كهل عائد
كان شاباً وسيماً فقيراً، عمره لم يبلغ السابعة عشرة بعد، ابناً لفلاح مسكين كادح، ينحت لقمة عيشه من الصخر. كان يُدعى حسام، لم يستطع إكمال دراسته المدرسية لضيق حالهم وقلة مالهم مما اضطره للخروج من المدرسة لمساعدة والده في زراعة أرض البستان وحرثها.
وما إن بلغ الثامنة عشرة حتى توفي والده بسبب مرض مزمن ألم به من صغره، تاركه يتيماً يتخبط في هذه الدنيا العجيبة، وأوصاه قبل فراق الحياة بالمواظبة على زراعة الأرض بالحبوب والاعتناء بأشجار البستان ، وبقطيع الأغنام .
كانت هذه الوصية في نظر حسام ثقيلة جداً، وشعر من البداية بأن تنفيذها شبه مستحيل، ووجد الفرصة سانحة للذهاب إلى أمريكا للعمل في إحدى الشركات هناك كعامل تنظيفات ومُعد للقهوة والشاي، حيث لا يوجد معارض له بعد وفاة والده.
جهز أوراقه وجواز السفر، وباع ما بقي من القمح الذي حصده أبوه قبل موته بأيام قليلة، وباع عقد أمه التي انتقلت إلى جوار ربها قبل أن يبلغ أشده. هذا العقد الثمين الذي ادخره أبوه للذكرى مع حاجته الماسة إليه، باع الحصان البني وقطيع الأغنام، باع هذه الأشياء جميعاً وحمل النقود بيديه وعدها مرات عدة، وأحس بفرحة كبيرة.
في الصباح أفاق من نومه، لبس ثيابه، وضع أوراقه وملابسه في حقيبته، قلب بصره في الكوخ القديم فانتهب نظره صورتان معلقتان على الحائط، فأما الصورة الأولى فلوالده باللباس العربي القديم، بين أشجار البستان، وأما الثانية فلوالدته بالثوب الأحمر المطرز بين سنابل القمح المنحنية، ذرفت عيناه بالدمع، وخفق قلبه حزناً عليهم.
وقال: سامحيني يا أمي لقد بعت عقدك الثمين، سامحني يا أبي لن أستطيع تنفيذ وصيتك، أغلق باب الكوخ بلطف، وسار بخطوات بطيئة نحو البوابة، وقبل الخروج نظر نظرة الوداع على الكوخ والبستان، وتناول حبة تفاح عن الشجرة وأخذ في قضمها، اغترف بيده حفنة من تراب البستان الخصب ووضعها في كيس في حقيبته، مد يده إلى المفتاح وفتح البوابة وخرج منها ثم أغلقها.
في أثناء الطريق إلى المطار، قابل خالته العجوز وسألته عن مكان ذهابه، لكنه اكتفى بقوله سأذهب للبحث عن عمل غير الزراعة المتعبة، وصل المطار وركب بالطائرة وشعر في نفسه أن الحياة سوف تنفرج عليه، أقلعت الطائرة ونظر على بلده النظرة الأخيرة من الجو.
وبعد عدة ساعات وصل إلى الولايات المتحد الأمريكية، فتعجب من هذه السرعة الخارقة وقال: ما أسرع الطائرة مقارنة مع حصاني البني، صحيح أنه كان سريعاً لكن سرعته لا تقارن مع سرعة الطائرة.
ذهب إلى بيت صديق من أصدقائه الذي وفر له العمل في الشركة ، وفي الصباح ذهب لاستلام العمل الجديد ، وأحس بان العمل أسهل بكثير من الزراعة والحراثة والحصاد ، كان راتبه ممتازا وكان يزداد سنة بعد سنة ، حتى انه استطاع شراء شقة مفروشة بالقرب من الشركة ، وتزوج من فتاة اجنبية كانت تعمل في الشركة ، انجبت له ثلاثة ابناء من الذكور عاش معها بسعادة .
وبعد ذلك قررت التوقف عن العمل ، بحجة ان العمل متعب ، مما اضطره للعمل ليلا ونهارا لتلبية طلباتها الكثيرة والمستحيلة احيانا.
كان يعمل طوال الاسبوع الا في اليوم السبت ، الذي كان بمثابة عطلة رسمية ، كان يعود الى المنزل مشتاقا لزوجته وابنائه لكنه كان في كل مرة لا يجدها ، فازداد غضبه عليها .
من هنا بدأ يعاني من المشاكل مع زوجته ، التي كانت تحرمه من رؤية ابنائه الا بضع مرات . حتى كاد الاولاد لا يعرفون اباهم ، مع انه لم يقتر عليهم وعليها في أي شيء ، وكان يعطيها كل راتبه .
مرت الايام مسرعة وتقدم بحسام السن حتى انه شارف على مرحلة الشيخوخة، وأصبح غير قادر على العمل ، وقدر ان يعيش بقية حياته بما في الصندوق الاخضر من النقود ، حيث كان الصندوق موضع النقود التي كان يجنيها من عمله ، شعرت الزوجة بعجزه وانتظرت حتى خرج لزيارة صديقه ، اسرعت الى الصندوق الاخضر فاخذت مابه من نقود وحملت ابنائها وخرجت من البيت تاركةً له رسالة على الطاولة .
رجع حسام إلى البيت، ونادى عليها بصوت عالٍ، فلم يستحب احد، التفت في البيت بحثا عن الأطفال فلم يجدهم، جلس على الكرسي واخذ يفكر في أطفاله، فلمح الرسالة على الطاولة، فلسطين الرسالة ببطء، فجاء فيها} لا تتعب نفسك بالبحث عنا، فانا وأولادي ذهبنا إلى مكان بعيد شعر بأنه لا مكان له هناك، فأسرع إلى الصندوق الأخضر، لكن المفاجئة انه لم يجد حتى دولار واحد {، تذكر أرضه وبستانه وكوخه الصغير، تذكر حفنة التراب التي جلبها معه، فاخذ يلمسها ويضعها على صدره، وأحس بأنه ذلك الحسام الذي كان يبذر القمح تارة ويقطف الزيتون تارة أخرى، أحس بخطئه الكبير تجاه وطنه وأرضه، تجاه وصية والده التي لم يكترث لها، طمعا في المال والحياة الرغيدة، لقد ضاع المال وهربت الزوجة والأولاد، لقد تحطم حلمه الكبير، وقد أصبح كهلا لا يستطيع العمل ليبني نفسه من جديد، بل أحس بان النهاية قد اقتربت....
عرض شقته للبيع، فباعها بثمن بخس يكفي لإيصاله إلى قريته، حمل النقود وأسرع باتجاه المطار، اختار أسرع الرحلات إلى وطنه، وصل بعد ساعات عدة، ركب في إحدى السيارات وطلب من السائق إيصاله إلى قريته التي كاد نسيان اسمها.
وصل إلى القرية فلم يعرف احد من الناس، اخذ في البحث عن منزله، التفت يمينا وشمالا فلم يجده، أو لربما مر عليه لكنه لم يعرفه، تذكر بان المنزل في الجهة الجنوبية من القرية، فحصر نفسه في الجهة الجنوبية من القرية، سال بعض الناس القدامى في السن فأرشدوه إليها، أخيرا وصل إلى منزله.
دخل إلى البستان فوجده قد تغير تماما، الأشجار قد جفت والزهور قد ماتت، والكوخ قد تهدم أجزاء منه، شعر بالراحة والدفء الذي لم يشعر به منذ زمن بعيد، دخل المنزل، ثم نظر إلى الحائط، فوجد الصورتان كما هما، حملهما بيده ضمهما إلى صدره، بكى وندم لكن بعد فوات الأوان، شعر باقتراب الأجل، فجلس عند قبر والديه، يتذكر أولاده المساكين، الذين لم يستطع حملهما إلا قليلا، تذكر عقد أمه المسكينة، تذكر وصية والده الكادح، تذكر حصانه البني السريع، لم يستطع التعبير عن ندمه الكبير على ترك هذا البستان، وبعدها أحس أن روحه تصعد إلى بارئها.
تأليف ::::: فارس الحق
نقل :::::: صوريفي أصيل
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 - 20:54 من طرف جنى ميرو
» صيانة سخانات في دبي 0543747022 emiratefix.com
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 - 19:53 من طرف جنى ميرو
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في عجمان 0543747022
السبت 16 نوفمبر 2024 - 23:43 من طرف جنى ميرو
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في عجمان 0543747022
السبت 16 نوفمبر 2024 - 23:11 من طرف جنى ميرو
» تصليح أفران في دبي 0543747022 emiratefix.com
السبت 16 نوفمبر 2024 - 22:15 من طرف جنى ميرو
» تصليح أفران في دبي 0543747022 emiratefix.com
السبت 16 نوفمبر 2024 - 22:11 من طرف جنى ميرو
» تصليح ثلاجات في دبي emiratefix.com 0543747022
السبت 16 نوفمبر 2024 - 0:11 من طرف جنى ميرو
» تصليح سخانات في دبي - 0543747022 (الشمسية و المركزية) emiratefix.com
الجمعة 15 نوفمبر 2024 - 20:33 من طرف جنى ميرو
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في الشارقة 0543747022
الأربعاء 13 نوفمبر 2024 - 21:30 من طرف جنى ميرو
» اداة ذكاء اصطناعي للباحثين وطلاب الدراسات العليا
الجمعة 26 أبريل 2024 - 11:23 من طرف Abd