فرسان بني كنعان/الجزء الخامس
.........................................
3- المرحلة الثالثة من ثورة 1936 (من أيلول 1937 الى أيلول 1939م)
بعد التأكد من انقلاب الحكومة البريطانية على وعودها للقادة العرب بموافقتها على تقسيم فلسطين الى دولتين بناءً على توصية لجنة بيل وذلك من خلال زيارة نوري السعيد وزير خارجية العراق في ذلك الوقت للقدس واجتماعه باللجنة العربية العليا وإقناعها بوقف الإضراب، وتلبية لنداء الدم الفلسطيني بعد شنق العديد من الثوار وكل فلسطيني يثبت أن لديه قطعة سلاح ناري أو سلاح أبيض وذلك في خضم تطبيق حكومة الإنتداب قبضتها الحديدية على الشعب بعد مقتل أندروز الحاكم الإداري لمنطقة الجليل في ايلول 1937م كما اسلفنا وذلك على أيدي الثوار، قابل الشعب الفلسطيني كل ذلك الضغط الهائل والمؤامرة الكبرى بردة فعل أقسى وأشد من كل الإنتفاضات السابقة ، ففي يوم فرار الحاج امين الحسيني الى لبنان حيث أصبح مطلوباً لحكومة الإنتداب وذلك في 14 تشرين الأول 1937م ، انطلق المد الثوري العارم في عموم مناطق فلسطين واستؤنفت العمليات العسكرية الجهادية الضارية في مقاومة الإحتلال ومخططاته في تهويد فلسطين. وحظيت الثورة في إنطلاقتها الجديدة بعودة الروح والوعي الوطني المتنامي والمضاعف بأربعة مرات عن الثورة في مرحلتها الآولى والثانية وبتأييد شعبي مطلق من الشعب الفلسطيني والشعوب العربية حيث انطلقت المظاهرات الشعبية في كل المدن الفلسطينية وفي كل العواصم والمدن العربية تطالب بدعم الشعب الفلسطيني بالدم والمال. وعاشت فلسطين جواً من من الثورة الوطنية العارمة الملتفة بالتأييد الشعبي الواسع والمتناغم مع تسارعها واشتدادها. ففي صيف 1938 وصلت الثورة الى أوج عطائها واتساعها وتأثيرها. وأخضعت لهيمنتها مناطق واسعة من فلسطين خصوصاً شمالها ووسطها، وارتبكت الإدارة المدنية والعسكرية وكانت قاب قوسين أو أدنى من الركوع لثورة هذا الشعب العظيم. واقتحم الثوار العديد من المدن الهامة والفاعلة، وكانوا يسيرون في شوارعها بسلاحهم مشهوراً وخاصة في شوارع نابلس نهاراً جهاراً، وظهرت الثورة بقدرة تنظيمية وفاعلة وجبارة وخاصة في حرب العصابات، وتشكلت المحاكم للفصل في قضايا الناس لاغية المرجعية لحكومة الإحتلال، وعاقبت المحاكم السماسرة والجواسيس والعملاء، وأصبح قادة الثورة بمثابة الحكام الإداريين للمناطق، فكلما حل قائد على قرية أو منطقة أصبحت جاذبة للسكان والوفود من المناطق المجاورة ، وتقام الحفلات والولائم وتنشد الأهازيج الوطنية والزغاريد احتفاءً بالقائد، وألغي دور المخاتير وشيوخ القبائل ووجوه الإقطاع لصالح الثوار الذين كان معظمهم من الفلاحين، ولم يعد الناس يعبؤون أو يخافون حكومة الإنتداب وزادت أعداد الثوار المنتمين للثورة وفاقت العشرة آلاف ثائر ما بين متفرغ للعمل الثوري(حوالي ثلاثة آلاف)، وما بين منخرط فيه بشكل جزئي وسري. وبلغ من ضراوة الثورة في ذلك الوقت أن وزير المستعمرات البريطاني اعتبر فلسطين "أنها أصعب بلد في العالم يواجهه الإنجليز". ووصف مهمة المندوب السامي البريطاني والقائد العام للقوات البريطانية بأنها "أشق مهمة واجهت السلطات البريطانية في أية بلاد أخرى تحت نفوذها وذلك بعد الحرب العالمية الآولى" ولو لم يرتبط الإحتلال البريطاني بمؤامرة تنفيذ وعد بلفور لكانت فلسطين أو دولة عربية تنال استقلالها من المستعمر عام 1938م.
وشكلت في سوريا ولبنان "لجنة الجهاد المركزية" تحت اشراف وتوجيه الحاج امين الحسيني وذلك لرفد الثورة بما يتوفر من إمكانيات محدودة، وتولى ادارتها في دمشق محمد دروزة وكان من مهامها توجيه الثورة وإمدادها بالسلاح والمال وإسعاف جرحاها، وكانت قيادة الثورة في فلسطين في عهدة أبنائها وتولاها الفلسطينيون أنفسهم. وقد أبدى العديد من قادتها مهارة وشجاعة منقطعة النظير وتنظيماً عالياً، ولكن ما كان يعيبهم هو عدم توحدهم تحت قيادة واحدة وقلة التنسيق بين المناطق وذلك نظراً للتكافؤ بين القادة وعدم خضوعهم لبعضهم البعض. وربما هذه صفة متأصلة ومتوارثة بين أبناء الشعب الفلسطيني الذي كانت تنخر فيه القبلية والإقطاع المورث من الحكم العثماني. وما زالت تلك السمات تنعكس حالياً على الوضع القائم في فلسطين من انقسام بين القيادات الفصائلية وتعدد واختلاف في الرؤى والتبعية.
وكذلك كانت أحلك الأيام على المحتلين ومخابراتهم هي أيام صيف 1938م حيث تم القضاء على كل الجواسيس في معظم المناطق، لدرجة لم يستطع فيها البريطانيون التفريق بين الثوار في المدن عن غيرهم من الناس سوى اعتبار كل لابس للكوفية والعقال ثائراً، حيث كان هذا هو غطاء الرأس الشائع والمعتاد في الريف، فتقوم السلطات بملاحقته واعتقاله أو تصفيته، وبناءً عليه فقد أصدرت الثورة عبر قادتها تعميماً وأمراً في مطلع عام 1939م لأهل المدن الفلسطينية بنزع الطربوش (غطاء الرأس المعتاد في المدن) ولبس الكوفية والعقال بدلاً منه، وذلك إعلاناً للتضامن التام مع الثوار وحفاظاً على سلامتهم وأمنهم. وتم اعتبار الكوفية رمزاً لثورة كل الشعب الفلسطيني مقاتلين ومدنيين. واستجاب الناس فوراً لهذا التعميم فأزيل الفارق الظاهري بين الإنسان الثائر والعادي. واختفى الطربوش نهائياً، وهذا ما أدهش السلطات البريطانية وفاجأها حيث أن شعباً بكامله ينزع غطاء رأسه التقليدي الموروث في المدن، ويلبس ما تقتضيه ضرورات الثورة وأوامر قادتها.
ولمقابلة هذا الإتساع والمد الثوري العارم والخسائر الفادحة في الأرواح والمقدرات اضطرت السلطات البريطانية المركزية الى ارسال تعزيزات عسكرية ضخمة لفلسطين من قواتها المرابطة في مصر وفي بريطانيا بقيادة أفضل القادة العسكريين لديهم مثل (ديل، وويفل، وهيننغ، ومنتغمري)، هذا عدا عن العصابات الصهيونية المسلحة بالأسلحة المتطورة والتي كانت تحارب مع البريطانيين ويمدونها بالسلاح وتتدفق عليهم معونات المنظمات الصهيونية. وذلك في خطة منها لاجتياح فلسطين وإعادة احتلالها كاملة والسيطرة عليها بقبضة عسكرية مستعينة بأقوى جيش في العالم في ذلك الوقت بما يملكه من أسلحة فتاكة وطيران متطور في زمانه ومدرعات ومدافع ودبابات لتحقيق الوعد المشئوم الذي قطعه بلفور.
وساعدت النخب المثقفة في ذلك الزمان بشحن وتعبئة الذاكرة الفلسطينية بالفداء والتضحية من أجل الوطن والحرية والإستقلال وعلى رأسهم الشاعر الشهيد عبدالرحيم محمود، وممدوح السخن، وأحمد جميل، ورفعت النمر وقدري طوقان وفريد طه واكرم زعيتر. ولا يجب نسيان الدور البارز الذي قام به الأطباء والصيادلة الفلسطينيون في معالجة الجرحى وتقديم المعونات الطبية للثوار في منازلهم وفي أماكن تواجدهم خفية عن حكومة الإنتداب مضحين بأرواحهم في مهمات خطيرة ان اكتشفت. وفي هذا الصدد لا بد من ذكر الدور المميز الذي لعبه الدكتور فؤاد دعدس، الطبيب في المستشفى الحكومي في طولكرم، والطبيب أديب الخرطبيل وهو طبراني الأصل والذي عمل مديراً للمستشفى الحكومي في طولكرم أثناء الإضراب والثورة. في حين كان لزوجته اللبنانية الأصل دور مهم في تنظيم الفعاليات الشعبية والنسائية في منطقة طولكرم وقضائها أثناء الثورة. وكذلك نذكر الدور المميز الذي لعبه الصيدلي منير السختيان، صاحب صيدلية السختيان في طولكرم منذ عام 1933م ، والذي كان يجهز الثوار في المنطقة بما يلزمهم من الأدوية بشكل مجاني أو بمبلغ رمزي. وقد كان يلعب في بعض الحالات دور الطبيب الجراح والمضمد إن عز على الثوار إحضار طبيب لمعالجة الجرحى.
ودارت معارك عنيفة بين الثوار بسلاحهم المتواضع واليسير وبمعنوياتهم العالية وروح الفداء والتضحية وبين البريطانيين والصهاينة القادمين لفلسطين والمزودين بأحدث أنواع الأسلحة الفتاكة في ذلك العصر، من أهمها معركة بلعا الثانية ومعركة جبع ومعركة كفر صور ومعركة النزلة الشرقية ومعركة دير غسانة التي استشهد فيها القائد محمد صالح الحمد ومعركة ليّة بلعا ومعركة طريق نابلس-طولكرم ومعركة بيت أمرين ومعركة صيدا ومئات من المعارك الأخرى......الخ.
وفي شهر تشرين الثاني من عام 1938م بدأت بريطانيا حملة شاملة وكاسحة وعنيفة وشديدة وقاسية في اجتياح المدن والقرى الفلسطينية دون استثناء وكانت بريطانيا والعصابات الصهيونية تستخدم أقوى ما تملكه من اسلحة فتاكة وحارقة للأرض والماء والهواء. وخلال عام واحد وبالتحديد في شهر تشرين الثاني من عام 1939م احتلت القوات البريطانية المدججة بالسلاح معظم القرى الفلسطينية وقامت ب 2088 عملية تفتيش دقيق لتلك القرى، واعتقال المشتبه بهم من الناس وتقديمهم للمحاكمة العسكرية. وهذا يعني أنها قامت بتفتيش كل قرية مرتين على الأقل تفتيشاً دقيقاً. حيث أن مجموع قرى فلسطين في ذلك الوقت كان لا يتجاوز الألف قرية. وحاصرت فلسطين من كل منافذها ومناطق تماسها الحدودية لمنع وصول الإمدادات العسكرية للثوار، وقامت بتنفيذ أحكام الإعدام شنقاً وبالجملة في كل من تقبض عليه من القادة والثوار وبدون رحمة أو شفاعة أو انسانية، وتصفية من لم يستسلم منهم بالحصار والحرق بما تملكه من معدات عسكرية متطورة. حيث كانت المحاكم العسكرية البريطانية من أفظع المحاكم التي عرفت في التاريخ. ونذكر هنا من القادة الذين أعدموا شنقاً "الشيخ فرحان السعدي الذي كان يبلغ الثمانين من عمره بالرغم من الإحتجاجات الشعبية الفلسطينية والعربية ونفذ فيه حكم الإعدام بعد ثلاثة أيام من صدوره وذلك لعدم تنامي الإحتجاجات العربية، وكذلك الشهيد محمد سليمان ابو طاحون، وفضل محمد سليمان ابو طاحون وعبد الرحيم جابر ومحمد عبدالرحمن جبر من قضاء طولكرم وابراهيم حسن ناصر من عرار وأحمد عبد القادر طه من عجور، وحسين أحمد من حلحول ومنجد حمدان من رمانة وعبدالله محمد ابو جرارةمن قضاء نابلس ومحمد سليم محمود من عرابة ومحمد المحمود من كفر مندا وحسن عودة من بيت نوبا ومحمد صالح من القدس وسعيد ابو العز من صبارين وسامي طلال من نورس ومسلم الجولاني من السموع وعقيدة سلامة من ديوان بيسان وحسن أحمد مرجان من بيسان وعلي شفيق وجورج حلبي وعلي عبد الرحمن يحيى من دمشق ومحمد أحمد من كفر قرع وبلغ عدد الأحكام بالإعدام ما يزيد عن خمسين حكماً نفذت على الفور. وبدأت أعراض الضعف والشلل تبدو على جسم الثورة ابتداءاً من نيسان عام 1939م. حيث قطعت وسائل الإتصال بين أعضاء الثورة وعقولها ومحركيها. وفقدت الكثير من زخمها بعد استشهاد وإعدام الكثير من قادتها وثوارها، مما اضطر الآخرون من الباقين الى التراجع والإنسحاب واستمرت جذوتها بالإنطفاء التدريجي الى أن اختفى وهجها بالرماد حتى اواخر عام 1939م. فقد استشهد القائد العام للثورة الشهيد عبد الرحيم الحاج محمد، فعندما كان عائداً من دمشق لفلسطين للتشاور مع الحاج امين الحسني وطلب الإمداد وذلك بتاريخ 26/3/1939م ، توقف مع زملائه في قرية صانور قضاء طولكرم، وصل الخبر لقوات الإحتلال البريطاني عن طريق بعض الجواسيس، فأرسلوا الى القرية قوة عسكرية مدعومة بالطيران وضربوا ثلاثة أطواق من الحصار على القرية، ورفض الشهيد الإستسلام أو الهروب أو المساومة، واختار المواجهة مع رفاقه الثوار وقاد معركة غير متكافئة بكل المقاييس استمرت من الساعة السادسة صباحاً الى الساعة الرابعة عصراً استطاع فيها مع رفاقه أن يكسر الطوق الأول والطوق الثاني وأن يشتبكوا مع الطوق الثالث بالسلاح الأبيض، ولكن رصاصة أصابت القائد في بطنه انتقل على اثرها الى الرفيق الأعلى بعد أن أوقع ورفاقه خسائر في العدو.
وحسب الإحصاءات البريطانية فقد بلغ مجموع العمليات التي قامت بها الثورة عام 1936 حوالي 4076 عملية، وفي عام 1937م بلغ 598 عملية وفي عام 1938 بلغ 4969 عملية وفي عام 1939 بلغ 952 عملية وذلك في أوج الهجوم الكاسح على كل القرى والمدن الفلسطينية. وكانت إصابات الأعداء من الصهاينة نحو (1500 )إصابة ثلثها كانت قاتلة، وبلغت الإصابات في الجيش والشرطة البريطانية نحو (1800) إصابة بين قتيل وجريح، وقدر عدد المستشهدين من الجانب الفلسطيني نحو ( 3000) والجرحى نحو (7000).
وبعد قمع الثورة قامت قوات الإحتلال البريطاني بإعدام الكثير من الثوار نذكر منهم صالح يوسف الخطيب، وابراهيم ناصر ابو العلا وفيصل قدومي، وحليم ابو مصطفى ومحمد الصالح، وفارس عزوني، وبلغت أحكام السجن ما بين الخمسة سنوات والمؤبد على حوالي (1000) مواطن، وزاد عدد المعتقلين السياسيين عن أربعين ألف معتقل واستشهد من جراء التعذيب في السجون العشرات نذكر منهم الشيخ عارف الحمدان، وفرضت غرامات مالية باهظة على المواطنين وتم نسف آلاف المنازل وتدمير عشرات القرى.
مع اقتراب الحرب العالمية الثانية لجأت بريطانيا وفي خطوة التفافية كعادتها الى التخفيف من وطأة القوة المفرطة وتحسين صورتها الإجرامية لامتصاص النقمة الجماهيرية، فأصدرت بياناً يرضي العرب قليلاً ولكنه لم يحقق مطالب الثوار، فأوعزت الى الحكام العرب بفكرة الطاولة المستديرة في لندن تمهيداً لإصدار الكتاب الأبيض عام 1939م بوعود كاذبة جديدة بتلبية المطالب الفلسطينية، وانتهت بعد ذلك العمليات المسلحة ودخلت حلقة من دوامة المفاوضات وتحويل القضية الى الأمم المتحدة حيث ما زالت تراوح مكانها لليوم.
استطاع الإنجليز وحلفاؤهم من الصهاينة أن يطفئوا السنة نيران الثورة المتأججة الملتهبة التي طالتهم بلفحها ووهجها الحار الحارق ، ولكن هل استطاعوا أن يطفئوا جمرتها وجذوتها التي تراكم عليها رماد الوضع العربي المتردي ورماد المؤامرات الدولية الكبرىورماد غياب التنسيق بين القيادات وأعمال فصائل السلام المضادة للثورة؟ كلا لم ولن تنطفيء جذوة الثورة في صدور الفلسطينيين. ولعل أسباب انطفاء لهيب ثورة 1936-1939 واضحة من الأرقام والوقائع ومعالم المؤامرة الكبرى التي فاقت كل الطاقات والتوقعات، هذا بالإضافة الى شح الدعم للثورة من الأشقاء العرب كحكومات وليس كشعوب التي لم يكن بيدها القرار، وكذلك انطلاء المؤامرة الدولية الكبرى على زعماء العرب سواءً ممن كان يعلم بها مسبقاً أو من لم يكن يعلم بها. والى حالة الإرهاق البدني والنفسي والمادي التي حلت بالشعب الفلسطيني آنذاك والذي كان يعاني قبلها من الفقر المدقع والجهل حيث كان الحكم العثماني يأخذ كل ريع الأراضي من الفلاحين وكل الرجال لدعم اقتصاد الدولة العثمانية ودعم جيشها بالمحاربين، تلك الدولة التي كانت تترنح آيلة للسقوط. كما ويعود ذلك في جزء يسير منه الى عدم توحد الثورة تحت قيادة عسكرية وسياسية واحدة وافتقادها الى التنسيق فيما بين قادتها وعدم الإجماع على خطة استراتيجية واحدة، وظهور قوى احتكاك مضادة للثورة من داخلها، وهذا السبب وللأسف امتد الى يومنا هذا. وربما يكون للقصة بقية بعون الله وإذنه. وبالرغم من ذلك نفذ هذا الشعب الجبار أطول وأقسى اضراب في تاريخ ثورات الشعوب.
الشيء الوحيد الثابت في هذه القضية هو هذا الشعب العظيم الجبار السخي في العطاء والتضحية، وهو الرهان الوحيد الذي نعول عليه في تحقيق الأهداف والأماني الوطنية مهما اختلفت عناوين ومسميات ثوراته وانتفاضاته وتلونت بألوان مستمدة كلها من الشعور الوطني وحملت أعلاماً متعددة الألوان ومغايرة لعلم الوطن. فهذه العناوين والمسميات لا تساوي شيئاً امام كلمة الوطن، وتساوي الكثير إن عملت تحت هذا الشعار المقدس وهو الوطن، مقدس لأنه الوطن، ومقدس بتعاليم الشرائع السماوية. فهذا الشعب هو صانع البطولات والإنجازات بكل أطيافه وألوانه، وهو المستفيد الذي يؤول اليه شيك الإنجازات الذي هو غير قابل للصرف الاّ للوطن والشعب، وهذا لا يعني أننا أنبياء، فمنا من ربما جرفه ويجرفه وسيجرفه أو جذبه ويجذبه وسيجذبه التيار المعادي أو التيار المتطفل على قضايا الوطن ليسخرها في خدمته. فيشذ عن الوطن ليغرد في غير سربه منضوياً تحت سرب العدو او المتطفل. وعلينا الحذر لكي لا تذهب سيول دماء شهدائنا الغزيرة والمهراقة هدراً.
بقلم أحمد ابراهيم الحاج
22/1/2011م
.........................................
3- المرحلة الثالثة من ثورة 1936 (من أيلول 1937 الى أيلول 1939م)
بعد التأكد من انقلاب الحكومة البريطانية على وعودها للقادة العرب بموافقتها على تقسيم فلسطين الى دولتين بناءً على توصية لجنة بيل وذلك من خلال زيارة نوري السعيد وزير خارجية العراق في ذلك الوقت للقدس واجتماعه باللجنة العربية العليا وإقناعها بوقف الإضراب، وتلبية لنداء الدم الفلسطيني بعد شنق العديد من الثوار وكل فلسطيني يثبت أن لديه قطعة سلاح ناري أو سلاح أبيض وذلك في خضم تطبيق حكومة الإنتداب قبضتها الحديدية على الشعب بعد مقتل أندروز الحاكم الإداري لمنطقة الجليل في ايلول 1937م كما اسلفنا وذلك على أيدي الثوار، قابل الشعب الفلسطيني كل ذلك الضغط الهائل والمؤامرة الكبرى بردة فعل أقسى وأشد من كل الإنتفاضات السابقة ، ففي يوم فرار الحاج امين الحسيني الى لبنان حيث أصبح مطلوباً لحكومة الإنتداب وذلك في 14 تشرين الأول 1937م ، انطلق المد الثوري العارم في عموم مناطق فلسطين واستؤنفت العمليات العسكرية الجهادية الضارية في مقاومة الإحتلال ومخططاته في تهويد فلسطين. وحظيت الثورة في إنطلاقتها الجديدة بعودة الروح والوعي الوطني المتنامي والمضاعف بأربعة مرات عن الثورة في مرحلتها الآولى والثانية وبتأييد شعبي مطلق من الشعب الفلسطيني والشعوب العربية حيث انطلقت المظاهرات الشعبية في كل المدن الفلسطينية وفي كل العواصم والمدن العربية تطالب بدعم الشعب الفلسطيني بالدم والمال. وعاشت فلسطين جواً من من الثورة الوطنية العارمة الملتفة بالتأييد الشعبي الواسع والمتناغم مع تسارعها واشتدادها. ففي صيف 1938 وصلت الثورة الى أوج عطائها واتساعها وتأثيرها. وأخضعت لهيمنتها مناطق واسعة من فلسطين خصوصاً شمالها ووسطها، وارتبكت الإدارة المدنية والعسكرية وكانت قاب قوسين أو أدنى من الركوع لثورة هذا الشعب العظيم. واقتحم الثوار العديد من المدن الهامة والفاعلة، وكانوا يسيرون في شوارعها بسلاحهم مشهوراً وخاصة في شوارع نابلس نهاراً جهاراً، وظهرت الثورة بقدرة تنظيمية وفاعلة وجبارة وخاصة في حرب العصابات، وتشكلت المحاكم للفصل في قضايا الناس لاغية المرجعية لحكومة الإحتلال، وعاقبت المحاكم السماسرة والجواسيس والعملاء، وأصبح قادة الثورة بمثابة الحكام الإداريين للمناطق، فكلما حل قائد على قرية أو منطقة أصبحت جاذبة للسكان والوفود من المناطق المجاورة ، وتقام الحفلات والولائم وتنشد الأهازيج الوطنية والزغاريد احتفاءً بالقائد، وألغي دور المخاتير وشيوخ القبائل ووجوه الإقطاع لصالح الثوار الذين كان معظمهم من الفلاحين، ولم يعد الناس يعبؤون أو يخافون حكومة الإنتداب وزادت أعداد الثوار المنتمين للثورة وفاقت العشرة آلاف ثائر ما بين متفرغ للعمل الثوري(حوالي ثلاثة آلاف)، وما بين منخرط فيه بشكل جزئي وسري. وبلغ من ضراوة الثورة في ذلك الوقت أن وزير المستعمرات البريطاني اعتبر فلسطين "أنها أصعب بلد في العالم يواجهه الإنجليز". ووصف مهمة المندوب السامي البريطاني والقائد العام للقوات البريطانية بأنها "أشق مهمة واجهت السلطات البريطانية في أية بلاد أخرى تحت نفوذها وذلك بعد الحرب العالمية الآولى" ولو لم يرتبط الإحتلال البريطاني بمؤامرة تنفيذ وعد بلفور لكانت فلسطين أو دولة عربية تنال استقلالها من المستعمر عام 1938م.
وشكلت في سوريا ولبنان "لجنة الجهاد المركزية" تحت اشراف وتوجيه الحاج امين الحسيني وذلك لرفد الثورة بما يتوفر من إمكانيات محدودة، وتولى ادارتها في دمشق محمد دروزة وكان من مهامها توجيه الثورة وإمدادها بالسلاح والمال وإسعاف جرحاها، وكانت قيادة الثورة في فلسطين في عهدة أبنائها وتولاها الفلسطينيون أنفسهم. وقد أبدى العديد من قادتها مهارة وشجاعة منقطعة النظير وتنظيماً عالياً، ولكن ما كان يعيبهم هو عدم توحدهم تحت قيادة واحدة وقلة التنسيق بين المناطق وذلك نظراً للتكافؤ بين القادة وعدم خضوعهم لبعضهم البعض. وربما هذه صفة متأصلة ومتوارثة بين أبناء الشعب الفلسطيني الذي كانت تنخر فيه القبلية والإقطاع المورث من الحكم العثماني. وما زالت تلك السمات تنعكس حالياً على الوضع القائم في فلسطين من انقسام بين القيادات الفصائلية وتعدد واختلاف في الرؤى والتبعية.
وكذلك كانت أحلك الأيام على المحتلين ومخابراتهم هي أيام صيف 1938م حيث تم القضاء على كل الجواسيس في معظم المناطق، لدرجة لم يستطع فيها البريطانيون التفريق بين الثوار في المدن عن غيرهم من الناس سوى اعتبار كل لابس للكوفية والعقال ثائراً، حيث كان هذا هو غطاء الرأس الشائع والمعتاد في الريف، فتقوم السلطات بملاحقته واعتقاله أو تصفيته، وبناءً عليه فقد أصدرت الثورة عبر قادتها تعميماً وأمراً في مطلع عام 1939م لأهل المدن الفلسطينية بنزع الطربوش (غطاء الرأس المعتاد في المدن) ولبس الكوفية والعقال بدلاً منه، وذلك إعلاناً للتضامن التام مع الثوار وحفاظاً على سلامتهم وأمنهم. وتم اعتبار الكوفية رمزاً لثورة كل الشعب الفلسطيني مقاتلين ومدنيين. واستجاب الناس فوراً لهذا التعميم فأزيل الفارق الظاهري بين الإنسان الثائر والعادي. واختفى الطربوش نهائياً، وهذا ما أدهش السلطات البريطانية وفاجأها حيث أن شعباً بكامله ينزع غطاء رأسه التقليدي الموروث في المدن، ويلبس ما تقتضيه ضرورات الثورة وأوامر قادتها.
ولمقابلة هذا الإتساع والمد الثوري العارم والخسائر الفادحة في الأرواح والمقدرات اضطرت السلطات البريطانية المركزية الى ارسال تعزيزات عسكرية ضخمة لفلسطين من قواتها المرابطة في مصر وفي بريطانيا بقيادة أفضل القادة العسكريين لديهم مثل (ديل، وويفل، وهيننغ، ومنتغمري)، هذا عدا عن العصابات الصهيونية المسلحة بالأسلحة المتطورة والتي كانت تحارب مع البريطانيين ويمدونها بالسلاح وتتدفق عليهم معونات المنظمات الصهيونية. وذلك في خطة منها لاجتياح فلسطين وإعادة احتلالها كاملة والسيطرة عليها بقبضة عسكرية مستعينة بأقوى جيش في العالم في ذلك الوقت بما يملكه من أسلحة فتاكة وطيران متطور في زمانه ومدرعات ومدافع ودبابات لتحقيق الوعد المشئوم الذي قطعه بلفور.
وساعدت النخب المثقفة في ذلك الزمان بشحن وتعبئة الذاكرة الفلسطينية بالفداء والتضحية من أجل الوطن والحرية والإستقلال وعلى رأسهم الشاعر الشهيد عبدالرحيم محمود، وممدوح السخن، وأحمد جميل، ورفعت النمر وقدري طوقان وفريد طه واكرم زعيتر. ولا يجب نسيان الدور البارز الذي قام به الأطباء والصيادلة الفلسطينيون في معالجة الجرحى وتقديم المعونات الطبية للثوار في منازلهم وفي أماكن تواجدهم خفية عن حكومة الإنتداب مضحين بأرواحهم في مهمات خطيرة ان اكتشفت. وفي هذا الصدد لا بد من ذكر الدور المميز الذي لعبه الدكتور فؤاد دعدس، الطبيب في المستشفى الحكومي في طولكرم، والطبيب أديب الخرطبيل وهو طبراني الأصل والذي عمل مديراً للمستشفى الحكومي في طولكرم أثناء الإضراب والثورة. في حين كان لزوجته اللبنانية الأصل دور مهم في تنظيم الفعاليات الشعبية والنسائية في منطقة طولكرم وقضائها أثناء الثورة. وكذلك نذكر الدور المميز الذي لعبه الصيدلي منير السختيان، صاحب صيدلية السختيان في طولكرم منذ عام 1933م ، والذي كان يجهز الثوار في المنطقة بما يلزمهم من الأدوية بشكل مجاني أو بمبلغ رمزي. وقد كان يلعب في بعض الحالات دور الطبيب الجراح والمضمد إن عز على الثوار إحضار طبيب لمعالجة الجرحى.
ودارت معارك عنيفة بين الثوار بسلاحهم المتواضع واليسير وبمعنوياتهم العالية وروح الفداء والتضحية وبين البريطانيين والصهاينة القادمين لفلسطين والمزودين بأحدث أنواع الأسلحة الفتاكة في ذلك العصر، من أهمها معركة بلعا الثانية ومعركة جبع ومعركة كفر صور ومعركة النزلة الشرقية ومعركة دير غسانة التي استشهد فيها القائد محمد صالح الحمد ومعركة ليّة بلعا ومعركة طريق نابلس-طولكرم ومعركة بيت أمرين ومعركة صيدا ومئات من المعارك الأخرى......الخ.
وفي شهر تشرين الثاني من عام 1938م بدأت بريطانيا حملة شاملة وكاسحة وعنيفة وشديدة وقاسية في اجتياح المدن والقرى الفلسطينية دون استثناء وكانت بريطانيا والعصابات الصهيونية تستخدم أقوى ما تملكه من اسلحة فتاكة وحارقة للأرض والماء والهواء. وخلال عام واحد وبالتحديد في شهر تشرين الثاني من عام 1939م احتلت القوات البريطانية المدججة بالسلاح معظم القرى الفلسطينية وقامت ب 2088 عملية تفتيش دقيق لتلك القرى، واعتقال المشتبه بهم من الناس وتقديمهم للمحاكمة العسكرية. وهذا يعني أنها قامت بتفتيش كل قرية مرتين على الأقل تفتيشاً دقيقاً. حيث أن مجموع قرى فلسطين في ذلك الوقت كان لا يتجاوز الألف قرية. وحاصرت فلسطين من كل منافذها ومناطق تماسها الحدودية لمنع وصول الإمدادات العسكرية للثوار، وقامت بتنفيذ أحكام الإعدام شنقاً وبالجملة في كل من تقبض عليه من القادة والثوار وبدون رحمة أو شفاعة أو انسانية، وتصفية من لم يستسلم منهم بالحصار والحرق بما تملكه من معدات عسكرية متطورة. حيث كانت المحاكم العسكرية البريطانية من أفظع المحاكم التي عرفت في التاريخ. ونذكر هنا من القادة الذين أعدموا شنقاً "الشيخ فرحان السعدي الذي كان يبلغ الثمانين من عمره بالرغم من الإحتجاجات الشعبية الفلسطينية والعربية ونفذ فيه حكم الإعدام بعد ثلاثة أيام من صدوره وذلك لعدم تنامي الإحتجاجات العربية، وكذلك الشهيد محمد سليمان ابو طاحون، وفضل محمد سليمان ابو طاحون وعبد الرحيم جابر ومحمد عبدالرحمن جبر من قضاء طولكرم وابراهيم حسن ناصر من عرار وأحمد عبد القادر طه من عجور، وحسين أحمد من حلحول ومنجد حمدان من رمانة وعبدالله محمد ابو جرارةمن قضاء نابلس ومحمد سليم محمود من عرابة ومحمد المحمود من كفر مندا وحسن عودة من بيت نوبا ومحمد صالح من القدس وسعيد ابو العز من صبارين وسامي طلال من نورس ومسلم الجولاني من السموع وعقيدة سلامة من ديوان بيسان وحسن أحمد مرجان من بيسان وعلي شفيق وجورج حلبي وعلي عبد الرحمن يحيى من دمشق ومحمد أحمد من كفر قرع وبلغ عدد الأحكام بالإعدام ما يزيد عن خمسين حكماً نفذت على الفور. وبدأت أعراض الضعف والشلل تبدو على جسم الثورة ابتداءاً من نيسان عام 1939م. حيث قطعت وسائل الإتصال بين أعضاء الثورة وعقولها ومحركيها. وفقدت الكثير من زخمها بعد استشهاد وإعدام الكثير من قادتها وثوارها، مما اضطر الآخرون من الباقين الى التراجع والإنسحاب واستمرت جذوتها بالإنطفاء التدريجي الى أن اختفى وهجها بالرماد حتى اواخر عام 1939م. فقد استشهد القائد العام للثورة الشهيد عبد الرحيم الحاج محمد، فعندما كان عائداً من دمشق لفلسطين للتشاور مع الحاج امين الحسني وطلب الإمداد وذلك بتاريخ 26/3/1939م ، توقف مع زملائه في قرية صانور قضاء طولكرم، وصل الخبر لقوات الإحتلال البريطاني عن طريق بعض الجواسيس، فأرسلوا الى القرية قوة عسكرية مدعومة بالطيران وضربوا ثلاثة أطواق من الحصار على القرية، ورفض الشهيد الإستسلام أو الهروب أو المساومة، واختار المواجهة مع رفاقه الثوار وقاد معركة غير متكافئة بكل المقاييس استمرت من الساعة السادسة صباحاً الى الساعة الرابعة عصراً استطاع فيها مع رفاقه أن يكسر الطوق الأول والطوق الثاني وأن يشتبكوا مع الطوق الثالث بالسلاح الأبيض، ولكن رصاصة أصابت القائد في بطنه انتقل على اثرها الى الرفيق الأعلى بعد أن أوقع ورفاقه خسائر في العدو.
وحسب الإحصاءات البريطانية فقد بلغ مجموع العمليات التي قامت بها الثورة عام 1936 حوالي 4076 عملية، وفي عام 1937م بلغ 598 عملية وفي عام 1938 بلغ 4969 عملية وفي عام 1939 بلغ 952 عملية وذلك في أوج الهجوم الكاسح على كل القرى والمدن الفلسطينية. وكانت إصابات الأعداء من الصهاينة نحو (1500 )إصابة ثلثها كانت قاتلة، وبلغت الإصابات في الجيش والشرطة البريطانية نحو (1800) إصابة بين قتيل وجريح، وقدر عدد المستشهدين من الجانب الفلسطيني نحو ( 3000) والجرحى نحو (7000).
وبعد قمع الثورة قامت قوات الإحتلال البريطاني بإعدام الكثير من الثوار نذكر منهم صالح يوسف الخطيب، وابراهيم ناصر ابو العلا وفيصل قدومي، وحليم ابو مصطفى ومحمد الصالح، وفارس عزوني، وبلغت أحكام السجن ما بين الخمسة سنوات والمؤبد على حوالي (1000) مواطن، وزاد عدد المعتقلين السياسيين عن أربعين ألف معتقل واستشهد من جراء التعذيب في السجون العشرات نذكر منهم الشيخ عارف الحمدان، وفرضت غرامات مالية باهظة على المواطنين وتم نسف آلاف المنازل وتدمير عشرات القرى.
مع اقتراب الحرب العالمية الثانية لجأت بريطانيا وفي خطوة التفافية كعادتها الى التخفيف من وطأة القوة المفرطة وتحسين صورتها الإجرامية لامتصاص النقمة الجماهيرية، فأصدرت بياناً يرضي العرب قليلاً ولكنه لم يحقق مطالب الثوار، فأوعزت الى الحكام العرب بفكرة الطاولة المستديرة في لندن تمهيداً لإصدار الكتاب الأبيض عام 1939م بوعود كاذبة جديدة بتلبية المطالب الفلسطينية، وانتهت بعد ذلك العمليات المسلحة ودخلت حلقة من دوامة المفاوضات وتحويل القضية الى الأمم المتحدة حيث ما زالت تراوح مكانها لليوم.
استطاع الإنجليز وحلفاؤهم من الصهاينة أن يطفئوا السنة نيران الثورة المتأججة الملتهبة التي طالتهم بلفحها ووهجها الحار الحارق ، ولكن هل استطاعوا أن يطفئوا جمرتها وجذوتها التي تراكم عليها رماد الوضع العربي المتردي ورماد المؤامرات الدولية الكبرىورماد غياب التنسيق بين القيادات وأعمال فصائل السلام المضادة للثورة؟ كلا لم ولن تنطفيء جذوة الثورة في صدور الفلسطينيين. ولعل أسباب انطفاء لهيب ثورة 1936-1939 واضحة من الأرقام والوقائع ومعالم المؤامرة الكبرى التي فاقت كل الطاقات والتوقعات، هذا بالإضافة الى شح الدعم للثورة من الأشقاء العرب كحكومات وليس كشعوب التي لم يكن بيدها القرار، وكذلك انطلاء المؤامرة الدولية الكبرى على زعماء العرب سواءً ممن كان يعلم بها مسبقاً أو من لم يكن يعلم بها. والى حالة الإرهاق البدني والنفسي والمادي التي حلت بالشعب الفلسطيني آنذاك والذي كان يعاني قبلها من الفقر المدقع والجهل حيث كان الحكم العثماني يأخذ كل ريع الأراضي من الفلاحين وكل الرجال لدعم اقتصاد الدولة العثمانية ودعم جيشها بالمحاربين، تلك الدولة التي كانت تترنح آيلة للسقوط. كما ويعود ذلك في جزء يسير منه الى عدم توحد الثورة تحت قيادة عسكرية وسياسية واحدة وافتقادها الى التنسيق فيما بين قادتها وعدم الإجماع على خطة استراتيجية واحدة، وظهور قوى احتكاك مضادة للثورة من داخلها، وهذا السبب وللأسف امتد الى يومنا هذا. وربما يكون للقصة بقية بعون الله وإذنه. وبالرغم من ذلك نفذ هذا الشعب الجبار أطول وأقسى اضراب في تاريخ ثورات الشعوب.
الشيء الوحيد الثابت في هذه القضية هو هذا الشعب العظيم الجبار السخي في العطاء والتضحية، وهو الرهان الوحيد الذي نعول عليه في تحقيق الأهداف والأماني الوطنية مهما اختلفت عناوين ومسميات ثوراته وانتفاضاته وتلونت بألوان مستمدة كلها من الشعور الوطني وحملت أعلاماً متعددة الألوان ومغايرة لعلم الوطن. فهذه العناوين والمسميات لا تساوي شيئاً امام كلمة الوطن، وتساوي الكثير إن عملت تحت هذا الشعار المقدس وهو الوطن، مقدس لأنه الوطن، ومقدس بتعاليم الشرائع السماوية. فهذا الشعب هو صانع البطولات والإنجازات بكل أطيافه وألوانه، وهو المستفيد الذي يؤول اليه شيك الإنجازات الذي هو غير قابل للصرف الاّ للوطن والشعب، وهذا لا يعني أننا أنبياء، فمنا من ربما جرفه ويجرفه وسيجرفه أو جذبه ويجذبه وسيجذبه التيار المعادي أو التيار المتطفل على قضايا الوطن ليسخرها في خدمته. فيشذ عن الوطن ليغرد في غير سربه منضوياً تحت سرب العدو او المتطفل. وعلينا الحذر لكي لا تذهب سيول دماء شهدائنا الغزيرة والمهراقة هدراً.
بقلم أحمد ابراهيم الحاج
22/1/2011م
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 - 20:54 من طرف جنى ميرو
» صيانة سخانات في دبي 0543747022 emiratefix.com
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 - 19:53 من طرف جنى ميرو
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في عجمان 0543747022
السبت 16 نوفمبر 2024 - 23:43 من طرف جنى ميرو
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في عجمان 0543747022
السبت 16 نوفمبر 2024 - 23:11 من طرف جنى ميرو
» تصليح أفران في دبي 0543747022 emiratefix.com
السبت 16 نوفمبر 2024 - 22:15 من طرف جنى ميرو
» تصليح أفران في دبي 0543747022 emiratefix.com
السبت 16 نوفمبر 2024 - 22:11 من طرف جنى ميرو
» تصليح ثلاجات في دبي emiratefix.com 0543747022
السبت 16 نوفمبر 2024 - 0:11 من طرف جنى ميرو
» تصليح سخانات في دبي - 0543747022 (الشمسية و المركزية) emiratefix.com
الجمعة 15 نوفمبر 2024 - 20:33 من طرف جنى ميرو
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في الشارقة 0543747022
الأربعاء 13 نوفمبر 2024 - 21:30 من طرف جنى ميرو
» اداة ذكاء اصطناعي للباحثين وطلاب الدراسات العليا
الجمعة 26 أبريل 2024 - 11:23 من طرف Abd