من أقسى التجارب التي يمكن أن يعيشها الإنسان، عجزه عن الوصول إلى أهدافه في الحياة، وتقصيره في تحقيق ما يصبو إليه من علم أو عمل أو ثروة مادية أو سعادة عاطفية، وهو يرى الوقت يمضي دون أن يمتلك بين يديه ما يمكن أن يكون المرسى الذي يستقر به في رحلة حياته..
هذه الحالة من التقصير يشير إليها أكثر الناس بأنها الفشل، وغالباً ما يتعاملون معها بكثير من التهويل وتبكيت الضمير، الأمر الذي يحولها إلى عقدة نفسية يصبح تجاوزها مشكلة عويصة..
وقد تتطور لتصبح اكتئاباً مزمناً أو مرضاً نفسياً تحتاج معالجته إلى تدخل الأطباء، على الرغم من أن المسألة ليست بهذا الحجم في جذورها، وخصوصاً عندما يقتنع الإنسان بأن الفشل هو حالة طبيعية يمر بها، وهي خاضعة للتغيير والتجاوز، إن تم التعامل معها بحكمة وهدوء وإيمان وصبر.
وسنحاول في معرض تناولنا هذا الموضوع أن نبين باختصارٍ بعضَ أسباب الفشل وأنواعه، وبعض المقولات الأساسية التي تتعلق بتجاوزه، والتعامل معه بأنه عَرَض زائل، أتفه بكثير من أن يدمر حياة إنسان، أو يسمم حياة مجتمع بأكمله، كما يحدث في كثير من الأحيان.
ما هو الفشل؟
يتعامل المفكرون مع الفشل والنجاح بأنهما سويتان متكافئتان على المستوى المنطقي، فالفشل هو مقابل النجاح, لذا هو حالة من الحالات التي يعيشها الإنسان في تناوب مستمر مع حالة أخرى هي النجاح, وبالرغم من صحة هذا التعريف غير أنه يتضمن نوعاً من التضليل.
إذ يمكن القول في تعريف الفشل والنجاح، إن الفشل هو حدث واحد، أما النجاح فهو حالة دائمة, ويدفع هذا التعريف بنا إلى تقييم الفشل بما يستحقه من حجم في حياة الإنسان.
ويمكن أن ننظر إلى الأمر على النحو التالي: إن رسوب طالب جامعي في مقرر دراسي أو في سنة دراسية، هو حدث واحد يصادفه في حياته الجامعية، لكن نجاحه في نهاية المطاف وحصوله على شهادته الجامعية ليس مجرد حدث، بل هو أمر سيستمر معه طوال حياته، وسيعطيه مكانة اجتماعية محددة في محيطه وبيئته، ويؤمّن له فرصة العمل، والقدرة على تقديم الفائدة لنفسه ولأسرته ولمجتمعه.
إن النجاح هو الأصل والفشل هو الطارئ, وبذلك نعطي الفشل حجمه الحقيقي كحالة استثنائية، تحدث بحكم الملابسات والظروف، ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن نعطيها حجماً أكبر من ذلك.
ملاحظات حول الفشل
نستطيع أن نسجل الملاحظات التالية حول الفشل:
1. يحدث الفشل في العالم الواقعي، لذا فإن الاعتقادات والأفكار، تسبب الفشل من خلال تأثيرها في سلوك الإنسان وتصرفاته.
2. الفشل هو عدم تطابق بين ما يحدث في العالم الواقعي، وبين النموذج النظري الذي نمتلكه في أذهاننا عما يجب أن تكون عليه حياتنا.
3. من ناحية أخرى، يتظاهر الفشل في عقولنا كحالة من عدم الرضا، التي تنتاب الإنسان، عندما يقيس بين واقعه وبين النظريات والمعتقدات التي يؤمن بها، والتي قد تكون خاطئة مضللة, ولكنه يعتقد أنها صحيحة، وعندما يصطدم بعدم إمكانية تطبيقها على أرض الواقع، يدخل حالةً من التناقص الرهيب، التي تجعله يظن أنه فاشل لذاته، ولكن الحقيقة هي أن النظريات والأفكار التي يحاول تطبيقها هي الخاطئة.
إن حالة لوم الذات، والدخول في متاهة من التأنيب النكدي المرضي للنفس، هو من أعقد المشاكل التي تعترض الشخص الفاشل، الذي لا يحلل مشكلته بشكل علمي وعملي، فيقوده الأمر إلى الإغراق في الإحساس بالألم والشعور بالعجز عن أي حل، ويعدّ المسألة قدراً لا مخرج منه ولا سبيل إلى تغييره.
أنواع الفشل
تختلف طرق تصنيف الفشل حسب حجمه أو طبيعة تأثيره أو طبيعة الحدث المرافق له, فهناك الفشل الصغير في قضية ثانوية، والفشل الضخم الذي يترك آثاره على حياة الإنسان كاملة..
وهناك الفشل الذي يتعلق كلياً بشخص واحد، أو فشل يخوضه إنسان مع جماعة (كهزيمة فريق كرة السلة، أو هزيمة دولة ما في حرب).
وهناك الفشل الحاضر الذي نعيشه، والفشل الذي قد يكون منتهياً لكنه يلقي بظلاله على حياتنا الحاضرة، فيتدخل بآثاره في تفاصيل ما نفعله، الأمر الذي يدفع بنا إلى الخوف، أو التردد أو الضعف في معالجة مشاكل حياتنا والاستمتاع بما حققنا من إنجازات ونجاحات.
نجد أيضاً الفشل المفاجئ الذي قد يشكل صدمة للإنسان المأخوذ به بغتة، فيشل قدرته على التفكير، وقد يؤثر في صحته أحياناً, ونجد الفشل الذي يأتي على مراحل، ويستطيع من يمر بتجربة كهذه أن يتبين حصول هذا الفشل، فيمتلك الوقت الكافي لتلافيه أو التقليل من الخسائر المترتبة منه.
هناك تصنيف آخر للفشل وفقاً لنوع الوظيفة الحياتية التي يؤديها، فنجد الفشل العاطفي والفشل الدراسي والفشل المهني أو المالي والفشل السياسي والفشل الصحي، وقد نجد أحياناً فشلاً بسيطاً أو فشلاً مركباً في أكثر من ناحية من نواحي الحياة.
مستويات الفشل
يصنف العاملون في الحقل النفسي الفشل حسب درجة تعقيده وسهولة التعامل معه وفقاً لما يلي:
1. الفشل الكارثي
حيث يقود تزايد الضغوط والعراقيل في عملية نفسية معينة، مترافقة مع مشاكل في العمل أو الدراسة أو الحياة الزوجية إلى انهيار مفاجئ، عاصف وشامل، في بنية الإنسان النفسية ويؤدي إلى فقده القدرة على إدارة وظائفه اليومية، وفشل كلي في المسألة التي هي موضوع الأزمة، فينهار الزواج أو تُشتّت الأسرة، أو يفقد الشخص المعني عمله، وغالباً ما يترافق ذلك بدخول الإنسان حالة من العجز التام، وعدم القدرة على المحاولة من جديد.
2. الفشل المعقّد
هو حالة صعبة من الفشل، ولكنها لا تؤدي إلى انهيار الإنسان وعجزه عن إدارة شؤون حياته، وتبقى الآمال موجودة في تجاوز أزمته، ولكن ذلك يحتاج إلى مساعدة خارجية يقدمها له محبوه وأصدقاؤه، وبعض المتخصصين الذين يستطيعون أن يرشدوه إلى الطريق الصحيح في التعامل مع المشاكل التي يواجهها.
3. الفشل السهل
وهي حالة شائعة، مر بها أكثر الناس، وتتمثل في فشل محدود، في مسألة معينة، قد تثير في الإنسان بعض الشعور بالإحباط، والرغبة بالتعويض، إلا أنها سهلة التجاوز، وهي تشبه انكسار حلقة في سلسلة، قد تعيق عملها برهةً، ولكن سرعان ما يمكن تقريب الحلقات الصحيحة الأخرى ووصلها من جديد، لتعود سلسلة الحياة إلى تتابعها.
أفكار في الفشل والنجاح
عزيزي القارئ تذكر دائماً:
- ليس الفشل قدراً، وليس أمراً لا يمكن تجاوزه.
- التحليل الصحيح لحالة الفشل، سيؤدي بكل تأكيد إلى إمكانية الوصول إلى تصور واضح واقعي، بعيد عن التهويل والتضليل، للأسباب التي أدت إلى هذا الفشل، ومن ثم إلى تصور الحلول الواقعية الممكنة لتجاوزه.
- الاستعانة بالآخرين ليس عيباً، وخصوصاً إن كانوا من المحبين والمخلصين، أو من الأخصائيين العارفين بأحوال الإنسان النفسية، من الأطباء والمتخصصين النفسيين الذين بإمكانهم مد يد المساعدة الفعالة والسريعة.
- إن تجارب الفشل ضرورة حقيقية ولا تستقيم الحياة بدون أن يمر الإنسان بمختلف أطوارها.
إن هذه التجربة التي قد تكون مرة ستكسبه خبرة وصلابة ضروريتين لتحقيق كل ما يصبو إليه، ومتابعة مسيرته على دروب الحياة الصعبة.
- المرونة والتفكير الإيجابي والانفتاح على التغيير والجديد من الأفكار، من أهم العوامل المساعدة على تجاوز أي حالة راكدة، تقود الإنسان إلى التكلس في وضعه، وهو أمر مكروه في حالة النجاح، فكيف في حالة الفشل؟..
إن العالم المحيط أصبح معقداً متغيراً بسرعة كبيرة، ولا بد من أن نتكيف مع هذه الأوضاع الجديدة لنتجاوز صعوبات الحياة ونستمتع بجوانبها المشرقة.
فالقدرة على التغيير شرط أساسي في عدم الوقوع في حالة الفشل أو تكرارها، وكما يقال: "إذا لم تتغير، فمن الممكن أن تفنى"*.
الحياة حركة دائبة، فلا تحرم نفسك من الفرص القادمة، بالتقوقع في جُحر الفشل، والتعلق بشباك الكسل، بل كن كُلّ ما قدّر الله لك أن تكونه.
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 - 20:54 من طرف جنى ميرو
» صيانة سخانات في دبي 0543747022 emiratefix.com
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 - 19:53 من طرف جنى ميرو
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في عجمان 0543747022
السبت 16 نوفمبر 2024 - 23:43 من طرف جنى ميرو
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في عجمان 0543747022
السبت 16 نوفمبر 2024 - 23:11 من طرف جنى ميرو
» تصليح أفران في دبي 0543747022 emiratefix.com
السبت 16 نوفمبر 2024 - 22:15 من طرف جنى ميرو
» تصليح أفران في دبي 0543747022 emiratefix.com
السبت 16 نوفمبر 2024 - 22:11 من طرف جنى ميرو
» تصليح ثلاجات في دبي emiratefix.com 0543747022
السبت 16 نوفمبر 2024 - 0:11 من طرف جنى ميرو
» تصليح سخانات في دبي - 0543747022 (الشمسية و المركزية) emiratefix.com
الجمعة 15 نوفمبر 2024 - 20:33 من طرف جنى ميرو
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في الشارقة 0543747022
الأربعاء 13 نوفمبر 2024 - 21:30 من طرف جنى ميرو
» اداة ذكاء اصطناعي للباحثين وطلاب الدراسات العليا
الجمعة 26 أبريل 2024 - 11:23 من طرف Abd