منتديات خاراس الرسمية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

2 مشترك

    آمنة و خليل/الجزء الرابع والعشرون

    أحمد ابراهيم الحاج
    أحمد ابراهيم الحاج

    {{ كبار الشخصيات }}


    {{ كبار الشخصيات }}


    الجنس : ذكر
    البرج : الحمل
    عدد المشاركات : 231
    العمر : 72
    البلد : فلسطين - خاراس
    نقاط النشاط : 204
    الاعجاب : 4
    الدوله : فلسطين

    آمنة  و خليل/الجزء الرابع والعشرون Empty آمنة و خليل/الجزء الرابع والعشرون

    مُساهمة من طرف أحمد ابراهيم الحاج السبت 26 مارس 2011 - 10:47

    آمنة وخليل /الجزء الرابع والعشرون
    ..............................................
    في شهر آب (أغسطس) من عام 1966م حدث تطورٌ بالغ الأهمية بالنسبة للعسكرية الإسرائيلية ، وكذلك لدولة اسرائيل الطفيلية التي تبحث عن عائل قوي تقدم له أوراق اعتمادها كخادمة لمصالحه بالمنطقة التي يتطلع لبسط نفوذه عليها ، ويعوضها عن ضعف العائل الآوروبي الذي تقلصت وتلاشت امبراطورياته وتراجعت الى حدودها الجغرافية. وبات عاجزاً عن تقديم الدعم الكافي للحفاظ على اسرائيل متفوقة على كل جيرانها العرب مجتمعين. لقد نجح الموساد الإسرائيلي (المخابرات الإسرائيلية للشئون الخارجية) في الحصول على طائرة (ميج 21) السوفيتية الصنع (التي كانت من المستوى الثاني لسلاح الطيران السوفياتي والمستوى الأول لسلاح حلفاء السوفييت في الحرب البادردة) ، وقامت اسرائيل بإطلاع الغرب الآوروبي والأمريكي عليها وكشف أسرارها وقدراتها ، وذلك بعد نجاح الموساد في استدراج طيار عراقي وإغرائه للفرار بطيارته من العراق الى اسرائيل ، حيث كان هذا الطيار غاضباً لتكليفه بإلقاء متفجرات على قرية يسكنها الأكراد في شمال العراق. وقد رفعت هذه الحادثة من قيمة اسرائيل في المنطقة في نظر الغرب ، وانبهرت بها الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت غارقةً في سباق تسلح مع الإتحاد السوفياتي. وكانت متحفظة تجاه اسرائيل ، وغير قانعة بعد بتمكن اسرائيل من العيش وسط هذا البحر الهائج المائج من الأعداء وخاصة في عهد الرئيس الأمريكي ايزنهاور. وجاءت هذه الهدية في أوج الحرب الباردة بين القطبين الكبيرين. ونظر الغرب الى الموساد نظرة إعجاب وتقدير بالغين على هذا الإنجاز الرائع الذي عجزت عنه المخابرات المركزية الأمريكية ، وهذه الهدية الثمينة في وقتها الحساس والمناسب. وقد اعتبر هذا الإنجاز المخابراتي الإسرائيلي تحولاً استراتيجياً لصالح اسرائيل ، وكان بمثابة مفتاح بوابة العبور الى العسكرية الأمريكية المتطورة ، وفاتحة عهد جديد من الدعم الأمريكي السخي لإسرائيل على المستويات العسكرية والعلمية البحثية والإقتصادية والإستخباراتية ، واقتنعت الولايات المتحدة الأمريكية بوجهة نظر تقول : يمكن أن تكون اسرائيل حليفاً وفياً لها ، وذراعها المتقدم في السيطرة على مقدرات المنطقة ، وخاصة في عهد رئيس أمريكي محافظ ومتطرف هو ليندن جونسون وهو مؤسس حركة المحافظين في الإدارة الأمريكية بمعتقداتهم الدينية المرتبطة بالفكر المسيحي المتصهين . ومن هنا نشأت رابطة أخلاقية روحية قوية بين اسرائيل والولايات المتحدة تقوم على المعتقد الديني ، دعمت نظرية المصالح المشتركة والمتبادلة ، ومهدت لتقوية اللوبي الإسرائيلي داخل أمريكا قوامه من اليهود والأمريكيين المتدينين المحافظين ، وفي عهد جونسون انفتح صنبور الدعم الأمريكي السخي لإسرائيل اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً ، حيث حصلت اسرائيل على دعم عسكري هائل ، ودعم اقتصادي سخي ، ودعم سياسي ومعنوي قوي ، وذلك للإعتقاد المسيحي المتطرف الذي آمن به جونسون وهو أهمية ومكانة اليهود في خطة الله وتدبيره للكون والبشرية. وفي عهده أقر قانون الهجرة والجنسية، فتهافت اليهود الآوروبيون للهجرة الى أمريكا، واقتحموا الساحة الأمريكية الواعدة والتي بدت أنها ستخلف الإمبراطوريات الآوروبية البائدة، في كل ميادينها الفاعلة من علماء وأدباء وفنانين ورجال الصحافة والإعلام والفكر، ونشط الأدباء اليهود في تغيير الفكرة والصورة المشوهة التي طبعها الأدباء الآوروبيون في أعمالهم الأدبية عن اليهود، ونشط العلماء والباحثون اليهود، وتطلعوا الى إحتلال المناصب المرموقة في المجتمع الأمريكي، والى المناصب العليا في الدولة والى مناطق صنع القرار الأمريكي ، وكانت تلك نقطة الإنطلاق الى مراكز صنع القرار والسيطرة عليها من خلال اللوبي الإسرائيلي (ايابك). وانهالت عليهم تبرعات اليهود الأثرياء من كل حدب وصوب. وعمل هذا اللوبي على دعم سياسة الحكومة الإسرائيلية داخل الإدارة الأمريكية.
    لقد صدم العالم العربي على المستوى الرسمي والشعبي من حادثة هروب الطيار العراقي بطائرته ، وكانت صدمة السوفيت كبيرة وعميقة تفوق الصدمة العربية ، وأضعفت ثقتهم بالعرب وقللت من قيمة الإعتماد عليهم كحلفاء أوفياء للأصدقاء لا يؤمن جانبهم ، مما جعلهم يحسبون ألف حساب قبل تزويد العرب بأسحلة سوفيتية متطورة. ومثلت هذه الحادثة ضربة قوية لسلاح الجو السوفيتي نظراً لكشف اسرارها للغرب وخاصة القطب المنافس للسوفيت (الولايات المتحدة الأمريكية).
    شارفت العطلة الصيفية على الإنتهاء ، وبدأت أسئلة أهل خليل وأقاربه وجيرانه بعد زواجه بأشهر تنهال مستفسرة عن حمل زوجته وولادة الصبي ، وكان خليل يصد كل من يسأله عن الحمل ، ويصد كل من يسمعه يوجه السؤال لآمنة ، وكانت أخوات خليل وعماته وخالاته يضايقن آمنة بهذه الأسئلة الشخصية في غياب خليل : شو ما توحمتي؟ وما حبلتِ لهلاّ يا مرت أخوي؟ متى رح تجيبونا صبي ، يلّه شدوا حيلكو ، تأخرتوا كثير ، معقول لهلاّ ما حوشتو، والله نفسنا نشوف صبي لخليل. وكان خليل ينصح آمنة بعدم الإكتراث لهذه الأسئلة ، وأن لا تقيم لها وزناً ، ولا تعيرها إهتماماً. لكنها كانت تجد لها صدىً وردة فعل مؤذية لنفسها ، وخاصة في طريقة طرح الأسئلة والإلحاح فيها دون توقف وفي أي مناسبة. والتدخل في شئون شخصية تخصها هي وزوجها فقط حسب قناعاتها وقناعات زوجها خليل . وهذا ما لم يكن يقتنع به أهل القرية بتاتاً. وساد اعتقاد في البلد بأن آمنة عاقر لا تنجب.
    تلقت آمنة خطاب تعيينها من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين ، لتعمل مُدَرِّسة في مَدرسةٍ من مدارس الوكالة الإعدادية بمخيم العروب ، وبدأ العام الدراسي 1966- 1967م ، والتحق المدرسون بمدارسهم ، وتبعهم الطلبة في بداية أيلول 1966م. وأخذ خليل يبحث له ولزوجته عن سكن قريب من عملهما ، واستأجر بيتاً في العروب بالقرب من عمل آمنة لكي يوفر على آمنة الوقت وعناء الذهاب والإياب بالباصات ، وحان موعد الرحيل ، فودعه والده صباحاً قبل خروجه للساحة ليمارس هوايته بلعب السيجة مع الختيارية وخاصة مع صهره المنتظر ابو عايش ، وبينما كان خليل ينقل أثاث منزله بالسيارة التي يعمل عليها زوج اخته ، كانت عائلته (والدته وإخوته وأخواته يودعونه بالبكاء) ، حيث لم يتعودوا على فراقه سيما وهو متزوج ، وفي عهدة زوجة ربما تشغله عن التفكير بهم ونسيانهم. فتهوِّن عليه من لواعج الغربة وتقلل من جاذبيته لأهله وذويه. كيف لا وهو الذي يتصدى لوالده للدفاع عن حقوق أخواته بالميراث، والدفاع عن حقوقهم بالتعليم، ويتصدى للتمسك بالعادات والتقاليد القديمة المتقادمة والتي لم تعد صالحة في ذاك الزمان الذي كانت تدور عجلته دون توقف وبتسارع تزداد وتيرته يوماً بعد يوم. وهو المدافع عن حق والدته وهيبتها واحترامها وأهميتها بالبيت. وكانت عائلة ابي سليم قد ودعاهما وانصرفوا الى بيتهم ولم يبدُ عليهم التوتر والحزن كعائلة ابي خليل نظراً لتجربة التهجير والفرقة والشتات عن الأقارب التي عانوها وما زالوا يعانون منها، وعندما استعد السائق للإنطلاق نحو العروب عن طريق الخليل، فإذا بعبد المجيد المجنون كما يسميه اهل القرية يصرخ من بعيد طالباً من السائق التوقف، وكان الصغار خلفه يزفونه ويرمونه بالحصى ويضحكون عليه، ولما لمحه خليل استوقف السيارة ونزل منها ملوحاً له بالقدوم، وعندما لمح الصغار خليلاً هربوا جميعاً لأنه كان لا يسمح لهم بذلك ويعاقبهم علي فعلتهم تلك، وكان يطوف على أهاليهم ويطلب منهم منع أبنائهم من هذه التصرفات، ولكن لا حياة لمن تنادي. وصل عبد المجيد المجنون لاهثاً ليلحق بخليل قبل سفره، وكان خليل قد استوقف أمه وأخواته وإخوانه، ووصاهم جميعاً على عبد المجيد، ولكن عبد المجيد بادر بالحديث وقال موجهاً كلامه لخليل:
    لمن ستتركني وتترك ابني يا خليل ،أنت صديقي وحبيبي وقريبي، الكل تخلا عني حتى اقرب الناس لي الاّ أنت، ويتهمونني بالجنون والكبار يتهربون مني ويعاملونني باحتقار، والصغار والشباب يطاردونني ويتحرشون بي، بالرغم من عدم الإساءة لأي مخلوق في البلد، بلغ الناس أن يتركوني بحالي ، وأن يكفوا عني صغارهم وشبابهم، حتى عقلاء القرية يتعرضون لي بالإساءة ويعاملونني بإهمال، أنام نهاراً وأسهر ليلاً أطوف البراري بعيداً عن اهل البلد، لكي لا أرى أحداً، ولكن صغار القرية وشبابها يرشقون باب بيتي بالحجارة وأنا أحاول النوم الذي يأتيني بصعوبة، ثم يختبئون لكي يتسلوا عليّ. ولا يلاقون من يردعهم من أهلهم ومن عقلاء البلد. قل لي بالله عليك : من المجنون فينا؟ أنا أم اهل البلد؟ طبطب خليل على كتفيه، وأمسك بيديه يضغط عليهما بحرارة، وقال له : والله إنك لعاقل يا ابو زياد وهم المجانين، ونادى على أهله وأكد على إخوانه أن يعتنوا به وأن يصدوا عنه الصغار والشباب، وأكد على أمه ورجاها أن ترسل له الطعام والشراب مهما استطاعت الى ذلك سبيلا، وعانقه وودعه بحرارة وكانت عينا عبد المجيد محمرتين كعادتهما ودامعتين وممتلئتين بالدموع الساخنة التي كانت تتساقط على جفون ذابلة ومتورمة ومتقرحة ومحمرة وملتهبة من السهر والدوران في البراري تائهاً على وجهه. وسلّم خليل مفتاح بيته الفارغ لوالدته وانطلق مع نسيبه (زوج أخته) سائق السيارة، متوجهاً للعروب عبر الخليل. وكان عبد المجيد يمشي خلف السيارة يشيعها بنظرات الوداع المنكسرة المتألمة الى أن توارت عن الأنظار.
    كانت عيوش قد حصلت على ورقة الطلاق من زوجها المفقود والذي انقطعت أخباره وراح طي النسيان في أتون الحقد الصهيوني على الفلسطينيين، وكان ابو خليل قد طلب من أبي عايش والد عيوش أن ينتظر حتى يسافر خليل ويلتحق بعمله مدرساً في الخليل خوفاً من ممانعته لزواجه من عيوش، وكان سفر خليل الفرصة المناسبة لإتمام الزواج الذي ينتظره ابو خليل دون إثارة المشاكل مع ابنه خليل الذي يحسب له حساباً مختلفاً عن جميع افراد العائلة. فبعد اسبوع من التحاق خليل بعمله طلب ابو خليل من ام خليل مفاتيح بيت خليل بحجة أنه سيستضيف صديقاً له قادماً من شمال فلسطين لمدة اسبوع لينام فيه مع صديقه، وحصل على المفاتيح، وبعد ذلك وفي أول رحلة للباص في الصباح الباكر ذهب الى الخليل مع عيوش ووالدها واثنين من الشهود من ختيارية البلد، ودفع الأجرة عن الجميع، وتم التنازل عن الزيتونات الروميات الثلاثة وعقد قرانه عليها، وبعد ذلك دعا الجميع على أكلة كباب في كراجات الخليل، ثم تم الزواج بدون ضجيج، حيث اقتادها والدها بعد المغرب الى بيت الزوجية وكان ابو خليل في انتظارهما ببيت خليل، لتكون عروساً بدون عرس، وهذا ما كان دارجاً في زواج الأرامل بالقرية. وكانت المفاجئة المدوية لأم خليل، التي اكتشفت وعلمت من الناس أن زوجها قد تزوج عليها، وأسكن زوجته الجديدة عيوش في بيت خليل. وكانت تعتقد أنه ينام مع صديقه في بيت خليل، ولم تأبه لغيابه عن البيت، حيث تم الزواج بطريقة سلسة وشبه سرية، وفي الجامع فوجيء المصلون ببعض الختيارية من الشهود الذين شهدوا على زواجه يباركون لأبي خليل بالزواج ، وكأنها عملية مقصودة لنشر خبر الزواج في القرية دون زوبعة مصاحبة للخبر، وانتشر الخبر بالقرية كلها انتشار النار بالهشيم. كظمت ام خليل غيظها ، ووجدتها فرصة للحد من شقائها في قراء ضيوفه وغسيل ثيابه وتحضير قهوته وفطوره وغدائه، والتخلص من دخانه الذي كان يملؤ البيت في الصباح الباكر، فقررت أن تتخلاّ عن مسئولياتها تجاهه وتجاه ضيوفه لتلقي بها على ضرتها، سيما وهي مشبعة بحنان أولادها ووقتها مشغول بالكامل في إدارة شئون البيت وأداء جل أعماله إضافة الى أعمال الفلاحة وتربية المواشي واستخلاص حليبها واشتقاق منتجاتها، كذلك كان يسليها ويملؤ عليها البيت أحفادها وكناؤنها وبناتها. فتقبلت الأمر على مضض وغصة وجرح، ووكلت أمرها لله واحتسبت صبرها وكظم غيظها لوجه الله تعالى. وتناست موضوع الزواج ولملمت جراحها، وتأقلمت مع الوضع الجديد.
    وفي زيارة ابي سليم وام سليم لصهرهما خليل وزوجته آمنة في العروب، علم خليل بفعلة والده من ابي سليم، فاستشاط غضباً أمام أصهاره، ومما أغضبه وحز في نفسه أن زوجة أبيه الجديدة صغيرة بالسن مقارنة مع والده، وكذلك سمعتها السيئة بالقرية، خاصة بين أوساط الشباب الذين كانوا يتسامرون أمام بيتها ويغازلونها وتغازلهم من الشبابيك على سبيل الطيش المتبادل ليس الاّ. ويتحدثون عنها كلاماً كان بعيداً عن الواقع ومن جنح الخيال الجامح للشباب المراهق، وجارحاً أحياناً للعرض والشرف. ولما عاد ابو خليل لبيت العائلة الكبير بعد اسبوع من ليلة زفافه لآمنة ليتواجه لأول مرة مع ام خليل دار بينهما الحوار التالي حيث كانت لوحدها بالبيت تعجن العجين :
    ابو خليل بابتسامة مشوبة ببعض الحياء المشوب بالخزي من فعلته : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يا ام خليل.
    أم خليل وقد رفعت يديها تسلكها من العجين وأبقت عينيها مسلطة على لكن العجين دون أن تنظر اليه : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، والله عشت وسمعتك بتناديني بإسم ابني البكر يا ابو خليل ، يا ريتو سبع بركات عرسك يا ابو الشباب. ونظرت اليه واستطردت تقول: كنت جوزت ابنك فتحي العزابي واليّ صار عمره اثنين وعشرين سنة وشايل مسئولية الأرض والزرع والحصيدة والدراس. لهدرجة كاينة نفسك خضرا ، هذي هي : بعد ما انحنى وشاب ودوه على الكتاب.
    أبو خليل وقد استبشر بردة فعلها خيراً ، وردّ طرفي دمايته على وركيه ، وشمَّر سرواله قليلاً عن ساقيه وجلس يقابلها مقرمزاً على أطراف قدميه وقال مبتسماً :
    الله يطرح البركة فيك وفي عمرك ، والله إنت الخير والبركة ، وبتظلي إنت القرمية والأصل وراس المال ، أنا جاي من شان أنام هان الليلة عند بنت الأصل والفصل. بنت عمي الحج عبد الغني ألف رحمة تنزل على روحه. ومن اليوم رح أنام هان ليلة وهناك ليلة بالعدل.
    أم خليل : والله هذي ما حزرت فيها يا بعد عمري ، مش كل الطير بتاكل لحمه ، وأنا لحمي مر مثل العلقم ، بدك تنام برّا في الحوش بالسقعة اهلا وسهلا ، لكن حد الله ما بيني وبينك يا معوّد ، من اليوم أنا محرمة عليك مثل ما تحرمت على أخوي ابن أمي وأبوي. كان غيرك أشطر ، إلعب غيرها. والله بفوت كل اشي وبدعس عليه من شان كرامتي. يعني لمّا كنت مطيعة إلك ومحافظة عليك كان هاظا من أصلي وفصلي ، مش لأني حيطة *********ة تقدر تنط عنها. كل إشي وإلو حدود. لعند هان وبس. وين رايح إنت ، وشو مفكّر حالك ابو زيد الهلالي.
    ابو خليل : له ، له يا خضرة ، هو أنا الوحيد في هالبلد اليّ تجوزت ، شوفي إخوتك إليّ اتجوز ثنتين واليّ ثلاثة ، وبعدين إنت مرتي وعلى ذمتي ، وما بفرط فيك أبداً لو مهما صار، لأنك ام اولادي ، وقاسمتيني الحلوة والمرة ، والعشرة ما بتهون على اولاد الحلال. وبعدين صدقيني بخجل من رحمة ابوك وهو تحت التراب من هيبته واحترامه.
    ام خليل : الحمد لله إنك نطقت اسمي على راس لسانك بعد عمر طويل ، هو إنت مفكر نسوان إخوتي مثلي ، معناته انت مش عارفني ، أنا ما كنت بايرة ورموني عليك أهلي وترجوك تتجوزني، وإنت عارف أنا بنت مين يا عبد الفتاح ، تمرمرت لما وافقوا عليك أهلي بعد انا ما وافقت عليك ، لأنك أخذت بنت المختار وشيخ البلد كلها وعلى العيلتين وأبوي كان معمود ومعروف في كل القضا ، ومش بس هيك ، أخذت اليّ طلبوها كل شيوخ ومخاتير القضا لولادهم ، واليّ كان يتمناها كل شباب البلد. والاّ نسيت ، انسيت شاة الشباب اليّ دفعتها لاولاد اعمامي من شان ما ينزلوني عن الجمل. وبعدين تعال جاي : العشرة هانت عليك إنت مش عليّ ، والعين بالعين والسن بالسن والبادي أظلم.
    ابو خليل : لا والله ما انسيت يا بنت الحلال ، وكيف بدّي أنسى (والتفت حوله يميناً وشمالاً لكي لا يسمعه أحد وأكمل يهمس) يا حبيبتي الغالية. والله محبتك معشعشة في حشوة قلبي من جوّى يا مهجة قلبي إنت. والرِّجل مطرح ما بتحب بتدب ، ولو إني ما بحبك كان ما جيت لحدِّك.
    أم خليل : الله يخلف عليه ابو سليم اليّ علمك هاللحن ، بس مش لايقة عليك هالحِدّاية ، روح إحديها لغيري ، أنا عاجنتك وخابزتك وطابختك ، بس بتعرف يا عريس آخر زمن ، والله أنا شفقانه عليك ، لأني عمري ما شفتك بهالمطاطاة ، وأنا بنت رجال وما بحب الرَّجال اليّ بغلط وبعدها بقعد بطاطي ، كل هاظا من شان نزوة تنسيك عمرك وحياتك واولادك وتاريخك يا ختيار، ومع مين؟ يا ريتها محرزة الطبخة ، بنت ابو عايش المصدّي اليّ ما بعرف وين القبلة. عيوّش المعصعصة العبدة اليّ مثل مقحار الطابون، لكن بقول الله يستر على بنات الناس كلهن. روح روح عندها وقلها يا حبيبتي ، إنت ما بتلزمني. وبعدين ليش حطتك وسخة ، ودمايتك مغبرة وانت عريس ، لازم تكون تظوي ظوي ، ويا حيف على هيك عرايس وهيك عرسان ، وصحيح مثل ما قالوا "الفرس من الفارس" وكمان وجهك مخطوف كإنك عايش عالقلّة وما بتوكل ، وبتعرف : هالحين والله ما بهون عليّ يشوفوك الناس بهالمنظر وحطتك ودمايتك وسخين لأنك ابو اولادي مش لأنك جوزي مثل زمان.
    ابو خليل : استغفري الله وإمسحي وجهك بالرحمن عاد يا خضرة، الله يهديكِ، ونظر حواليه وحاول الإمساك بيدها ، فسحبتها منه بقوة وسرعة كادت أن توقعه على ركبه على الأرض، وقالت:
    أم خليل : إسمع يا عبد الفتاح ، أنا جهزت كل أغراضك وغياراتك ، وعدة القهوة والشاي واكياس الدخان ، وإذا بتقدر توخذهم معاك خذهم هالحين ، والاّ بخليّ اولادك واولاد اولادك واولاد بناتك يوصلوهن لعندك ، وبعدين بتعمل حسابك ترحل من دار ابني ، ومش عارف كيف بتقبل على نفسك تسكِّن هالمصدية في دار الأستاز خليل ودار كنتي الأستازة آمنة المحترمة. هيني بلغتك ، دبِّر حالك عالبدري وبلاش تخلي الناس تتفرج علينا ، طول عمرنا عايشين مستورين وبلاش فظايح. بكرة بيجي ابنك في العطلة أو بيجي على غفلة خاصة إذا سمع بعملتك السودة.
    ابو خليل : دار ابني هي داري ، أنا مش عارف ليش إنت مكبرة الموضوع وهو ما بستاهل ، أي والله تخنتيها كثير ، أكثر من نص رجال البلد متجوزين على نسوانهم ، ايش فيها فهميني.
    ام خليل: والله لو جيت شاورتني وطلبت مني الاّ كان دورتلّك على بنت حلال وبنت أصل وفصل من ثوبك وسنك وقدرك ومقامك يا كبير البلد، وكان ما خليتك توخذ وحده قليلة أصل تلاعبك عالوحدة ونص، أي مهي طفشت جوزها الأولاني من كيدها وبلاها ، وبعدين إنت عملت عملتك بالسر، وكمان أخذت مني مفاتيح دار خليل على أساس بدك تنام فيها مع صاحبك، وطلعت الخرافية من ساسها لراسها كلها لف ودوران ومش مزبوطة، والله أعلم شو أخذ منك فيد صاحبك الخايس ابو عايش.
    ابو خليل : والله زودتيها كثير يا خضرة ، وأول مرة في حياتي بشوفك بتتمادي وتتنمردي عليّ يا بنت الناس والأصل والفصل ، وصدقيني ابو عايش ترجاني استر على بنته وما دفعت ولا ملين أحمر في هالجيزة. خليّ هالمركب ساير عاد يا مستورة واستهدي بالله ، الله يهديك ، والله من غيرك ما بقدر أعيش ، صدقيني إنك ما رحتِ عن بالي طول هالأسبوع ، وما حدا بعوضني عنك.
    أم خليل:هذا الإشي إنت جبته لحالك،يمكن صحيح ما دفعت ولا ملين أحمر، بس الله يستر من الأرض عسى ما تكون فرطت فيها لهالخسيس، بتعرف يا عبد الفتاح : أنا مش زعلانة لأنك تجوزت عليّ ، أنا بحسب حساب لبكرة ، تصير تبزر بالخلفة وانت على حفة قبرك ، وبعدين تربية اولادك من عيوش تطلع من دفة اولادي ويقاسموهم في الميراث ، يعني بكرة بعد عمر طويل ما يطلع لكل ولد مارس وطاة. ويا ريتك تجوزت وحدة أصل وفصل كان ما زعلت ، بنت الأصل ما حدا بتغلب معاها.
    ابو خليل : طيب أنا قاعد في الدار وما رح أطلع اليوم منها ورح أظل لييجي الليل وأنام هان لأشوف شو بدك تسوي ، جيناك بالمليح وما نفع معك ، شو بدِّك إياني أبوس ايدك لما ترظي.
    أم خليل : والله يا عبد الفتاح إذا عنّدت الاّ اسحب حالي وأروح على دار أهلي واخلّيك تنفظح في البلد كلها، ويقولوا ابو خليل كبير البلد حرّد ام خليل بعد هالعمر الطويل، وانت عارفني كويس. اليّ في راسي بسويه وما بسأل عنّك ولا عن غيرك لمّا بكون على حق. طول عمري شايلتك على كفوف الراحة، وما قصرت معاك في حاجة. بس أطلب واتمنى ، خلي هالطابق مستور وروح عند عروستك وفك عني. مش طايقة اشوفك ، وخليني لاولادي لأنهم محتاجيني وهم بصراحة صاروا أحق منك هالحين بعد عملتك السودة. بكفي اليّ أعطيتك اياه. وكأني كاينه بنفخ في قربة مخزوقة بلا قافة.
    ابو خليل : يعني ما في فايدة منّك ، أنا عارفك عنيدة، والله أنا إليّ عليّ سويته، وأكثر من هيك ما بقدر أعمل ولا أتنازل ، يلّه بخاطرك. وحمل نفسه وخرج قافلاً لعش الزوجية الجديد يحلل ما سمعه ولمسه من أم خليل ومستغرباً من قوتها ومقاومتها وصمودها على رأيها،وكأنها كانت تكويه بنار حامية.
    وقالت له وهو مغادر : أنا عنيدة على الحق ، خاطرك معاك ، وسلّم لي على العروسة يا عريس ، ثم ألحقت به أغراضه مع أحفادها. ولقصة زواج ابي خليل من عيوش بقية فيها العبرة لمن أراد أن يعتبر تتبع في الأجزاء التالية.
    بقلم أحمد ابراهيم الحاج
    12/1/2009م
    اياد النمراوي
    اياد النمراوي

    { مشرف }


    آمنة  و خليل/الجزء الرابع والعشرون Stars15


    الجنس : ذكر
    البرج : الجدي
    عدد المشاركات : 2028
    العمر : 46
    البلد : الاردن
    نقاط النشاط : 982
    الاعجاب : 7
    المهنة : آمنة  و خليل/الجزء الرابع والعشرون Accoun10
    الدوله : فلسطين

    البطاقة الشخصية
    my sms:

    آمنة  و خليل/الجزء الرابع والعشرون Empty رد: آمنة و خليل/الجزء الرابع والعشرون

    مُساهمة من طرف اياد النمراوي السبت 26 مارس 2011 - 12:14

    يسلموا

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة 20 سبتمبر 2024 - 10:02