بحث-الشعر بين الوعي والحصار

الشعر بين الوعي والحصار


يفهم الناس معنى أن يستغيث اليمين بالدولة ضدهم في مجالات سياسية اقتصادية، لكن ما لا يفهمونه بوضوح هو أن يتضافر اليمين والدولة معا، ضدا على بعض مظاهر النشاط الإنساني،وخاصة ما يكون منه قادرا على القيام باستبطان وعيوي للذات واللحظة الراهنة، ويأتي الشعر في نظرنا على رأس وسائل التعبير التي تستطيع ذلك، لكن ماذا تملك القصيدة ، أقصد القصيدة متعددة الأصوات والرؤى، في هذا الصراع ؟ إنها تملك، من حيث هي دعوة للتعدد وتحرير اللغة،وكل دعوة من هذا النوع هي ممارسة ضد الاستبداد في الرأي والتصور والصوت الواحد، أن تتجاوب باعتبارها وعيا، مع الممارسة الجادة والمسؤولة، من أجل خلق قوة تحقق التغيير،لكن كيف نستطيع أن نتأكد مما إذا كان لقصيدة ما تأثير مثل الذي ذكرنا ، وفعل في النفوس، أولاً. إذ لا يجب أن ننخدع ببعض مظاهر تجاوب، أو حماس آني يصاحب الإلقاء أو القراءة، سرعان ما ينطفئ، إنني أتساءل عن قدرة تسرب القصيدة إلى الأعماق، وعن مدى قدرتها أيضاً على خلخلة المألوف، وإحداث اهتزازٍ في قناعات قديمة، أوفي فهم مغلوط، من خلال ما تستطيع إضافته لوعي المستمع أو القارئ ، لا شك أني أتساءل الآن أيضا، عن مقدار صحة القول بأن القصيدة أو الشعر سلاح لا مرئي، الحقيقة أن القصيدة كشكل إيديولوجي، لا تتحقق وظيفتها إلا في حقل صراع ٍ يبلغ مداه حين تـُواجه ـ تلك القصيدة ـ بالمنع الذي لا يستطيع تحقيق هدفه البعيد، وهو منع نوعين من المعرفة والوعي الإنسانيين، ذلك أن كل منع هو تحريض على المتابعة، ووسام شرف يعلق على صدر شاعر مستهدف له، وحين يمنع شاعر أو مجموعة شعراء ، من الاتصال بالجمهور، لا يكون في ذلك مجرد اعتداء على حقوقهم كأشخاص، ( هذه الحقوق التي لا تقبل التفويت تـُسمى حريات شخصية وإنسانية، كلما مُست، فقد المجتمع صفته الإنسانية، لأنه أصبح يناقض الطبع والعقل فهو إذن باطل غبر شرعي) * وإذا كان هذا صحيحا من وجهة نظر القانون، فإن على هؤلاء الشعراء ، وعلى النقاد من ثمّ ، أن يستخلصوا من ذلك بضعة أجوبة عن أسئلة عديدة ومُرة ٍ، باتت تعذبهم ،و تقض مضاجعهم، منذ أزمان بعيدة، ذلك أن التواصل الذي استغرق أحاديث ،وكتابات كثيرة، وأمسى من الأسئلة الصعبة، التي تطرح نفسها على الشعراء ، وتجعلهم يواجهون خيارا صعبا، يوقفهم على طرفي نقيض، بين التخلي عن الفن والتوجه إلى الجمهور بما يفهم، أو تقديم الشكل على المضمون. وبدلا من أن يطرح الصراع الأدبي حول هذه المسألة، على أنه صراع حول الشكل، أصبح الكثيرون يجعلونه مطية ً للقدح في الشعراء ومواهبهم ،وقدراتهم، بل ومن أولئك الكثيرين ** ، من أعاد طرح مسألة التواصل، من خلال تقسيم الشعر المغربي ، إلى شعبيّ وشعر نخبة، متناسيا أن مشكلة التواصل ليست محلية، أو قومية، بل إنها من المشاكل المزمنة في النقد العالمي،وفي جميع الحالات يجب الاعتراف بصعوبة الأمر، وقد تعودنا أن نرى في كل للقاء شعريّ، فردي أو جماعي، بين الجمهور أصواتا تشكك في الشعر، وتعيد طرح السؤال القديم : لماذا يفضل الشعراء دائما أن يقولوا ما لا يفهم؟ والسؤال دال على جهل واضح بطبيعة اللغة في الشعر ، لكنه لم يكن على لسان من يلقيه في تلك المناسبات التي أشرت إليها، دليل براءة ، أو دعوة ، أو حرص على الفهم المتبادل والتواصل . ولكن قد يلقيه من ينزعج فيطعن في القصيدة، حتى كادت كل مناسبة للقراءة الشعرية تتحول إلى محاكمة للشعر والشاعر الذي يواجه الجمهور***، وكنا نواجه جمهورا يبحث عن المعرفة، يواجه بدوره قصائد تبتعد عن المباشرة، وتعتمد الإيحاء وتعدد القراءات، وتتمايز في أدواتها التي تقارب بها الواقع عن وسائل تعبيرية سائدة، وتحلق الأسئلة وتسف، وتضم القاعة مستويات متباينة من الجمهور ، لا ينفع معها قطعاُ خطاب نقدي من مستوى واحد، ويحتد النقاش، وتعلو الاتهامات، ويتلقى الشعراء كل ذلك بصدر رحب، فالممارسة تكشف الأخطاء وتصحح التجربة، والمحك مدرسة الشعب، إلا بالنسبة لمن يتمسك بالمطلق والنهائي ، ذلك الذي يتجاوز، ويصبح من اختصاصه التلويح بالتهم ، وإطلاق الشتائم في النقاش الأدبي وما أشبه.

ملاحظه:البحث في 5 صفحات

رابط تنزيل البحث مخفي.للمزيد ولتنزيل البحث ضع ردك لو سمحت ليظهر لك هنا






مع التحيه

الدكتور سليمان عطوان

مشكور