الجزء الثاني
وخلال دراسته في اليونان اكتشف أهل بلدتهم ممن يعملون بالكويت أنها تقيم لوحدها وأن زوجها لا يرافقها وسافر لإكمال دراسته على حسابها، فأخذوا يستغيبونها في مجالسهم ويطلقون عليها الشائعات ويخدشون سمعتها ويسيئون إليها ، ونقلوا ذلك الى الأهل والأقارب في عمان وكانوا يشككون في مصادر الأموال التي تحصل عليها بالقذف وبالتشهير والإتهامات التي لا تستند الى دليل ، وكانت ابتسام واثقة من نفسها لا تعبؤ بما يقال ويشاع حولها ، وسائرة في طريق تحقيق أهدافها مثال حالها يقول " لا يضير السحاب نباح الكلاب " وكان زوجها الدكتور عزام واثقاً بها وبأخلاقها وبوفائها له وصيانة بيته وعرضه في غيابه. وبعد عودته رزقا بطفلة وطفل آخر ، وتدرج عزام في وظيفته وأصبح المدير الفني للمستشفى ، وتضاعف راتبه ، وأعطوه سكناً متميزاً (فيلة راقية ومسبح وساحة وحدائق) يليق بمستواه الأكاديمي والعملي وصرفوا له سيارة مرسيدس فاخرة آخر موديل ، وطلب من ابتسام أن تستقيل من العمل لتستريح فقد بدأت التجاعيد تغزو خديها من آثار التعب والإرهاق ، والشيب يغزو شعرها ، ونال منها التعب والشقاء ولواعج الغربة وظلم ذوي القربى بالشائعات المغرضة الكاذبة ، والقذف بالمحصنات ، وقالت له: أنت تعرف أن أختاي بالجامعة وأخي على وشك دخولها ويحتاجون للمساعدة ، فقال لها: أعرف ذلك ، ولا تقلقي ، فسوف أتكفل بتدريسهم جميعاً لعلي أرد بعضاً من جميلك ومعروفك. وأصبح أهل البلد العاملون في الكويت يخطبون وده ويتقربون منه ، كما وأن أقاربه وأقاربها يرجونه لمساعدتهم في الحصول على عمل بالكويت أو زيارة لها في ضيافته. وبقي عزام حافظاً لجميل زوجته ، ووفياً لها ولحبها ، ولم يتأثر بما أفسده الدهر من جمالها وألقها وحيويتها ، فقد كان شكله ومنظره يبدو أقل من عمره ، وكانت هي شكلاً ومنظراً تبدو أكبر من سنها ، ومن يراهما يسيران جنباً الى جنب يظن أنه يمشي مع والدته وليس مع زوجته. وأخذ أقاربه يشجعونه ويحثونه بحرارة على الزواج فهي لم تعد تناسبه ولا تكافئه لا بالمقام ولا بالشكل ولا بالمستوى العلمي ، ولكنه كان يتخاصم مع كل من يطرح عليه هذا الأمر ولا يسمح بالإستطراد في مثل هذا الحديث الذي كان يمقته ويحتقره. ومرت عليهما الأيام والسنون الى أن جاء يوم 2/8/1990 حينما اجتاحت القوات العراقية الكويت واحتلته ، وكانت البلد كلها تحت إمرة الحكم العسكري العراقي ، وخضع المستشفى العسكري لهذا الإحتلال ، وأصبح الدكتور عزام هو المدير الفني والإداري بعد هرب المدير الإداري الكويتي ، وكان بحكم موقعه في المستشفى يتواصل مع قيادة الجيش العراقي لتنظيم استقبال الحالات العسكرية الصحية ، وتولد إحساس لدى الكويتيين بأنه كان متعاوناً مع الإحتلال ، وشعر بخطورة الموقف عندما أجبر الجيش العراقي على الإنسحاب من الكويت تحت وطأة الهجوم الدولي ، فقرر الخروج من الكويت مع القوات العراقية تحسباً من أفعالٍ انتقامية خاصة بعد موقف ياسر عرفات وعدم تأييده للهجوم واصراره على ضرورة حل الأزمة بالحوار والطرق الدبلوماسية تحت مظلة الجامعة العربية. وتهديده بالقتل والإنتقام من قبل مجهولين عبر الهاتف والرسائل التي توضع على باب فيلته وخرج الدكتور عزام وزوجته ابتسام وأولادهما من الكويت وتركوا كل ثروتهم ومدخراتهم ومقتنياتهم في الكويت الى أن تتضح الأمور، ومن العراق انتقلوا للأردن عائدين بخفي حنين لا من تحتهم ولا من فوقهم. وفي عمان لم يجدوا مأوىً دائماً لهم ، فلم يشتروا بيتاً أو شقة ، وكل ما استفادوه هو مزرعة على طريق المطار وبعد جسر المطار بأكثر من عشرين كيلومتر ولا تصلح للسكن الدائم والاستقرار العائلي لبعدها عن عمان ولعدم توفر الخدمات كاملة وعدم وجود مبانٍ فيها. واضطروا أن يسكنوا في بيت والد عزام الشعبي القديم في حارة شعبية ، وبينما كان ينتظر اسمه في قائمة التعويضات لمن كانوا يعملون بالكويت بمبلغ يتجاوز نصف مليون دينار أردني نسبة الى راتبه العالي وامتيازاته الإستثنائية هذا إضافة الى رصيده في البنك والذي كان بفوق المئتي ألف دينار كويتي ، ومجوهرات زوجته التي كانت محفوظة في خزنة البنك وتتجاوز قيمتها الخمسين ألف دينار كويتي ، فوجيء الدكتور عزام بمحاكمته غيابياً في الكويت والحكم عليه بالإعدام بتهمة الخيانة لتعامله مع المحتل ، ونزل عليه الخبر وعلى زوجته نزول الصاعقة ، وبذلك تبخرت آمالهم وأمانيهم بالحصول على تعويضات. ضاقت الدنيا بظلم أهلها وظلام مصائبها وابتلاءاتها على الدكتور عزام وحرمه ابتسام ، وكان لا بد من البحث عن عمل ، ومن سيمد يد العون لأسرة كبيرة ، والى متى سيمد العون إن وجد من يمده في هذا الزمان؟؟؟ عادت ابتسام الى العمل في مجال التأمين في عمان ، وتوظف الدكتور عزام بمستشفى البشير الحكومي بعقد عمل ، وليس موظفاً مصنفاً نظراً لتقدمه بالسن ، وبأدنى مربوط الدرجة وكأنه خريج جديد ، بعد أن وصل الى قمة الإدارة بكفاءته وعلمه وبحثه وتخصصه النادر المطلوب ، وكان المدير الآمر الناهي ، وبدأ الكفاح من أجل لقمة العيش من جديد ومن نقطة الصفر ، وأعيد الى أيام الحرمان التي عاناها بشبابه ليعانيها في كهولته ، وأصبح الدكتور عزام يعاني من ظروف الوظيفة التي أعادته من أعلى درجة في السلم الى أخفض درجة ليبدأ مشوار الصعود في عمر شارف على الستين لا يقوى على الصعود بهمة الشباب نظراً لزحف الشيخوخة وموجات المصائب والإبتلاء المتلاحقة في حياته كفلسطيني مشرد ومشتت. وظهرت عليه أعراض الجلطة الخفيفة ، واصبح يعاني من ضعف بالذاكرة ، وسرحان وضعف في عضلات اليدين والرجلين ، ووهن عام ، عمل عزام لمدة ثلاثة أعوام وهويعاني ويقاسي من الانتكاسة والتراجع الحاد في طبيعة عمله ومركزه الإجتماعي المرموق ووضعه الصحي المتراجع ، فمن آمر الى مأمور ، ومن قمة القيادة الى مؤخرة الركب ، ومن متبوعٍ الى تابع ، ومن مستشارٍ الى مستشير ، ومن مانح للعلم والمعرفة والخبرة بطيب خاطر وإخلاص الى مستجدٍ لثمنها من أجل لقمة العيش المغمسة بسموم القهر والظلم ، وكانت زوجته ابتسام تكد وتتعب وتشقى ، والتزامات الحياة تزيد والأسعار تتصاعد والدخل في ثبات لا يزيد بل ينقص بقيمته الشرائية ، وفي أحد الأيام وبينما كان الدكتور عزام يتأهب للخروج من البيت للعمل لانتظار الباص او السرفيس على قارعة الطريق حيث لم يعد يمتلك سيارة ، وقع على الأرض في مدخل البيت وهو خارج مغشياً عليه ، ورأته ابتسام وصرخت تستنهض أبناءها من النوم ، وحملوه للمستشفى ، وكانت بداية النهاية ، إنها جلطة حادة على الدماغ ، أصابته بشلل أقعده بالفراش لا يستطيع الحراك الا بمساعدة الغير ، وكان في وعي غير كامل لا يتعرف على الناس الا بصعوبة ، وتفرغت ابتسام لخدمته بنفسها بعد أن يئس الطب من علاجه وخرج من المستشفى للبيت ليقضي الوقت الضائع من ماراثون العمر ، ورفضت عرض المستشفى بتفريغ ممرضة له ترعاه ، فكانت هي تطعمه وتسقيه وتعطيه الدواء ، وتشيله للحمام مع ابنائها وتجلسه أحياناً عندما يطلب ذلك بالإشارة ، وعندما يفاجؤها بإرجاع الطعام والشراب كانت تتلقى ما يرجعه بكفوف يديها ، وكانت تتحدث معه بدون ملل أو كلل وترفع من معنوياته ، وتؤكد له بأن قيمته على حاله تلك تزداد غلاوة في نفسها ، وكان دائماً مُسهماً بنظره اليها ، وكأنه يتعذر منها لما سببه لها من تعب وشقاء في هذه الحياة ، ويبتسم في وجهها مكرهاً تحت وطأة الألم والشعور بلحظة الوداع الأخير معبراً عن شكره وامتنانه لها ، وكان وهو يعاني سكرات الموت يستل من وجهه ابتسامة الرضا ويرسلها علها تلامس مشاعرها وتدرك مدى تقديره واحترامه وعرفانه لها بالجميل ، وكل من زاره كان يشهد ويشيد بمدى خدمتها ومعاملتها واخلاصها لزوجها. تناديه بنفس الكلمات التي كانت تناديه بها أيام العشق والحب والشباب ، حبيبي ، روحي ، قلبي ، حياتي ، حاضر يا عيوني ، ....الخ. فقد كان الشغل الشاغل في حياتها ، لا تفارقه لحظة في منامه وصحوته ، تتناوب السهر مع أبنائها عليه ، لقد أصبحت مضرباً للمثل باخلاص الزوجة لزوجها. وبعد ستة أشهر من المعاناة أسلم الروح وهو شاخص النظر إليها ، وانتحبت وبكت على فراقه طويلاً ، ولكنها تذكرت أبناءها فقامت ونهضت متجددة في اصرارها وعزمها على الحياة ، وبدأت تعمل من جديد في التأمين ، وكدت وكدحت وتعبت حتى جمعت مبلغاً من المال ، وافتتحت بجزءٍ من الأرض التي يملكونها على شارع المطار مطعماً واستراحة للأكلات الشعبية الفلسطينية والأردنية كالمسخن والمنسف والكرشات والمحاشي ....الخ. ونجح المطعم وعادت تعيل العائلة وزوجت ابنها وابنتيها ، وتحدت الظروف بقوة وشكيمة قلما تجدها في هذا الزمان.
بقلم أحمد ابراهيم الحاج
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 - 20:54 من طرف جنى ميرو
» صيانة سخانات في دبي 0543747022 emiratefix.com
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 - 19:53 من طرف جنى ميرو
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في عجمان 0543747022
السبت 16 نوفمبر 2024 - 23:43 من طرف جنى ميرو
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في عجمان 0543747022
السبت 16 نوفمبر 2024 - 23:11 من طرف جنى ميرو
» تصليح أفران في دبي 0543747022 emiratefix.com
السبت 16 نوفمبر 2024 - 22:15 من طرف جنى ميرو
» تصليح أفران في دبي 0543747022 emiratefix.com
السبت 16 نوفمبر 2024 - 22:11 من طرف جنى ميرو
» تصليح ثلاجات في دبي emiratefix.com 0543747022
السبت 16 نوفمبر 2024 - 0:11 من طرف جنى ميرو
» تصليح سخانات في دبي - 0543747022 (الشمسية و المركزية) emiratefix.com
الجمعة 15 نوفمبر 2024 - 20:33 من طرف جنى ميرو
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في الشارقة 0543747022
الأربعاء 13 نوفمبر 2024 - 21:30 من طرف جنى ميرو
» اداة ذكاء اصطناعي للباحثين وطلاب الدراسات العليا
الجمعة 26 أبريل 2024 - 11:23 من طرف Abd