الوعي (ضلع المثلث الثاني- الوتر)
الجزء السادس من مثلث (التعليم ، الثقافة ، الوعي)
دراسة تحليلية في عقم الحالة الفلسطينية والعربية يفضل طباعتها وقرائتها بتركيز وإمعان في وقت الإسترخاء................................................................................................................................
إن العلاقة بين قاعدة المثلث وأضلاعه (التعليم ، الثقافة ، الوعي( تشبه تماماً العلاقة بين مثلث (الزوج والزوجة والإبن(، فالوعي نتاج من تزاوج التعليم والثقافة ، فقد خلق الله آدم (الرجل) من تراب الأرض الذي يحتوي على المعادن والأتربة والأملاح ، ونفخ فيه من روحه فسواه بشراً ، والأرض هي القاعدة التي يعيش عليها الإنسان ، وحتى تغدق الأرض بحنانها على الإنسان لا بد من حرثها والتعب عليها لتجود بمكنوناتها من الخيرات ولتدر حناناً أكثر وعطاءً أغزر .لذلك كان الرجل (أرضي المنشأ) خشناً وقوي البنية كصفة سائدة، ولا بد من تحريك الحنان المختزن في داخله بفعل ميكانيكي قوي ومؤثر، لأن عقله يتغلب على عواطفه فالعواطف لديه صفة متنحية، ومن أجل إكمال النواقص في آدم خلق الله منه حواء زوجاً مكملاً له حيث خلقها من آدم بعد نفخ الروح فيه وبعد أن سواه الله بشراً من (اللحم والدم والعظم(، ففيها الرقة والعطف والحنان كصفة سائدة ولكنها لا تخلو من القوة بفعل العظم كصفة متنحية، لذلك كانت حواء رقيقة وادعة تتغلب عواطفها على عقلها. وكانت جميلةً وجذابة بصفاتها التي يفتقد اليها آدم ، ومثلت له نصفاً آخر وحضناً دافئاً شعر فيه بالسكن ، وحواء المرأة يستثار حنانها وعطفها بكل بساطة ويسر ، وآدم الرجل يمثل لها الحماية والمساندة والدعم ، وأوجد بينهما رابطة الحب التي من أعراضها (السكن ثم المودة ثم الرحمة) وذلك في صفقة متبادلة هي التزاوج، وهذه العلاقة مدفوعة بطاقة الغريزة الجنسية المتبادلة لتخفف من خشونة الرجل وتبعث في قلبه الجاذبية ولتكون الفعل الذي تستثير فيه الحنان ويحركه ويجذبه لها، ثم يتم تبادل المودة والرحمة في عملية تكامل بينهما في عش الزوجية من أجل حفظ الإستمرارية في الحياة الدنيا بتناسل الأجيال الى أن يأذن الله بالقيامة . فالحنان والرقة والعطف صفات قشرية سهلة الإستخراج والإستثارة وهي أصيلة بالمرأة بسبب منشئها الرقيق من الماء والدم ، ومتنحية وباطنية بالرجل تحتاج الى جهدٍ محفز للإستثارة بسبب منشئه الغليظ والخشن من التربة ، وتعتمد قوتها في الرجل على قوة مولد الطاقة الجنسية فيه والتي تكون في أوجها في بداية الزواج وريعان الشباب ، ومع العِشرة وإشباع الغريزة وإنجاب البنين يتم ترويضها وتمتين روابطها وتتحول الى حب ساكن هاديء لا تحركه النزوات والشطحات بدافع تلك الغريزة فتقل قوة الغريزة الضاغطة لحساب قوة المودة والرحمة المتصاعدة ، فأولويات المرأة في العلاقة الزوجية بالترتيب هي: القوامة أي الحماية والحنان والملاطفة والكلمة الطيبة والسكن والمودة والرحمة ، ويأتي الجنس في ذيل القائمة ولكنه أولوية وحق من حقوقها لا يمكن إهماله أو التغاضي عنه. أما أولويات الرجل فهي إثبات الفحولة بالجنس أولاً والذي يولد ويستثير الحنان والمودة والرحمة بطاقة الجاذبية الفطرية والشعور بالسكن. لذلك لم يكن الجنس مهماً للمرأة عند التفكير ببناء عش الزوجية بقدر أهميته للرجل ، وعموماً لم يكن خفوت الجنس عند المرأة في تقدم العمر ذا أهمية مقلقة ومحبطة كما هو الحال عند الرجل كما أكدت ذلك الأبحاث العلمية. ومن تزاوج آدم وحواء كان البنون ، والبنون زينة الحياة الدنيا واستمراريتها . وبالمقابل فإن التربية والتعليم قاعدة المثلث يجب أن تغوص أساساتها في أعماق وباطن الأرض لتكون متينة وقوية ولتستثير الحنان والرقة تجاه الثقافة ، ويجب أن تنطوي على تغليبٍ للعقل على العاطفة وتغليب للخشونة على الرقة ، وترجيح للجدية على الهزلية ، وبين التربية والتعليم والثقافة كانت رابطة الحب التي تولد المودة والرحمة (المنجزات) مدفوعة بطاقة الرغبة بالإستطلاع والإستكشاف بآلية التفكر والتدبر بالعقل وانتهاج طريق العلم بالقراءة والاستقراء والبحث. لهذا كان خلق الإنسان آية كبرى من آيات الله الدالة عليه حيث قال تعالى في كتابه العزيز (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون).
وكان الوعي بمثابة ثمرة هذا التزاوج الناجح والبناء بين التربية والتعليم والثقافة وزينتة وجاذبيته واستمراريته كما هو حال البنين في حياة الزوجين. والعلاقة الزوجية علاقة تكاملية تضامنية تشاركية تكافلية وليست علاقة خصومة وندية ، فكل المحاولات التي تجري لوضع الرجل في كفة والمرأة في كفة مقابلة لإحداث التوازن وبحجة المساواة بالحقوق والواجبات ستبوء بالفشل ، لأن الزواج بمثابة المشروع ، الرجل هو المموِّل والمتابع والمراقب والمستشار والمرأة هي المنفذ )المربية( أو الحاضنة والمستشارة، وشتان ما بين الوظيفتين وخصائصهما ، لأن العلاقة بينهما تكاملية للوصول الى هدف إنجاح المشروع وليست علاقة ندية ، فقد هيأ الله ادم )الرجل) عندما خلقه لأعباء القوامة والحماية فوهبه القوة والخشونة والقدرة على التحمل وعلى القيادة وغلّب فيه العقل على العاطفة ، وهيأ الله حواء(المرأة) عندما خلقها لتكون الحاضنة والمربية للبنين فوهبها الحنان والعطف والرقة والقدرة على العطاء وغلّب فيها العاطفة على العقل ، ولا يعني ذلك غياب للعقل على حساب العاطفة ، ولا يعني حصر كل منهما في شرنقة وظيفته الرئيسية والتقوقع في وصفه الوظيفي أو حرمانهما من حق ممارسة أعمال إضافية في عملية التطوير والبناء من مبدأ المشاركة والمسئولية التضامنية في بناء عش الزوجية /*/*/*نة متماسكة وصالحة في بناء المجتمع والأمة. وكذلك فإن العلاقة بين التربية والتعليم وبين الثقافة علاقة تكاملية ولا يمكن أن ينوب أي طرف عن الآخر أو يؤدي وظيفته الرئيسية ، فالتربية والتعليم مصدرانبعاث لإرادة جمع البيانات والمعلومات بكل الحواس الخمسة ومصدر تمويل ومصدر قوة تمد الثقافة بالطاقة والإشعاع ، والثقافة بسموها ورقتها وجمالها هي الحاضنة للوعي ملهم التنوير والتطوير ومحفز الإنتاج وباعث تطوير القوة للدفاع عن المنجزات ومُلهم إرادة الوقاية من الأخطار والكوارث. والذي هو نتاج لعلاقة التزاوج بين التربية والتعليم من جهة وبين الثقافة من جهة أخرى.
من هذه المقدمة نخلص الى المعادلة الكيماوية الرياضية التالية والناتجة عن تفاعل كيميائي:
(التربية والتعليم + الثقافة) = الوعي) شريطة أن يتم هذا التفاعل في بوتقة العقل ومحلول العلم بالبحث والتحليل والإستقراء والإستنباط والقياس والتجربة والخبرة.
وما هو تعريف الوعي؟ الوعي هو القدرة على ترجمة وتفسير وفهم الوقائع والأحداث في البيئة التي يعيش عليها الإنسان ، وهو الباعث على خلق الخطط الطارئة قصيرة الأجل للتعامل مع هذه الوقائع والأحداث بما يضمن سلامة الإنسان بوضع الآليات لدرء ضررها واستثمار نفعها. وكذلك القدرة على إبداع الخطط طويلة المدى وذلك لاستشعار الأخطار القادمة والمحتملة في المستقبل البعيد والتنبؤ بها ووضع الخطط الإستراتيجية للتعامل معها بما يضمن استمرارية الأجيال والمحافظة على المنجزات وذلك بتشغيل الآليات لدرء ضررها واستثمار نفعها. والوقائع والأحداث هنا ليست مقصورة على الوقائع والأحداث السياسية، بل على كل ما يجري من وقائع واحداث علمية وحياتية متعلقة بالبيئة بخيراتها وكوارثها وبالإنسان بخيره وشره. وآليات تحقيق الوعي هي استثمار العقل والموهبة في البحث والتحليل والإستقراء والإستنباط والإستكشاف والتجريب والصقل والتنبؤ والتخطيط للوقاية والإستمرار بتسارع متدرج منتظم للوصول الى التطوير والإنتاج بالعمل الدؤوب والجاد لتحقيق مصالح الأمة ورفعتها. وليس الوعي كلاماً انشائياً وخطابياً يصدر عن متفوه أو عن وسيلة إعلامية أو منبر خطابي في مؤتمر أو في دارٍ للعبادة دون ترجمة للقول بالفعل على الأرض. إذن فالوعي هو برنامج استثمار مُدعّمٌ بخطط وبآليات عمل وتواريخ استحقاق ، من أجل تحقيق منجزات واهداف في أوان استحقاقها التقديرية والوصول الى النجاح والإنتاج والتقدم والحفاظ على تسارع هذا التطور والتقدم بزخم متسارع تسارعاً يتناسب مع طاقات الأمة وقدراتها ومقوماتها لتجنب النكوص والإرتداد والهزيمة.
من المعادلة نستنتج ما يلي : تزاوج التربية والتعليم مع الثقافة ومعالجة (الكروموسومات للزوجين( أي بيانات التربية والتعليم والثقافة بالعقل وإعادة تحليلها وترتيبها بالمنطق والعلم ينتج عن هذا التزاوج الوعي الذي يستمد صفاته من التربية والتعليم والثقافة بالوراثة. والوعي هو جهاز الإنذار الذي ينبه الفرد أو الأمة للمخاطر الطارئة التي تحدق به أو بها في الحاضر والمخاطر التي قد تحل به أو بها في المستقبل ، ويصمت هذا الجهاز عن الرنين كلما كان الفرد أو كانت الأمة تسير على الطريق الصحيح.
وفي علم الرياضيات إن كانت لديك معادلة من طرفين ، وأردت أن تنقل أحد الحدود من طرف الى آخر فسوف تتغير إشارة الحد المنقول فإن كانت موجبة ستصبح سالبة وبالعكس لذلك فإنه من المعادلة الآولى التربية والتعليم +الثقافة = الوعي نشتق المعادلة التالية:
التربية والتعليم + الثقافة ناقصاً الوعي = صفر أي أن (قيمة التسارع في نهضة وتقدم الأمة تساوي صفراً. هذا لا يعني أنها الأمة قد ماتت ولا تقوى على الحركة، بل يعني أنها تدور في حلقة مفرغة ويعني ذلك الوصول الى حالة العقم وهو الزواج الذي لا ينجب البنين نتيجة لخلل عضوي بالزوج أو الزوجة أو كلاهما معاً) أي خلل بالتعليم والثقافة ويتم ذلك في غياب للعقل والمنطق(غياب العلم والعمل) وتغييب للعقل، وليس غياب العقيدة التي تحض على العلم والتفكر والعمل والسعي. أي أن الأمة استهلاكية وغير منتجة ، وهنالك خشية من تشرذمها وانقراضها كأمة ، واندثار ثقافتها ، وهي تراوح مكانها وتدور في حلقة مفرغة من الإنتاج والعلم ، وراضية بما هي فيه ، وغير طامحة في المنافسة ، وفاقدة للغيرة الخلاقة للمنافسة ، وغير راغبة في المشاركة في سباق الأمم المتقدمة عليها علمياً وبالتالي تتفوق عليها في كل الميادين ولا تستثمر الطاقة الناتجة عن الدوران. ولو عدنا الى نظرية فيثاغورس للمثلث قائم الزاوية والتي ثبتت بالتجربة والبرهان فهي تقول بأن:
"القاعدة تربيع + الضلع الأول تربيع = الوتر تربيع"
أي أن : مربع التربية والتعليم + مربع الثقافة = مربع الوعي. وهذه النظرية لا تصلح ولا تنطبق إلاّ على المثلث قائم الزاوية. وإن أفضل الأوضاع لهذا المثلث (التعليم، الثقافة ، الوعي( أن يكون قائم الزاوية أي أن تقوم الثقافة البناءة على قواعد التربية والتعليم القوية والمتينة والسليمة.
لماذا سُميّ الوتر في المثلث بهذا الإسم؟ الجواب لأنه شريطٌ أو سلك حساس جداً ورقيق رقة الوتر الموسيقي ويربط بين القاعدة الصلبة القوية والضلع الأول المتين لإكمال شكل المثلث ، وطرفيه مشدودين بين القاعدة والضلع الأول ، كالوتر في الربابة أو العود الموسيقي (الجيتار)، فكلما داعبته برقة وإحساس وبنظام مدروس وممنهج وبتناسق في حركات الإصابع يصدر عنه صوتاً موسيقيا مطرباً يدل على السعادة والرخاء والتقدم والرفاهية، وإن ضغطت عليه بعشوائية غير مدروسة وغير منتظمة يصدر صوتا ًنشازاً ينذر بالخطر وبالضلالة عن الطريق الصحيح.
ومن نظرية فيثاغورس نستنتج أن قيمة الوتر (مقدار الوعي( يتناسب طردياً مع طول القاعدة(قوة وقيمة التربية والتعليم( ومع طول الضلع الأول (قيمة الثقافة وجودتها)، والأمة التي تركز على سلامة وقوة ومتانة التربية والتعليم على أساس مدروس علمياً متماشياً مع الواقع وبعيداً عن الرومانسية والأحلام وتمد من طول قاعدة المثلث وتعمقها تحتاج الى جرعات قليلة من الثقافة المستوردة لتنتج الوعي الكافي للحفاظ على قوتها ومتانتها ومنعتها.
ولو طبقنا ذلك على الحالة الفلسطينية المستعصية على الحل لوجدنا أن هنالك عقماً في تزاوج التربية والتعليم مع الثقافة ، لذلك لم يتوج هذا التزاوج بجنين الوعي. وأن البحث عن الخلل والعلاج يجب أن يبدأ من القاعدة ألا وهي التربية والتعليم ومن ثم البحث عن الخلل في الثقافة ، وأعتقد أن الخلل يكمن في التربية بمقدار يفوق الخلل الذي يكمن في التعليم والثقافة. هنالك خلل في المحاور الثلاثة (التربية أولاً والتعليم ثانياً والثقافة ثالثا(. ولا بد من تفكيك التعليم الى شقيه(التربية + التعليم( وتحليل كل هذه الثغرات وتشخيصها للبحث عن العلاج المناسب والشافي لسدها.
الخلل التربوي : إن ظروف الشعب الفلسطيني منذ بوادر النكبة الى يومنا هذا فرضت عليه نظاماً تربوياً لاسويّاً (غير سوي) ، فالشعب الفلسطيني منذ سقوط االدولة العثمانية التي ورثتنا نظام الأغا والإقطاع ولغاية هذا التاريخ لم يهنأ بالإستقلال ، وغابت عنه الدولة والسلطة الذاتية المستقلة على أرضه ، فلم يعرف حكم المؤسسات ، وظل محكوماً بالقبلية والعشائرية والإقطاع العائلي الموالي للسلطة تحت مظلة نظامين عربيين سياسيين نقيضين ومختلفين في اسلوب الحكم والأيدلوجيا ، والقبلية رسخت فيه حب الذات الشخصية الضيقة في مجال الأسرة والحزب ذو الولاء الداخلي والولاء الخارجي بحثاً عن وطنٍ سليب ووطن مجروح ، وتفضيل الشخصنة على حب المصلحة العامة ، فسادت الثقافة الفردية الأنانية (الأنا) على الثقافة المجتمعية العمومية أو الأممية. وتأثر كثيراً بالتشرذم العربي والتناقضات العربية التي زادت الطيت بلة وعاثت بقضيته فساداً وعكست تناقضاتها على الساحة الفلسطينية واستخدمت الأنظمة العربية الفلسطينيين كمخالب في تصفية حسابات بينها وألصقت كل تهم التخريب والمصائب بالفلسطينيين، مما ألب قلوب الشعوب العربية عليهم. والشعب الفلسطيني بالشتات أخذ يبحث عن الذات لضياع الوطن الذي يعتبر المرجعية والضمانة والملاذ الأخير الدافيء في حالة الشعور بالإضطهاد والحنين للوطن ، لذلك رسخ الفلسطيني في ابنائه ضرورة الدفاع الشرس عن عرينه (مصدر رزقه) الذي يعتاش منه حتى لو كان الصراع فلسطينياً فلسطينياً والضحية فلسطينية.
كما عانى الشعب الفلسطيني من قهر الإحتلال ، وعانى من الذل والمهانة والفقر ولم يكن الفلسطيني قادراً على تربية أبنائه التربية السليمة لغياب الأمن الإجتماعي والأمن المهني والأمن الصحي والأمن المالي ، فأحدث ذلك خللاً لاإرادياً في التربية. وإن حالة الفلتان الأمني وممارسات الإحتلال التي تشجعها ، وتفشي البطالة والفقر المدقع وغياب أرباب الأسر بالإستشهاد والأسر كل هذه العوامل حدت من سيطرة الآباء على الأبناء وانفلت زمام التربية. كما أن انحصار مصادر الرزق في التنظيمات الحزبية والفصائلية ، اضطرته للإنخراط بدون نضوج فكري واقتناع بل بحثاً عن لقمة العيش وبذلك تورط في تنفيذ أحلام القيادات السياسية الباحثة عن السلطان في خداعٍ للمنتسبين بدافع الوطنية والمنتسبين المرتزقة. هذا إضافة الى عدم توفر المساكن النموذجية وخاصة بالمخيمات التي ينام فيها تحت سقف الغرفة الواحدة والوحيدة عدداً ربما يصل الى عشرة أفراد .كما أن الطفل الفلسطيني يفتقد لأدنى مقومات تنشئة الطفولة ، وبدلاً من أن يلعب ويلهو في طفولته أصبح مقاوماً بالحجر يحمل هماً أكبر منه وربما تفرغ لإعالة اسرته وبذلك اختزلت طفولته وأحدثت فيه نقصاً وخللاً نفسياً عندما شب وكبر ، والخوض في هذا الموضوع يطول ولكن هذه أسباب كافية لإحداث خلل كبير في التربية لكن هذا الخلل وبحكم المنطق يجب أن لا يكون مانعاً لاستثارة الوعي ولكن الحالة الفلسطينية تفتقد للمنطق والعدل ويغيب عنها الحق الإنساني.
الخلل التعليمي : هنالك خلل في المناهج الدراسية وخلل في طريقة التدريس التي تعتمد التلقين والحفظ على حساب الفهم والتجريب والتطبيق والتنوير والحث على البحث والإستقراء والإستكشاف ، وهنالك نقصٌ في حقول التدريب والتجريب والتطبيق لغياب الصناعة ومعامل وحقول الإنتاج في معظم الميادين ، وإن غياب التجريب والتطبيق يتسبب في تسرب التعليم من ذاكرة المتعلم لعدم الممارسة ويتحول المهندس الى مدرس للرياضيات ، والطبيب الى بائع للأدوية ، والكيميائي الى سياسي ...الخ. ولا يعمل الخريج في مجال تخصصه ، لغياب التخطيط الإستراتيجي لتنمية القوى العاملة وتوزيع الخريجين حسب الإحتياجات وفتح التخصصات الجامعية التطبيقية. لذلك فإن المناهج الدراسية الدنيا بالمدارس والعليا بالجامعات أكاديمية بحتة وتخرج كماً يفوق طاقة الأمة من المنظرين والأكاديميين والفلاسفة يصل الى درجة التضخم مما يسبب البطالة وعدم الجنوح الى الحرفة لحصول الخريج على شهادة جامعية وشعوره بالنقص إن عمل بحرفة يعتاش منها لغياب ثقافة المهنة والحرفة وسيادة ثقافة الوظيفة والمكتب الهندسي والعيادة الطبية وتشجيع الأسر عليها.
وقد خضع الشعب الفلسطيني لمنهاجين تعليميين مختلفين أنتجا ثقافتين مختلفتين على عموم المتعلمين ، المنهاج المصري في قطاع غزة والذي يعتمد التلقين والحفظ بنسبة أعلى والمنهاج الأردني بالضفة الغربية والذي يعتمد التلقين والحفظ بنسبة أقل ، ومن كان لا يفلح بالمنهاج الأردني يلجأ الى المنهاج المصري ليس بسبب الإختلاف في المناهج والمساقات ولكن لسهولة الأسئلة واعتمادها على الحفظ وعدم خروجها عن المنهاج ، وكلا المنهاجين غيبا التربية الوطنية الفلسطينية للفلسطينيين وركزا على التربية الوطنية للقطرين المختلفين بالأيدلوجيا والتبعية المحورية ، مع تميز المنهاج المصري على الأردني في هذه الناحية إبان الحقبة الناصرية ، ولم يضع الفلسطينيون منهاجاً خاصاً بهم رغم أن الخبراء الفلسطينيون وضعوا المناهج لدول عربية. وتأثر التعليم سلباً تحت الإحتلال ومداهماته واجتياحاته في ظل الفلتان الأمني والتناقض والإستقطاب الفصائلي ، وصار الطالب خائفاً ومشتتاً ومتمرداً على إدارة المدرسة ومدرسيها يحضر للمدرسة متى يشاء ويغيب متى يشاء وربما ينجح تحت الضغط بالسلاح. كما أن الكوادر الفلسطينية في منظومة التعليم تعاني من ضغط الحياة وقهر الإحتلال ، وضآلة الدخل ، ولا تتوفر الميزانية الكافية لتطوير المناهج وتحديثها لمجاراة التطور العلمي والتقني.
الخلل الثقافي: من كل ما تقدم لا بد من انعكاس ذلك على الثقافة الفلسطينية . هنالك متعلمون فلسطينيون رغم المصائب والنكبات والشتات وربما تأتي فلسطين في اولى المراتب تعليمياً مقارنة مع الدول العربية الأخرى. فقد كانت تتبوأ المركز الأول على العالم العربي في التعليم ومحو الأمية قبل الإنتفاضة الثانية وتقدمت عليها الكويت والإمارات بعد الإنتفاضة الثانية وربما تقدمت عليها دول أخرى بعد الإنقسام. وهنالك أيضاً مثقفون فلسطينيون في الداخل وفي الخارج ، ولكن الثقافة الفلسطينية ثقافة فردية تغني كل واحدة على ليلاها لا تجمعها مظلة واحدة ، وتفرقها الأيدلوجيات الحزبية والتنظيمية والإقليمية التي لا تجمع على مشروع وطني واحد موحد للجميع وتحتاج الى تكامل يلم شتاتها وتفاضل في ظل سلطة قوية منتخبة وحازمة في شأن المصلحة الوطنية وفي دولة ديمقراطية حرة مستقلة تعطي كل ذي حق حقه ، وتغلب المصلحة الوطنية على المصلحة الذاتية الضيقة سواء الشخصية أو الفصائلية أو الحزبية أو القبلية وتطبق مبدأ الثواب والعقاب بعدالة القانون. كما أن الفراغ الفكري وضحالة الثقافة وانعدام الوعي والسعي لإشباع طموحات الأنا التي هي صفة وراثية في الشعب الفلسطيني للأسباب التي ذكرناها آنفاً في هذا المقال يدفع الإنسان الى التطرف والتعصب الديني (مستغلاً تعلق الناس بالدين (وهم العامة) ، لا تعمقهم به (وهم النخبة المثقفة القليلة) ويسوقهم (العامة الدهماء وخاصة من ذوي العقول اليافعة) وراءه كالقطعان ليتمترس حول نصوص قرآنية وأحاديث نبوية محرفة عن مناسباتها ومواضعها ومقاصدها من أجل رفض الحوار والحلول الوسط واللجوء الى القتال والذي يسمونه الجهاد في سبيل الله واتخاذ الخصوم في الرأي من الأشقاء أعداءً يجب قتالهم وتصفيتهم بالطرق المحرمة وذلك بقتل النفس التي حرم الله الاّ بالحق.
نخلص الى نتيجة مفادها أن التزاوج بين التعليم والثقافة في فلسطين وفي معظم الأقطار العربية هو تزاوج عقيم لا يلد وعياً مجتمعياً أو اممياً متكاملاً ويفتقد الى التسارع ولا ينبه الأمة الى المخاطر التي تحدق بها ، وإن أنجب هذا التزاوج وعياً فسيكون جنيناً معاقاً وغير مكتمل النمو ، سيداهمه الموت عاجلاً أو آجلاً قصيراً وسيصدر نغمات تحذيرية غير مسموعة قبل موته ، وسيضيع صوت هذه النغمات التحذيرية في ضجيج النواح والبكاء على قلة الخلف والعقم والقعود دون البحث عن العلاج في حقول العلم وآفاقه الواسعة والتي ضاقت علينا وحدنا مع الأمم المتخلفة ، ولجأنا الى التخاريف والشعوذة والسحرة لعلاج عقمنا. بل أن هذا التزاوج قد يفقس أحياناً وعياً فردياً مشتتاً وعرضة للإجهاض والإفتراس بأيدٍ عدوة وأيدٍ صديقة وأيدٍ أخوية ذاتية ، ولا يلاقي صدى من المجموع ويضيع في لجة الغوغائية والدهماء. والحالة العربية ليست بأفضل من الحالة الفلسطينية لتداخل الحالتين مع بعضهما البعض وتبادل العدوى بالأمراض وانتقالها بين الحالتين.
ربما كان ذلك تفسيراً لاستعصاء الحالة الفلسطينية الراهنة الذي هو نتيجة وصورة عن الأوضاع العربية الراهنة ، وكذلك الحالة العربية الراكدة ، إنه ضياع ضلع الوعي من مثلث (التعليم ، الثقافة ، الوعي) وعدم اكتمال المثلث ، وعقم الزواج بين التربية والتعليم والثقافة الذي يحتاج لتشخيص الخلل والبحث عن اسباب العقم الذي يكمن في الزوجين وذلك للبحث ولاكتشاف العلاج بانتهاج طريق العلم والمنطق دون اللجوء للسحر والسحرة والمشعوذين الدجالين والذين يتخذون الدين شعاراً لهم ولشعوذتهم وسحرهم للناس ويستغلون تعلق الناس بالدين دون تعمقهم به ، وهم الكثر في مجتمعاتنا العربية ، فمن يا ترى سيكمل هذا المثلث الناقص حتى لو كان بزاوية حادة أو منفرجة قابلة للتصحيح والتعديل والبناء والتطوير في المستقبل لنصل الى الموقع الذي اختاره الله لنا وهو الوسط ونصنع مثلثاً قائم الزاوية من الذهب (التعليم ، الثقافة ، الوعي) الذي لا يصدأ ولا يتغير لونه مهما اعتلاه من غبار تثيره العواصف العابرة للقارات والعواصف المحلية.
بقلم أحمد ابراهيم الحاج
22/4/20
الجزء السادس من مثلث (التعليم ، الثقافة ، الوعي)
دراسة تحليلية في عقم الحالة الفلسطينية والعربية يفضل طباعتها وقرائتها بتركيز وإمعان في وقت الإسترخاء................................................................................................................................
إن العلاقة بين قاعدة المثلث وأضلاعه (التعليم ، الثقافة ، الوعي( تشبه تماماً العلاقة بين مثلث (الزوج والزوجة والإبن(، فالوعي نتاج من تزاوج التعليم والثقافة ، فقد خلق الله آدم (الرجل) من تراب الأرض الذي يحتوي على المعادن والأتربة والأملاح ، ونفخ فيه من روحه فسواه بشراً ، والأرض هي القاعدة التي يعيش عليها الإنسان ، وحتى تغدق الأرض بحنانها على الإنسان لا بد من حرثها والتعب عليها لتجود بمكنوناتها من الخيرات ولتدر حناناً أكثر وعطاءً أغزر .لذلك كان الرجل (أرضي المنشأ) خشناً وقوي البنية كصفة سائدة، ولا بد من تحريك الحنان المختزن في داخله بفعل ميكانيكي قوي ومؤثر، لأن عقله يتغلب على عواطفه فالعواطف لديه صفة متنحية، ومن أجل إكمال النواقص في آدم خلق الله منه حواء زوجاً مكملاً له حيث خلقها من آدم بعد نفخ الروح فيه وبعد أن سواه الله بشراً من (اللحم والدم والعظم(، ففيها الرقة والعطف والحنان كصفة سائدة ولكنها لا تخلو من القوة بفعل العظم كصفة متنحية، لذلك كانت حواء رقيقة وادعة تتغلب عواطفها على عقلها. وكانت جميلةً وجذابة بصفاتها التي يفتقد اليها آدم ، ومثلت له نصفاً آخر وحضناً دافئاً شعر فيه بالسكن ، وحواء المرأة يستثار حنانها وعطفها بكل بساطة ويسر ، وآدم الرجل يمثل لها الحماية والمساندة والدعم ، وأوجد بينهما رابطة الحب التي من أعراضها (السكن ثم المودة ثم الرحمة) وذلك في صفقة متبادلة هي التزاوج، وهذه العلاقة مدفوعة بطاقة الغريزة الجنسية المتبادلة لتخفف من خشونة الرجل وتبعث في قلبه الجاذبية ولتكون الفعل الذي تستثير فيه الحنان ويحركه ويجذبه لها، ثم يتم تبادل المودة والرحمة في عملية تكامل بينهما في عش الزوجية من أجل حفظ الإستمرارية في الحياة الدنيا بتناسل الأجيال الى أن يأذن الله بالقيامة . فالحنان والرقة والعطف صفات قشرية سهلة الإستخراج والإستثارة وهي أصيلة بالمرأة بسبب منشئها الرقيق من الماء والدم ، ومتنحية وباطنية بالرجل تحتاج الى جهدٍ محفز للإستثارة بسبب منشئه الغليظ والخشن من التربة ، وتعتمد قوتها في الرجل على قوة مولد الطاقة الجنسية فيه والتي تكون في أوجها في بداية الزواج وريعان الشباب ، ومع العِشرة وإشباع الغريزة وإنجاب البنين يتم ترويضها وتمتين روابطها وتتحول الى حب ساكن هاديء لا تحركه النزوات والشطحات بدافع تلك الغريزة فتقل قوة الغريزة الضاغطة لحساب قوة المودة والرحمة المتصاعدة ، فأولويات المرأة في العلاقة الزوجية بالترتيب هي: القوامة أي الحماية والحنان والملاطفة والكلمة الطيبة والسكن والمودة والرحمة ، ويأتي الجنس في ذيل القائمة ولكنه أولوية وحق من حقوقها لا يمكن إهماله أو التغاضي عنه. أما أولويات الرجل فهي إثبات الفحولة بالجنس أولاً والذي يولد ويستثير الحنان والمودة والرحمة بطاقة الجاذبية الفطرية والشعور بالسكن. لذلك لم يكن الجنس مهماً للمرأة عند التفكير ببناء عش الزوجية بقدر أهميته للرجل ، وعموماً لم يكن خفوت الجنس عند المرأة في تقدم العمر ذا أهمية مقلقة ومحبطة كما هو الحال عند الرجل كما أكدت ذلك الأبحاث العلمية. ومن تزاوج آدم وحواء كان البنون ، والبنون زينة الحياة الدنيا واستمراريتها . وبالمقابل فإن التربية والتعليم قاعدة المثلث يجب أن تغوص أساساتها في أعماق وباطن الأرض لتكون متينة وقوية ولتستثير الحنان والرقة تجاه الثقافة ، ويجب أن تنطوي على تغليبٍ للعقل على العاطفة وتغليب للخشونة على الرقة ، وترجيح للجدية على الهزلية ، وبين التربية والتعليم والثقافة كانت رابطة الحب التي تولد المودة والرحمة (المنجزات) مدفوعة بطاقة الرغبة بالإستطلاع والإستكشاف بآلية التفكر والتدبر بالعقل وانتهاج طريق العلم بالقراءة والاستقراء والبحث. لهذا كان خلق الإنسان آية كبرى من آيات الله الدالة عليه حيث قال تعالى في كتابه العزيز (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون).
وكان الوعي بمثابة ثمرة هذا التزاوج الناجح والبناء بين التربية والتعليم والثقافة وزينتة وجاذبيته واستمراريته كما هو حال البنين في حياة الزوجين. والعلاقة الزوجية علاقة تكاملية تضامنية تشاركية تكافلية وليست علاقة خصومة وندية ، فكل المحاولات التي تجري لوضع الرجل في كفة والمرأة في كفة مقابلة لإحداث التوازن وبحجة المساواة بالحقوق والواجبات ستبوء بالفشل ، لأن الزواج بمثابة المشروع ، الرجل هو المموِّل والمتابع والمراقب والمستشار والمرأة هي المنفذ )المربية( أو الحاضنة والمستشارة، وشتان ما بين الوظيفتين وخصائصهما ، لأن العلاقة بينهما تكاملية للوصول الى هدف إنجاح المشروع وليست علاقة ندية ، فقد هيأ الله ادم )الرجل) عندما خلقه لأعباء القوامة والحماية فوهبه القوة والخشونة والقدرة على التحمل وعلى القيادة وغلّب فيه العقل على العاطفة ، وهيأ الله حواء(المرأة) عندما خلقها لتكون الحاضنة والمربية للبنين فوهبها الحنان والعطف والرقة والقدرة على العطاء وغلّب فيها العاطفة على العقل ، ولا يعني ذلك غياب للعقل على حساب العاطفة ، ولا يعني حصر كل منهما في شرنقة وظيفته الرئيسية والتقوقع في وصفه الوظيفي أو حرمانهما من حق ممارسة أعمال إضافية في عملية التطوير والبناء من مبدأ المشاركة والمسئولية التضامنية في بناء عش الزوجية /*/*/*نة متماسكة وصالحة في بناء المجتمع والأمة. وكذلك فإن العلاقة بين التربية والتعليم وبين الثقافة علاقة تكاملية ولا يمكن أن ينوب أي طرف عن الآخر أو يؤدي وظيفته الرئيسية ، فالتربية والتعليم مصدرانبعاث لإرادة جمع البيانات والمعلومات بكل الحواس الخمسة ومصدر تمويل ومصدر قوة تمد الثقافة بالطاقة والإشعاع ، والثقافة بسموها ورقتها وجمالها هي الحاضنة للوعي ملهم التنوير والتطوير ومحفز الإنتاج وباعث تطوير القوة للدفاع عن المنجزات ومُلهم إرادة الوقاية من الأخطار والكوارث. والذي هو نتاج لعلاقة التزاوج بين التربية والتعليم من جهة وبين الثقافة من جهة أخرى.
من هذه المقدمة نخلص الى المعادلة الكيماوية الرياضية التالية والناتجة عن تفاعل كيميائي:
(التربية والتعليم + الثقافة) = الوعي) شريطة أن يتم هذا التفاعل في بوتقة العقل ومحلول العلم بالبحث والتحليل والإستقراء والإستنباط والقياس والتجربة والخبرة.
وما هو تعريف الوعي؟ الوعي هو القدرة على ترجمة وتفسير وفهم الوقائع والأحداث في البيئة التي يعيش عليها الإنسان ، وهو الباعث على خلق الخطط الطارئة قصيرة الأجل للتعامل مع هذه الوقائع والأحداث بما يضمن سلامة الإنسان بوضع الآليات لدرء ضررها واستثمار نفعها. وكذلك القدرة على إبداع الخطط طويلة المدى وذلك لاستشعار الأخطار القادمة والمحتملة في المستقبل البعيد والتنبؤ بها ووضع الخطط الإستراتيجية للتعامل معها بما يضمن استمرارية الأجيال والمحافظة على المنجزات وذلك بتشغيل الآليات لدرء ضررها واستثمار نفعها. والوقائع والأحداث هنا ليست مقصورة على الوقائع والأحداث السياسية، بل على كل ما يجري من وقائع واحداث علمية وحياتية متعلقة بالبيئة بخيراتها وكوارثها وبالإنسان بخيره وشره. وآليات تحقيق الوعي هي استثمار العقل والموهبة في البحث والتحليل والإستقراء والإستنباط والإستكشاف والتجريب والصقل والتنبؤ والتخطيط للوقاية والإستمرار بتسارع متدرج منتظم للوصول الى التطوير والإنتاج بالعمل الدؤوب والجاد لتحقيق مصالح الأمة ورفعتها. وليس الوعي كلاماً انشائياً وخطابياً يصدر عن متفوه أو عن وسيلة إعلامية أو منبر خطابي في مؤتمر أو في دارٍ للعبادة دون ترجمة للقول بالفعل على الأرض. إذن فالوعي هو برنامج استثمار مُدعّمٌ بخطط وبآليات عمل وتواريخ استحقاق ، من أجل تحقيق منجزات واهداف في أوان استحقاقها التقديرية والوصول الى النجاح والإنتاج والتقدم والحفاظ على تسارع هذا التطور والتقدم بزخم متسارع تسارعاً يتناسب مع طاقات الأمة وقدراتها ومقوماتها لتجنب النكوص والإرتداد والهزيمة.
من المعادلة نستنتج ما يلي : تزاوج التربية والتعليم مع الثقافة ومعالجة (الكروموسومات للزوجين( أي بيانات التربية والتعليم والثقافة بالعقل وإعادة تحليلها وترتيبها بالمنطق والعلم ينتج عن هذا التزاوج الوعي الذي يستمد صفاته من التربية والتعليم والثقافة بالوراثة. والوعي هو جهاز الإنذار الذي ينبه الفرد أو الأمة للمخاطر الطارئة التي تحدق به أو بها في الحاضر والمخاطر التي قد تحل به أو بها في المستقبل ، ويصمت هذا الجهاز عن الرنين كلما كان الفرد أو كانت الأمة تسير على الطريق الصحيح.
وفي علم الرياضيات إن كانت لديك معادلة من طرفين ، وأردت أن تنقل أحد الحدود من طرف الى آخر فسوف تتغير إشارة الحد المنقول فإن كانت موجبة ستصبح سالبة وبالعكس لذلك فإنه من المعادلة الآولى التربية والتعليم +الثقافة = الوعي نشتق المعادلة التالية:
التربية والتعليم + الثقافة ناقصاً الوعي = صفر أي أن (قيمة التسارع في نهضة وتقدم الأمة تساوي صفراً. هذا لا يعني أنها الأمة قد ماتت ولا تقوى على الحركة، بل يعني أنها تدور في حلقة مفرغة ويعني ذلك الوصول الى حالة العقم وهو الزواج الذي لا ينجب البنين نتيجة لخلل عضوي بالزوج أو الزوجة أو كلاهما معاً) أي خلل بالتعليم والثقافة ويتم ذلك في غياب للعقل والمنطق(غياب العلم والعمل) وتغييب للعقل، وليس غياب العقيدة التي تحض على العلم والتفكر والعمل والسعي. أي أن الأمة استهلاكية وغير منتجة ، وهنالك خشية من تشرذمها وانقراضها كأمة ، واندثار ثقافتها ، وهي تراوح مكانها وتدور في حلقة مفرغة من الإنتاج والعلم ، وراضية بما هي فيه ، وغير طامحة في المنافسة ، وفاقدة للغيرة الخلاقة للمنافسة ، وغير راغبة في المشاركة في سباق الأمم المتقدمة عليها علمياً وبالتالي تتفوق عليها في كل الميادين ولا تستثمر الطاقة الناتجة عن الدوران. ولو عدنا الى نظرية فيثاغورس للمثلث قائم الزاوية والتي ثبتت بالتجربة والبرهان فهي تقول بأن:
"القاعدة تربيع + الضلع الأول تربيع = الوتر تربيع"
أي أن : مربع التربية والتعليم + مربع الثقافة = مربع الوعي. وهذه النظرية لا تصلح ولا تنطبق إلاّ على المثلث قائم الزاوية. وإن أفضل الأوضاع لهذا المثلث (التعليم، الثقافة ، الوعي( أن يكون قائم الزاوية أي أن تقوم الثقافة البناءة على قواعد التربية والتعليم القوية والمتينة والسليمة.
لماذا سُميّ الوتر في المثلث بهذا الإسم؟ الجواب لأنه شريطٌ أو سلك حساس جداً ورقيق رقة الوتر الموسيقي ويربط بين القاعدة الصلبة القوية والضلع الأول المتين لإكمال شكل المثلث ، وطرفيه مشدودين بين القاعدة والضلع الأول ، كالوتر في الربابة أو العود الموسيقي (الجيتار)، فكلما داعبته برقة وإحساس وبنظام مدروس وممنهج وبتناسق في حركات الإصابع يصدر عنه صوتاً موسيقيا مطرباً يدل على السعادة والرخاء والتقدم والرفاهية، وإن ضغطت عليه بعشوائية غير مدروسة وغير منتظمة يصدر صوتا ًنشازاً ينذر بالخطر وبالضلالة عن الطريق الصحيح.
ومن نظرية فيثاغورس نستنتج أن قيمة الوتر (مقدار الوعي( يتناسب طردياً مع طول القاعدة(قوة وقيمة التربية والتعليم( ومع طول الضلع الأول (قيمة الثقافة وجودتها)، والأمة التي تركز على سلامة وقوة ومتانة التربية والتعليم على أساس مدروس علمياً متماشياً مع الواقع وبعيداً عن الرومانسية والأحلام وتمد من طول قاعدة المثلث وتعمقها تحتاج الى جرعات قليلة من الثقافة المستوردة لتنتج الوعي الكافي للحفاظ على قوتها ومتانتها ومنعتها.
ولو طبقنا ذلك على الحالة الفلسطينية المستعصية على الحل لوجدنا أن هنالك عقماً في تزاوج التربية والتعليم مع الثقافة ، لذلك لم يتوج هذا التزاوج بجنين الوعي. وأن البحث عن الخلل والعلاج يجب أن يبدأ من القاعدة ألا وهي التربية والتعليم ومن ثم البحث عن الخلل في الثقافة ، وأعتقد أن الخلل يكمن في التربية بمقدار يفوق الخلل الذي يكمن في التعليم والثقافة. هنالك خلل في المحاور الثلاثة (التربية أولاً والتعليم ثانياً والثقافة ثالثا(. ولا بد من تفكيك التعليم الى شقيه(التربية + التعليم( وتحليل كل هذه الثغرات وتشخيصها للبحث عن العلاج المناسب والشافي لسدها.
الخلل التربوي : إن ظروف الشعب الفلسطيني منذ بوادر النكبة الى يومنا هذا فرضت عليه نظاماً تربوياً لاسويّاً (غير سوي) ، فالشعب الفلسطيني منذ سقوط االدولة العثمانية التي ورثتنا نظام الأغا والإقطاع ولغاية هذا التاريخ لم يهنأ بالإستقلال ، وغابت عنه الدولة والسلطة الذاتية المستقلة على أرضه ، فلم يعرف حكم المؤسسات ، وظل محكوماً بالقبلية والعشائرية والإقطاع العائلي الموالي للسلطة تحت مظلة نظامين عربيين سياسيين نقيضين ومختلفين في اسلوب الحكم والأيدلوجيا ، والقبلية رسخت فيه حب الذات الشخصية الضيقة في مجال الأسرة والحزب ذو الولاء الداخلي والولاء الخارجي بحثاً عن وطنٍ سليب ووطن مجروح ، وتفضيل الشخصنة على حب المصلحة العامة ، فسادت الثقافة الفردية الأنانية (الأنا) على الثقافة المجتمعية العمومية أو الأممية. وتأثر كثيراً بالتشرذم العربي والتناقضات العربية التي زادت الطيت بلة وعاثت بقضيته فساداً وعكست تناقضاتها على الساحة الفلسطينية واستخدمت الأنظمة العربية الفلسطينيين كمخالب في تصفية حسابات بينها وألصقت كل تهم التخريب والمصائب بالفلسطينيين، مما ألب قلوب الشعوب العربية عليهم. والشعب الفلسطيني بالشتات أخذ يبحث عن الذات لضياع الوطن الذي يعتبر المرجعية والضمانة والملاذ الأخير الدافيء في حالة الشعور بالإضطهاد والحنين للوطن ، لذلك رسخ الفلسطيني في ابنائه ضرورة الدفاع الشرس عن عرينه (مصدر رزقه) الذي يعتاش منه حتى لو كان الصراع فلسطينياً فلسطينياً والضحية فلسطينية.
كما عانى الشعب الفلسطيني من قهر الإحتلال ، وعانى من الذل والمهانة والفقر ولم يكن الفلسطيني قادراً على تربية أبنائه التربية السليمة لغياب الأمن الإجتماعي والأمن المهني والأمن الصحي والأمن المالي ، فأحدث ذلك خللاً لاإرادياً في التربية. وإن حالة الفلتان الأمني وممارسات الإحتلال التي تشجعها ، وتفشي البطالة والفقر المدقع وغياب أرباب الأسر بالإستشهاد والأسر كل هذه العوامل حدت من سيطرة الآباء على الأبناء وانفلت زمام التربية. كما أن انحصار مصادر الرزق في التنظيمات الحزبية والفصائلية ، اضطرته للإنخراط بدون نضوج فكري واقتناع بل بحثاً عن لقمة العيش وبذلك تورط في تنفيذ أحلام القيادات السياسية الباحثة عن السلطان في خداعٍ للمنتسبين بدافع الوطنية والمنتسبين المرتزقة. هذا إضافة الى عدم توفر المساكن النموذجية وخاصة بالمخيمات التي ينام فيها تحت سقف الغرفة الواحدة والوحيدة عدداً ربما يصل الى عشرة أفراد .كما أن الطفل الفلسطيني يفتقد لأدنى مقومات تنشئة الطفولة ، وبدلاً من أن يلعب ويلهو في طفولته أصبح مقاوماً بالحجر يحمل هماً أكبر منه وربما تفرغ لإعالة اسرته وبذلك اختزلت طفولته وأحدثت فيه نقصاً وخللاً نفسياً عندما شب وكبر ، والخوض في هذا الموضوع يطول ولكن هذه أسباب كافية لإحداث خلل كبير في التربية لكن هذا الخلل وبحكم المنطق يجب أن لا يكون مانعاً لاستثارة الوعي ولكن الحالة الفلسطينية تفتقد للمنطق والعدل ويغيب عنها الحق الإنساني.
الخلل التعليمي : هنالك خلل في المناهج الدراسية وخلل في طريقة التدريس التي تعتمد التلقين والحفظ على حساب الفهم والتجريب والتطبيق والتنوير والحث على البحث والإستقراء والإستكشاف ، وهنالك نقصٌ في حقول التدريب والتجريب والتطبيق لغياب الصناعة ومعامل وحقول الإنتاج في معظم الميادين ، وإن غياب التجريب والتطبيق يتسبب في تسرب التعليم من ذاكرة المتعلم لعدم الممارسة ويتحول المهندس الى مدرس للرياضيات ، والطبيب الى بائع للأدوية ، والكيميائي الى سياسي ...الخ. ولا يعمل الخريج في مجال تخصصه ، لغياب التخطيط الإستراتيجي لتنمية القوى العاملة وتوزيع الخريجين حسب الإحتياجات وفتح التخصصات الجامعية التطبيقية. لذلك فإن المناهج الدراسية الدنيا بالمدارس والعليا بالجامعات أكاديمية بحتة وتخرج كماً يفوق طاقة الأمة من المنظرين والأكاديميين والفلاسفة يصل الى درجة التضخم مما يسبب البطالة وعدم الجنوح الى الحرفة لحصول الخريج على شهادة جامعية وشعوره بالنقص إن عمل بحرفة يعتاش منها لغياب ثقافة المهنة والحرفة وسيادة ثقافة الوظيفة والمكتب الهندسي والعيادة الطبية وتشجيع الأسر عليها.
وقد خضع الشعب الفلسطيني لمنهاجين تعليميين مختلفين أنتجا ثقافتين مختلفتين على عموم المتعلمين ، المنهاج المصري في قطاع غزة والذي يعتمد التلقين والحفظ بنسبة أعلى والمنهاج الأردني بالضفة الغربية والذي يعتمد التلقين والحفظ بنسبة أقل ، ومن كان لا يفلح بالمنهاج الأردني يلجأ الى المنهاج المصري ليس بسبب الإختلاف في المناهج والمساقات ولكن لسهولة الأسئلة واعتمادها على الحفظ وعدم خروجها عن المنهاج ، وكلا المنهاجين غيبا التربية الوطنية الفلسطينية للفلسطينيين وركزا على التربية الوطنية للقطرين المختلفين بالأيدلوجيا والتبعية المحورية ، مع تميز المنهاج المصري على الأردني في هذه الناحية إبان الحقبة الناصرية ، ولم يضع الفلسطينيون منهاجاً خاصاً بهم رغم أن الخبراء الفلسطينيون وضعوا المناهج لدول عربية. وتأثر التعليم سلباً تحت الإحتلال ومداهماته واجتياحاته في ظل الفلتان الأمني والتناقض والإستقطاب الفصائلي ، وصار الطالب خائفاً ومشتتاً ومتمرداً على إدارة المدرسة ومدرسيها يحضر للمدرسة متى يشاء ويغيب متى يشاء وربما ينجح تحت الضغط بالسلاح. كما أن الكوادر الفلسطينية في منظومة التعليم تعاني من ضغط الحياة وقهر الإحتلال ، وضآلة الدخل ، ولا تتوفر الميزانية الكافية لتطوير المناهج وتحديثها لمجاراة التطور العلمي والتقني.
الخلل الثقافي: من كل ما تقدم لا بد من انعكاس ذلك على الثقافة الفلسطينية . هنالك متعلمون فلسطينيون رغم المصائب والنكبات والشتات وربما تأتي فلسطين في اولى المراتب تعليمياً مقارنة مع الدول العربية الأخرى. فقد كانت تتبوأ المركز الأول على العالم العربي في التعليم ومحو الأمية قبل الإنتفاضة الثانية وتقدمت عليها الكويت والإمارات بعد الإنتفاضة الثانية وربما تقدمت عليها دول أخرى بعد الإنقسام. وهنالك أيضاً مثقفون فلسطينيون في الداخل وفي الخارج ، ولكن الثقافة الفلسطينية ثقافة فردية تغني كل واحدة على ليلاها لا تجمعها مظلة واحدة ، وتفرقها الأيدلوجيات الحزبية والتنظيمية والإقليمية التي لا تجمع على مشروع وطني واحد موحد للجميع وتحتاج الى تكامل يلم شتاتها وتفاضل في ظل سلطة قوية منتخبة وحازمة في شأن المصلحة الوطنية وفي دولة ديمقراطية حرة مستقلة تعطي كل ذي حق حقه ، وتغلب المصلحة الوطنية على المصلحة الذاتية الضيقة سواء الشخصية أو الفصائلية أو الحزبية أو القبلية وتطبق مبدأ الثواب والعقاب بعدالة القانون. كما أن الفراغ الفكري وضحالة الثقافة وانعدام الوعي والسعي لإشباع طموحات الأنا التي هي صفة وراثية في الشعب الفلسطيني للأسباب التي ذكرناها آنفاً في هذا المقال يدفع الإنسان الى التطرف والتعصب الديني (مستغلاً تعلق الناس بالدين (وهم العامة) ، لا تعمقهم به (وهم النخبة المثقفة القليلة) ويسوقهم (العامة الدهماء وخاصة من ذوي العقول اليافعة) وراءه كالقطعان ليتمترس حول نصوص قرآنية وأحاديث نبوية محرفة عن مناسباتها ومواضعها ومقاصدها من أجل رفض الحوار والحلول الوسط واللجوء الى القتال والذي يسمونه الجهاد في سبيل الله واتخاذ الخصوم في الرأي من الأشقاء أعداءً يجب قتالهم وتصفيتهم بالطرق المحرمة وذلك بقتل النفس التي حرم الله الاّ بالحق.
نخلص الى نتيجة مفادها أن التزاوج بين التعليم والثقافة في فلسطين وفي معظم الأقطار العربية هو تزاوج عقيم لا يلد وعياً مجتمعياً أو اممياً متكاملاً ويفتقد الى التسارع ولا ينبه الأمة الى المخاطر التي تحدق بها ، وإن أنجب هذا التزاوج وعياً فسيكون جنيناً معاقاً وغير مكتمل النمو ، سيداهمه الموت عاجلاً أو آجلاً قصيراً وسيصدر نغمات تحذيرية غير مسموعة قبل موته ، وسيضيع صوت هذه النغمات التحذيرية في ضجيج النواح والبكاء على قلة الخلف والعقم والقعود دون البحث عن العلاج في حقول العلم وآفاقه الواسعة والتي ضاقت علينا وحدنا مع الأمم المتخلفة ، ولجأنا الى التخاريف والشعوذة والسحرة لعلاج عقمنا. بل أن هذا التزاوج قد يفقس أحياناً وعياً فردياً مشتتاً وعرضة للإجهاض والإفتراس بأيدٍ عدوة وأيدٍ صديقة وأيدٍ أخوية ذاتية ، ولا يلاقي صدى من المجموع ويضيع في لجة الغوغائية والدهماء. والحالة العربية ليست بأفضل من الحالة الفلسطينية لتداخل الحالتين مع بعضهما البعض وتبادل العدوى بالأمراض وانتقالها بين الحالتين.
ربما كان ذلك تفسيراً لاستعصاء الحالة الفلسطينية الراهنة الذي هو نتيجة وصورة عن الأوضاع العربية الراهنة ، وكذلك الحالة العربية الراكدة ، إنه ضياع ضلع الوعي من مثلث (التعليم ، الثقافة ، الوعي) وعدم اكتمال المثلث ، وعقم الزواج بين التربية والتعليم والثقافة الذي يحتاج لتشخيص الخلل والبحث عن اسباب العقم الذي يكمن في الزوجين وذلك للبحث ولاكتشاف العلاج بانتهاج طريق العلم والمنطق دون اللجوء للسحر والسحرة والمشعوذين الدجالين والذين يتخذون الدين شعاراً لهم ولشعوذتهم وسحرهم للناس ويستغلون تعلق الناس بالدين دون تعمقهم به ، وهم الكثر في مجتمعاتنا العربية ، فمن يا ترى سيكمل هذا المثلث الناقص حتى لو كان بزاوية حادة أو منفرجة قابلة للتصحيح والتعديل والبناء والتطوير في المستقبل لنصل الى الموقع الذي اختاره الله لنا وهو الوسط ونصنع مثلثاً قائم الزاوية من الذهب (التعليم ، الثقافة ، الوعي) الذي لا يصدأ ولا يتغير لونه مهما اعتلاه من غبار تثيره العواصف العابرة للقارات والعواصف المحلية.
بقلم أحمد ابراهيم الحاج
22/4/20
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 - 20:54 من طرف جنى ميرو
» صيانة سخانات في دبي 0543747022 emiratefix.com
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 - 19:53 من طرف جنى ميرو
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في عجمان 0543747022
السبت 16 نوفمبر 2024 - 23:43 من طرف جنى ميرو
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في عجمان 0543747022
السبت 16 نوفمبر 2024 - 23:11 من طرف جنى ميرو
» تصليح أفران في دبي 0543747022 emiratefix.com
السبت 16 نوفمبر 2024 - 22:15 من طرف جنى ميرو
» تصليح أفران في دبي 0543747022 emiratefix.com
السبت 16 نوفمبر 2024 - 22:11 من طرف جنى ميرو
» تصليح ثلاجات في دبي emiratefix.com 0543747022
السبت 16 نوفمبر 2024 - 0:11 من طرف جنى ميرو
» تصليح سخانات في دبي - 0543747022 (الشمسية و المركزية) emiratefix.com
الجمعة 15 نوفمبر 2024 - 20:33 من طرف جنى ميرو
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في الشارقة 0543747022
الأربعاء 13 نوفمبر 2024 - 21:30 من طرف جنى ميرو
» اداة ذكاء اصطناعي للباحثين وطلاب الدراسات العليا
الجمعة 26 أبريل 2024 - 11:23 من طرف Abd