينا، أي طيب مرة سمعتها بتقول لجوزها يوم عزمناهم على المفتول وناداها من شان يروحوا وقلها "يلّه يا ام سليم" ، ردت وقالت:
"طيب يا حبيبي استنى شوية بس أخلص كاسة الشاي" ، ورد عليها وقعد يستنى بعد ما قام ، كأنها هي الزلمة وهو المرة ، وايش قال بتقول "يا حبيبي"، لا حيا ولا خجل من القاعدين ، قديش الي عايشه مع أبوك عمري ما سمعته ناداني الاّ "يا حرمة ، ويا ولية ، ويا مره" ، حتى اسمي "خضرة" عمره ما نطق فيه على لسانه. وبس أسمع صوته ينادي بترك كل اشي بيدي مهما يكون ، وبرد عليه لو كنت قاعدة على منسف بوكل في لحمة خروف مش بشرب في كباية شاي ، وابوك بسلامته صارت شواربه تترقوص وعينه تتقادح لما سمعها بتحكي لجوزها يا حبيبي ، ما بدري هو كان مبسوط على هالحكي والاّ زعلان ، هذا الإشي ما بمشي عندنا يا حبيبي الله يهديك ويرضا عليك. وأنا ظني أبوك ما يوافق على هالجيزة.
أنصت خليل لوالدته وهو يتأمل حديثها ويقلب في خاطره صور العلاقة الزوجية بين الأزواج في القرية ومن ضمنها علاقة والده بوالدته ، واستعرض علاقة عمه بزوجته الآولى ، وكيف تزوج عليها الثانية بدون مبرر ، وعلاقة خاله بزوجته الآولى وكيف نسي تضحياتها وشقائها معه في هذه الحياة وتزوج عليها ثانياً وثالثاً. وأدرك مدى الظلم الذي تعاني منه نساء القرية ومن ضمنها والدته بالرغم من تحملهن ثقلاً زائداً عن الرجل لأعباء هذه الحياة ، وكيف تقابل المرأة بهذا النكران والعقاب من زوجها بزواجه عليها دون سبب مقنع الاّ البحث عن المتعة والخلف بدلاً من التقدير وحسن الجزاء. فهو يمتص طاقتها وجهدها وحيويتها حتى تذبل فينقلب عليها باحثاً عن متاع الحياة الدنيا ،
نظر خليل الى وجه والدته المتألق المشرق رغم تقدمها بالعمر ، ورغم شقائها بالحياة ، حيث ما زالت تحتفظ بجمالها الأصيل ، وحيويتها المتدفقة ، فقد كانت الدماء تتدفق لوجنتيها المتوردتين وكأنها فتاة في العشرين من عمرها ، وقارنها في مخيلته بشجرة الزيتون التي تتحدى عوامل التعرية وانقلاب المناخ ، وتقاوم زحف الخريف على أوراقها الندية الخضراء ، فيستسلم أمامها الخريف صاغراً ، وينسحب مهزوماً أمام مقاومتها الضارية ، وقام خليل وقبل رأسها ثلاث مرات للتخفيف من المعاناة التي تواجهها في إدارة شئون البيت والمشاركة في أعمال الزرع والحصاد والطبيخ والنفيخ والخبيز......الخ. أدرك خليل أنها تكبت في نفسها مشاعر الظلم صابرة ومكابرة مما تعانيه من تعب وشقاء وقلة تقدير لهذا الجهد الرائع في مقابلة متاعب الحياة وضنكها وكبدها. وأيقن خليل أن والدته كانت تتمنى أن يعاملها والده بنفس الطريقة التي يتعامل بها ابو سليم مع زوجته ، واستعرض في ذهنه حرص والدته على هندام والده ، حيث كانت تتفقد كوفيته وملابسه قبل خروجه من البيت ، وتحرص على نظافته وطعامه وتخصه بالعناية الفائقة ، وتذكر خليل ما أفضى به اليه صديقه سليم ذات يوم من سر سمعه عن والد خليل في جلسة جمعت ابا خليل وابي سليم في حاكورة بيت ابي سليم وهما يحتسيان قهوة الصباح ، وسمعهما سليم من شباك المنزل ، حيث سمع ابا خليل يطلب من ابي سليم يد عمته "صفية" زوجة الشهيد والتي كانت تعيش مع ابنائها اليتامى يوم أن كانت تسكن في مخيم الدهيشة ، وقال له ابو سليم "لا أظن أنها تترك أبناءها اليتامى وتتزوج يا ابو خليل ، فهم صغار بالسن ويحتاجون للرعاية والحضانة وإدارة شئونهم ، وأنا نفسي ما بأيد الموضوع ولا بوافق عليه ، وكانت العمة صفية المهجرة تعمل آذنة مدرسة ، وفتحت مشغلاً لخياطة الثياب التراثية الفلسطينية بالمخيم وتديره بعد الدوام ، ودرست أبناءها ورعتهم ، وهذا ما جعل ام سليم تتحفظ وتتخوف من زواج ابنتها من خليل لكي لا يصاب بعدوى تعدد الزوجات المنتشر بالقرية ، وفي نهاية جلسته مع والدته ، قال لها خليل:
"يمه الله يطوِّل عمرك، العالم بتطور من حوالينا ، يعني ضروري أعامل زوجتي مثل ما كان سيدي (جدي) يعامل جدتي (ستي) - ولكي لا يجرح مشاعرها لم يقل لها مثلما يعاملك والدي – أنا مصمم على الزواج من آمنة ولا أريد غيرها ، اطرحي الموضوع على والدي وأظن أنه سيوافق ، لأنه يحب ابا سليم ويريد التقرب منه أكثر ، ولا يمانع في ذلك ، وآمنة بنت مؤدبة وخلوقة ومستورة وتحبك كثيراً "، فقالت في نفسها دون أن تجهر بذلك أمام ابنها:
" الولد مبيِّن عليه عشقان ومسوسح ، ربنا يستر ويجيب العواقب سليمة"
وقالت لابنها " طيب يمه مثل ما بدك ، إذا رغبان فيها الله يحييها ويجعلها من نصيبك ، وإن صارت كنتي رح أحطها على راسي من فوق ، لأنها مرت الغالي ، وربنا يجعل نصيبك فيها ان شا الله ، أنا شو بدي غير سعادتك يا بنيي ، وتكون مبسوط مع مرتك اليّ بدك تجوزها ، بس كنت بدي كنة تساعدني في شغل البيت ، خواتك الكبار تجوزوا ، والصغار في المدارس ، ونسوان إخوتك كل وحدة صار وراها عُرّ ولاد ، ومش ملحقات عليهم ، ومش فاظيات إلي كمان ، وهن ما بقصرن معاي ، بس بقول الله يكون بعونهن".
في لقاء الصداقة الحميمة بين سليم وخليل في عطلة صيف عام 1965م ، وهما يتمشيان عصراً في حقول وسهول القرية دار بينهما حديثاً طويلاً عن ذكريات سليم بالقاهرة وعن ذكريات خليل بمعهد خضوري بطولكرم ، وتبادلا فيه مشاعر الصداقة والأخوة الحميمة ، الى أن انتهيا للتطرق للوضع السياسي ولما وصلت اليه القضية الفلسطينية. وسأل خليل صديقه سليم عما إذا كان يملك معلومات عن التنظيم الجديد الظاهر على السطح ويدعى حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" و"العاصفة" والذي شغل الشعب الفلسطيني والشعب العربي ولم يحظ برضا الحكومات العربية. قال سليم :
إن هذا التنظيم يا خليل يتوافق مع فكرنا تماماً بعد تجربتنا في حزب البعث ، ولقد تقصيت عنه تماماً وعن مؤسسيه ، إنهم نخبة متعلمة وواعية ومثقفة من شعبنا الفلسطيني معظمهم كانوا يدرسون بالقاهرة وفي أماكن اخرى، والتقوا في دول الخليج التي عملوا بها وكانت القيادة بالكويت وتواصلت مع أعضائها في الدول العربية وفلسطين وخاصة في قطاع غزة ، وكانوا ينتمون لعدة أحزاب عربية أهمها الإخوان المسلمين ، والقوميين العرب من ناصريين وبعثيين ، ومنهم أيضاً شيوعيين ، جمعهم الهم الوطني الفلسطيني بعيداً عن كل شائبة ، وكان هاجسهم القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني المشتت ، ودرسوا التجربة الجزائرية وثورات التحرر بالعالم ، وأدركوا أهمية الحرب الشعبية ومشاركة الشعوب في حروب التحرر والإستقلال ، وخبروا التنظيمات الحزبية وأجنداتها الخاصة التي تسبق الأجندات العامة في سلم اولوياتهم ، وتلمسوا الفشل العربي الرسمي في إدارة شئون القضية الفلسطينية منذ النكبة ، وتوصلوا الى ضرورة ايجاد مظلة وطنية فلسطينية فاعلة وغير مرتبطة بالإرادة العربية الممزقة في عملية تطوير لمنظمة التحرير الفلسطينية ، يستظل بها الفلسطينيون لتعبر عن آمالهم وطموحهم وهمومهم ويعملوا تحت ظلالها من أجل استعادة الهوية الفلسطينية والمطالبة بحقوق الشعب الفلسطيني المغتصبة من أفواه من وقع عليهم الظلم والذين يعانون الفرقة والشتات والتشريد. إنها الإنطلاقة من رحم المعاناة ومن رحم الأم الأرض الفلسطينية ، ومن دياجير التهجير والتغريب عن الوطن ، ومن مشاعر الأشواق الملتهبة في الصدور الى معانقة وطن الآباء والأجداد. والإستشهاد على ثراه الطاهر الطهور المبارك. لقد سمعت عن مؤسس هذا التنظيم ، فقد تخرج عام 1956م من جامعة القاهرة تخصص هندسة مدنية ، ويدعى محمد عبدالرؤوف القدوة ، وكان رئيس رابطة طلبة فلسطين في مصر ، ويقولون أنه كان يتمتع بحيوية وديناميكية نادرتين ، ونبوغ عقلي قلما تجد مثله في عصره ، وافق بين الدراسة في كلية عملية صعبة وبين النشاط الوطني المثابر ، كان دائب الحركة والنشاط ، فلم يترك مناسبة الاّ ويقحم فلسطين وقضيتها فيها ، وأقام علاقات متشعبة ومتوازنة مع الأشقاء العرب ومع أحرار العالم بحكم رئاسته للرابطة ، كان يجمعهم حول قضيته الفلسطينية ، لقد كان شاباً مغامراً لا يخشى الموت ، بالرغم من صغر حجمه الاّ أنه كان قوي الشكيمة ، يتمتع ببعد نظر ومصداقية وطنية ، وبعد تخرجه مباشرة حصل العدوان الثلاثي على مصر ، وتطوع مع بعض رفاقه من التنظيم في صفوف المصريين للدفاع عن مصر وعن الأمة العربية تحت مظلة حزب الإخوان المسلمين ، وبعد انتهاء العدوان الثلاثي على مصر وفشله وانسحاب القوات الأجنبية من مصر اتجه للعمل في الكويت ، وأسس شركة مقاولات ، وكان ناجحاً في عمله ، ومن أوائل المهندسين العرب القلائل الذين دخلوا للكويت في ذلك الوقت ، ولو استمر في مشواره العملي لكان الآن من أغنى أثرياء العرب. لم يكن همه جمع المال ، لقد كان همه الوحيد وشغله الشاغل قضية وطنه وشعبه ، فآثر وطنه على نفسه ، واختار الوطن ، وتبرأ من الذات وقهر رغباتها وشهواتها ، وصهرها في بوتقة الوطن والشعب ، كان باحثاً عن حقوق شعبه وهويته الوطنية الفلسطينية ، والتي يحاول المجتمع الدولي طمسها وإذابتها في الهوية العربية لتوطين الفلسطينيين بالدول العربية ، ويصورون القضية على أن اسرائيل تملك مساحة ضئيلة من الأرض لا تتسع لشعبها مقارنة بهذا البحر العربي الشاسع من الجغرافيا والمترامي الأطراف من حولها. إنهم يمولون هذا التنظيم من مصادر دخلهم الخاصة ، يقطعون المال عن عوائلهم وأبنائهم من أجل الوطن ، ووضعوا مدخراتهم في دعم هذا التنظيم وتدريبه وتسليحه.
كان خليل ينصت بكل جوارحه لسليم ، ولكنه مازال متحفظاً ومتشككاً بهوية هذا التنظيم ، حيث كان ميالاً للفكر القومي العربي الناصري ، وتواقاً للوحدة العربية ، ومؤمناً بالقومية العربية ، وما زاد من تشككه نشأة هذا التنظيم في أحضان دول الخليج العربي التي تناهض حكوماتها التوجه الناصري القومي العربي ، كما كانت ثقافة أهل الضفة الغربية مستقاة من الإعلام المصري الذي كان محظوراً عليهم سماعه ، وكانت الضفة الغربية ترزح تحت قبضة حكم السلطة الأردنية الحديدية ، وتحت حصار ثقافي وخاصة فيما يختص بقضية فلسطين خارج منظور السلطة لها ، تماماً كما يعانيه الشعب الفلسطيني في كل الدول العربية الحاضنة له ، وكانت الكتب ومناشير الأحزاب ممنوعة ، ويعاقب عليها القانون بأقصى انواع العقوبات ، وكانت ثقافة الناس بالقضية محصورة في نظرة السلطات العربية المختلفة ، حيث كان القضاء العشائري سائداً بين الناس في الضفة الغربية ، وكانت عائلات فلسطينية تعتبر نفسها عريقة متحالفة مع النظام الحاكم وعرف عنها تحالفها مع أي سلطة قائمة للحفاظ على مكاسبها من الجاه والأراضي التي منحت لها من السلطات الحاكمة المتواترة على حساب الطبقات الكادحة الفقيرة ، وذلك ترسيخاً لوباء الإقطاع المتوارث ، وكانت هذه العائلات الحليفة للسلطة القائمة تتوارث المناصب الإدارية والعشائرية في حكم الناس من سلطة زائلة الى سلطة قائمة بغض النظر عن وطنية السلطة من عدمها ، هذا بالإضافة الى حالة الفقر والبطالة التي كانت تسود الضفة الغربية لقلة المشاريع التنموية فيها ، حيث كانت جهود الحكومة منصبة على بناء العاصمة الأردنية ، وتطوير الريف الأردني بالضفة الشرقية ، والذي كان متخلفاً كثيراً عن نظيره بالضفة الغربية نظراً لجفاف الأراضي ، وسيادة البداوة وتفوقها على الحضارة ، ولم يلمس سليم من صديقه خليل ما يجعله متشجعاً لدعوته للإنضمام لهذا التنظيم ، هذا علاوة على خوف سليم على صديقه خليل من سطوة السلطات عليه إن اكتشفت أمره ، لذلك كان متحفظاً في ضمه للتنظيم ، وكان لمداخلة خليل على ما قاله سليم أثراً واضحاً في تحفظ سليم واحجامه عن دعوته لولوج التنظيم ، وتلخصت مداخلة خليل في " أن الفلسطينيين وحدهم لا يستطيعون الوصول لأهدافهم دون الدعم العربي لهم ودون فتح ساحاتهم الجغرافية المجيطة باسرائيل أمامهم لتسهيل مهمة المقاومة ،ودون توفير نظام دفاع عربي يردع اسرائيل التي كانت تتفوق عسكرياً على كل الدول العربية مجتمعة ،ويفتح لهم حدوده وآفاقه الواسعة والمحدقة باسرائيل لذلك أبدى خليل تشاؤمه لسليم حيال نجاح هذا التنظيم دون مساندة ودعم عربي يلتف من حولهم ، لأن المؤامرة الدولية من القوى العظمى المتحكمة بمصائر الشعوب أكبر من الفلسطينيين بل تتفوق على العرب كلهم في وضعهم المتشرذم الحالي". وانتهى اللقاء بينهما دون التوافق على امكانية نجاح التنظيم الفتحاوي الجديد في الوصول للأهداف.
وفي صبيحة أحد الأيام في صيف ذلك العام ، وبعد ليلة رضىً من ابي خليل على ام خليل ، أفاقت من نومها على صياح الديوك كالعادة قبل صلاة الفجر ، وسخنت الماء على بابور الكاز واغتسلت ، وأعادت التسخين لأبي خليل ليغتسل من الجنابة ، وحضرت له اللكن ليستحم فيه ، وأعدت له فطوراً من الزبدة والعسل والزيت والبيض البلدي المقلي بالسمن البلدي ، وابريقاً من الشاي المُحلى بسكر زائد ، وبعد أن استحم وأفطر ، ونفث سيجارتين من الدخان الهيشي مع الشاي وملأ البيت بالدخان، ذهب لأداء صلاة الفجر بالجامع ، ثم عاد وأحضر المحماسة وحمَّص القهوة على بابور الكاز ، ثم طحنها بالهاون في جرن القهوة ، وكان يتلاعب بالهاون طرباً وكأنه على الدف يشارك في تلحين أغنية شعبية ، ثم صب القهوة في البكرج واحتسى القهوة العربية (السادة) مع سيجارة من الهيشي. وعند طلوع الشمس وتسللها من داخل الشباك الشرقي للعقد وعلى وقع تغريد العصافير حول البيت وفي أعشاشها بشقوقه وعلى أشجار حاكورته ، لبس قمبازه (الدماية) وكوفيته وعقد شملته (حزامٌ من القماش) على خصره ، واستل ساعته من جيب القمباز ونظر اليها يريد الخروج للساحة ليلعب السيجة مع أقرانه ، استوقفته ام خليل تتفقد ملابسه وخاصة كوفيته البيضاء (حطة البوال) ، فاطمأنت على هندامه ونظافته ، وبينما هو يعيد ساعته لجيبه قالت له :
أبو خليل بدي أحكي معاك في هالموضوع ، فرد عليها "خير يا حرمة شو بدك ، اتأخرت على الختيارية ، قاعدين بستنوني في ساحة الديوان ،
فقالت : والله الليلة حلمت حلمة كويسة ، اللهم اجعلها خير يا رب ، شفتك في المنام حامل ولد صغير ملفع ومقمط بشرح القلب والخاطر وبشبه خليل أيام ما كان في اللفاع ، الخالق الناطق خليل ، فقال لها ابو خليل : الله يعينك على معقوليتك ، صحيح النسوان ناقصات عقل ودين ، هو كل واحد حلم حلمة بدها تصير ، والله ماني عارف ليش ابنك قاعد بدون جيزة ، الولد مبين عليه مش طبيعي ، فقالت له وهي مبتسمة : إن شاء الله رح تُفرج يا ابو خليل ، والله نفسي متلوعة ومتلهفة أشوف اولاد خليل ، ابنك خليل يا ابو خليل وقبل أن تكمل قال لها: شو ماله خليل يا مره ، فقالت : خليل نوى يتجوز يا بعد عمري ، ويا تاج راسي إنت ، فقال لها : طيب من زمان بنزن عليه وهو معنِّد ورافض ، هيّ بنات عمّه جاهزين ، وأي بنت بأشر عليها من البلد أنا مستعد وحتى من برّا البلد أنا مستعد ، فقالت له : نوى يتجوز من البلد بس مش من البلد ، فقال مستغرباً : إنت انجنيتي يا ولية ، ايش يعني من البلد بس مش من البلد ، فقالت له : بدي أقربها عليك كثير يا فهيم ، أهلها ساكنين بالبلد وهم مش من سكان البلد الأصليين ، وإذا كنت شاطر بتحزر بنت مين هي ، فقال : أنا مش فاضي لخراريف النسوان بدي اطلع ، احكي اليّ عندك وخلصيني بلاش طولة بال ، فقالت له : كل هاظا مش عارف يا ابو العريف ، آمنة بنت أبو سليم ، فصمت قليلاً وقال لها :
طيب خليني أديِّر الموضوع وأقلّبو وأشقلبو براسي ، وبنشوف بس أرجع وأحكي معاه ، وخليه يستناني الليلة قبل صلاة العشا ما يطلع يسهر مثل عوايده. يلّه السلام عليكم
وخرج ، وتبعته ام خليل في الحوش وهي تقول "وعليكم السلام ، الله يا ربي يحفظك ويديمك ويسهل طريقك ويخليك إنّا ، اسمع تقولّلك : فاستدار ابو خليل للوراء وقال : عوّقتيني عن ميعادي ، إنت شو جرالك اليوم قولي اليّ عندك مرة وحدة وخلصيني ،
وقالت :عندنا عزومة اليوم على الغدا ، خليل عزم سليم عشان جاي من مصر ، وبدي أطبخ مسخن على صيصان ، تعال على الغدا لا تتأخر زي كل يوم ، هذي الأكلة بطبخوها أهل فلسطين الفواقا (يعني أهل الشمال)، وعلمني عليها خليل الله يرضى عليه ، وبقول عنها زاكية وبدها زيت وبصل كثير ، وبدي أكثر الطبخة من شان نبعث لدار ابو سليم. وبعدين دير بالك مش تيجي مغبَّر قدام الضيف من القعدة على الغبرة والتراب ولعب السيجة. مهو دايماً انت والختيارية بتفعفلوا على التراب في ساحة الديوان مثل الجاج ، وهاظا من الفظاوة وراحة البال إليّ انتو فيها. وكمان إذا شفت ابو سليم اعزم عليه ييجي يتغدا. وجيب معاك من الدكانة رطل سكر ووقيتين شاي ، وعلبتين كبريت وابرة بابور (نكاشة عين البابور) وفتيلة لامظة ، وخميرة وملح ليمون وبكيت حلقوم من شان نحلي الضيوف بعد الأكل ، وخلي شعبان يسجلهم على الدفتر لأني عارفة ما معاك مصاري يكفي. وبطريقك مر على دار بنتك "سمية" وانت رايح للساحة ، إذا جاي جوزها إجازة من الجيش خليه ييجي يتغدى معانا ، وإذا مش جاي خليها تيجي هي وولادها ، زمان ما شفتها ، ومشتاق إلها ولولادها ، وكمان بتساعدني في العزومة وشغل البيت ، وهي حنونة علي كثير ، أكثر من كل بناتي وبتحس فيّ وبتعبي ، الله يرضى عليها دنيا وآخرة ، ويرضى على كل بناتي واولادي ، وإنت ربنا يطول عمرك إن شالله ويعز مقدارك ، ويعليّ ناموسك فوق روسنا كلنا.
وبعد العزومة دار حديث بين خليل ووالده عن نيته الزواج من آمنة ، وأبدى ابو خليل تحفظات بخصوص هندامها على الطريقة المدنية وشعرها المكشوف والذي يختلف عن طريقة هندام بنات ونساء القرية ، وهو الثوب الفلسطيني المطرز بالحرير ، والمنديل الطويل ، ولكن خليل أقنعه بسهولة سيما وقد افتتحت بالقرية مدرسة للبنات ، وقدم اليها معلمات بلباس مدني ، التنورة القصيرة والقميص ، فصارت القرية تتقبل ذلك تدريجياً بالإضافة الى أن طالبات القرية فرض عليهن لبس المريول القصير. وأبدى ابو خليل عزمه على مفاتحة ابي سليم بالموضوع ليحصل على الموافقة المبدئية. وتدخلت هنا ام خليل وأبدت اقتراحها بأن تزور هي وابو خليل بيت ابي سليم ومفاتحتهم بذلك في بيتهم. وكانت زيارتهم في أحد ليالي صيف عام 1965م ، وكان رد ابي سليم أن يمهلوهم فترة أسبوع للتشاور فيما بينهم ومشورة أقاربهم في الموضوع.
وقضى خليل سبعة أيام في الإنتظار الصعب ، مرت عليه كأربع سنوات عجاف يتبعهن بالتناوب ثلاث سنوات يغاث فيها الناس ويغاث فيها هو مع الناس ، لا يعرف للنوم الهاديء الساكن طعماً ، وقضاها متواتر الأفكار ، ومتموج الخواطر ، ومتقاطع الأماني في مساحات فسيحة تارة وضيقة تارة أخرى، ما بين قمة من التفاؤل وقاع من الإحباط. وما بين جبل من الأمل والطموح ووادٍ من اليأس والقنوط. وما بين بساط ربيع أخضر من الأحلام تتخلله ألوان الزهور والنوار والورود ، يتبعه صيف حار يطيح بالخضرة ، ويقلب لونها من الأخضر الندي الى الأصفر الجاف ، فيثير في نفسه الغيرة على ثمار حضنتها الأزهار والنوار في نباتات زرعها بيديه في الكرم نبتت من بذرة ومن شتلة ، ورعاها وسقاها وحافظ عليها ، وربما لا يستطيع جنيها فيجنيها من لا يستحقها ، مغتصباً منه عشقه وحبه الأول والأخير والراسخ في فؤاده كرسوخ الجبال في وطنه. يذهب للكرم يجتر الذكريات ، ويحسب المعطيات والمؤشرات ، ويستخلص النتائج ليصوغ الجواب التقريبي على سؤاله الذي نقله والداه لولاة أمر حبيبته. والجواب الصائب والدقيق على مسألته في الجزء التالي حيث ما زال لقصة العشق الفلسطيني الفلسطيني بقية ستأتي. يتبع الجزء التاسع عشر
بقلم أحمد ابراهيم الحاج
1/12/2009م
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 - 20:54 من طرف جنى ميرو
» صيانة سخانات في دبي 0543747022 emiratefix.com
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 - 19:53 من طرف جنى ميرو
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في عجمان 0543747022
السبت 16 نوفمبر 2024 - 23:43 من طرف جنى ميرو
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في عجمان 0543747022
السبت 16 نوفمبر 2024 - 23:11 من طرف جنى ميرو
» تصليح أفران في دبي 0543747022 emiratefix.com
السبت 16 نوفمبر 2024 - 22:15 من طرف جنى ميرو
» تصليح أفران في دبي 0543747022 emiratefix.com
السبت 16 نوفمبر 2024 - 22:11 من طرف جنى ميرو
» تصليح ثلاجات في دبي emiratefix.com 0543747022
السبت 16 نوفمبر 2024 - 0:11 من طرف جنى ميرو
» تصليح سخانات في دبي - 0543747022 (الشمسية و المركزية) emiratefix.com
الجمعة 15 نوفمبر 2024 - 20:33 من طرف جنى ميرو
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في الشارقة 0543747022
الأربعاء 13 نوفمبر 2024 - 21:30 من طرف جنى ميرو
» اداة ذكاء اصطناعي للباحثين وطلاب الدراسات العليا
الجمعة 26 أبريل 2024 - 11:23 من طرف Abd