علماء ودعاة رحلوا في 2011

غيب الموت خلال عام 2011 عددا من أبرز علماء الأمة وفقهائها ورجال الدعوة الإسلامية في عدد من الدول، بعد أن أثروا بعلمهم وفقههم الساحة الدعوية الإسلامية.
وقد روى عَبْدُ اللَّهِ بن عَمرو بن الْعَاصِ، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَقُول: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِن الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا، اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤوسًا جُهَّالاً، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوا بِغَيْرِ عِلْمٍ؛ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا". أَخْرَجَهُ الإِمَامُ مُسْلِم.
أبرز العلماء والدعاة والفقهاء الراحلين عام 2011 تخليدا لذكراهم وتقديرا لجهودهم الدعوية والفكرية في خدمة الأمة الإسلامية، داعين الله أن يتغمدهم بواسع رحمته وأن يسكنهم فسيح جناته.
عبد المعز.. موفد البنا إلى فلسطين
في الثالث عشر من شهر أبريل 2011م، فقدت الأمة الإسلامية واحدًا من علمائها الكبار، وشيوخها الأجلاء، الشيخ عبد المعز عبد الستار، من الرعيل الأول لجماعة الإخوان المسلمين، والذي وافته المنية في دولة قطر؛ بعد عمرٍ حافلٍ أفناه في خدمة الدعوة الإسلامية والقضية الفلسطينية.
وكان الشيخ، عضوا في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وأحد الدعاة المعروفين في مصر وقطر، وهو أول موفد من الإخوان إلى فلسطين عام 1946م، في مهمة دعوية. تعرَّف على دعوة الإخوان قبل أن تتمَّ عقدها الأول، والتقى مؤسِّسها الإمام حسن البنّا، عام 1937م، وهو لا يزال طالبًا في الأزهر، وكان أحد وعّاظ الأزهر المشهورين، وأحد دعاة الإخوان المرموقين، طالما هزّ أعواد المنابر بصوته الجهوري الذي يشقّ أجواء الفضاء، ويكاد يبلغ عنان السماء.
الشكعة.. المدافع عن الإسلام
وبعد 8 أيام من وفاة الشيخ عبدالمعز، وافت المنية عالمًا جليلاً ومفكرًا إسلاميًّا كبيرًا هو الدكتور مصطفى الشكعة، عضو مجمع البحوث الإسلامية، ورئيس لجنة التعريف بالإسلام في المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وعضو لجنة الحوار الإسلامي المسيحي في الأزهر الشريف، والذي رحل عن عالمنا عن عمر ناهز 94 عامًا، بعد حياةٍ حافلةٍ بالعطاء والدفاع عن الإسلام ضد مظاهر الغلوِّ والتفريط والهجمات الشرسة التي يتعرَّض لها.
والشكعة، مولود في أغسطس 1917م في محافظة الغربية بمصر، وعمل أستاذا للأدب العربي في كلية الآداب بجامعة عين شمس، وتولى منصب عميد الكلية، وعمل مستشارًا ثقافيًّا للسفارة المصرية في واشنطن (1960- 1965م)، وله العديد من المؤلفات الأدبية، وقد نال العديد من الجوائز والأوسمة. أثرى المكتبة الإسلامية بالعديد من المؤلفات أبرزها "إسلام بلا مذاهب"، الذي صدر سنة 1960م، وطبعت منه 25 طبعة.
مولوي.. الفقيه والشيخ المستشار
وفي الثامن من شهر مايو 2011م، فقدت الجماعة الإسلامية في لبنان، والعالم الإسلامي، العالم الجليل والفقيه المستشار الشيخ فيصل مولوي، عن عمرٍ يناهز الـ70 عامًا. من مواليد (1941م طرابلس- لبنان). بدأ مولوي العمل الإسلامي عام 1955م، وكان الأمين العام للجماعة الإسلامية خلفًا للدكتور فتحي يكن منذ 1992 وحتى سنة 2009م، ورئيس بيت الدعوة والدعاة منذ تأسيسه سنة 1990م، وعضو اللجنة الإدارية للمؤتمر القومي الإسلامي. وله العديد من المؤلفات التي أَثرَت العالم الإسلامي.
عُيّن قاضيًا شرعيًّا في لبنان سنة 1968م، وتنقَّل بين المحاكم الشرعية الابتدائية في راشيا وطرابلس وبيروت، ثمّ عُيِّن مستشارًا في المحكمة الشرعية العليا في بيروت سنة 1988م وبقي في هذا المركز حتى استقالته سنة 1996م، قبل أن ينال مرتبة "قاضي شرف برتبة مستشار" بموجب مرسوم جمهوري صدر في 23 مايو 2001م. وأمضى في أوروبا 5 سنوات من 1980 حتى 1985م، وأسَّس في فرنسا الاتحاد الإسلامي والكلية الأوروبية للدراسات الإسلامية.
الغزالي.. خبير الاقتصاد الإسلامي
أما في الرابع من شهر يونيو 2011م، فقد تُوفيَّ الدكتور عبد الحميد الغزالي، الخبير المصرفي، وأستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة، والمستشار السياسي للمرشد العام لجماعة الإخوان، عن عمر يناهز 73 عاما. نعاه محمد بديع، مرشد الإخوان، واصفا إياه بأنه "كان مثالا للداعية المجاهد الذي عاش طيلة حياته في خدمة دعوته، وفى خدمة قضايا أمته".
والدكتور الغزالي من مواليد 23 فبراير 1937، بمدينة الشهداء محافظة المنوفية، وانتمى للإخوان منذ الصغر ، وكان قد اعتقل ثلاث مرات، أولاها عام 1954 أثناء دراسته في المرحلة الثانوية، تلتها المرة الثانية عام 1971 في "انتفاضة الطلبة"، ثم في عام 1996 مع مجموعة ما سمي إعلاميًا بـ"حزب الوسط"، وحكم عليه فيها بثلاث سنوات.
شمعة.. أحد مؤسسي "حماس" السبعة
وليس ببعيد عن مصر، وبالتحديد في فلسطين، وافت المنية في العاشر من شهر يونيو 2011م، الشيخ المؤسس في حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، المجاهد أبو حسن شمعة في مدينة غزة. وهو أحد قيادات جماعة الأخوان المسلمين، وهو من السبعة الذين أسسوا حركة المقاومة الإسلامية حماس في فلسطين، وأحد مبعدي مرج الزهور.
قال عنه النائب الأول لرئيس المجلس التشريعي د. أحمد بحر، إن شمعة من قادة الشعب الفلسطيني الذين بذلوا أوقاتهم في سبيل نصرة المظلومين. وأضاف: "نقف اليوم أمام قائد ومصلح ومربّ وقف في وجه العدو الذي يتعدى على حرماتنا ليل نهار". وقال عنه وزير الأوقاف والشؤون الدينية د.صالح الرقب "فلسطين تفقد اليوم أحد قادتها العظام". ونعاه الناطق باسم حماس د. إسماعيل رضوان قائلاً إن حركته فقدت عالمًا ربانيًا وقائدًا همامًا ضحى بوقته وماله في سبيل نصرة فلسطين.
شعيشع.. الصادح بالقرآن
وفي الثالث والعشرين من شهر يونيو 2011، توفيَّ إلى رحمة الله، القارئ الشيخ أبو العينين شعيشع، عن عمر يناهز 89 عاما، وهو من أشهر قراء القرآن الكريم في هذا العصر.
والشيخ أبو العينين شعيشع من مواليد محافظة كفر الشيخ عام 1922 في مدينة بيلا بمصر، التحق بالإذاعة المصرية قارئا عندما كان في السابعة عشرة، وكان متأثرا بصوت الشيخ محمد رفعت "أعظم قارئي القرآن في العصر الحديث"، حتى إنه كان يتبع طريقته وصوته في القراءة، وفى العقد الثاني من عمره بدأ يتخذ أسلوبا خاصا به في القراءة، وفى الستينيات من القرن الماضي أصيب الشيخ بمرض في أحباله الصوتية منعه عن القراءة، ولكنه بالصبر هزم المرض وعاد للقراءة من جديد.
السقاف.. مصلحُ ذات البين
وفي الشهر التالي لوفاة شعيشع، وبالتحديد في الثاني عشر من يوليو 2011م، نعى التجمع اليمني للإصلاح في محافظة شبوة، وفاة الشيخ مبارك بن صالح بن حسين السقاف، عضو الشورى المحلية. ووصف بيان المكتب التنفيذي للإصلاح بشبوة الشيخ السقاف بأنه مثل القدوة في نشر الخير ومبادئ المحبة في المجتمع.
وقد مثل الفقيد في مديرية بيحان قدوة في إصلاح ذات البين، وكان نموذجا للشيخ المحنك والذي بذل من جهده ووقته لنشر الخير ومبادئ المحبة وترسيخ دعائم السلم الاجتماعي في المجتمع.
شيبان.. محارب عن الإسلام والعربية
وفي الثاني عشر من شهر أغسطس 2011م، تُوفيَّ الداعية الجزائري الشيخ عبد الرحمن شيبان- رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، عن عمر ناهز 93 عامًا. وترأس الشيخ شيبان جمعية العلماء المسلمين التي أسسها العلامة عبد الحميد بن باديس عام 1931، وكان له الفضل في إعادة بعثها بعدما كانت مجمدة إثر خلافات مع السلطة الجزائرية. تقلد منصب وزير الشؤون الدينية بين عامي 1980 و1986، فكان ممن أحيا سنة "ختم صحيح مسلم" في مساجد الجزائر.
والشيخ شيبان من مواليد الشرفة بولاية البويرة (160 كلم شرق العاصمة الجزائر) في 22 فبراير 1918 في أسرة أمازيغية يطلق عليها أهل المنطقة لقب "الأشراف". انتقل إلى تونس، والتحق بجامع الزيتونة. نقل مقربون منه أنه "حارب"- بحكم عضويته في المجلس التأسيسي- من أجل تثبيت مادتين أساسيتين في الدستور الجزائري الحالي، وهما المادة الثانية التي تنص على أن "الإسلام دين الدولة"، والثالثة التي تنص على أن "اللغة العربية هي اللغة الوطنية والرسمية للجزائر".
سلقيني.. مفتي حلب ونائب الشعب
وفي السادس من شهر سبتمبر 2011م، توفيَّ الدكتور الشيخ إبراهيم سلقيني، مفتي حلب، عن عمر ناهز الثامنة والسبعين. ظل يخطب الجمعة في جامع أبي حنيفة النعمان بحلب، إلى ما قبل وفاته. وهو من مواليد العام 1934 في مدينة حلب. وحائز على شهادة الدكتوراه في أصول الفقه من كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر بمصر.
عمل مدرساً ومديراً لعدد من مدارس حلب، وأستاذاً في كلية الحقوق في جامعتي دمشق وحلب، وأستاذاً في أصول الفقه في كلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض، وكلية الشريعة في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، وأستاذ الدراسات العليا في كلية الدراسات الإسلامية والعربية في دبي ثم عميدا للكلية ذاتها، وأستاذاً زائراً للتدريس في الدراسات العليا في كلية الشريعة في جامعة أم القرى. كما عمل عميداً لكلية الشريعة في جامعة دمشق. وكان عضواً في مجلس الشعب السوري في دورته الأولى من العام 1973 وحتى 1977.
عويس.. رحل قبل تكريمه
وفي الشهر الأخير من العام، فقدت مصرُ والعالم الإسلامي، في العاشر من شهر ديسمبر 2011م، المفكر الإسلامي الدكتور عبد الحليم عويس، أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية ورئيس تحرير مجلة "التبيان"، بعد صراع مع المرض، عن عمر يناهز 68 سنة. وكان من المفترض أن يسافر الراحل إلى المملكة العربية السعودية خلال أيام لحضور تكريم له من جانب العاهل السعودي، إلا أن القدر لم يمهله.
حصل عويس على ليسانس الدراسات العربية والإسلامية من كلية دار العلوم، جامعة القاهرة، وعلى درجة الماجستير عام 1977 عن أطروحته "دولة بني حماد في الجزائر"، ونال درجة الدكتوراه عام 1978 عن بحث "ابن حزم الأندلسي مؤرخًا"، وحاز درجة الدكتوراه الفخرية من الجامعة الدولية في أمريكا اللاتينية عام 2009، وحاز الوسام الذهبي للعلم والآداب والفنون من الجمهورية السودانية عام 2011.
حافظ.. مجمعُ اللغة والهداية
وفي الثالث والعشرين من شهر ديسمبر 2011م، تُوفي الدكتور محمود حافظ، رئيس مجمع اللغة العربية، ورئيس المجمع العلمي المصري، ورئيس اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية، عن عمر ناهز 100عام. وإلى جانب نشاطه العلمي، فقد كان له نشاط ديني، فقد عمل أمينا عاما لجمعية الهداية الإسلامية مع الشيخ محمد الخضر حسين شيخ الجامع الأزهر الأسبق طيلة 17 عاما.
والدكتور حافظ من مواليد القاهرة في العاشر من يناير 1912، والتحق بكلية العلوم وحصل على البكالوريوس في علوم الحياة سنة 1935. وأوفد في بعثة علمية إلى جامعة لندن والمتحف البريطاني سنة 1937، واختير خبيرا في المجمع في لجنة علوم الأحياء والزراعة ثم اختير عضوا به في سنة 1977 ثم نائبا لرئيس المجمع عام 1996 حتى عام 2005، ثم رئيسا منذ العام 2005 حتى وافته المنية.

رحمهم الله رحمة واسعة وأسكنهم في فسيح جنانه

امين يا رب العالمين