منتديات خاراس الرسمية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

3 مشترك

    آمنة و خليل/الجزء السابع والعشرون والأخير

    أحمد ابراهيم الحاج
    أحمد ابراهيم الحاج

    {{ كبار الشخصيات }}


    {{ كبار الشخصيات }}


    الجنس : ذكر
    البرج : الحمل
    عدد المشاركات : 231
    العمر : 72
    البلد : فلسطين - خاراس
    نقاط النشاط : 204
    الاعجاب : 4
    الدوله : فلسطين

    آمنة  و خليل/الجزء السابع والعشرون والأخير Empty آمنة و خليل/الجزء السابع والعشرون والأخير

    مُساهمة من طرف أحمد ابراهيم الحاج الثلاثاء 29 مارس 2011 - 10:18

    آمنة وخليل /الجزء السابع والعشرون
    ...............................................
    في الخامسة والنصف من صباح يوم الحادي عشر من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 1966م ، استيقظ الفلسطينيون في جنوب البلاد على أصوات هدير الطائرات وقصف المدافع ، حيث إجتاز الإسرائيليون خطوط الهدنة مع الأردن برتلين من الدبابات تساندهما عدة أسرابٍ من سلاح الجو ، تحرك أحدهما باتجاه قرية السموع جنوب الخليل ، والآخر باتجاه قرية يطا للتضليل ، ولم يتيقن الناس بعد من حقيقة ما يجري على الأرض ، واستمرت الأصوات متقطعة أحياناً قليلة ومستمرة أحياناً كثيرة ، وذهب الناس الى أعمالهم ومدارسهم كالمعتاد ، وسمعوا الأخبار من الراديو الذي لم يكن متوفراً للجميع ، إنها حرب وعدوان على قرية السموع بحجة انفجار لغم داخل خط الهدنة في الأراضي المحتلة وعلى حدود القرية ، وفي حين كان الناس يتوقعون حرباً على سوريا التي تأوي ثوار العاصفة ، عملت اسرائيل بعكس التوقعات مما أثار حفيظة أمريكا ، التي كانت تبارك الحرب لو كانت على سوريا ، ولكن الهدف الإسرائيلي المخفي حتى عن الحلفاء كان جر الأردن للمعركة الشاملة التي يخططون لها ، فضرب سوريا ومصر كان مقرراً ولا مناص منه. ولكن كان ملحقاً به أهدافاً سرية لحاجة في نفس الحكومة الإسرائيلية ، وهذه الحاجة كانت نابعة من منطلق الأطماع التوسعية لإسرائيل باستكمال السيطرة على أرض الميعاد (فلسطين التاريخية كلها) وأهمها في قاموسهم ما يسمى "يهودا والسامرة" أي (الضفة الغربية وعلى رأسها القدس (عاصمة يهودا) والخليل (بلد إقامة سيدنا ابراهيم) ونابلس (عاصمة السامرة) والتي هي جزءٌ من المملكة الأردنية الهاشمية) ، لذلك كان لا بد من استدعاء الأردن للمعركة وزعزعة استقراره ، وتوريطه بالمعركة الشاملة القادمة لتحقيق الهدف الرئيس والأهم من الحرب وهو ضم ما تبقى من فلسطين لكيانهم.
    تقع بلدة السموع على بعد 14 كيلومتر جنوب الخليل ، واسم السموع معناه السمع والطاعة ، أطلق عليها هذا الإسم نسبة الى الملك (إشتموع) والذي كان ملكاً على هذه البلاد في عصور قديمة ، ويعود تاريخها للعصر الروماني. وتوجد في السموع الكثير من المواقع الأثرية مثل سجن مجد الباع ، ومنطقة وسط البلد الأثرية بجانب المسجد الكبير ، وكثير من الكهوف والآثار الكنعانية ، حيث تقوم القرية على عدة كهوف واسعة ومتشعبة تمتد الى قرىً مجاورة ، وأنفاق أثرية كنعانية وإسلامية تؤدي الى قرية بيت جبرين ، وعثر فيها على عدة مقابر وقطع فخارية قديمة عدا عن الآثار القديمة في الجزء المحتل منها عام 1948م. وتحيط بها الخرب (جمع خربة) الأثرية القديمة مثل خربة السيمياء ، وخربة رافات وخربة غوين الفوقه ، وخربة الرظيم ، وخربة عتير المحتلة وخربة مجدل باع حيث يوجد بها بركة بنيت في عهد الأمويين لسقاية الحجاج. وخربة الخرابة وخربة الدير ووادي العماير ، وفيها مقبرتين قديمتين واحدة في وسط البلد والثانية عند المسجد العمري ومقبرة ثالثة في طريق خلة الكروم. وكنيسة قديمة في وسط البلد بناها الصليبيون.
    ليس مفيداً الخوض في الملابسات والغيوم الملبدة التي اكتنفت سماء المعركة ، ولكن بالمختصر كانت معركة غير متكافئة بين الطرفين بموازين القوى والمعطيات لكل طرف ، ولكن الجيش الأردني بإمكاناته المحدودة وعقيدته المسلمة وانتمائه القومي العربي أبدى مقاومة شرسة ، وقدم أقصى ما لديه من عوامل المقاومة والردع للهجوم الهمجي بأعتى اسلحة القوة في ذاك الزمان ، وقاتل ودافع باستماتة وتضحية بالروح والدم من بداية المعركة حتى انسحاب الغزاة. وقد احتلت اسرائيل القرية لمدة ستة ساعات ، وعاثت فيها دماراً وخراباً ، لا تفرق بين المدنيين والعسكريين ، حيث نسف الجيش الإسرائيلي حوالي 125 منزلاً للمواطنين و 15 كوخاً مبنياً بالحجارة ، وعيادة طبية ، ومدرسة مؤلفة من ست غرف ، وورشة ميكانيكية ، ولم ينج إحدى مساجد القرية من القصف وإصابته بالأضرار ، وتعرض الغزاة للآثار القديمة بالقرية ومنها كنيسة في عهد الرومان كانت ما زالت قائمة ، واستشهد من الجيش الأردني 15 عسكرياً من مختلف الرتب وعلى رأسهم الرائد محمد ضيف الله الهباهبه ، والطيار ملازم أول موفق بدر السلطي. كما استشهد من المدنيين الفلسطينين ثلاثة مدنيين وجرح حوالي 134 من المدنيين والعسكريين. وقتل في المعركة من العدو قائد الجيش الإسرائيلي العقيد يواف شاهام ، وجرح من الغزاة عشرة عسكريين. وتقدم الأردن بشكوى الى مجلس الأمن الذي بدوره اجتمع بعد لأي وأصدر القرار رقم (228) بتاريخ 25/11/1966م أدان فيه الهجوم الإسرائيلي على الأردن للمرة الآولى في تاريخ القضية الفلسطينية.
    كان خليل أثناء المعركة يدور على فصول الصف الأول الثانوي بالمدرسة الإبراهيمية بالخليل ، وحسب جدول الحصص لمادة الرياضيات ، وفي هذا اليوم اغتنم فرصة المعركة التي كان يعلو صوتها على كل الأصوات ، فترك لطلابه التعبير عن آرائهم بالمعركة وبالأحداث الدائرة بحرية ، وكان يطلب من كل طالب القيام من مقعده والمثول أمام الفصل نيابة عنه وذلك للتعبير عن رأيه بما يدور ، وارتجل الطلبة كلمات الحماس والإندفاع والتهديد للغزاة ، وكانوا يعبرون عن رغبتهم وجاهزيتهم للتطوع فوراً وترك مقاعد الدراسة والقتال حتى الشهادة ، ومنهم من كان يتحدث بعفوية وبلغة عامية ، ومنهم من كان يلقي خطباً عصماء ، وكان ينصت بروية لكل الكلمات. ولمس في كلماتهم مختلف الإتجاهات السياسية التي كانت تسود المجتمع العربي. فمنهم من كان ينادي بالوحدة العربية بقيادة الزعيم ناصر ، ومنهم من كان يمجد منظمة التحرير الفلسطينية وينادي بجيش التحرير الفلسطيني لمرابطته على أرض فلسطين ومشاركته بالدفاع عنها ، ومنهم من أشاد بالعمليات الفدائية التي كانت تنفذها قوات العاصفة من حركة فتح ، ومنهم من كان يبدي ميولاً بعثية باتجاه سوريا ، ومنهم من كان يبدي ميولاً اشتركية شيوعية باتجاه المعسكر الشرقي ، ومنهم من كان يبدي المشاعر الدينية ويستشهد بالتاريخ الإسلامي وعظمائه وبآيات من القرآن ، وأحاديث نبوية شريفة، وينادي بالخلافة الإسلامية ، وبالمجمل كانوا كلهم يكنون شعوراً وطنياً فطرياً دافقاً ومتأججاً ومندفعا بطاقات الشباب المتوثبةً. فكل واحدٍ منهم كان يسلك طريقاً اعتقد أنه الطريق الأسلم لتحرير فلسطين على ضوء تجاربهم القليلة ، ذلك الهدف الذي كان يعشعش في نفس كل فلسطيني رأت عينه النور ، وكانت كل هذه القنوات والطرق تصب في بحر الوطنية وحب الوطن ، والأماني بالتحرير والإستقلال ، وإظهار الهوية الفلسطينية كجزءٍ لا يتجزأ من هذا الوطن العربي الكبير. وعملت المعركة على التقاء كل هذه القنوات رغم تشعباتها الى اتجاهات مختلفة قد تآلفت في قناة واحدة لتصب في بحر واحد هو حب الوطن ، وماؤها حماس الشباب المتدفق والمندفع والذي كان مكبوتاً لا يستطيع التعبير. وفتحت لهم طاقات ضيقة تحت ظرف وحدث جلل غطى على كل شيء ، وتنفس الطلبة هواء الحرية ، وعبروا عن شعورهم الوطني الطاهر النبيل بفطرته وعفويته وحماسه واندفاعه، وكان الطلبة يصفقون لكل شعارٍ طالما كان هدفه يصب في الإطار الوطني.
    خرج الطلبة بعد انتهاء الحصص وهم يفيضون بالمشاعر الوطنية ، ومشاعر الغضب تجاه العدوان وانطلقوا بشوارع مدينة الخليل ينددون بالعدوان ، ويستنجدون بالدول العربية التقدمية ، وينددون بالرجعية العربية ، ويهتفون لجمال عبد الناصر ويستنجدون به ، ويهتفون لأحمد الشقيري ولمنظمة التحرير الفلسطينية ، وكانوا ينادون بشعارات الأحزاب العربية وبالوحدة العربية ، وبالنظام الجمهوري بالعراق وسوريا ، وينددون بالتخاذل العربي وتقصيره تجاه تعبئة الجيوش العربية وتزويدها بالسلاح القادر على دحر الغزاة وهزيمتهم وتحرير فلسطين ، وانتهى اليوم الأول من العدوان على السموع. وامتلأت شوارع مدن الضفة الغربية وقراها بمناشير صادرة عن الأحزاب العربية تدعوا للتظاهر ضد النظام الأردني الذي اعتبروه مقصراً في الدفاع عن حدوده.
    عاد خليل الى بيته يحلل خلفيات الهجوم ، وأسباب المعركة التي افتعلتها اسرائيل ، وفي نقاشه مع زوجته آمنة عن المعركة ومعطياتها ونتائجها ذكرها بخطاب عبد المجيد المجنون الذي سمعاه بعد زواجهما يوم أن كانا يقضيان شهر العسل بالكرم ، والذي كان مقتنعاً به تماماً.
    لقد تعامل العالم العربي بأنظمته السياسية وبشارعه الشعبي مع الحدث بردات فعل خدمت وعملت لصالح الأهداف الإسرائيلية من العدوان على الأردن ، ولم يكن الشارع العربي وخاصة الفلسطيني منه ملاماً في تعامله بقدر الأنظمة ، فالأنظمة تدرك مدى جاهزيتها العسكرية في الرد على العدوان ، وحقيقة الأمر لم تكن الأنظمة العربية على حال من القوة والوحدة في الموقف السياسي والعسكري يسمح لها بردع العدوان أو الرد عليه ، وكانت الأهداف الإسرائيلية من العدوان تتخلص بالآتي:
    q إحداث حالة من الفوضى على أطول جبهة عربية وأضعفها عسكرياً وديمغرافياً مع اسرائيل مما يبرر لها أمام العالم التدخل من باب الدفاع عن النفس لحفظ أمنها وأمن مواطنيها اللذان يتعرضان للتهديد بالإبادة والمسح عن الخارطة الجغرافية والسياسية ، وتعرضها لعمليات تخريبية يتسلل منفذوها من هذه الجبهة الطويلة كما ادعت اسرائيل ، وذلك بإثارة النعرة العرقية النائمة أو المنومة بالقبضة الحديدية بين الأردني والفلسطيني. وتمكينها من تحقيق أهدافها الدينية والسياسية والجغرافية والتاريخية المزعومة باحتلال ما تبقى من فلسطين (أرض الميعاد). وبالفعل تم ايقاظها وظهرت بعد هذا العدوان بشكل سافر ، فانطلقت المظاهرات الصاخبة في مدن الضفة الغربية كافة ، بدأت بالخليل وانتشرت كانتشار النار بالهشيم لتمتد الى كل أنحاء الضفة الغربية ،تندد بالحكم الأردني وتتهمه بالخيانة وتدعو لإسقاطه متناغمة مع إعلام الدول العربية الثورية الذي ساند ودعم هذه التوجهات الشعبية في الضفة الغربية ، وقد تدخل الجيش والأمن الأردني وقوات البادية الأردنية لقمع المظاهرات بشكل حاد وبالقوة المفرطة ، للسيطرة على الموقف وفرض الأمن ، وسقط ضحايا من المدنيين في هذه المظاهرات ، واعتقلت قيادات وكوادر حزبية فلسطينية ، وسادت حالة من الإحتقان العرقي العنصري بين سكان شطري المملكة.
    q إحداث حالة من عدم الثقة في علاقة الصداقة والتحالف التي كانت سائدة بين النظام الأردني والمعسكر الغربي ، مما يدفع بالملك حسين بالإتجاه نحو الدول العربية التي تناصب نظامه العداء للحفاظ على مملكته من الخطر الإسرائيلي الذي تغاضى عنه المعسكر الغربي ، وبالتالي إجباره على تغيير التحالفات وجره للتحالف مع الأخوة الأعداء على دمل من الخلافات لم يتم علاجه. وهذا ما عززه حالة الفوضى التي سادت مدن الضفة الغربية ، حيث فرضت على الملك حسين هذا التوجه وذلك لإعادة شعبيته في الضفة الغربية وترميم ما لحق بها من نتوءات اثر العدوان والمصادمات بين الشعب الفلسطيني والقوات الأردنية. لقد كان الملك حسين بذكائه واطلاعه وصداقته بالغرب يدرك خطورة الموقف ، ويدرك أن التوجه للتحالف الطاريء مع دول الطوق مغامرة عالية المخاطر ، لأن هذا الحلف لم يكن يملك التوازان العسكري مع اسرائيل ، ولا يملك وحدة الموقف ، وتسود علاقات مكوناته حالة من عدم الثقة وتصل الى حالة العداء في بعضها ، ولكنه كان مكرهاً بفعل العزلة السياسية العربية التي كان يواجهها نظامه ، والتوجهات الشعبية في شطر مملكته الغربي والتي تتطلع اليه بعين من الريبة والشك وعدم الثقة ، والتوجهات الشعبية العربية المخالفة لنهجه ، ويدرك أن اسرائيل دولة فوق القانون لا يؤمن جانبها ، ولا تتمسك بالعهود والمواثيق ، ولا بالشرعة والقانون الدولي ، ولا بالأخلاق والقيم ، شيمتها الخديعة. لذلك كان لزاماً عليه أن يخوض هذه المغامرة الخطرة التي ربما ستفقده نصف مملكته الذي أصبح يشكل ألماً في خاصرته. وذلك لاثبات انتمائه العربي والإسلامي الذي يتعرض للنقد والتشكيك وفقدان الثقة فيه في الشارع العربي الذي كان يستمد ثقافته من الإعلام الثوري بقيادة مصر.
    q تعميق الشروخات العربية العربية للتمهيد لزعزعة القوات العربية وعدم وحدتها وتشتيت قواها أمام الجيش الإسرائيلي في المعركة الشاملة المنتظرة ، وهذا ما حدث بالفعل ، فقد اشتعلت نيران الخلافات بين الأردن وسوريا من جهة ، وبين الأردن ومصر من جهة أخرى ، وبين الأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح من جهة ثالثة ، هذا عدا عن مشاعر الجفوة بين النظام الأردني والنظام العراقي المتوارث بعد الإنقلاب على الهاشميين. إضافة الى فتور العلاقات السورية المصرية ، وغموض العلاقات العراقية السورية ، ونبرة العداء بين الدول الجماهيرية العربية الثورية التقدمية والدول الملكية والأميرية الرجعية كما اتفق على تسميته. وخاصة بين مصر والسعودية على اثر التدخل العسكري المصري باليمن. كل ذلك سيمهد للجيش الإسرائيلي التفوق وخلق مشكلة لكل دولة عربية من دول الطوق تشغلها عن واجباتها تجاه فلسطين وقضيتها. وتثير النعرات العرقية ، وهذا ما يسمى بإثارة بؤر النزاع في جبهة الخصوم لتتحول الى نزاعات داخلية تستنزف الطاقات الذاتية للخصوم ، وبالتالي تصدير الأزمة الداخلية ، وقذف الكرة للملعب العربي. وتغييب القضية الفلسطينية أو حتى خفض أولويتها الى الحضيض في سلم أجندات النظم العربية بخلق مشكلات لهذه النظم.
    q قياس حجم وإمكانيات ومقدرة القوات الأردنية المسلحة وذلك لتقدير حجم ومقدرة القوات الإسرائيلية التي ستمكنها من احتلال ما تبقى من فلسطين. وذلك لتوزريع القوات الإسرائيلية على الجبهات الثلاثة بما يمكنها من هزيمة الجيوش العربية مجتمعة.
    كانت هذه الأهداف المرسومة من العدوان الإسرائيلي على حدود المملكة الأردنية الهاشمية ، ربما لم تتوقع اسرائيل أن تتحقق جميعها ، ولكنها بفضل الخلافات العربية ، وسوء التعامل مع الموقف ، وتسطيح العرب لحيثيات الحدث والتعامل معه بردات الفعل العشوائية ، وعدم الغوص في تحليلات العدوان وأهدافه ، تحقق لإسرائيل ما رسمته ، لا بل جاءت النتائج بأكثر من التوقعات بكثير. فبدلاً من أن يرمم العرب ما لحق بعلاقاتهم من خلافات ومنازعات ومشاحنات إثر العدوان على دولة لا توازي بخطرها وتحالفاتها دول الطوق الأخرى التي تتوعدها بالموت، ورأب الصدع لمواجهة الخطر الإسرائيلي ، وخاصة فيما يتعلق بالعلاقة الفلسطينية الأردنية ، وحض الحكومة الأردنية على الإصلاح في نظامها السياسي، وايجاد صيغة سياسية أردنية فلسطينية متوازنة شعبياً ، وإعطاء الفلسطينيين حقوق المواطنة الكاملة والمشاركة السياسية الفاعلة الهادئة دون إثارة مشاعر العداء الصارخ لإسرائيل ، وذلك لضمان استقرارها وحماية حدود أطول جبهة عربية مكشوفة جغرافياً وأضعفها إمكانيات بعلاقة نظامها الجيدة مع الغرب ، وتوفير الجهد والطاقة على هذه الجبهة بأقل التكاليف والخسائر ، ليتفرغ العرب الآخرون في الدفاع عن حدودهم ومنع الإختراقات لحدودهم وردع العدوان ، كشفوا لإسرائيل غطاء الحصانة السياسية للجبهة الأردنية وزادوا من موقفها سوءاً على سوء، وضعفاً على ضعف ، وسهلوا على اسرائيل تحقيق أهم هدف من أهدافها المرسومة وذلك باحتلال كامل فلسطين عام 1967م والتي هي امنية لكل يهودي صهيوني. كما احتلوا أراضٍ مصرية وسورية ، ونقلوا العرب من موقف المطالب بتحرير فلسطين من النهر الى البحر الى المطالبة بإزالة آثار العدوان الذي ما زالت آثاره جاثمة على صدورنا حتى الآن.
    ففي مطلع عام 1967م نفذ الفدائيون الفلسطينيون تفجيراً في بلدة (دشوني) قرب الحدود مع سوريا ، وكانت الفرصة المواتية للتحرش بسوريا والبدء في عملية استفزاز تعصف بالهدنة ، ودار نقاش حام بين المؤسستين السياسية والعسكرية في اسرائيل ، وفي نهاية المطاف انتصر العسكريون بقيادة رابين على السياسيين بقيادة ليفي اشكول، وفي يوم الجمعة 7 نيسان أبريل، تقدمت الجرافات الإسرائيلية كالعادة داخل الحدود السورية، فأطلق السوريون عليها النار، فوجدها رابين الفرصة المناسبة للرد بقوة على الجيش السوري، فاتصل بأشكول يخبره بأنه يرى السوريين بعينيه يطلقون النيران على الإسرائيليين، وأخذ منه الموافقة على الرد واستخدام سلاح الجو، وانطلقت الطائرات الإسرائيلية في الأجواء، وحدثت معركة جوية بين سلاح الجو السوري والإسرائيلي، وأسقطت اسرائيل ست طائرات سورية أربعة منها أسقطت بالقرب من دمشق. وانطلق الإعلام السوري يغمز ويلمز الأنظمة العربية التقدمية وعلى رأسها مصر بأن سوريا وحيدة في مواجهة الخطر الإسرائيلي. وشعر جمال عبد الناصر بالخطر الذي يتهدد سوريا، وبعدها طلب من قوات الطواريء الدولية الفاصلة بين مصر واسرائيل الإنسحاب من مضائق تيران، ومنع السفن الإسرائيلية من المرور بقناة السويس، ذلك العمل الذي اعتبرته اسرائيل إعلان حالة الحرب عليها، وبدأت بالتحضير الحثيث لعدوانها الشامل على الدول العربية. وسارع الملك حسين بعد قطيعة وعداء أخوي بينه وبين النظام المصري والسوري الى التصالح والتحالف معهم، وتم توقيع اتفاقية دفاع مشترك بينهما في القاهرة ، وتشكيل قيادة عسكرية لإدارة الجبهة الأردنية، وتلقت مصر تطمينات من أمريكا عبر الإتحاد السوفيتي بضرورة ضبط النفس من الجانب المصري ، وبأن اسرائيل لن تكون البادئة بالعدوان ، ولم يثق ويطمئن الرئيس عبد الناصر لهذه الإشارة، وأعلم قادة جيوشه بأن يكونوا على أهبة الإستعداد، متوقعاً العدوان يوم 4 أو 5 يونيو 1967م. وحدث ما حدث من نكسة فاقت التوقعات ، وفاجأت العدو قبل الصديق بنتائجها وإنجازاتها من الطرف الإسرائيلي. وتحققت أهداف اسرائيل كاملة في هزيمة الجيوش العربية مجتمعة مرة أخرى بعد هزيمة حرب 1948م ، لا بل لم تكن تتوقع احتلال هذه المساحة الكبيرة من اراضي ثلاث دول عربية، مرتفعات الجولان الشاهقة، وصحراء سيناء المترامية القاحلة الحارة، والضفة الغربية بما فيها القدس الشريف. واجتمع مجلس الأمن لدراسة الموقف ، وأصدر قراره رقم 242 في 22 نوفمبر 1967م والذي لم يطبق حتى الآن وتلهث وراءه الدول العربية وترجو تنفيذه بدون آليات تضمن تطبيقه على الأرض.
    ودخل الجيش الإسرائيلي الى مدن وقرى الضفة الغربية إبتداءً من أريحا ، وفوجيء أهل القرية بأبي داود الذي كان يعمل موظفاً في وكالة الغوث يدخل القرية فاتحاً وهو برتبة ملازم أول في الجيش الإسرائيلي. والذي اعتقد الناس أنه عربي مغربي. وطلب من أهل القرية تسليم البنادق التسعة التي سُلمت لهم قبل بدء الحرب بيومين من أجل المقاومة الشعبية. وتم تسليم البنادق كما طلبها ابو داود بالعدد. وكانت الصدمة بادية على وجوه الجميع. ويتهيؤون لمرحلة جديدة من الصراع.
    انتهى الجزء الأول من الرواية. وسوف أتوقف عند هذا الحد، وسأعود لتكملتها في وقت لاحق إن شاء الله ومد في عمري ، وهي قصة غير حقيقية في أبطالها، ولكن رُكِّبت على شخصياتها أحداث ومواقف حقيقية في زمن من تاريخنا الفلسطيني وتم اسقاطها على شخصيات القصة وهي نابعة من معايشة تلك الفترة والتي اختزنت أحداثها بذاكرتي منذ سن الطفولة والمراهقة وما زالت، وظلت ماثلة أمامي تشدني الى ذلك الزمن الجميل بكل ما اكتنفه من سعادة وهدوء بال ومن معاناة الفقر والتخلف، حيث عشت في فلسطين سبعة عشر عاما.ً
    فمثلاً استلهمت دور ام خليل في القصة من أصالة ومنطق أمي يرحمها الله واسميتها باسمها لأنها تنطبق تماماً على صفاتها،وتلك هي الصفات السائدة في المرأة الفلسطينية، وهذا لا يعني أيضاً أن دور ابي خليل بتفاصيله ينطبق على والدي فهو لم يتزوج على والدتي مثلاً ولا يعني انني أنا خليل لأنني لست من جيله وأصغر منه سناً.
    أشعر اليوم وكأن الأحداث تتوالى أمامي في عرض حي ومباشر. وهدفي من التكملة التي لم أبدأ فيها بعد أن أحكي قصة خليل وآمنة وأولادهما وبناتهما بعد النكسة، وتحت الإحتلال، وفي الشتات، وعن المقاومة الفلسطينية التي نشطت وانطلقت بقوة بعد النكسة، حيث لم تستطع النظم العربية في ظل هزيمتها وانتكاستها أن تقف ضد هذا المد الثوري الفلسطيني، وكيف تمت زراعة بذور الفتنة بين الفلسطينيين واخوتهم الأردنيين، ورحيل قوات المقاومة الى لبنان تحت غطاء سوري، وهجمة الموساد وتصفية القادة الشرفاء للمقاومة، وكيف تم ترحيل المقاومين الى تونس بعيداً عن خط المواجهة الساخن، ودخول الثورة في حالة من الجمود والتهميش، مما اجبرها الى عقد اتفاق اوسلو مع اسرائيل بعد الإنتفاضة الفلسطينية الآولى في الداخل لتعود الى ساحة الصراع. وعن التحولات التي حدثت في المجتمع الفلسطيني الذي تغير سادته تحت الإحتلال ، وتبدلت فيه المقامات، وانقلب فيه الحال وظهر سادة جدد كانوا من دنية القوم وطفوا على السطح يخلفون علية القوم، وترسب في القعر قوم كانوا سادة وشيوخ لأن كثافتهم أثقل من كثافة المحلول الذي يحيط بهم، حيث ظلوا محتفظين بأصالتهم ووفائهم ورجولتهم ونقاء عنصرهم الذي لم يصدأ ويتآكل، وعن جيل ولد وترعرع ونشأ تحت الإحتلال، وفتح له الإحتلال كل ابواب الفساد والإباحية والإنحلال وتحصيل المال، لكن السحر انقلب على الساحر. فحمل هذا الجيل شعلة الثورة وهو طفل ومراهق وشاب (ثورة أطفال الحجارة) وثورة الشباب والمجتمع كله الاّ سقط المجتمع، وذلك بفطرته التي فطره الله عليها، ولم يفرط فيها بالرغم من خطط الإحتلال السياسية والإقتصادية والثقافية لطمس الهوية الفلسطينية، وأنا هنا أقر وأعترف بأنها لا تندرج تحت اسم الرواية، ولا القصة، ولا تمتلك الخصائص الأدبية المتكاملة لكلتيهما، لأنني لم أدرس الأدب وفنونه وقواعده. ربما نستطيع تسميتها حدوثة فلسطينية ، يحكيها أب عاصر ذاك الزمان الماضي لأبنائه جيل الحاضر والذين يعيشون أزمة الفرقة والضياع، وتروي قصة وطن وشعب، في قصة قرية، ومن خلال عاشق لبلاده كانت بلدته غير محتلة وحبيبة مهجرة من بلدتها المحتلة وأصبح هو نازح وهي لاجئة ثم نازحة، وصارا في الهوى سوى. فيها من السرد السياسي وفيها بعضٌ من الخصائص القصصية والروائية، وفيها من التراث ومن العادات والتقاليد الحسنة والسيئة. ومن المسائل الإجتماعية والعقائدية. وموجهة بشكل رئيسي للجيل الجديد الذي ولد خارج الوطن، وللجيل الذي يحن للماضي والتراث وأجبر على ترك الوطن، ولمن يستفسر عن أسياب الهزائم المتتالية، ولكي لا يستغرب الجيل القادم من حالة الهزيمة الكبرى التي يواجهها شعبنا اليوم ويتجرع مرارتها من جراء الإنقسام السياسي والجغرافي والديمغرافي لما تبقى لنا من أذن الجمل (والجمل هنا يعني الوطن).
    ...............................................
    ملاحظة:
    إنني أرحب بآراء القراء وانطباعاتهم ومستعد للرد على أي سؤال أو استفسار أو نقد. آمل أن يطرح موضوعها للنقاش والأسئلة وخاصة من الجيل الشاب فأنا أعشق الشباب ومن أنصارهم واحب الإستماع لآرائهم للإطمئنان على مستقبل الأمة لأنهم هم المستقبل أما نحن فقد هرمنا كما قالها ويقولها التونسي بعد نجاح ثورة تونس. لأننا جيل لم نعش انتصاراً واحداً للأمة حينما كنا شباباً بل عاصرنا النكسات والكبوات والهزائم، وتلك مخاضات عسيرة حدثت في الظلام وكان لا بد منها قبل ولادة الفجر وبزوغ النور من رحم حلكة الظلام الدامس ليبدد الظلمة التي تخيم على الأمة. ونحمد الله أن شهدنا الإنتفاضات العربية ضد الظلم والتسلط والفساد وتلك خطوة على طريق التغيير الطويل وزهرة لا بد أن تتمخض عن ثمرة ولو بعد حين.

    بقلم أحمد ابراهيم الحاج
    3/2/2010م
    اياد النمراوي
    اياد النمراوي

    { مشرف }


    آمنة  و خليل/الجزء السابع والعشرون والأخير Stars15


    الجنس : ذكر
    البرج : الجدي
    عدد المشاركات : 2028
    العمر : 46
    البلد : الاردن
    نقاط النشاط : 982
    الاعجاب : 7
    المهنة : آمنة  و خليل/الجزء السابع والعشرون والأخير Accoun10
    الدوله : فلسطين

    البطاقة الشخصية
    my sms:

    آمنة  و خليل/الجزء السابع والعشرون والأخير Empty رد: آمنة و خليل/الجزء السابع والعشرون والأخير

    مُساهمة من طرف اياد النمراوي الثلاثاء 29 مارس 2011 - 12:02

    مشكور يا سيد احمد جزيل الشكر
    مع العلم انني ارسلت لك رسالة خاصة
    عاشقة خاراس
    عاشقة خاراس

    { النخبه }


    {  النخبه }


    الجنس : انثى
    البرج : الدلو
    عدد المشاركات : 2190
    العمر : 44
    البلد : عمان
    التخصص : موظفة
    نقاط النشاط : 31
    الاعجاب : 4
    المهنة : آمنة  و خليل/الجزء السابع والعشرون والأخير Office10
    المزاج : آمنة  و خليل/الجزء السابع والعشرون والأخير 8010
    الدوله : فلسطين

    البطاقة الشخصية
    my sms:

    آمنة  و خليل/الجزء السابع والعشرون والأخير Empty رد: آمنة و خليل/الجزء السابع والعشرون والأخير

    مُساهمة من طرف عاشقة خاراس الأربعاء 4 مايو 2011 - 13:26

    السيد أحمد الحاج :

    قصة واقعية وأحداث متسلسلة بشكل متقن جسدت كل ما سمعناه وحفظناه وقرأناه عن الماضي .

    أحسست وأنا أقرأ في القصة أنني أعيش مع أبطال القصة ولا أريد مفارقتهم

    قصة رائعة بكل المعاني فيها حياة وتاريخ وواقع وسياسة !

    اتشوق لقراءة ما تبقى منها وأستغرب قلة الردود عليها
    وبتمنى أستاذ أحمد ما طول علينا في إكمالها !

    تحياتي

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة 20 سبتمبر 2024 - 10:26