في عام 1947 عقدت الحكومة البريطانية النية على التخلي عن انتدابها لفلسطين،
وفي 29 نوفمبر من نفس العام، تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 181،
رفض العرب، والفلسطينيون بشكل خاص، هذا القرار، ذلك لأنه، من جهة، لم يأخذ قرار التقسيم بعين الاعتبار نسبة التعداد السكاني للشعب الفلسطيني، ومن جهة أخرى، لأن الفلسطينيين في غالبيتهم اعتبروا المهاجرين الجدد إلى فلسطين في حكم الأجانب الذين لا يملكون الحق في الإقامة الدائمة على هذه الأرض.
والنتيجة أن الصهاينة أعلنوا في 14 مايو عام 1948، من جانب واحد قيام دولة إسرائيل. وقد رفضت الحكومات والشعوب العربية الاعتراف بهذا الكيان. واندلعت الحرب مباشرة بين العرب والدولة الصهيونية، وانتهت بهزيمة الجيوش العربية. وكانت حقا نكبة واجهها الفلسطينيون والعرب جميعا، نتج عنها تشرد ما يقارب من 775 ألفاً من الشعب الفلسطيني إلى الأقطار العربية المجاورة في الأردن وسوريا ولبنان ومصر.. وبقيت أقلية من الفلسطينيين تحت وطأة الاحتلال العسكري المباشر. وانتهى، مع حدوث النكبة، الفصل الأول في مأساة الشعب العربي الفلسطيني، لتتبعه فصول أخرى أكثر قسوة ومعاناة، وأشد مرارة.
إن هذه المناسبة، تتكرر علينا كل عام، وندبج فيها مقالات ومراثي، وذلك أمر طبيعي في كل دراما إنسانية. لكن النظرة الموضوعية تقتضي منا أن نعيد قراءة تاريخ أمتنا بنظرة ثاقبة ومعمقة وأن نستلهم من محننا الدروس والعبر. وكان الشعب العربي، قد أدرك منذ اللحظة الأولى حجم الفاجعة وفداحة الكارثة، وقد عبر عن حالة الاحتقان والغضب بانتفاضات وانفجارات سرعان ما طبعت مرحلة تاريخية بأسرها، محدثة تحولات سياسية واجتماعية استمرت ما يقارب العقدين من الزمن، ونتج عنها تغير دراماتيكي في الخارطة السياسية وطبيعة الاصطفاف بالوطن العربي بأسره. وكان المفكر العربي، ساطع الحصري، قد سئل عن سبب فشل الجيوش العربية في مواجهة الكيان الصهيوني، مع أنها سبعة جيوش، فأجاب بحكمته المعهودة، إنها فشلت في مواجهة الصهاينة لأنها كانت سبعة جيوش. بمعنى أن ما حدث من نكبات للعرب ومن فشل لمشاريعهم في التصدي للعدوان كان بسبب واقع التشرذم والتشظي والتجزئة، وتقسيم المقسم.
إن قراءة الخارطة السياسية وطبيعة العلاقات والتحالفات السائدة في المنطقة تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أنه لم يكن بمقدور الأنظمة العربية التي كانت قائمة أثناء تلك الحقبة أن تحقق أية نجاحات في مواجهتها للكيان العبري الوليد.
فحكام الوصاية في المشرق العربي، الذين كانوا معنيين مباشرة بهذا الصراع: الأردن، العراق، مصر، كانوا حكاما بالاسم، حيث كانوا مرتبطين مع البريطانيين بمعاهدات واتفاقات تشل من قدرتهم على الحركة. كما أن استقرارهم واستمرارهم في الحكم قد اعتمدا، إلى حد كبير، على المساندة العسكرية والسياسية والاقتصادية التي تقدمها بريطانيا لهم. ولذلك لم يكن متصورا أن يتحدى القادة العرب السياسة البريطانية، كما لم يكن متوقعا من الحكومة البريطانية أن تطلق يد الحكام العرب بحرية للعمل ضد الكيان الصهيوني، وبخاصة أن قيام هذا الكيان هو التطبيق العملي لما ورد في نص وعد بلفور البريطاني، إلا أن القادة العرب، لم يكن بمقدورهم أيضا الوقوف متفرجين أمام التيار الشعبي العنيف المطالب بالتصدي بشكل عملي وحازم للمشروع الصهيوني. وهكذا أجبروا على دخول حرب لم تكن المناخات الدولية والمحيطة، ولا حتى الذاتية تتيح لهم كسبها.
ومما يثير السخرية والأسى حقا، أن الجيوش العربية على الجبهة الشرقية قد خاضت القتال ضد إسرائيل تحت قيادة الجيش الأردني الذي كان تحت إمرة غلوب باشا، المستشار البريطاني للملك عبد الله بن الحسين.
وهكذا فحين أوقفت المدافع إطلاق نيرانها، لم يجر تنفيذ قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 الصادر في نوفمبر عام 1947 القاضي بتقسيم فلسطين مناصفة بين الفلسطينيين واليهود. ومما لا شك فيه أن الفلسطينيين عولوا كثيرا على نتائج الحرب العربية- الإسرائيلية، مما غيب إمكانية التفاوض مع الأمم المتحدة أو الوسطاء الدوليين على أساس تطبيق ذلك القرار. ومن هنا يتحمل النظام العربي الرسمي مسؤوليات سياسية وأخلاقية تجاه المصير الذي آلت له معظم فئات الشعب الفلسطيني.
لقد فرضت النتائج الميدانية تقسيم فلسطين إلى ثلاثة أجزاء: الجزء الرئيسي أصبح دولة إسرائيل في الحدود التي كانت قائمة بها حتى حرب يونيو عام 1967، أما الجزء الثاني فكان الضفة الغربية. وقد ضمها الملك عبد الله بن الحسين إلى المملكة الأردنية، وبضمنها مدينة القدس القديمة (القدس الشرقية). أما الجزء الأخير فكان قطاع غزة، وقد تم وضعه تحت الإدارة المصرية.
وكانت النتيجة الطبيعية أن الحلم الصهيوني في اغتصاب فلسطين، وإقامة وطن قومي لليهود على أرضها قد تحقق بقيام دولة خاصة بهم، بينما لم يتمكن الفلسطينيون من تحقيق حلمهم في تحرير فلسطين، وإقامة دولتهم المستقلة فوق ترابها.
وإذا ما نظر المرء بشك إلى نتائج النكبة، فيمكنه أن يستخلص أنها لم تكن لصالح الصهاينة فحسب، بل كانت أيضا لصالح حكومتي الأردن ومصر. فقد حصلتا، بتأسيس دولة إسرائيل على مكاسب إقليمية ما كان بإمكانهما الحصول عليها لو لم تكن النتائج الميدانية للحرب بالشكل الذي آلت إليه. لقد ألحقت الضفة الغربية ومدينة القدس إلى المملكة الأردنية الهاشمية، بينما وضع قطاع غزة تحت الإدارة المصرية. أما بالنسبة للفلسطينيين، فإن مأساتهم لم تتمثل فقط في هزيمة مشروعهم الوطني، ولكن في تشريد ومغادرة غالبيتهم من وطنهم، وإرغامهم على اللجوء إلى قطاع غزة والضفة الغربية والأقطار العربية المجاورة. أما من بقي تحت الاحتلال الإسرائيلي وفي مواجهة النار، فقد شكلوا نسبة ضئيلة جدا، مثلث أقلية مضطهدة في الكيان العبري، لكنها على أية حال فضلت تلك الحال على العيش دون بصيص من أمل في مخيمات اللاجئين المتناثرة في الأردن وسوريا ولبنان.
لقد كانت نكبة فلسطين هزيمة مرة لكل العرب، وأصبحت محرضا لهم على الخروج من واقعهم المتخلف. فلم يكن للنكبة أن تأخذ مكانها في ظل أوضاع صحية تحترم فيها كرامة الإنسان، ويمارس فيها الفرد حريته وحقوقه. وكانت في أحد تعابيرها إفرازا لهيمنة الاحتلال وسيادة أنظمة الاستبداد وتغييب حق المواطن في تقرير مصائره وأقداره. وقد كان الوعي، على المستوى الشعبي مبكرا بأن الله لن يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. وهكذا طبعت مطالب الحرية والاستقلال والعدل والوحدة بصماتها على المرحلة التي عصفت بالمنطقة لعقدين متتاليين، ولكن إلى حين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجمعة 26 أبريل 2024 - 11:23 من طرف Abd
» وفاة 30/7/2013 : جمال ابراهيم علي الحروب
السبت 30 مارس 2024 - 14:14 من طرف Khaled promo
» جميع حلقات سيف النار
الجمعة 1 مايو 2020 - 8:36 من طرف monusorry
» اسماء المرشحين في انتخابات بلدية خاراس القادمة!!!!!؟؟؟؟
الإثنين 26 أغسطس 2019 - 22:08 من طرف جوليانا
» د.ناصر اللحام رئيس تحرير وكاله معا يصف خاراس
الإثنين 26 أغسطس 2019 - 22:05 من طرف جوليانا
» تهنئة العضو القدير khamdan بالخطوبة
الإثنين 26 أغسطس 2019 - 22:02 من طرف جوليانا
» مشكلة المياه في البلدة والقرى المجاوره
الأحد 25 أغسطس 2019 - 22:35 من طرف جوليانا
» شات عربي
الأحد 25 أغسطس 2019 - 22:16 من طرف جوليانا
» صور من خيمة التضامن مع الاسير ثائر حلاحلة في خاراس
الجمعة 25 مارس 2016 - 23:12 من طرف سامر2015
» الانتركم مرئي وصوتي ماركات عالمية وأجهزة انذار ضد السرقات
الجمعة 25 مارس 2016 - 11:44 من طرف سامر2015