منتديات خاراس الرسمية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

2 مشترك

    آمنة و خليل/الجزء الثالث عشر

    أحمد ابراهيم الحاج
    أحمد ابراهيم الحاج

    {{ كبار الشخصيات }}


    {{ كبار الشخصيات }}


    الجنس : ذكر
    البرج : الحمل
    عدد المشاركات : 231
    العمر : 72
    البلد : فلسطين - خاراس
    نقاط النشاط : 204
    الاعجاب : 4
    الدوله : فلسطين

    آمنة  و خليل/الجزء الثالث عشر Empty آمنة و خليل/الجزء الثالث عشر

    مُساهمة من طرف أحمد ابراهيم الحاج الثلاثاء 8 مارس 2011 - 12:16

    آمنة وخليل /الجزء الثالث عشر
    ...............................................
    شارفت العطلة الصيفية للعام الدراسي 1961م على الإنتهاء ، وعادت آمنة من رحلتها مع أهلها لزيارة أقاربها بالشتات ، وعاد خليل من عمله بعمان ، وكان لقاءً منتظراً وعلى أحر من الجمر بين العشيقين بالكرم بعد غياب وفراق ، وشوق واشتياق ، فتناولا فيه الحديث عن رحلة آمنة وعن أوضاع اقاربها بالشتات ، وعن عمله بعمان ورؤتهما لبعضهما البعض بشارع المحطة ، حيث تأكد خليل من تقديرها واحترامها له في ذلك المشهد الذي لم يرق له ، وتبددت شكوكه ومخاوفه من عدم الفوز بحبها ، وفي نهاية اللقاء تبادلا الهدايا ، فقد قدم لها طقم حبر باركر اشتراه من عمان ، وقدمت له قارورة عطر من ماركة أراميس اشترتها له من بيروت. وقالت له في معرض حديثها عن أقاربها بالشتات في سوريا ولبنان وشرق الأردن ومصر والعراق:
    ولنبدأ أولاً بأهلنا اللاجئين في شرق الأردن ، فهم حاصلون على الجنسية الأردنية مثلنا ، ويتمتعون بحرية العمل والإستثمار في الأردن ، وأولادهم يدرسون في مدارس الوكالة لغاية نهاية المرحلة الإعدادية بالأردن ويتحولون للمدارس الثانوية الحكومية سواسية مع غيرهم من المواطنين وحسب النظام الأردني ، ويكملون دراستهم في المعاهد الحكومية ومعاهد وكالة الغوث ومنهم يكملون جامعاتهم في الدول العربية والأجنبية على نفقة أهاليهم ، ومنهم من يحصلون على البعثات الدراسية متساوين مع الأردنيين ، وعلى البعثات الدراسية على حساب الأحزاب في اوروبا الشرقية وفي الدول العربية وعلى رأسها مصر وسوريا والعراق، واتجه كثير منهم الى التجارة والصناعة والمهن الحرة والوظائف المدنية في الدولة ، وقليل منهم اختارالوظائف العسكرية ، واغترب كثير منهم للعمل في دول الخليج العربي وليبيا والمغرب العربي وفي اوروبا وأمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية ، وخرج كثير منهم من المخيمات ، وبنوا بيوتاً لهم في مناطق الأردن المختلفة. واشتروا الأراضي وساهموا في بناء الأردن جنباً الى جنب مع أشقائهم الأردنيين ،ومنهم المسئولين والوزراء ، وكما هو معلوم فإن النشاط السياسي محظور عليهم حسب النظام الأردني الا قليلاً من الأحزاب كالإخوان المسلمين ، ولا هوادة مع من ينحى اتجاه السياسة المحظور وخاصة الإتجاه اليساري .وأحوالهم المادية والمعيشية جيدة الاّ من تبقى في المخيمات لا يريد الخروج لتعوده على هذا النمط المعيشي ، ومنهم لا يستطيع الخروج من المخيمات لضيق الأحوال المادية أو ترك المخيم الى الوطن الأصلي.
    ثانياً : أهلنا اللاجئون في سوريا ، إنهم يتمتعون بالحقوق الكامالة التي يتمتع بها أشقاؤنا السوريون في التعليم والصحة والوظائف والخدمة العسكرية ، وقسم منهم ترك المخيمات واشترى ارضاً وبنى فيها ، وأحوالهم المادية والمعيشية لا بأس بها في ظل الظروف الإقتصادية السيئة ، وقسم كبير بقي يعيش بالمخيمات لارتباطاتهم الأسرية والعائلية ولتعودهم على هذا النمط ، وقسم منهم يقول لن أغادر المخيم الا الى فلسطين ليظل هذا المخيم شاهداً على قضيتنا وعلى شتاتنا. والنشاط السياسي محظور عليهم الاّ في إطار الحزب الحاكم. وظهرت إبداعات فلسطينية في الثقافة والفنون والرياضة.
    ثالثاً : أهلنا اللاجئون في لبنان ، لقد هاجر قسراً الى لبنان رؤوس أموال وكفاءات فلسطينية في الصحافة والإعلام وجميع مناحي الحياة العملية ، وأنعشوا الإقتصاد اللبناني ، وهؤلاء أقاموا صروح الصحافة والإعلام والثقافة في لبنان ، وشاركوا في النهضة الثقافية اللبنانية ،حيث كانت فلسطين رائدة النهضة الثقافية والإعلامية والتجارية ومنارة للعلم والثقافة في المنطقة كلها قبل النكبة ، وتم منح الكثير منهم الجنسية اللبنانية وخاصة المسيحيين منهم وأصحاب رأس المال والإستثمارات. ومن أبدعوا وتميزوا في مجالات الفن والرياضة والعلم وهؤلاء يعيشون حياة كريمة.
    أما من يعيشون في المخيمات من العاديين من الناس والفقراء وذوي الدخل المحدود وهم الغالبية ، فأحوالهم يرثى لها ، فهنالك لائحة طويلة ومعقدة من المحرمات والممنوعات عليهم ، مثال ذلك ترميم المباني وتوسعتها لتقابل النمو السكاني ، وهنالك حوالي سبعين مهنة لا يجوز لهم ممارستها في لبنان ، بالإضافة الى تعقيد ومركزة الإجراءات الخاصة باستخراج الأوراق والوثائق الثبوتية مهما كانت وارتفاع تكاليفها ، وانعدام الخدمات وقلة المرافق الحياتية التي تليق بالبشر ، عدا عن انقطاع الكهرباء والمياه المتكرر في المخيمات.......الخ ، ولولا خدمات وكالة الغوث في التعليم والصحة لعاث بهم الفقر والجهل والجوع المدقع ولفتكت بهم الأمراض ولتعرضوا للإبادة الجماعية ، وقد تألمت كثيراً لأحوال أقاربي المعيشية والذين يعيشون في المخيمات ، فهم يعاملون بأقل من المعاملة الآدمية على الرغم من تعاطف كثير من فئات الشعب اللبناني معهم والإحساس بمعاناتهم ، بعكس السياسة الحكومية تجاههم والتي لم يقررها الشعب كباقي البلدان العربية.
    رابعاً : اهلنا اللاجئون في مصر وغزة والعراق: كما نسمع منهم وعنهم فهم يعيشون حياة كريمة إن ابتعدوا عن السياسة الاّ في غير إطار النظام الحاكم ، وما يعكر صفو حياتهم صبابة الفراق والغربة عن الأهل والوطن ، وحقيقة فإن الرئيس جمال عبد الناصر يشعر بشعورهم ، وفتح لهم الجامعات المصرية ويقدم لهم البعثات الدراسية ويقولون أن الطلبة الفلسطينيين يمتازون عن الطلبة المصريين في الإبتعاث مما دعا أحد المسئولين أن يسأله عن سبب ذلك ، فقال له الرئيس عبد الناصر " يا راجل بكفي الزمن عليهم وعايزنا احنا برضك نكون مع الزمن عليهم ".
    وأهلنا في العراق يعاملون كإخواننا العراقيين. أما أهلنا في المهاجر الأخرى فلكل واحد حسب اجتهاده وعمله هناك ، وهم لم يقصروا في الجد والإجتهاد والتفوق ومقارعة التشرد والبطالة وآثار التهجير عن الوطن ، وكان خليل ينصت لآمنة ويكبر فيها اهتمامها بجمع تلك المعلومات التي كانت تخفى على الفلسطينيين في أماكن تواجدهم داخل حدود فلسطين من البحر الى النهر.
    وختمت آمنة حديثها بالقول "باختصار وفي النتيجة ، يعني اللأجئين اليّ في الدول العربية ما عدا لبنان إذا ما بدخلوا أو بحكوا بالسياسة بعيشواعيشة مقبولة وماشي حالهم ، ولكن يا ويله وسواد ليله اليّ بدخل في السياسة خارج عن إطار النظم العربية الحاكمة وسياساتها وخاصة فيما يتعلق بقضية فلسطين. وفي ناس منهم دخلوا السياسة من خلال الأنظمة العربية في البلدان اللتي يقيمون فيها ، وصاروا مسئولين ووزراء ، ورؤساء وزراء وضباط كبار ، وعايشين فوق الريح وناسيين فلسطين. وطبعاً كيف شعبنا ما يتعاطى بالسياسة وهو صاحب قضية؟ مستحيل هذا الشيء يحصل ، لذلك فالسجون العربية تأوي كثيراً من الفلسطينيين ، ولا تسأل عن التعذيب والإهانات والإعاقات والبهدلة ومدد الحكم ، وحتى في ناس بالسجون ما بتعترف فيهم بعض الحكومات العربية ، وأهاليهم بدوروا عليهم ومش عارفين إلهم قرار. وفي ناس ماتوا من التعذيب والمرض بدون علاج.
    قال لها خليل بخصوص أهلنا بالداخل : إن ما يؤلمني يا آمنة ويحز في نفسي هو هدم الجسور بيننا وبين أهلنا في الداخل ، والذين يعيشون مع الصهاينة داخل كيانهم المصطنع ، وكأننا في كوكب وهم في كوكب آخر ، ولا تواصل معهم الاّ عبر الأثير من إذاعة اسرائيل. إنهم من صمدوا وتمسكوا بالأرض رغم المذابح التي تعرض لها شعبنا ، وصبروا وتعايشوا مع اليهود الذين يصعب التعايش معهم والذين يرفضون غيرهم من الأعراق ويسمونهم الأغيار ، وينظرون اليهم نظرة دونية واحتقار ، ففي كتبهم الدينية المحرفة وثقافتهم "أنه من ليس يهودياً فهو ليس بإنسان وهو من نطفة الحيوانات سواءً كان من نطفة حمار أو خنزير أو /*/*/*" وهذا ما دفع اوروبا وخاصة بريطانيا الى الخلاص منهم وحذفهم علينا. ولو قرأت الأدب الإنجليزي لرأيت مدى كره الأوروبيين لهم ، فمسرحية شكسبير "تاجر البندقية" والتي مثل فيها الشخصية اليهودية ب (شايلوك اليهودي) المرابي الذي طلب رطلاً من لحم الإنسان المدين له ،وأصر على تنفيذ ذلك بالمحكمة لعدم وفائه بسداد الدين. وكذلك في رواية الكاتب الإنجليزي تشارلز ديكنز "اوليفر توست" حيث مثل الشخصية اليهودية في شخصية "فاجن اليهودي" والذي كان يستغل الأطفال ويسخرهم للسرقة وجمع المال ويقسو عليهم ويستغل تشريدهم وفقرهم. إن أهلنا بالداخل جزء منا ويمثلون علامة ودعامة لبقائنا على كل ارض فلسطين ودليلاً على حقوقنا المشروعة في فلسطين كاملة. ولا أدري لماذا ينظر اليهم العرب على أنهم جزءٌ من دولة اسرائيل ويقاطعونهم حتى بالبرامج الإذاعية الموجهة اليهم للحفاظ على لغتهم وثقافتهم. وهم لا يؤدون فريضة الحج كغيرهم من المسلمين ، فالعرب بذلك يساعدون على طمس شخصياتهم وثقافتهم وتاريخهم العربي من قبل اليهود وكذلك على ذوبانهم في الدولة العبرية. إنهم بمثابة الكنز لنا ويجب الحفاظ عليهم ومد الجسور معهم ، والتواصل معهم بكل الوسائل والطرق. فهم يفهمون عدونا وثقافته ولغته وهذا سيساعدنا في حل قضيتنا من خلال فهم التعامل مع عدونا. لا أدري لماذا نساعد ونعمل على إسكات هذا الصوت الهادر والمدوي والقنبلة الديمغرافية الموقوتة ليكون لصالحنا ورافعة لنضالنا. فأومأت آمنة تهز رأسها تسليماً بصحة ما يقوله وهي سارحة تتذكر قتل أقرانها الأطفال ونجاتها بأعجوبة يوم دخول الصهاينة لقريتهم ، وتتذكر ما بقي لها من أقارب هناك بحسرة وشوق لرؤيتهم بل حتى لسماع صوتهم عبر الأثير وسماع أخبارهم. وقالت آمنة "يا شيخ حتى التواصل بين اهلنا في الضفتين وبين أهلنا بغزة شبه معدوم ،وبين أهلنا بالأردن وأهلنا بالعراق نفس الشيء ، يعني صرنا محكومين بعلاقة الأنظمة العربية ببعضها البعض. الصبر طيب يا أيوب".
    انتهى اللقاء بالكرم على هذا المشهد المحزن والمؤلم ، والذي لن يكون متبوعاً بلقاء قريب لحلول فصل الخريف ، وحانت ساعة الوداع ، وافترقا وعيني كل واحد منهما معلقة بعيني الآخر وعلى أمل اللقاء في كل صباح ومساء في باص القرى الثلاث في رحلاته ذهاباً وإياباً.
    بدأت المدارس فتح أبوابها في الثلث الأخير من شهر آب سنة 1961م لاستقبال الطلاب للعام الدراسي 1961-1962م. والتحق خليل بالصف الثاني الثانوي علمي وآمنة بالصف الثاني الثانوي أدبي. وكانا يذهبان ويعودان بنفس الباص وبرفقتهما سليم شقيق آمنة بالصف الأول ثانوي وبعض الطلبة من قريتهم والقرى المشتركة معهم بالباص. وكان سائق الباص من قرية خليل ، رجل متقدم بالسن ووقور ، مرض هذا السائق واستلم الباص سائق من قرية أخرى من القرى المشتركة بالباص ، وكان في أواخر الشباب وعلى أبواب أوائل الكهولة ، ولكنه كان يتصرف بعقلية المراهق ، ولم يكن على خلق ، فقد لاحظ خليل بأنه كان يعدل مرآة الباص لتعكس له صورة آمنة ، وكلما نظر اليه خليل كان يجده محملقاً بآمنة ، وكان السائق يحجز لها مقعداً دون غيرها من النساء ، وكذلك لم يغب الأمر عن سليم. فأضمر كل واحد منهما الأمر في نفسه ولم يجاهر به للآخر لتلافي الحرج. وكانت الحمية تغلي بداخل سليم بانتظار القشة التي ستقصم ظهر البعير ، وبالتوازي كانت الغيرة ترعى وتنهش فؤاد خليل وينتظر اشتعال عود الكبريت ليوقدها ناراً مستعرة على السائق.
    كان الباص دائماً في رحلة الإياب الأخيرة من الخليل يمتلؤ بالركاب عن بكرة أبيه ، ولا يتسع لكل العائدين للقرى الثلاثة ، فكان السائق يطلب من الطلاب أن يسبقوه خلف نقطة التفتيش لمركز الشرطة في عين سارة ليتمكن من إركابهم واقفين في وسط الباص ليتجنب مخالفة الشرطة له. وكان السائق يتجاوزهم أحياناً كثيرة ولا يقف لإركابهم ، فيضطرون للعودة بأي وسيلة متاحة من قلابات وتركات في طريقها من المدينة الى أحدى القرى ، أو في كثير من الأحيان مشياً على الأقدام عن طريق بلدة حلحول ، ويبدو أن السائق كان يسرح وهو ينظر لآمنة ولا يتذكر ما يعد به الطلبة ، أو على الأرجح كان يتناسى الأمر عمداً ليأخذ راحته في النظر لآمنة في غياب شقيقها سليم وصاحبه خليل حيث شعر بإحساسهما بالموضوع من نظراتهما المريبة تجاهه وعدم استلطافهما له كباقي الركاب بالرغم من محاولة التحرش بسليم للتقرب منه. ورغم تذكير الطلبة له وعتابه وإنذاره فقد كرر الأمر معهم أكثر من مرة مما سبب لهم معاناة طويلة في رحلة عودتهم لبيوتهم حيث يصلون في ظلام الليل ويقطعون الجبال والوديان ولا يجدون متسعاً من الوقت للدراسة وحل الواجبات من التعب والإرهاق وضيق الوقت وحلول موعد النوم المبكر من أجل الإفاقة المبكرة والمرتبطة بموعد اقلاع الباص.
    ازدادت مضايقة السائق لآمنة ، ولاحظ الجميع وقاحة نظراته نحوها واهتمامه غير المبرر بها ، وتعديل المرآة نحوها في أوقات غياب شقيقها وصاحبه خليل ، وبان الأمر للجميع ، وشعرت آمنة بذلك وتضايقت من الوضع ، وباحت بالأمر لأمها ، فأشارت عليها أن لا تعطيه أهمية وأن لا تجلس في المقعد الذي يحجزه لها بل تقف بمؤخرة الباص حتى يقوم أحد لإجلاسها ، وأن تدخل من الباب الخلفي وتركب بمؤخرة الباص ، وإن لم يرتدع ويستحي على دمه ستخبر والدها ليرى حلاً سلمياً مناسباً للموضوع دون إثارة زوبعة. وحذرتها من إخبار سليم لكي لا يحدث ما لم تحمد عقباه. فقالت لها أمها ، الشباب دمهم فاير وفي مرحلة طيش وفوران يا بنتي وممكن أخوك يعمل جريمة ، وانت عارفه قديش هو حساس ومتعصب لحد الجنون في هالمواضيع.
    في أحد الأيام ، وبعد طول انتظار من الطلبة للباص ليؤوب بهم الى قراهم حيث كانوا ينهون اليوم الدراسي مبكرين عن موعد رحلة العودة للباص وينتظرون الباص طويلاً بالكراجات، امتلأ الباص عن بكرة أبيه من الرجال والنساء ، ورفض السائق أي زيادة في عدد الركاب عن عدد مقاعد الباص ، وكان يجلس في بعض المقاعد ثلاثة أشخاص يحشرون أنفسهم حشراً ، وأصر السائق على عدم المسير وفي الباص راكب واحد يقف بمنتصفه متذرعاً بالمخالفة من الشرطة. فامتثل الطلاب لرغبة الركاب من بلداتهم في مسيرة الباص والعودة لقراهم. وقرروا أن يسبقوا الباص الى ما وراء نقطة التفتيش كالعادة لينتظروا الباص هناك. ولكن السائق عندما لمحهم ينتظرون زاد من سرعته وتجاوزهم كالعادة. فأثارت فعلته حنقاً وغضباً شديدين بين الطلبة ، وأيقن الجميع بأنه لا بد من وضع حد لهذا الحال ، كانت هذه الفعلة بمثابة عود الكبريت الذي أشعل النار ، من هنا التقط خليل فكرة عقاب السائق على تجاهله المتكرر كما أفهم الطلبة ولكنه كان يخفي بداخله سبباً آخر ، إنه وقاحة السائق ونظراته المريبة لآمنة ، فوافقه سليم بقوة على اقتراحه سيما وهو يخبؤ نفس السبب الذي يغلي في داخله بالإضافة الى فعلة السائق الغادرة معهم.
    أكمل الطلبة رحلة الإياب لبيوتهم مشياً على الأقدام الى أن وصلوا مشارف وادي القف ، فإذا بقلاب يحمل حصمة يقترب منهم متوجهاً الى بلدة ترقوميا ، فأشروا لسائق القلاب ، فأشفق عليهم ووقف لهم ، وقال لهم سائق القلاب "إن كان لديكم استعداداً للجلوس على الحصمة فاصعدوا فوقها ، وليركب واحد منكم بجانبي" ، فركب خليل بجانبه لأنه كبيرهم وقائدهم ، وصعد الباقون وجلسوا على الحصمة ، حتى وصل القلاب الى مثلث ترقوميا ، فنزلوا من القلاب ليكملوا المسيرة الى قريتهم مروراً من قرية بيت اولا وقرية نوبا وصولاً الى قريتهم في المحطة الأخيرة للباص مشياً على الأقدام حيث تبقى للوصول ما يقارب الخمسة كيلومترات. وبينما هم في طريق عودتهم طرح عليهم خليل فكرته لعقاب السائق ، وقال لهم: ما رأيكم يا شباب أن نسرع الخطى لنتجاوز قرية بيت اولا (وهي قرية السائق) ، ونلاقي الباص وهو عائد من بلدتنا مروراً بقرية نوبا حيث كان ينام في قريته بيت اولا ، وأن نضع أمامه حاجزاً عالياً من الحجارة بين قرية نوبا وقرية بيت اولا فيضطر للوقوف ونؤدبه على فعلته ، فوافقه الجميع بدون تحفظات وأيدوا خطته. فأسرعوا الخطا مشياً على الأقدام ، ولما وصلوا ما بين نوبا وبيت اولا وعلى مشارف وادي ابو الثلاث من الجنوب ، أقاموا حاجزاً من الحجارة الكبيرة وأغلقوا الطريق الوحيد أمام الباص لكي يضطر للوقوف. وانتظروه على أحر من الجمر ، وأخيراً أقبل الباص نحو الحاجز وبه السائق والكنترول (محصل الأجرة). ولما وصل الباص الحاجز وقف وقوفاً إجبارياً ، فنزل منه الكنترول للتفاوض مع الطلبة ، فتناوله سليم وهو مندفع من الباص وألقاه أرضاً. وقال له لا تتدخل بيننا وبين السائق أيها الجبان ، فقال له الكنترول " من شان الله اتركوني ، أنا ما الي دخل ابداً" وشدد عليه سليم أن يقف جانباً دون التدخل بينهم وبين السائق. وفي هذه الأثناء صعد خليل الى السائق وأمسك بطوق قميصه وشحطه خارج الباص ، وناوله كفاً حامياً على صدغه ، فارتسم كف خليل على صدغ السائق مفنداً ً إصبعاً إصبعاً بالتفصيل ، وكان عدد الطلبة سبعة طلاب ، فقال خليل للسائق : أتدري ما هو السبب الرئيسي لعقابك يا نذل ، إنه قلة أدبك مع النساء والبنات وأنت تفهمني جيداً ، وأقسم بالله العظيم لو بدر منك هذا التصرف وقلة الأدب والوقاحة مع البنات والنساء من الآن فصاعداً الاّ تدفع الثمن غالي يا حقير". وشارك في عقابه كل الطلبة وضربوه ضرباً موجعاً ، وبينما هم يعاقبونه وينهالون عليه ضرباً من كل ناحية ، فإذا بجيب عسكري لضابط في الجيش الأردني من قرية السائق (بيت اولا) كان في طريق عودته من عمله الى قريته. فوقف أمام الحاجز على وقع المعركة ومجبراً لإغلاق الطريق ، وجاء للطلبة غاضباً ومستنكراً فعلتهم ، وأمسك بخليل يريد ضربه ، حيث بدا على خليل قيادة العملية لطول قامته ، وعضلاته المفتولة ، ولكن خليل شد يده للخلف بقوة مدافعاً عن نفسه ومتقياً صفعة الضابط لوجهه ومانعاً اياه من ضربه ، فتراجع الضابط عن ضرب خليل ومن ورائه الطلبة خوفاً من العواقب التي ربما تصدر عن طلبة مراهقين لا يأبهون من ردة فعل غير متزنة ، وقال لهم: عاملين مثل عصابات شيكاغو يا زعران. وأخذ اسماءهم واحداً واحداً ، وأمرهم بإزالة الحاجز من الطريق ، وقال لهم : إن عملكم هذا جريمة وعمل تخريبي ، إنتو مش طلاب إنتو قطاع طرق ومجرمين. وأشار الضابط على السائق أن يتوجه الى مخفر ترقوميا ويقدم شكواه للشرطة ، وأخبره بأنه سيسجل الواقعة كما رآها كشاهد ويسلمها لرئيس المخفر. وعاد الطلبة لقريتهم ، ولم يخبروا أولياء امورهم بما حدث معهم ، ولا بالشكوى التي ستقدم ضدهم من السائق بشهادة الضابط.
    وفي الصباح توجهوا ذهاباً للمدارس كالعادة مع سائق الباص نفسه الذي بدا عليه السكون والهدوء والكسوف ، والذي كف عن تصرفاته الوقحة مع آمنة ، وشق الباص طريقه للخليل الى أن وصل الى مثلث ترقوميا ، فإذا بالشرطة تنتظره هناك ، فأوقفوا الباص ، وصعد شرطي الى الباص ونادى اسماء الطلبة الذين عاقبوا السائق واحداً واحداً ، وأنزلهم من الباص وأخذوهم الى المخفر بحقائبهم المدرسية للتحقيق معهم ، وتسجيل الواقعة ورفعها للقضاء. تم استيفاء إفادة الطلبة بالمخفر واحداً واحداً وتسجيلها بمحضر وبدون ضرب أو عقاب مما أثار استغراب خليل ، فسأل خليل أحد الشرطة الذي تذكره جيداً حيث جلده بعد حفلة المدرسة ، وقال له : بشوف المرة ما في ضرب وجلد مثل المرة السابقة بعد الحفلة ، فقال له الشرطي :هذي القضايا تعتبر مدنية وما فيها الا تحقيق وتسجيل الواقعة والإفادات ورفعها للقضاء ، المرة الآولى كانت شغلة سياسية بتمس بالأمن وبتسيء للحكومة ، ما فيها يمه ارحميني ، واوعك تفكر تعيدها ، بتروح بستين داهية وما حدا بسمي عليك ولا برحمك. وأكمل الشرطي "كان بإمكان رئيس المخفر أن يحولها قضية أمنية لأنكم سكرتم الطريق بالحجارة ، لكنه مقتنع من النوايا بعد التحقيق واخذ الإفادات وشرح الأسباب. والضابط الشاهد على الحادثة وصّى بعدم اعتبارها قضية أمنية شفقة عليكم وعلى أهاليكم. وبعدين انتو أحداث ما بلغتوا السن القانوني ، بدكم توجيه وتوعية بعواقب أعمالكم الصبيانية ، والله رحمكم هالمرة ، احمدوا الله اليّ وقفت على هيك. ورفعت القضية الى القضاء في مدينة الخليل ، وتم تحويل الطلبة الى مراقبي السلوك والمرشدين الإجتماعيين لأنهم أحداثاً ولم يبلغوا سن الرشد. فأرسل القاضي خطاباً للمدرسة بأسماء الطلبة يفيد بأنه على كل طالب منهم مراجعة مرشده الإجتماعي المدون بجانب اسمه مرتين اسبوعياً لتلقي التوعية والنصح والإرشاد. وصار خليل وسليم ومن كان معهم يراجعون مراقبي السلوك في الخليل بانتظام. وتغير سلوك السائق ، وكف عن معاكسة آمنة والنظر المتعمد غير البريء اليها.
    وكان بعد الحادثة لقاءٌ في الكرم وهو على وشك الإقفار بين آمنة وخليل كالعادة ، وخلال اللقاء أخرج خليل من جيبه وعلى غير عادته سيجارة طويلة مختلفة عن الدخان السائد بين الناس وعلبة كبريت ، فاستغربت آمنة من تصرفه وقالت له مازحة : شو يا ابو الخل شايفك بتتن ، ومن متى انحرفت وتهاملت يا ولد؟ صحيح مهو إنت رئيس عصابة قطاع طرق ما بتلتام ، وبدك ثلاث مرشدين اجتماعيين وما بكفيك واحد ، وبعدين دخانك هذا ما في مثله في البلد كلها ، العز للرز يا عميّ ، والله أنا شايف الأمور متطورة معاك ، فرد عليها خليل : لا أبداً ، كنت بقسدر في الطريق الغربي نواحي الحدود مع اسرائيل ، وكنت يومها بدرس نصوص بصوت عالي ، ومنسجم عالأخير وبأشر بايدي كأني بلقي القصيدة قدام الناس في حفلة ، وشفت لاند Jeep أبيض مكتوب عليه بالإنجليزي UN ، ولما صار على سواي وقف وصار يناظرني ويضحك ، فإذا به الوسيط الدولي لمراقبة وقف اطلاق النار على خط الهدنة ، وكأن النار والحرب لا تهدأ، فسألته آمنة "ايش يعني UN ، فقال لها " بصراحة سألت الوسيط وخجلت من نفسي لما جاوبني وعرفت معناها ، إنها بالإنجليزية اختصار ل United Nations يعني بالعربي الأمم المتحدة اليّ خربت بيتنا. فطلبت منه أن يكمل حديثه فاستطرد وقال : وركبني معاه بالسيارة ، وصرنا ندردش بالإنجليزي وهو ماشي على مهله بالسيارة وكأنه كان زهقان وبدو يتسلى ، ومحسوبك ما فوَّت الفرصة ، وحكينا عن القضية الفلسطينية ، وشرحت للوسيط عن الشتات الفلسطيني وكيف تهجروا أهل فلسطين من ديارهم وضربت إلو المثل من شتات قرايبك ، وطبعاً كنت بلطش تلطيش باللغة الإنجليزية على قد الحال. بس هو كان يفهم عليّ وكان يهز راسه ، وبعدين طال سيجارة من شان يدخن ، وعزم علي وأخذت سيجارة ودخنتها ، ولما وصلنا الحدود سحب بكيت دخان من جيبة السيارة وأعطاني ايّاه ، ونزلني وظل رايح جوّى وقطع الحدود ودخل على اسرائيل. ومن يومها وأنا بدخن بالتقسيط ، كل يوم سيجارة ، ولسه ظايل تسع سجاير ، وشفت حالي مبسوط على الدخان وبصراحة الواحد بتفشش بالدخان ، وفهمت ليش شعبنا معظمه مدخن ، شو رأيك تجربي سيجارة. فقالت له : مش غلط وليش ما أجرب ، طيب أرمِ سيجارة والكبريتة لنشوف ونجرب. وولعت آمنة السيجارة بصعوبة من لفح الهواء ، وكانت تنفث الدخان وتكحكح وعيناها دامعتين ، وتحداها خليل وطلب منها أن تخرج الدخان من أنفها ، ففعلت وكان ذلك مصحوباً بالعطس والدموع مع ضحكات من خليل. فقال لها " بصراحة مش لابق لك التدخين" فردت عليه "ما شا الله عليك انت ، بدك خرزة زرقا يا فالح ، وكمان إنت ما بتعرف تدخن ، بتعفط تعفيط ، أي عميت عيوني وانت بتنفخ بالهوا وكله برجع عليّ يا ناصح ، تعال وشوف بابا كيف بدخن وشوف ماما كيف بتأرقل". وحانت ساعة الفراق الذي لن يكون متبوعاً بلقاءٍ قريب ، فحدق خليل في عينيها مودعاً ، وانكسر الضوء الصادر من عينيها في مياه ش*********ء بحر عينيه الأبيض الواسع متجهاً الى الأرض خجلاً وحياءً ، وهمست وأشعة عينيها الى الأرض وكانت ترمقه بأطراف عينيها العليا وقالت له "وداعاً لقد حان وقت العودة للبيت" ، وأدارت بظهرها وأسرعت بخطاها متوجهة الى البيت ، تدفع عن نفسها لواعج الفراق وندرة الوصال في شتاءٍ طويل قادمٍ يزحف نحوهما ، ملبّدٍ بالغيوم ومفعمٍ بالبرد والمطر والثلج ، وصاخبٍ بالبرق والرعد وحفيف الرياح وهدير العواصف ، يستفز مشاعر الإكتئاب أحياناً قليلة لكبحه جماح النفوس المتحفزة للحرية والإنطلاق ، ويثير مشاعر الفرح والسرور واللهو بالثلج والمشي تحت المطر ، ويبشر بقدوم رييع جميل يبهج النفس المكتئبة ، ولكنه في نفس الوقت يخفق بحنان الأهل وهم مجتمعون وملتفون حول كوانين النار يتسامرون ويشيع مشاعر المحبة والمودة والرحمة التي فترت بفصلي الصيف والخريف لانشغال الأسرة عن الإجتماع والإلتفاف حول مواقد النيران والتي تشترك مع العواطف والمشاعر والأحاسيس الإنسانية الفطرية في إثارة الدفء والرحمة والمودة في روابط القربى والجوار والصداقة وتثير مشاعر الشوق والحنان في روابط الحب والغرام لانقطاع الوصال.

    يتبع الجزء الرابع عشر

    بقلم أحمد ابراهيم الحاج
    28/10/2009م
    أحمد ابراهيم الحاج
    أحمد ابراهيم الحاج

    {{ كبار الشخصيات }}


    {{ كبار الشخصيات }}


    الجنس : ذكر
    البرج : الحمل
    عدد المشاركات : 231
    العمر : 72
    البلد : فلسطين - خاراس
    نقاط النشاط : 204
    الاعجاب : 4
    الدوله : فلسطين

    آمنة  و خليل/الجزء الثالث عشر Empty رد: آمنة و خليل/الجزء الثالث عشر

    مُساهمة من طرف أحمد ابراهيم الحاج الثلاثاء 8 مارس 2011 - 13:43

    تم إضافة الجزء الثاني عشر مرتين بطريق الخطأفعذراً لذلك
    اياد النمراوي
    اياد النمراوي

    { مشرف }


    آمنة  و خليل/الجزء الثالث عشر Stars15


    الجنس : ذكر
    البرج : الجدي
    عدد المشاركات : 2028
    العمر : 46
    البلد : الاردن
    نقاط النشاط : 982
    الاعجاب : 7
    المهنة : آمنة  و خليل/الجزء الثالث عشر Accoun10
    الدوله : فلسطين

    البطاقة الشخصية
    my sms:

    آمنة  و خليل/الجزء الثالث عشر Empty رد: آمنة و خليل/الجزء الثالث عشر

    مُساهمة من طرف اياد النمراوي الثلاثاء 8 مارس 2011 - 16:03

    مشكور للتوضيح وللجزء الثالث عشر

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة 22 نوفمبر 2024 - 12:39