لا يمكن أن
يكون لمفيد الكلام من أثر ايجابي على السامع أو القارئ دون التقدم
بالتهنئة الى طلاب الأمل بنجاحهم في امتحان الثانوية العامة مع التمني لهم
بالتفوق الصادق ولمن لم يتفوقوا حظوظا أوفر في النجاح والتوفيق، والآن
وبعيدا عما سبق من أسباب دعوات إلغاء امتحان الثانوية العامة (التوجيهي )
تلج الى الذهن مرة أخرى أسباب مباشرة وطارئة تبرر تجديد هذه الدعوة
بتوجيهها الى المعنيين والمفكرين والخبراء عطفاً على الذين طالبوا بذلك
لأسباب أكاديمية أو نفسية أو اجتماعية .
ما دعا لإثارة هذا الملف
وهو من نوع مباشر وطارئ ، أنه وبعد صدور نتائج التوجيهي أصبحت البلاد في
حرب من عدة جبهات داخلية وخارجية ومن اليمين ومن اليسار ومن الجنوب
والشمال ومن هنا وهناك والمقصود حالة الفرح بالنجاح ، صحيح أنه ليس مبرر
واقعي للمطالبة بإلغاء امتحانات التوجيهي لسبب كهذا لأن الأهم من سلوكيات
البعض هو التعرض الى المنطق العلمي لمضامين امتحان التوجيهي ومبرراته أو
عكسها .
لكنه أصبح من الضروري تفسير وتحليل سلوك الأفراد
الناجحين ، حيث يعود سلوكهم في التعبير عن فرح النجاح المفرط الى مدى
الضغوطات التي مروا بها أيام الامتحان وما سبقها ، إذ لم يعد غريبا أن
الامتحان أصبح يشكل كابوسا على المتقدم أن يمر به ، وبعد ذلك ينتهي الكابوس
بنجاح قد لا يكون بعضهم توقعه من شدة الاضطراب والخوف أو أن البعض القليل
فعلا لم يستحقه بسبب الإهمال ، لتتحول هذه المفاجأة الغير متوقعة إلى
الخروج بتصرفات تنم عن مدى الاضطراب النفسي والقلق والخوف والذيْن تم
كبتهما تحت وطأة كثافته بسبب الدراسة والتركيز بإجهاد ودون أي تنفيس بسبب
ازدحام الوقت بتقليب الصفحات .
قد يكون تفسيراً واقعيا بأن شدة
المغالاة في التعبير عن مفاجأة نجاح الطلبة الذين تعرضوا الى مجهود مكثف
من القلق والاضطراب جراء الحشو الذي ألم بالمناهج والمواد ، يتساوى مع
شدة التعبير عنها بردود أفعال عشوائية غير محسوبة ولا منطقية من
السلوكيات والانفعالات الناتجة عن هذه الاضطرابات التي حدثت مع الكثيرين .
هذا
الجدل حول جدوى التوجيهي والوضع الذي يشبه المهزلة بعد النتائج ، يفرض على
صناع القرار وخبراء التعليم أن يسعوا إلى التفكير في إلغاءه ، حيث أن
عليهم دراسة ومقارنة الجدوى العلمية أو عدمها لمثل هذا الامتحان ،
وبالمقابل استشعار كيفية تشجيع الطلبة على التحصيل والاستيعاب والتفوق
خلال أيام السنة وما قبلها لأجل إنجاحهم في اختتام المرحلة الدراسية ،
وبالتالي إخراجهم من هالة التوجيهي بعلم نافع واستعداد أكبر للمرحلة التي
تليه .
المطلوب من صناع القرار
النظر إلى أهمية خروج الطالب المدرسي خروجا مشرفا من مرحلته المدرسية إلى حياته العملية .
يجب أن يجرد هذا النوع من الامتحان من هالته التي تصاحبه في كل سنة .
وأن ينزع عنه فتيل الرعب الذي يصيب القائمين به هم ومن حولهم بما في ذلك
من حرب أعصاب وهلع قبل الامتحان وبعده وقبل النتائج وبعدها .
كل
الهالة التي تجتمع حول هذا الامتحان هو بسبب اختتامه لاثني عشر عاما من
الحياة المدرسية ، فما المانع أن تكون نهاية المرحلة المدرسية اختتام
لمرحلة عمرية حرجة تعرضت إلى منهاج (عليه ملاحظات).
مساواة نهاية المرحلة الثانوية بالمراحل التي تسبقها وهو الممكن أكاديمياً.
لكون أن التوجيهي أصبح نقطة في بحر مستويات التعليم والتطور التكنولوجي
المتنوعة يجب تفعيل السنة الدراسية بشكل يواكب هذه المستويات بدون أعباء
تفوق استعداد الطلبة واستيعابهم .
فالأولى أن يوازى تقييمه بنفس التقييم المدرسي الذي يسري على الامتحانات الفصلية لآخر كل سنة .
يتطلب ذلك أن يتم هذا الامتحان( التوجيهي) في أجواء مماثلة لأجواء
امتحانات المراحل السابقة ، وبدون تأخيره الى مرحلة منفصلة أو مميزة .
إزالة مصطلح التوجيهي من قاموس وزارة التربية والتعليم نهائياً حتى يخرج من الذاكرة .
ولعل سؤالا يُدرج نفسه حول ماهية الفرق التعليمي أو الأكاديمي بين
الامتحان الوزاري وامتحان الثانوية العامة فالأول يجري في مادة منهج
الطلاب حسب المستوى وهو الشيء ذاته للتوجيهي ، إضافة الى عدة متشابهات
يمكن فرزها في مقارنة مفاعيل ومسوغات كلا الاختبارين .
ما هو
معنى رفع درجة بعض المواد كاللغة الانجليزية 300 علامة أو العربية
باعطاءها 200 علامة والفيزياء 200علامة ، إذ أصبح لا جدوى لذلك طالما تتم
المطالبة أصلا بإلغاء الامتحان وبالتالي إلغاء خصوصيته المُثقَلة على
النفس وعلى المجتمع .
ليكن النجاح مكمل تلقائي لما سبقه وليس
موصدا بمفترقات صعوبة الأسئلة والطعن بها أو بالهالة النفسية التي قد تصيب
بعض الطلبة الذين كانوا متفوقين بحق ولكن لطبيعةٍ ما تولدت عندهم أو
عندها هواجس أو مخاوف أَّنْسَتْه المعلومات في لحظة الامتحان وهو المتفوق
في علمه فهل يستحق طالبٌ تفوق في سنوات دراسته أن يُقََيَم في ظروف مركبة
غير تلك التي مر بها في مدرسته؟ وخصوصا أن أدوات التقويم والقياس جلها
أصبحت بحاجة الى إعادة النظر فيها .
كما إن التحديات والمشتتات
الماثلة أمام طلابنا وهم الشريحة الأكثر استخداماً للتكنولوجيا وعالم
الاتصالات الحديثة والأكثر عرضةً للتأثر بمغرياتها وتأثيراتها ، وهي (
الوسائل التكنولوجية ) أصبحت تستحوذ على اهتمام الطلبة وغير الطلبة فيها ،
فكثير من الطلبة أصبح يعتبر أن عالم الفيسبوك مثلا أكثر أهمية له من
الدراسة والتعلم .
بمعنى أنه أصبح ضروريا على صناع القرار أن
يقوموا بوضع الأسس الكفيلة بجذب الطلبة الى الدراسة والتعليم عبر التبسيط
والتسهيل وابتداع وسائل تعليم واختبار جيدة ومسترسلة وليس خلق فجوات
بإبعادهم عنها ، كما أن خيار إعادة النظر في امتحان التوجيهي هو أحد هذه
الوسائل .
التوجيهي وسيلةً وليس هدف
لعل ما تم طرحه هو
جانب مبسط وضيق لمستوى النقاش ولكنه ينسجم مع مضمون الندوات والحوارات
الرسمية وغيرها ولأجل الوصول الى الهدف المنشود يجب الانطلاق من أن
التوجيهي في النهاية وسيلة وليس هدف بما أن الهدف هو كسب المعرفة وليس
الترسيب لأجل الترسيب .
النجاح ممر آمن
بسبب الطريقة
المحزنة في التعبير عن الفرح التي تعم أوساط الناجحين الذين يشكلون كثرة
في كل تجمعاتنا ، ونتيجة وسائل الفرح الممنوعة وغير الممنوعة والمزعجة ،
يشعر المرء كأنه في ساحة اشتباك متبادل في اليوم الذي تصدر فيه النتائج
السامية لطلاب قدموا امتحانات اعتقد ويعتقد الكثيرين أننا بها سنرتقي بلا
شك الى أعلى المنازل والدرجات ونحن في أسفلها ؛ بسبب ما يصدر عن الكثيرين
من سلوكيات شاذة ومزعجة .
يفرح الناجحون في التوجيهي ولا أحد يرفض
ذلك لأنهم أفلتوا من عقاله وعقدته التي تترك خلفها جيشا من الناجحين
المنتظرين لرحمة الجامعات ومنح الدراسات وبالمقابل جيشا أكبر من الذين لم
يحالفهم الحظ في النجاح.
ما دفعني إلى إضافة هذا السبب الفريد
من نوعه الى سيل المطالبات بالإلغاء هو مدى الإزعاج الذي ينتج عن فرحة
الفرحانين بنتائجهم وما يلحق ذلك من مظاهر أصبح التمسك به كأنه فرض عين ،
نعم إنها ساعات توتر هي تلك الساعات التي تتلو صدور نتائج التوجيهي ،
وساحات حرب تسود مدننا وقرانا ومخيماتنا التي ترزح تحت أجواء الفرح المبالغ
به تلك ، عذراً على توصيف الفرحة بأنها مبالغ فيها لأنها فعلا ًكذلك .
محور الكلام المفيد ، إن النجاح هو أسمى أمنيات البشر وهو مناسبة سعيدة لا
يعلوها سعادة ، ولكن على الناجح في الثانوية العامة أن يتذكر أنه بنجاحه
إنما يستلم أمانة مضمونها أنه سيرتقى الى مرتبة أعلى من مرحلة حياته
المدرسية الى مرحلة الحياة العملية بالتعليم الجامعي أو المهني أو غيره ،
إنه بعد نجاحه أصبح كالجندي في صفوف بناء الوطن وعليه المحافظة على هذه
الرسالة .
ألى يحتاج ما يدور في ساحات الوطن من حفلات وصخب
مفرقعات تشعرك أنك في ساحات اشتباك إلى لحظة تأمل ما الذي نفعله وما
الذي علينا فعله لنفرح في نجاح فلذات أكبادنا ؟
المستوى الفردي
حري بمن يسمع أو يدرك أنَ غيره انزعج من إفراطه في فرحته بنجاح أو غيره ،
أن يراجع نفسه ليبدأ بنفسه بالعدول عن الإزعاج ولا ينتظر ما يفعله
الآخرون .
الأولى بالفرح أن يغمر كل البيوت التي فيها متقدمين لإمتحان الثانوية العامة بأن لا يكون هناك راسبين.
كما أن الابتهاج له حدوده حتى لا يؤثر على حياة الآخرين فما معنى إطلاق المفرقعات المدوية عموما وبالذات بعد منتصف الليل .
على ناجح التوجيهي أن يسعى بفرحه الى جعل مناسبته خيرا على من حوله .
البحث عن وسائل مرضية ومريحة للمجتمع حين التعبير عن فرحة النجاح .
أهم ما يجب فعله بعد النجاح هو الإعداد الذاتي النفسي والجسدي والمادي للمرحلة القادمة .
إن فئات شعبنا بحاجة بل وملزَمة بالإدراك بأن هذا النجاح ما هو إلا
مرحلة عادية وطبيعية جداً في حياة طلابنا وسنته هي كأي سنة سبقتها وينجح
فيها الطلبة نجاحاً طبيعيا بجهدهم التعليمي وليس بقصاصات ورق يضطر بعض
الطلبة الى استخدامها خوفا من سقوطهم من علو الجبل .
إن الأجواء
المصاحبة لإعلان النتائج لا يقل عن أهمية أن تطرح قضية إلغاء امتحانات
الثانوية العامة على مستويات نقاش مسؤوله وفاعلة تهتم بمستقبل الطلبة ،
هؤلاء الطلبة الذين أصبحوا يرون أن الرسوب هو آخر الدنيا وأن تقييمهم ذاك
لن يمكنهم من النجاح .
إن الدخول في منعطف الأجواء التي تصاحب حفلات
نجاح الثانوية العامة والجدل القائم حول مدى المبالغة في التعبير عنها لا
يقل أهمية عن تدارس الظروف المحيطة بالامتحانات لأن هذا مرتبطٌ بذاك
والأول يعتبر انعكاس سلبي لمستوى تعقيدات الظروف المواكبة للتوجيهي ، لذلك
تم إبراز الموضوع بهذا الشكل .
وقد وصلت الأمور الى أن تحول
استخدام مفرقعات أو أطلاق نار الى كارثة وفاة إحدى الناجحات في غزة برصاص
أخيها الطائش بفعل الفرحة بنجاحها وهي لم تكد تفرح بنجاحها ، لذلك يتوجب
إصدار وتنفيذ القوانين المتعلقة بمنع المفرقعات وما شابهها من وسائل
قاتلة وضارة ومزعجة.
.
ما سلف من كلام يجعل أيضا من الضروري
الاستخلاص هو أن مجتمعنا الفلسطيني هو الذي أصبح بحاجة ماسة الى أن يعيش
أجواء هادئة وطبيعية جداً سواء في حال نتائج التوجيهي أو غيرها ،
وأجواء النجاح تلك أيضا هي جزء من الفعل الطبيعي ، ولكن الغير طبيعي هو
إعطاءها تميزاً يفجر الأدمغة على شكل ما نرى من فوضى سلوكية تعقب صدور
النتائج .
الإثنين 10 يونيو 2024 - 17:06 من طرف Abd
» اداة ذكاء اصطناعي للباحثين وطلاب الدراسات العليا
الجمعة 26 أبريل 2024 - 11:23 من طرف Abd
» وفاة 30/7/2013 : جمال ابراهيم علي الحروب
السبت 30 مارس 2024 - 14:14 من طرف Khaled promo
» جميع حلقات سيف النار
الجمعة 1 مايو 2020 - 8:36 من طرف monusorry
» اسماء المرشحين في انتخابات بلدية خاراس القادمة!!!!!؟؟؟؟
الإثنين 26 أغسطس 2019 - 22:08 من طرف جوليانا
» د.ناصر اللحام رئيس تحرير وكاله معا يصف خاراس
الإثنين 26 أغسطس 2019 - 22:05 من طرف جوليانا
» تهنئة العضو القدير khamdan بالخطوبة
الإثنين 26 أغسطس 2019 - 22:02 من طرف جوليانا
» مشكلة المياه في البلدة والقرى المجاوره
الأحد 25 أغسطس 2019 - 22:35 من طرف جوليانا
» شات عربي
الأحد 25 أغسطس 2019 - 22:16 من طرف جوليانا
» صور من خيمة التضامن مع الاسير ثائر حلاحلة في خاراس
الجمعة 25 مارس 2016 - 23:12 من طرف سامر2015