منتديات خاراس الرسمية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

2 مشترك

    الأستاذ حمدان وعقيلته حنان/الجزء الثاني

    أحمد ابراهيم الحاج
    أحمد ابراهيم الحاج

    {{ كبار الشخصيات }}


    {{ كبار الشخصيات }}


    الجنس : ذكر
    البرج : الحمل
    عدد المشاركات : 231
    العمر : 72
    البلد : فلسطين - خاراس
    نقاط النشاط : 204
    الاعجاب : 4
    الدوله : فلسطين

    الأستاذ حمدان وعقيلته حنان/الجزء الثاني Empty الأستاذ حمدان وعقيلته حنان/الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف أحمد ابراهيم الحاج الأحد 2 يناير 2011 - 7:35

    الأستاذ حمدان وعقيلته حنان
    الجزء الثاني
    عاد حمدان للمدرسة ، وكان قد تخرج أخوه حسن من الثانوية العامة بتفوق ، وقبل بكلية الطب بجامعة القاهرة ليدرس على حساب حمدان ورفض البعثة لأنها لا تحقق رغبته ورغبة الأهل بأن يكون في العائلة طبيب ، وفي العام التالي تخرج أخاه حسين من الثانوية العامة وقبل بكلية الهندسة بجامعة عين شمس وليدرس أيضاً على حساب حمدان ، وفي العام الذي يليه تخرجت أخته عبلة وكانت من العشرة الأوائل بالثانوية وقبلت بكلية الطب بجامعة القاهرة وعلى حساب حمدان ، لأن البعثة التي حصلت عليها كانت لدراسة الهندسة بالإتحاد السوفياتي ولا يريدون تغريب البنت وفضلوا دراستها بقرب أخوتها في مصر. وتحمل حمدان الأخ الأكبر وجمل المحامل أعباء تدريس اخوته الثلاثة. وقضى في المدرسة النائية وظروفها الصعبة سبع سنوات إلى أن جاءه نقل الى بلدة الدوادمي بمدرسة متوسطة ، واستمر في تحمل مصاريف ونفقات إخوته ، وكان كلما عاد في اجازته السنوية لفلسطين كان والداه يطرحان عليه فكرة الزواج بفتور لعلمهم بقلة الإمكانيات وكثرة المصاريف التي يتكبدها في تدريس إخوته ، وكان يرفض مصمماً وقائلاً لهم : الزوجة أمانة فكيف سأتزوج بنت الحلال وأتركها في هذه القرية النائية وتلك الظروف المعيشية الصعبة التي لا تقدر عليها الحيوانات. ولما انتقل الى الدوادمي وتعدل راتبه الشهري وأكمل أخاه حسن الجامعة قبل حمدان بفكرة الزواج وكان عمره آنذاك ثلاثة وثلاثون عاماً. وبدأ أهله البحث عن العروس ، ووصل شوق حمدان ولهفته على أن يكون له ولد أو بنت وخوفه من فوات قطار العمر إلى درجة الموافقة على أول عرض قدم له من أهله ، لأنه شعر بأزوف الوقت الذي أصبح يمر بسرعة في غير صالحه ، وكانت العروس إبنة الجيران حنان ، كيف لا وهو يعرفها من قبل وكان يتمناها زوجة له ويدرك صعوبة ذلك لأنها كانت من عائلة أخرى وشبه مخطوبة لابن عمها التي كانت تميل اليه ، وحنان فتاة جميلة متخرجة من معهد المعلمات ، وتعمل مدرسة في مدرسة القرية المجاورة ، وكانت مخطوبة لابن عمها الذي التحق بالعمل الفدائي وفقد في عملية فدائية وانتظرته سنتين الى أن تأكد خبر استشهاده وقررت بعد ذلك الزواج بعد أن كانت ترفض فكرة الزواج الى أن يتبين مصير خطيبها. ولما خطبها حمدان كان عمرهاسبعة وعشرين عاماً. وتزوج حمدان من عروسه حنان ورافقته الى السعودية لتعيش معه الحلوة والمرة وآلام الغربة عن الوطن والأهل ولواعجها. التحق حمدان بالمدرسة الجديدة التي تبعد عن الدوادمي ثلاثين كيلومتراً ، وبدأ البحث عن سكن مناسب لدخله في الدوادمي ، فقد كان يتقاضى بدل سكن ثمانية آلاف ريال ، ولم يكن يملك سيارة تقله من الدوادمي للمدرسة ، وفي أول يوم استأجر سيارة للمدرسة ، وسكن هو وزوجته في غرفة بفندق لحين عثوره على سكن مناسب. وفي المدرسة التقى بأستاذ فلسطيني من قطاع غزة يُدرِّس بالمدرسة ، تصافحا وتعانقا ، وكان لقاءً مثمراً لحمدان ، فقد أخبره زميله بوجود شقة فارغة مجاورة له في نفس العمارة والتي يقطن فيها ثلاث عائلات فلسطينية ، وأنه على استعداد لإيصاله بسيارته من البيت إلى المدرسة وبالع...... أخذ حمدان يستعجل الزمن ليستأجر الشقة قبل أن تُستأجر ، وكان له ما أراد.
    تعرف حمدان وعقيلته حنان على العائلات الفلسطينية من سكان العمارة ، وكانت كلها عائلات مدرسين بعضهم في الدوادمي ممن أمضوا اكثر من عشر سنوات وبعضهم في القرى المجاورة. وبدأ حمدان يؤثث الشقة بالتدريج وحسب الإمكانيات المادية ، وكانت حنان زوجة أصيلة مدبرة ، لا تحمله فوق طاقته ولا تطلب منه ما يثقل على كاهله بالرغم من مكايدة جاراتها في تميزهن بامتلاك السيارة والملابس ، والأثاث ولكنها كانت للمكائد واعية وعلى زوجها صابرة ، وبعد مضي فترة من الزمن فتحت في الدوادمي مدرسة بنات خاصة للتمهيدي وللصفوف الإبتدائية ، وطلبت حنان من زوجها حمدان أن يقدم لها طلباً للعمل بالمدرسة ، فقال لها حمدان : وهل تريدين العمل من أجل مساعدتي أم أجل قضاء أوقات الفراغ ، فردت حنان بدون نفاق أو مواربة : من أجل مساعدتك أولاً وثانياً وما العيب في ذلك ومن أجل قضاء وقت الفراغ ثالثاً ، فقد تعودت على العمل في بلادنا ، ولم انسجم مع دواوين النساء في هذه العمارة ، فكلها قيل وقال ومكايدة واستغابة ، صحيح إنها تسلية وقتل للوقت ونسيان لمشاعر الغربة عن الوطن والأهل لكنها هدرٌ للطاقة ومضيعة للوقت ، فقال لها حمدان : ولكنهم لا يدفعون رواتب وخاصة للمعلمات غير السعوديات لأنهم يعرفون ظروفهن ، فقالت له مهما يكن الثمن فيكفي أنني أفيد غيري وأشعر أنني أؤدي رسالة في الحياة. فقال لها حمدان : أنا ممنوع من دخول المدرسة فلا يدخلها الا الإناث ، سأوصلك وأنتظرك بالخارج وخذي معك شهاداتك ولنرى. ذهبا الى مقر المدرسة مشياً على الأقدام ، وكانت حنان متخصصة بتدريس الرياضيات والعلوم للمرحلة الإبتدائية ، وتم قبولها على الفور ، ودفعوا لها راتباً قدره ثماني مئة ريال ، وكان حمدان يتقاضى راتباً شهرياً قدره ألفا ريال. ففرحت حنان بذلك ولم تبد فرحها للمديرة وطلبت المديرة من حنان أن توقع العقد ، فطلبت حنان منها أن تخرج وتستشير زوجها ، فقالت لها المديرة لا تخرجي سندفع لك ألف ريال ، والمديرة تدرك ندرة هذا التخصص في بلدة نائية ، ووقعت حنان العقد. وخرجت لحمدان الذي يجوب الشارع ذهاباً وإياباً تحت حرارة الشمس الحارقة ، ولمحها مبتسمة من بعيد ، وجاءته مسرعة في خطواتها ، فقال لها : خبري قمحة وإلاّ شعيرة ، فقالت له خير إن شاء الله ، لقد اتفقت معهم ، وسألها : وكم أعطوك راتباً؟ فقالت له : إحزر ، فقال : خمسماية ريال فقالت له أكثر ، فتمنى عليها أن تخبره الحقيقة ، فقالت : ألف ريال ، ريال ينطح ريال ، وفرح حمدان ، وقال الحمد لله سنشتري سيارة ونكمل الأثاث ، وهكذا سارت حياة حمدان وحنان واشترى حمدان سيارة وبعض الأثاث حسب الضرورة والأولوية ، وخاصة الغسالة الأوتوماتيك لكي يريح زوجته العاملة. وفي إحدى أمسيات الخميس ، وبعد عودتهما من السهر عند أحد الجيران ، حيث كانت العائلات تتناوب السهر اسبوعياً ، ففي كل نهاية اسبوع يسهر الجميع عند عائلة ، الرجال يلعبون الورق ، والنساء تتحدث عن الأسواق والمشتريات وما شابه ذلك. قال حمدان وهو مستلق على الفراش على أرضية الغرفة حيث لم يتمكنا من شراء غرفة النوم بعد ، أنا شايف يا حنان ما في مجال السنة ننزل إجازة ، علينا ديون للسيارة ومصاريف البيت ما اشترينا غرفة نوم ولا كنب للضيوف ، وغرفة المعيشة بدون مكيف ومثل ما انت شايفة حاطين التلفزيون بغرفة النوم من قلة المكيف في المعيشة. وبعدين لا تنسي الكل بستنى وفاتح ثمه مثل القادم عالهدايا. فردت حنان : والله اليّ تشوفو ياحمدان ولو إني مشتاقة كثير وأول سنة بتغرَّب عن أهلي ، بس للضرورة أحكام ، وبعدين أنا حامل في الشهر السابع إذا ما بسافر بالطيارة ما بدي هالنزلة. فقال حمدان : هذا سفر الطيارة يا حنان صعب على المدرسين وانسيه لا تفكري فيه ، المدرسين ما بوفروا الاّ من بدل التذاكر وشوية من الراتب ومن الدروس الخصوصي وانت عارفة تخصصي مش مطلوب فيه دروس خصوصي ، إحنا لسة باعتبار ما صرنا عيلة وأمورنا ماشية ، لكن غيرنا اليّ عندو اولاد والله يا دوب عايش ، وتغرَّب وتورّط بالغربة وصار ما في خط رجعة ، لا هو لاقي عمل في بلده ولا بقدر يوفر ويفتح مصلحة يعيش من وراها.
    ومرت الأيام والشهور والسنون وكانا قد رزقا بولدين وبنت. وكانا يقضيان الإجازة سنة في الدوادمي وسنة ينزلان بها إجازة ليوفرا لأولادهما ، وكانا يسافران مع عيالهما الإجازة بالسيارة ، يسير حمدان لا يقل عن الف وثماني مئة كيلومتر ذهاباً ومثلها إياباً. وفي كل مرة يكاد أن يحدث لهما حادث يودي بحياتهما وحياة أبنائهما ولكن الله كان ساتراً وحافظاً لهم من كل مكروه ، حيث انقلبت بهم السيارة في إحدى المرات وسلم فيها الجميع.
    قالت له حنان في أحد الأيام : أنا معلوماتي إنك درّست إخوانك ، وما شاء الله أخوك حسن طبيب وفتح عيادة في البلد وعيادة في المخيم وعياداته ناجحة وكمان متعاقد مع مستشفى بعمل فيه العمليات ووضعه المادي سمعت إنو ممتاز ، وأخوك حسين تعيّن مهندس ببلدية المدينة وبقولوا بعرف وين بدها تصيرالمشاريع وبشتري أراضي على جنبها بالرخيص وببيع بالغالي ، وسمعت إنو ناوي يبني قصر على الطريق بين البلد والمدينة على تلة مرتفعة وكل هذا خلال سنين قليلة ، وأختك الدكتورة تزوجت من دكتور وبتشتغل هي وإياه بشركة أرامكو في الخبر ووضعها فوق الريح. فقال لها حمدان : اسمعي يا حنان ، كان هذا واجب عليّ وأديته ، ولا بنتظر منهم شيء ولا رح في يوم من الأيام أطلب من واحد حاجة ، يمكن أطلب من صحابي لكن منهم لأ ، لأ والفين لأ ، أنا عندي كرامتي وعزة نفسي بالدنيا كلها. فقالت حنان : ما اختلفنا إنك أديت واجبك ، بس اليّ بنظرلك بعين أنظرلو بالثنتين ، أي والله إذا ما بحاولوا يردوا الجميل إلك بكونوا قليلين أصل مع احترامي إلك ولأصلك وفصلك ، وهنا انتفض حمدان بعصبية وردة فعل كادت أن توقعه في مشادة مع زوجته وأنيسته في الغربة ، ولكنه فكر وكتم ردة الفعل في صدره قائلاً في نفسه : والله كلامها صحيح ، أي حتى أخوي حسين طلبت منه ينصحني ويدلني على قطعة أرض استفيد منها ، ما دلني ، أي مهي مرته عاملة عليه طوق ما حدا بقدر يقرب منّه وهو ما بفيد الاّ قرايبها. من يوم ما تزوجها صارت علاقتنا معاه رسمية ولا كإنا إخوة من أب وأم وحدة. وأخوي حسن مرته طيبة وبنت حلال بس مظلومة معاه لأنه دايماً مشغول في عياداته ومناوباته وعملياته ما حد بشوفه ، يوم بنزل إجازة ما بشوفه الاّ لحظة سلام وحتى ما بنتودع يوم السفر ، بايع حاله والله ما أنا عارف شو بدو يوخذ معاه من هالثروة يوم يموت . يا ولداه ويا سقى الله على أيام زمان. وقالت له حنان : مالك يا حمدان وين سرحان وبتفكر وحالتك حالة. فقال بفكر في هالدنيا واستطرد قائلاً: بتعرفي يا أم هيثم ، والله بحس اللهفة للإجازة ما عادت مثل أول خاصة من يوم ما توفت الوالدة الله يرحمها ،لأنها كانت محافظة على لمتنا حواليها ، وبعد ما ماتت الله يرحمها لا ظل لمّة ولا جمعة ، يعني بتذكر أيام العز والهنا اليّ راحت وما عادت ترجع ، وما بشوف لا فرح ولا انبساط الاّ اني بتذكر الأماكن والأرض ، وبشوف ابوي الله يطوّل عمره لأنه هو الوحيد اليّ عارف قديش ضحيت من شان إخواني وأختي وبشعر بتعاطفه معاي وأحياناً بشعر بتأنيب ضميره لحالو من موقف إخواني تجاهي، وحكالي وكررها علي أكثر من مرة إنو بدو يكتب لي البيت مقابل هالشيء وألح عليّ وما ارضيت ، لأني ما بدي يحكم بيني وبين أخوتي في الميراث إلاّ شرع الله ، وبعدين أبوي بعد عمر طويل رح يترك ميراث من الأرض ما حدا بالبلد تركه لأولاده ، واليّ برضى وبقتنع بالقسمة والنصيب والقدر بعيش. المهم إنك إنت تكوني مبسوطة في هالعيشة معاي وما تشعري في يوم من الأيام إني قصّرت معك أو تندمي على زواجك من هالمعثر. وهنا قالت حنان : أستغفر الله وحاشا لله ، قلبك دليلك عاد يا حمدان ، والله يا رجال الله أعلم بالدواخل لكن بقول وإنت حر " والله بحبك وبحترمك فوق ما تتصور مثل تمثال الجندي المجهول اليّ كل الزعماء بزوروه احتراماً وتقديراً، وإنت فعلاً كنت الجندي المجهول بهالعيلة وربنا ما راح ينساك ، لأنك أديت رسالتك في الحياة على أكمل وجه.
    ومرت السنون والأزمان والعقود وبعد قضاء عشرين عاماً في الدوادمي ،جاءه كتاب الإستغناء من وزارة المعارف لأسباب تتعلق بالسعودة ، فانتقل للرياض ليعمل في مدرسة خاصة ، وكان في الرياض يعطي بعض الدروس الخاصة للطلاب ليضيف لدخله وليوفي التزاماته التي تتزايد ، وكان ابنهم الكبير هيثم قد دخل الجامعة ، كلية الهندسة ، وتبعه نبيل بكلية التجارة ، ومرت عليه أيامٌ عصيبة ، كيف سيجمع أقساط الجامعات لأبنائه ، وقالت له عقيلته حنان : يا رجال اطلب من إخوانك دين ، لما بتخرجوا الأولاد بسدوهم ، الناس للناس ، وهذول إخوانك مش غرب ، فقال حمدان : والله بطلب من أختي ولا بطلب منهم ، لأنه دايماً هي بتتصل تسأل عني وعن أولادي ، لكن أنا عارف ايش حيكون رد إخواني سلف ، عارفهم أنانيين ، لأنو اليّ ما بشوف من الغربال ما بشوف من الكربال ، هم عارفين ظروفي وشايفين وناسيين إني درستهم وملهيين في ثروتهم وزوجاتهم وما الي عليهم فرض لازم ، وأبوي دايماً بذكرهم لكن لا حياة لمن تنادي. وفعلاً طلب من أخته وساعدته في تدريس أبنائه ، ودخل ابنه الصغير الجامعة كلية الحاسوب ، وتخرج هيثم ونبيل وعملا في السعودية ، وتدرج هيثم بالوظيفة وحصل على عمل مرموق ، وتزوج هيثم وتزوج نبيل ، وتزوجت ابنته ، وتخرج حسام ابنه الأصغر وعمل أيضاً في السعودية بعمل جيد . وبلغ حمدان الثانية والستين من عمره ، وشعر بقرب موسم الحصاد لما زرعه واستثمره بأبنائه الذين قدروا تعبه وكده.
    وفي آخر إجازة له قضاها في الضفة الغربية ، شعر حمدان بأنه غير راغب في العودة ، وقال لزوجته حنان ، هذه المرة يا أم هيثم غير عن كل مرة ، ما بدي أسافر واترك البلد ، أنا حاسس إنيّ مش قادر أفارق البلد والأهل بالرغم من عدم وجود الأصدقاء ، فقد أصبحت كالغريب في بلدي ، حتى إخواني صاروا غريبين عني ، لكن شاعر إني ملتصق بالمكان ، فلسطين كلها ما بتغيب عني لحظة ، شعرت إني كنت مقصِّر تجاهها ، أخذتني الحياة بتكاليفها ومسؤولياتها ، فلسطين بجبالها وسهولها ووديانها وبساتينها مسيطرة على تفكيري يا بنت الحلال ، بلدي أرضي ، مهد الطفولة ومرتع الشباب ومخزن الذكريات الجميلة. يا أم هيثم بشوف الناس اليّ استقروا بوطنهم ورضيوا بنصيبهم عايشين حياتهم بالطول والعرض وما همهم يوفروا والا ما يوفروا ، كلهم عايشين ومبسوطين وبسافروا يشموا الهوا مرة على بلد عربي ومرة على بلد أجنبي ، وبستلموا رواتب تقاعد وبنوا وعمروا بيوت ، بطّلع لحالنا يا ام هيثم بشوف حالنا خسرانين معاهم ، لا عشنا حياة ولا عمرنا بيت ولا عندنا راتب تقاعد ، وفي النهاية فقدنا الأصدقاء وحتى الأقارب ، قضينا هالحياة نوفر على حالنا ونحرم حالنا ونقول إحنا متغربين من شان نوفر ومش من شان نعيش ونبذر ،ومن شان نعلم ألادنا ، نفسي يا ام هيثم أحرث الأرض وازرعها ، ونفسي أرعى الغنم والبقر ، نفسي أركب الحمار ، كرهت السيارات ، نفسي أحصد قمح وشعير وعدس وأجد زيتون وأدرس وأذري ، نفسي أعيش على الزيت والزيتون والزعتر والعدس والخبز والبصل ، نفسي أمشي على ألارض حافي مثل أيام زمان ، نفسي أشوف الشتاء والبرد والثلج ، ياه ياه مرت هالسنين مثل لمح البصر ، رحت السعودية شعري أسود وكثيف في عز الشباب وهيني اليوم أصلع وشعري مثل جرابين الجيش لا هو أسود ولا هو أبيض ، أولادنا يا أم هيثم ، تربوا بين أربع حيطان مثل جاج المزارع ، ما كنا نأمن عليهم يطلعوا عالحارة ، والله بظل أفكر فيهم لأنهم مش ملحلحين ولا مدعوكين ، وطيبين عالآخر ، وقلوبهم بيضة بيضة ما عندهم مكر وخبث وحيلة ، وهذا الشيء ما بنفع في واقع الحياة ومشاكلها ، والله بخاف عليهم يواجهوا أي مشكلة في حياتهم ، ما عندهم جلد وصبر ، بطّلع على أطفال هالبلد ما شاء الله الواحد ببيع الرجال منا وبشتريه ، ما شاء الله عليهم ، ما بهابوا ولا بخافوا.
    فقالت له حنان : إحمد الله على كل شيء يا ابن الحلال ، إحمده على السراء وعلى الضراء ، إنت مناضل ومجاهد ومقاوم أكثر من الحاملين البنادق ، لأنك ضحيت وعلمت وخرجت واحد من أشهر أطباء البلد وواحد من أشهر مهندسينها وكل واحد وراه عيلة وصامدين في الوطن ، والله أنا مثلك بشعر بنفس الشعور ، نفسي أنطر المقثاة وألقّط تين وعنب وصبر وأعجن العجين وأخبز في الطابون وأطبخ على النار وأودّي الزوادة للحصادين ، ونفسي احلب البقرة والنعجة والعنزة وأغسل بايديّ مثل أيام زمان ، لكن هانت علينا الأمور ، والله سبحانه وتعالى وفق أولادنا وربنا حننهم علينا والحمد لله ، هيهم تخرجوا واشتغلوا والبنت جوزناها وطّمنّا عليها ، وأجا دورنا نستريح ، لو كل ولد حوّل إلنا خمسمئة ريال بكفينا بنعيش ، خلينا نرجع السنة الجاية بس من شان نحوش مبلغ نروح بس نطلع رحلة في بلد عربي ، والله نفسي أروح سوريا على كثرما حكوا الناس عنها وانبسطوا فيها ، مضينا هالحياة محرومين من المتعة وشمة الهوا، حتى السفر بنجاهد فيه مجاهدة وربنا بنجينا بلطفه ورحمته ،هلاّ دورنا نشوف حالنا يا رجال ، والله كان نفسي أطلع من السعودية بسوارة وحلق وطقم ذهب مرتب من شان لما أموت يلاقوا اولادنا وراي ورثة يتذكروني فيها. فرد عليها حمدان : يعني قديش بدنا نحوش في هالسنة ، انت عارفة راتبي الفين ريال صارلو ثلاثين سنة ما زاد ، مدارس بتستغل ظروفنا وبشغلونا بالبلاش ، لا تقاعد ولا ما يحزنون ، بتعرفي إبن عمي خليل اشتغل خمسة عشر عاماً في ألمانيا في البلدية عامل تنظيفات ، بتصدقي بستلم راتب تقاعد ما شاء الله أحسن من راتب مهندس ببلادنا وتأمين طبي في أحسن مستشفيات ألمانيا والبلد اليّ بعيش فيها ، وتدريس أولاد بالجامعات الألمانية ببلاش ، وقاطعته حنان قائلة : اسمع مني يا ابوهيثم خلينا نرجع السنة نخلص أمورنا ونشوف اولادنا ونطمن عليهم واحضر ميلاد بنتي في الغربة ، ونؤدي عمرة ونحج بمشيئة الله قبل ما نسافر نهائي. وإنت شايف الأيام بتمر بسرعة فتح عين وغمّض عين بتلاقي السنة خلصت ، وبعد أخذٍ ورد اقتنع حمدان وقررا العودة للسعودية للعام القادم فقط وبصفة استثنائية.
    وفي أحد الأيام ذهب حمدان الى الطبيب يشكو من الم في الخاصرة تماماً كالمغص الكلوي الذي كان عادة ما يداهمه مرة كل سنتين أو أكثر ، فأجريت له التحاليل لاشتباه في حصاة بالكلية ، وكانت النتيجة قاسية وغير متوقعة ومخالفة لكل التوقعات وللإشتباه ، إنه التليف الكبدي في مراحله المتطورة ، ولما علم بالنتيجة ولاحظ وجوم زوجته وأبنائه واختلاف معاملتهم له التي بدا عليها الشفقة غير المبررة ، أدرك أن في الأمر شيئاً خطيراً ، وطلب التقرير الطبي ، فتحايل عليه ابنه حسام بأنه نسي التقرير مع شقيقه هيثم ، وظل يبحث عن التقرير الذي خبأته عنه زوجته الى أن وجده وعرف ما فيه ، فطلب من ابنه حسام أن يتزوج ليفرح به في حياته ، وفعلاً كان له ما أراد ، وبعد زواج حسام أدخل المستشفى لاجتثاث ورم بالقرب من الكبد ، وطلبوا منه اجراء العملية لإزالة الورم وكانت تكلف ثلاثماية ألف ريال والتي لا يملك منها شيئاً ، وكتب للجهات الرسمية لإعفائه من التكاليف نظراً لخدمته في البلاد ثلاثين عاماً في سلك التعليم متنقلاً في المناطق النائية ، ولم يلق طلبه صدىً ، فسافر للأردن يبحث عن تكاليف أقل. ودخل مستشفىً من الدرجة الثانية ، فأجريت له عملية تسببت في مضاعفة المرض وإضافة مرض جديد لمرضه نظراً لتلوث أدوات العملية ، وتجمعت المياه في رئتيه ، وكان لا بد من سحبها ، وأصبح متنقلاً بين المستشفى والبيت ، وعلم إخوته بما ألم به وزاروه بالأردن ، ولم يعرضوا عليه المساعدة وهو وأبناءه لم يطلبوا منهم ذلك أو يبينوا لهم حاجتهم للمساعدة ، وعاد للسعودية عند أبنائه ، وتحمل أبناؤه الذين يبنون أنفسهم في بلاد الغربة من الصفر نفقات العملية الباهظة وما بعد العملية من مضاعفات وأدوية وتمريض وتحملوا الديون في بداية مشوارهم ، وسبق إليه القدر والوعد المحتوم قبل أن يدخل وقت وموسم الحصاد وجني الثمار وهو في الثالثة والستين من العمر، فانتقل الى رحمته تعالى دون استئذان وسابق إنذار. وفي وقت كان يحلم به ليستريح ، في استراحة للمحارب المخضرم القديم. يبدو أن حمدان كان يرغب في قضاء آخر عمره في فلسطين وأن يموت ويدفن فيها ، ولكن قول الله سبحانه وتعالى قد نفذ فيه " وما تدري نفسٌ ماذا تكسب غداً ، وما تدري نفس بأي أرض تموت" . وحسَّ أبناؤه وزوجته برغبته تلك ، ولكن الإمكانيات المادية والجغرافية لا تسمح بذلك ، ولكنهم وعندما تسمح الظروف المادية بنقل جثمانه لفلسطين فلن يتوانوا لحظة واحدة عن تحقيق ذلك الحلم الذي دفن معه. وبقيت حنان تعيش مع ابنائها في السعودية مقيمة معهم.

    بقلم أحمد ابراهيم الحاج
    7 رمضان 1429
    الموافق 7 أيلول 2008
    جميع الحقوق محفوظة لدنيا الرأي © 2003 - 2010



    اياد النمراوي
    اياد النمراوي

    { مشرف }


    الأستاذ حمدان وعقيلته حنان/الجزء الثاني Stars15


    الجنس : ذكر
    البرج : الجدي
    عدد المشاركات : 2028
    العمر : 46
    البلد : الاردن
    نقاط النشاط : 982
    الاعجاب : 7
    المهنة : الأستاذ حمدان وعقيلته حنان/الجزء الثاني Accoun10
    الدوله : فلسطين

    البطاقة الشخصية
    my sms:

    الأستاذ حمدان وعقيلته حنان/الجزء الثاني Empty رد: الأستاذ حمدان وعقيلته حنان/الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف اياد النمراوي الثلاثاء 11 يناير 2011 - 12:21

    مشكور جدا على هذة القصة المؤثرة التي تمثل واقع اغلبيةالشعب الفلسطيني الذي يتمنى بيوم من الايام ان يموت بوطنة ويدفن به.

    كم منزل في الارض يألفةالفتى
    ولكن حنينه الى أول منزل

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد 29 سبتمبر 2024 - 14:17