آمنة وخليل (الجزء التاسع)
........................................
رحل صيف عام 1960 م بحره وقيظه ، وانتهت ليالي السهر والسمر ، وعاد الفلاحون من التعزيبة بالكروم ، وبدأت تهب على البلاد رياح شرقية منذرة بقدوم فصل الخريف ، وصارت تطيح بأوراق الشجر المصفرة وتلقي بها على الأرض صريعة متهاوية ، واكتست الأرض بثوب أصفر تداعبه الرياح وتتقاذفه العواصف ، وأقفرت الكروم من الثمار ، في عملية تحضير لاستبدال جيل قديم أوفى بما عليه من واجبات بجيل جديد يانع ومتحفز لإكمال المسيرة والوفاء لسلفه وفي موعد استحقاقه بفصل الربيع. الا شجرة استثنائية استعصت على الرياح وعوامل المناخ ، وتمسكت بأوراقها وبخضرتها ، تقاوم الجفاف بامتدادها العميق في باطن الأرض ، وتأبى الخنوع والإستسلام بحثاً عن النصر والإنتصار على عوامل القهر والهزيمة ، ولتبعث الأمل في نفوس الناس ، ولتضرب لهم مثلاً في الصمود والتصدي والمقاومة والتمسك بالأرض ، ولتؤكد لهم أن مواسم الخير في بلادهم كالسلسلة الفولاذية التي لا تنقطع ، ولتبشرهم بحصاد شتوي وثمر يكاد ريعه يضيء لو لم يمسسه نور ، إنها شجرة الزيتون ، وما أكثرها في البلاد.
وعاد الطلاب لمدارسهم يلبسون لباساً واحداً موحداً ، منه القديم ومنه الجديد ومنه المرقع ، إنها بدلة الكاكي التي كان ثمنها يشكل عبئاً مادياً على الأهالي وخاصة للطلبة الجدد، وبدأت النساء تخيط لأبنائها الطلاب حقائب المدارس من قماش أكياس الطحين (من ماركة ممتاز والتي كانت تأتي مكتوباً عليها هدية مقدمة من الشعب الأمريكي وكانت أمريكا تهدي مقابل ذلك الأسلحة الحديثة لإسرائيل )، ومما تيسر من القماش من الأثواب القديمة ، وتوجه الطلبة الى الإسكافي لتفصيل كوشوكة يلبسونها في أرجلهم بدون جوارب لتقيهم من برد الشتاء. وازدحم محل الحلاق في ساحة البلد بالطلبة ليحلق لهم على الصفر بماكينته القديمة المثلمة ، وكانت دموعهم تنهمر على خدودهم من تخليع الشعر بتلك الماكينة البالية. وشعورهم تتطاير في ساحات القرية مع هواء الخريف على موعد مع أوراق الشجر المتساقطة ، وبدأت الأمهات توفر بيض الدجاج لشراء الأقلام والدفاتر والمحايات والمساطر لأبنائهن. ويقصقصن أظافر أبنائهن بمقص القماش المثلم. وكان معظم الطلاب يتوجهون للمدارس وهم لا يملكون الدخولية (رسوم المدارس) ، ويجمعها الأهالي قرشاً على قرش خلال العام الدراسي ليقوموا بتسديدها على مدار العام.
تنامى الى مسامع خليل أن الوزارة بصدد فتح الصف الأول ثانوي في بلدة ترقوميا ليكون لطلابها وطلاب القرى المجاورة ، فقدم طلباً للنقل من مدرسة حلحول الى مدرسة ترقوميا وحاز على الموافقة ، ولم تكن هنالك طريق مفتوحة للمركبات بين قريته وبلدة حلحول بالرغم من قصر المسافة بين القريتين الى ثلث المسافة بين قريته والخليل ، حيث سيضطر الى المشي يومياً للذهاب الى مدرسة حلحول. وكانت مناسبة سعيدة له ، حيث سيركب الباص المخصص لثلاثة قرىً وسوف يرى آمنة في صبيحة كل يوم وهي في طريقها الى مدرستها الثانوية بالخليل. وانطلق منبه الباص ليبدأ رحلته من قرية خليل ماراً بالقرى المشتركة بالباص في بداية العام الدراسي ، ولكنه لم ينتظر منبه الباص لينذر الركاب بقرب المسير ، فكان اول الحاضرين الى ساحة القرية التي تنطلق منها الرحلة ، وجلس بمقعد بوسط الباص لكي يتأمل حبيبته وهي قادمة بمريولها الأخضرالمخطط بخطوط بيضاء وشعرها الطويل المتهدل على لبانها ، ووجهها المشرق الذي كان يستبق شروق الشمس ، وكان يبدو عليه الإرهاق والتعب لقلة النوم ، فقد أصابه أرق طوال الليل لفرحته الغامرة برؤية الحبيبة وعودته للدراسة بمباركة والده. يسرقه الخيال الجميل من هدأة الكرى ومتعة النوم في ليالي الخريف الباردة في انتظار ما هو أجمل وأمتع ، إنه رؤية الحبيبة وهو في طريقه للمدرسة التي يحن اليها بعد الحرمان منها. وجلس على الشباك وفتحه بالرغم من برودة الطقس ، وكان يسترق النظر الى الطريق التي ستسلكها آمنة للحاق بالباص. وأخيراً لمحها من بعيد تمشي متهادية ونسمات الصباح العليل تداعب شعرها المتناثر على كتيفيها ، وعزم سائق الباص على المسير ، ونادى خليل بصوته الى سائق الباص يطلب اليه الإنتظار لقدوم ركاب ، وأسرعت آمنة بخطواتها وهي تشوح بيدها تطلب من السائق الإنتظار ، ولكن السائق كان مشغولاً باحتساء الشاي وتدوير الباص ، ولم ترق تدويرة الباص لخليل حيث صار في الجهة غير المطلة على آمنة وهو يرقب خطواتها المتسارعة ، فأعاد خليل نداءه لسائق الباص للتريث وانتقل الى الجهة المقابلة لطريق آمنة ، فرد عليه سائق الباص بصوته المتحشرج وهي يمسك بسيجارة الهيشي التي ينبعث منها دخان أسود يتلوى في طيات الباص ودهاليزه ، يجيبه بسماع ندائه ، ويخبره بأنه ينوي الدوران فقط استعداداً للإنطلاق مطلقاً تنبيهه الأخير للركاب. وأخيراً وصلت آمنة وامتطت درجات الباص بخفة كالغزالة الرشيقة تطل من مقدمة الباص ، وبدأ قلب خليل بالخفقان السريع وهو ينظر الى محياها الجميل ووجنتيها المحمرتين النافرتين في وسط خدودها القمحية كالهضاب في سهل مرج ابن عامر ، ولما صعدت بالباص من بابه الأمامي تحرك الباص معلناً عن بدء الرحلة الصباحية اليومية دون انتظارها لتجلس على الكرسي ، فأخذت آمنة تموج في مدخل الباص لقدمه ولسوء الطريق الذي لم يكن مزفلتاً بل مفروشاً بالحصمة ، وأمسكت بيدها في سقفه برشاقة وخفة ، وكاد خليل أن يقوم من مكانه للإمساك بها لولا تذكره صعوبة الموقف وحرجه لكليهما والذي ربما يكشف عن سر حبهما للناس ويسبب لها الأذى في قريته المحافظة . وبعثت بابتسامة خفية صوب خليل تحييه على استحياء وتستر ، واختارت مقعداً في الحهة المقابلة لمقعد خليل بجانب امرأة عجوز جالسة قبلها وذاهبة الى المدينة لكسوة عروس ابنها المقبل على الزواج ، وكانت العروس تجلس بجانب أمها في المقعد المقابل. فصكت والدة العريس وجهها استغراباً وتبرماً ، وزمت والدة العروس شفتيها استهجاناً وامتعاضاً ، وأخذت العجوز التي تجلس بجانبها بسحب مريولها لتغطية المكشوف من سيقانها وتقول لها "غطي على رجليك يا بنت ، لا حول ولا قوة بالله على هالصبح ، لا حيا ولا خجل". وتقبلت آمنة تصرف العجوز بروية وهدوء وسحبت فستانها ليغطي سيقانها لحدود الركبة. ,ولم تقتنع والدة العروس بذلك ، حيث لمحت العريس يدير برقبته وينظر الى ناحية آمنة ، فدبت الحمية بنفسها استجابة لمشاعر الغيرة في نفس ابنتها التي تتململ بجانبها متنهدة ومتأوهة . فاستلت من خريطة بجانبها منديلاً وأعطته لآمنة لتغطي سيقانها المكشوفة ، فتقبلت آمنة التصرف بروح رياضية وقامت بفرد المنديل على رجليها متفهمة تقاليد القرية المحافظة. وقالت لها والدة العروس بعصبية " مش تنسي تعطيني المنديل لمّا نصل المدينة".
وكان والدا العروسين يجلسان في مقدمة الباص مع بعض كبار السن في القرية يكحكحون ويتبادلون الأحاديث وهم يلفون سجائر الهيشي ، وكان العريس يجلس خلفهم بعيداً عن عروسته. وكانت آمنة حالة مستثناة من بنات ونساء القرية لا تلبس المنديل ولا تلبس بنطالاً تحت المريول. مما جعلها محط أنظار الحاضرين وربما عاصفة تثير غباراً من العجب والإستهجان والإستغراب في عيون كبار السن والرغبة في نفوس شباب ورجال القرية المتصابين. لكنها في داخلها كانت تحمل الخلق الرفيع والأدب القويم والحياء والجرأة والقوة والثقة بالنفس في مواجهة تلك الإنطباعات الساخرة والمستهجنة والمستغربة والنفوس الراغبة الطامحة للقرب منها. وفي نفس الوقت شعرت بالحرج والخجل لما أثارته من زوابع وقررت في نفسها أن تلبس بنطالاً في اليوم التالي احتراماً لتقاليد القرية ولمشاعر أهلها التي لا تتقبل ذلك ولتتجنب هذا الموقف المحرج. وشعر خليل بالغيرة الشديدة وتمنى لو أتيحت له الفرصة للحديث معها والطلب منها أن ترتدي بنطالاً تحت مريولها لتغطي سيقانها التي تثير الجدل والغضب في قرية محافظة وتشعل الرغبة في نفوس شباب القرية كاشتعال النار بالهشيم ، ولكنه أضمر ذلك في نفسه على أن يفضي به اليها فيما بعد وفي اسرع وقت ممكن لإطفاء نار الغيرة التي اتقدت في قلبه.
وصل الباص الى القرية الثانية المشتركة فيه ، وصعد ركاب جدد من القرية الثانية ، وما زال بالباص مقاعد فارغة تستوعب الجميع ، ولكن الشباب كانوا يقومون من مقدمة الباص ويعودون الى مؤخرته ليجلس كبارالسن في المقدمة وكانت النساء والبنات يجلسن في وسط الباص ، واستدعى ذلك الوضع رجوع خليل مكرهاً بجسده الى مؤخرة الباص وكانت عيناه مشدودتان باتجاه آمنة ، وكان عقله معلقاً في وسط الباص الذي تجلس فيه الحبيبة. وامتلأ الباص تقريباً بالركاب الى أن وصل القرية الثالثة حيث صعد ركاب جدد من الجنسين ، فقام الشباب وقوفاً بالباص ومنهم خليل لإجلاس النساء والشيوخ وكبار السن الى أن وصل الباص الى بلدة ترقوميا ، فتقدم خليل للأمام يشق جموع الشباب الواقفين في ردهة الباص بين صفي المقاعد ومتوجهاً الى سائق الباص في قمرة القيادة يطلب منه النزول على مثلث ترقوميا إذنا بيت اولى ، وكان قاصداً النزول الصعب من الأمام بدلاً من النزول السهل من الخلف لكي يلحظ آمنة وهو يغادر الباص قبل مضيه الى الخليل مكملاً رحلته الطويلة القصيرة والممتعة لنفس خليل. وقال له سائق الباص "مرة ثانية بتنزل من الخلف أسهل".
أمضى خليل يومه الدراسي الأول في التعارف بين الطلبة والمدرسين ، وتعاقب المدرسون بالدخول على الفصل ، وكان أول الداخلين استاذ اللغة العربية ، وعرفهم على نفسه وعلى بلدته المحتلة "المسمية" القريبة من الرملة ، وتجاذب الطلبة معه أطراف الحديث الى أن انتهى الأمر بهم الى الحديث عن القضية الفلسطينية بحذر شديد ، فقال لهم الأستاذ " إن فلسطين لن ولم تحرر الاّ بإقامة الخلافة الإسلامية على ارض المسلمين وتوحيدهم جميعاً تحت راية الإسلام ، وجمع كلمة كل المسلمين على قلب رجل واحد. وإن الوصول الى ذلك الأمر يتطلب التغيير والإصلاح من رأس الهرم الإسلامي (السلطة) وامتداد التغيير بعد ذلك الى قواعد الهرم (الشعب) بتطبيق مباديء الشريعة رغماً عنهم . وحينها سيكون التحرير سهلاً وقريباً إن شاء الله".
ودخل بعده استاذ الرياضيات وعرفهم على نفسه وعلى بلدته "دورا " قضاء الخليل ، وتطرق الحديث كذلك عن القضية الفلسطينية وقال لهم "إن فلسطين لن تحرر الاّ بإقامة الوحدة العربية ، ومقاتلة اليهود بجيش عربي موحد تحت راية العروبة بقيادة عربية واحدة ، وبوحدة القومية العربية من الخليج الى المحيط"
وبعد ذلك دخل مدرس التربية الدينية وعرفهم على نفسه وعلى مدينته "الخليل" وقال لهم بنفس الموضوع " إن فلسطين لن تحرر الاّ بإصلاح الأمة الإسلامية بدءاً من القاعدة (الشعب) وتغيير ما في نفوس الناس بداية من الأسرة ثم المجتمع مروراً بجسد الهرم وانتهاءً برأسه "السلطة الحاكمة" وإقامة الخلافة الإسلامية على كل الديار الإسلامية ، وليبدأ كل واحد فيكم بإصلاح نفسه وعائلته ، وأقاربه وعشيرته ، ولتكونوا دعاة للإصلاح والعودة الى الدين الإسلامي الذي أصبح غريباً في ديار المسلمين وبعد ذلك سيصبح التحرير تحصيل حاصل ". وكان هذا الأستاذ ملتحياً ويتكلم بانفتاح ودون خوف أو وجل بعكس الآخرين الذين تحدثوا بحذر شديد وكانوا يغلقون أبواب الفصل ويراقبون الممرات من شبابيك الفصل وهم يتحدثون الاّ هذا الأستاذ الذي ابقى الباب مفتوحاً على مصراعيه.
ثم دخل استاذ التاريخ والجغرافية ، وعرفهم على نفسه وعلى بلدته المحتلة والمشهورة بالمذبحة التي نفذها الصهاينة ضد أهل بلدته "دير ياسين" قضاء القدس وقال في نفس الموضوع " إن فلسطين لن تحرر الاّ بدماء أبنائها وأهلها ، وبدعم من أشقائنا العرب واخواننا المسلمين بالمال والسلاح لذلك يتطلب منا الجهد والعمل والمبادرة ، لنكون بمثابة رأس الحربة في معركة الأمة من أجل التحرير ، ولا يجب أن ننتظر المبادرة من الجيوش والشعوب العربية ، ويجب أن نقوم دوماً بتحريك قضيتنا من حالات الركود التي تعتريها ، وكما قال المثل (ما بحرث الأرض الاّ عجولها)" وشرح لهم عن المذبحة ومآسيها وضحاياها ومنهم جده وجدته.
وبعد ذلك دخل استاذ اللغة الإنجليزية وعرفهم على نفسه وعلى بلدته "بير زيت" قضاء رام الله ، وقال لهم بنفس الموضوع " إننا بحاجة الى قوى التحرر العالمية لمساندتنا في تحرير فلسطين ، وشرح لهم عن القوة العظمى التي تدعم قوى التحرر في العالم وسمو مبادئها وإخلاصها وعن الإشتراكية والعدالة والتنمية الإجتماعية ، وقال لهم نحن بحاجة الى قوة عظمى تساندنا لتقابل القوة العظمى لأمريكا الإمبريالية والغرب الاوروبي الذين يدعمون اسرائيل والصهيونية العالمية بدون قيد او شرط او مقابل ، ولن نستطيع تحرير فلسطين بدون مساندة الإتحاد السوفياتي وشرق اوروبا والصين ودعمهم لنا بتزويدنا بالسلاح والدعم السياسي ". وشرح لهم عن الثورة الفيتنامية والكوبية ونصحهم بالقراءة عن تشي غيفارا وفيدل كاسترو وعن الماركسية والإشتراكية وعن وماوتسي تونغ وضرورة الإستفادة من هذه الحركات التحررية.
ثم دخل استاذ العلوم (فيزياء وكيمياء وأحياء) وعرفهم على نفسه وعلى بلدته المحتلة "بيت جبرين" بقضاء الخليل وقال لهم بنفس الموضوع بعد تعرفه عليهم جيداً وهمس بصوت خافت " والله يا شباب ما بحرر فلسطين الاّ (ابو خالد) جمال عبد الناصر وصواريخ الظافر والقاهر اليّ رح تمسح اسرائيل مسح وترمي اليهود في البحر ، وإن شاء الله التحرير قريب وأبشروا فالعودة على الأبواب ".
وأخيراً دخل مدير المدرسة وأخبرهم أنهم بانتظار الكتب المستعملة لتصلهم من الخليل من الطلبة الذين سبقوهم وأنهوا الصف الأول ثانوي في مدرسة الحسين بن علي والمدرسة الإبراهيمية. وطلب ممن لديه الكتب القديمة (الثالث إعدادي) ولم يسلمها أن يقوم بتسليمها ، ولن يستلم كتب الأول ثانوي الاّ بعد تسليم كتب الثالث إعدادي لتسليمها لطلبة الثالث اعدادي ، كما شدد على ضرورة احضار الرسوم المدرسية في اقرب فرصة ، ولفت نظر الطلبة الذين لم يحضروا اليوم باللباس الكاكي الموحد أن لا يأتوا غداً الى المدرسة الاّ وهم يرتدونه.
أما آمنة فقد عادت الى القرية بكتبها ، وبقي خليل ينتظر عودة الباص الذي يؤوب بها الى القرية في رحلته الأخيرة لكي يراها دون أن يستطيع التحدث اليها سيما وقد عزت اللقاءات بينهما بعد إقفار الكروم والتزام البيوت في فصل الشتاء والذي بدا ثقيلاً على نفسيهما بطيئاً في دورانه.
يتبع الجزء العاشر
بقلم أحمد ابراهيم الحاج
29/9/2009م
........................................
رحل صيف عام 1960 م بحره وقيظه ، وانتهت ليالي السهر والسمر ، وعاد الفلاحون من التعزيبة بالكروم ، وبدأت تهب على البلاد رياح شرقية منذرة بقدوم فصل الخريف ، وصارت تطيح بأوراق الشجر المصفرة وتلقي بها على الأرض صريعة متهاوية ، واكتست الأرض بثوب أصفر تداعبه الرياح وتتقاذفه العواصف ، وأقفرت الكروم من الثمار ، في عملية تحضير لاستبدال جيل قديم أوفى بما عليه من واجبات بجيل جديد يانع ومتحفز لإكمال المسيرة والوفاء لسلفه وفي موعد استحقاقه بفصل الربيع. الا شجرة استثنائية استعصت على الرياح وعوامل المناخ ، وتمسكت بأوراقها وبخضرتها ، تقاوم الجفاف بامتدادها العميق في باطن الأرض ، وتأبى الخنوع والإستسلام بحثاً عن النصر والإنتصار على عوامل القهر والهزيمة ، ولتبعث الأمل في نفوس الناس ، ولتضرب لهم مثلاً في الصمود والتصدي والمقاومة والتمسك بالأرض ، ولتؤكد لهم أن مواسم الخير في بلادهم كالسلسلة الفولاذية التي لا تنقطع ، ولتبشرهم بحصاد شتوي وثمر يكاد ريعه يضيء لو لم يمسسه نور ، إنها شجرة الزيتون ، وما أكثرها في البلاد.
وعاد الطلاب لمدارسهم يلبسون لباساً واحداً موحداً ، منه القديم ومنه الجديد ومنه المرقع ، إنها بدلة الكاكي التي كان ثمنها يشكل عبئاً مادياً على الأهالي وخاصة للطلبة الجدد، وبدأت النساء تخيط لأبنائها الطلاب حقائب المدارس من قماش أكياس الطحين (من ماركة ممتاز والتي كانت تأتي مكتوباً عليها هدية مقدمة من الشعب الأمريكي وكانت أمريكا تهدي مقابل ذلك الأسلحة الحديثة لإسرائيل )، ومما تيسر من القماش من الأثواب القديمة ، وتوجه الطلبة الى الإسكافي لتفصيل كوشوكة يلبسونها في أرجلهم بدون جوارب لتقيهم من برد الشتاء. وازدحم محل الحلاق في ساحة البلد بالطلبة ليحلق لهم على الصفر بماكينته القديمة المثلمة ، وكانت دموعهم تنهمر على خدودهم من تخليع الشعر بتلك الماكينة البالية. وشعورهم تتطاير في ساحات القرية مع هواء الخريف على موعد مع أوراق الشجر المتساقطة ، وبدأت الأمهات توفر بيض الدجاج لشراء الأقلام والدفاتر والمحايات والمساطر لأبنائهن. ويقصقصن أظافر أبنائهن بمقص القماش المثلم. وكان معظم الطلاب يتوجهون للمدارس وهم لا يملكون الدخولية (رسوم المدارس) ، ويجمعها الأهالي قرشاً على قرش خلال العام الدراسي ليقوموا بتسديدها على مدار العام.
تنامى الى مسامع خليل أن الوزارة بصدد فتح الصف الأول ثانوي في بلدة ترقوميا ليكون لطلابها وطلاب القرى المجاورة ، فقدم طلباً للنقل من مدرسة حلحول الى مدرسة ترقوميا وحاز على الموافقة ، ولم تكن هنالك طريق مفتوحة للمركبات بين قريته وبلدة حلحول بالرغم من قصر المسافة بين القريتين الى ثلث المسافة بين قريته والخليل ، حيث سيضطر الى المشي يومياً للذهاب الى مدرسة حلحول. وكانت مناسبة سعيدة له ، حيث سيركب الباص المخصص لثلاثة قرىً وسوف يرى آمنة في صبيحة كل يوم وهي في طريقها الى مدرستها الثانوية بالخليل. وانطلق منبه الباص ليبدأ رحلته من قرية خليل ماراً بالقرى المشتركة بالباص في بداية العام الدراسي ، ولكنه لم ينتظر منبه الباص لينذر الركاب بقرب المسير ، فكان اول الحاضرين الى ساحة القرية التي تنطلق منها الرحلة ، وجلس بمقعد بوسط الباص لكي يتأمل حبيبته وهي قادمة بمريولها الأخضرالمخطط بخطوط بيضاء وشعرها الطويل المتهدل على لبانها ، ووجهها المشرق الذي كان يستبق شروق الشمس ، وكان يبدو عليه الإرهاق والتعب لقلة النوم ، فقد أصابه أرق طوال الليل لفرحته الغامرة برؤية الحبيبة وعودته للدراسة بمباركة والده. يسرقه الخيال الجميل من هدأة الكرى ومتعة النوم في ليالي الخريف الباردة في انتظار ما هو أجمل وأمتع ، إنه رؤية الحبيبة وهو في طريقه للمدرسة التي يحن اليها بعد الحرمان منها. وجلس على الشباك وفتحه بالرغم من برودة الطقس ، وكان يسترق النظر الى الطريق التي ستسلكها آمنة للحاق بالباص. وأخيراً لمحها من بعيد تمشي متهادية ونسمات الصباح العليل تداعب شعرها المتناثر على كتيفيها ، وعزم سائق الباص على المسير ، ونادى خليل بصوته الى سائق الباص يطلب اليه الإنتظار لقدوم ركاب ، وأسرعت آمنة بخطواتها وهي تشوح بيدها تطلب من السائق الإنتظار ، ولكن السائق كان مشغولاً باحتساء الشاي وتدوير الباص ، ولم ترق تدويرة الباص لخليل حيث صار في الجهة غير المطلة على آمنة وهو يرقب خطواتها المتسارعة ، فأعاد خليل نداءه لسائق الباص للتريث وانتقل الى الجهة المقابلة لطريق آمنة ، فرد عليه سائق الباص بصوته المتحشرج وهي يمسك بسيجارة الهيشي التي ينبعث منها دخان أسود يتلوى في طيات الباص ودهاليزه ، يجيبه بسماع ندائه ، ويخبره بأنه ينوي الدوران فقط استعداداً للإنطلاق مطلقاً تنبيهه الأخير للركاب. وأخيراً وصلت آمنة وامتطت درجات الباص بخفة كالغزالة الرشيقة تطل من مقدمة الباص ، وبدأ قلب خليل بالخفقان السريع وهو ينظر الى محياها الجميل ووجنتيها المحمرتين النافرتين في وسط خدودها القمحية كالهضاب في سهل مرج ابن عامر ، ولما صعدت بالباص من بابه الأمامي تحرك الباص معلناً عن بدء الرحلة الصباحية اليومية دون انتظارها لتجلس على الكرسي ، فأخذت آمنة تموج في مدخل الباص لقدمه ولسوء الطريق الذي لم يكن مزفلتاً بل مفروشاً بالحصمة ، وأمسكت بيدها في سقفه برشاقة وخفة ، وكاد خليل أن يقوم من مكانه للإمساك بها لولا تذكره صعوبة الموقف وحرجه لكليهما والذي ربما يكشف عن سر حبهما للناس ويسبب لها الأذى في قريته المحافظة . وبعثت بابتسامة خفية صوب خليل تحييه على استحياء وتستر ، واختارت مقعداً في الحهة المقابلة لمقعد خليل بجانب امرأة عجوز جالسة قبلها وذاهبة الى المدينة لكسوة عروس ابنها المقبل على الزواج ، وكانت العروس تجلس بجانب أمها في المقعد المقابل. فصكت والدة العريس وجهها استغراباً وتبرماً ، وزمت والدة العروس شفتيها استهجاناً وامتعاضاً ، وأخذت العجوز التي تجلس بجانبها بسحب مريولها لتغطية المكشوف من سيقانها وتقول لها "غطي على رجليك يا بنت ، لا حول ولا قوة بالله على هالصبح ، لا حيا ولا خجل". وتقبلت آمنة تصرف العجوز بروية وهدوء وسحبت فستانها ليغطي سيقانها لحدود الركبة. ,ولم تقتنع والدة العروس بذلك ، حيث لمحت العريس يدير برقبته وينظر الى ناحية آمنة ، فدبت الحمية بنفسها استجابة لمشاعر الغيرة في نفس ابنتها التي تتململ بجانبها متنهدة ومتأوهة . فاستلت من خريطة بجانبها منديلاً وأعطته لآمنة لتغطي سيقانها المكشوفة ، فتقبلت آمنة التصرف بروح رياضية وقامت بفرد المنديل على رجليها متفهمة تقاليد القرية المحافظة. وقالت لها والدة العروس بعصبية " مش تنسي تعطيني المنديل لمّا نصل المدينة".
وكان والدا العروسين يجلسان في مقدمة الباص مع بعض كبار السن في القرية يكحكحون ويتبادلون الأحاديث وهم يلفون سجائر الهيشي ، وكان العريس يجلس خلفهم بعيداً عن عروسته. وكانت آمنة حالة مستثناة من بنات ونساء القرية لا تلبس المنديل ولا تلبس بنطالاً تحت المريول. مما جعلها محط أنظار الحاضرين وربما عاصفة تثير غباراً من العجب والإستهجان والإستغراب في عيون كبار السن والرغبة في نفوس شباب ورجال القرية المتصابين. لكنها في داخلها كانت تحمل الخلق الرفيع والأدب القويم والحياء والجرأة والقوة والثقة بالنفس في مواجهة تلك الإنطباعات الساخرة والمستهجنة والمستغربة والنفوس الراغبة الطامحة للقرب منها. وفي نفس الوقت شعرت بالحرج والخجل لما أثارته من زوابع وقررت في نفسها أن تلبس بنطالاً في اليوم التالي احتراماً لتقاليد القرية ولمشاعر أهلها التي لا تتقبل ذلك ولتتجنب هذا الموقف المحرج. وشعر خليل بالغيرة الشديدة وتمنى لو أتيحت له الفرصة للحديث معها والطلب منها أن ترتدي بنطالاً تحت مريولها لتغطي سيقانها التي تثير الجدل والغضب في قرية محافظة وتشعل الرغبة في نفوس شباب القرية كاشتعال النار بالهشيم ، ولكنه أضمر ذلك في نفسه على أن يفضي به اليها فيما بعد وفي اسرع وقت ممكن لإطفاء نار الغيرة التي اتقدت في قلبه.
وصل الباص الى القرية الثانية المشتركة فيه ، وصعد ركاب جدد من القرية الثانية ، وما زال بالباص مقاعد فارغة تستوعب الجميع ، ولكن الشباب كانوا يقومون من مقدمة الباص ويعودون الى مؤخرته ليجلس كبارالسن في المقدمة وكانت النساء والبنات يجلسن في وسط الباص ، واستدعى ذلك الوضع رجوع خليل مكرهاً بجسده الى مؤخرة الباص وكانت عيناه مشدودتان باتجاه آمنة ، وكان عقله معلقاً في وسط الباص الذي تجلس فيه الحبيبة. وامتلأ الباص تقريباً بالركاب الى أن وصل القرية الثالثة حيث صعد ركاب جدد من الجنسين ، فقام الشباب وقوفاً بالباص ومنهم خليل لإجلاس النساء والشيوخ وكبار السن الى أن وصل الباص الى بلدة ترقوميا ، فتقدم خليل للأمام يشق جموع الشباب الواقفين في ردهة الباص بين صفي المقاعد ومتوجهاً الى سائق الباص في قمرة القيادة يطلب منه النزول على مثلث ترقوميا إذنا بيت اولى ، وكان قاصداً النزول الصعب من الأمام بدلاً من النزول السهل من الخلف لكي يلحظ آمنة وهو يغادر الباص قبل مضيه الى الخليل مكملاً رحلته الطويلة القصيرة والممتعة لنفس خليل. وقال له سائق الباص "مرة ثانية بتنزل من الخلف أسهل".
أمضى خليل يومه الدراسي الأول في التعارف بين الطلبة والمدرسين ، وتعاقب المدرسون بالدخول على الفصل ، وكان أول الداخلين استاذ اللغة العربية ، وعرفهم على نفسه وعلى بلدته المحتلة "المسمية" القريبة من الرملة ، وتجاذب الطلبة معه أطراف الحديث الى أن انتهى الأمر بهم الى الحديث عن القضية الفلسطينية بحذر شديد ، فقال لهم الأستاذ " إن فلسطين لن ولم تحرر الاّ بإقامة الخلافة الإسلامية على ارض المسلمين وتوحيدهم جميعاً تحت راية الإسلام ، وجمع كلمة كل المسلمين على قلب رجل واحد. وإن الوصول الى ذلك الأمر يتطلب التغيير والإصلاح من رأس الهرم الإسلامي (السلطة) وامتداد التغيير بعد ذلك الى قواعد الهرم (الشعب) بتطبيق مباديء الشريعة رغماً عنهم . وحينها سيكون التحرير سهلاً وقريباً إن شاء الله".
ودخل بعده استاذ الرياضيات وعرفهم على نفسه وعلى بلدته "دورا " قضاء الخليل ، وتطرق الحديث كذلك عن القضية الفلسطينية وقال لهم "إن فلسطين لن تحرر الاّ بإقامة الوحدة العربية ، ومقاتلة اليهود بجيش عربي موحد تحت راية العروبة بقيادة عربية واحدة ، وبوحدة القومية العربية من الخليج الى المحيط"
وبعد ذلك دخل مدرس التربية الدينية وعرفهم على نفسه وعلى مدينته "الخليل" وقال لهم بنفس الموضوع " إن فلسطين لن تحرر الاّ بإصلاح الأمة الإسلامية بدءاً من القاعدة (الشعب) وتغيير ما في نفوس الناس بداية من الأسرة ثم المجتمع مروراً بجسد الهرم وانتهاءً برأسه "السلطة الحاكمة" وإقامة الخلافة الإسلامية على كل الديار الإسلامية ، وليبدأ كل واحد فيكم بإصلاح نفسه وعائلته ، وأقاربه وعشيرته ، ولتكونوا دعاة للإصلاح والعودة الى الدين الإسلامي الذي أصبح غريباً في ديار المسلمين وبعد ذلك سيصبح التحرير تحصيل حاصل ". وكان هذا الأستاذ ملتحياً ويتكلم بانفتاح ودون خوف أو وجل بعكس الآخرين الذين تحدثوا بحذر شديد وكانوا يغلقون أبواب الفصل ويراقبون الممرات من شبابيك الفصل وهم يتحدثون الاّ هذا الأستاذ الذي ابقى الباب مفتوحاً على مصراعيه.
ثم دخل استاذ التاريخ والجغرافية ، وعرفهم على نفسه وعلى بلدته المحتلة والمشهورة بالمذبحة التي نفذها الصهاينة ضد أهل بلدته "دير ياسين" قضاء القدس وقال في نفس الموضوع " إن فلسطين لن تحرر الاّ بدماء أبنائها وأهلها ، وبدعم من أشقائنا العرب واخواننا المسلمين بالمال والسلاح لذلك يتطلب منا الجهد والعمل والمبادرة ، لنكون بمثابة رأس الحربة في معركة الأمة من أجل التحرير ، ولا يجب أن ننتظر المبادرة من الجيوش والشعوب العربية ، ويجب أن نقوم دوماً بتحريك قضيتنا من حالات الركود التي تعتريها ، وكما قال المثل (ما بحرث الأرض الاّ عجولها)" وشرح لهم عن المذبحة ومآسيها وضحاياها ومنهم جده وجدته.
وبعد ذلك دخل استاذ اللغة الإنجليزية وعرفهم على نفسه وعلى بلدته "بير زيت" قضاء رام الله ، وقال لهم بنفس الموضوع " إننا بحاجة الى قوى التحرر العالمية لمساندتنا في تحرير فلسطين ، وشرح لهم عن القوة العظمى التي تدعم قوى التحرر في العالم وسمو مبادئها وإخلاصها وعن الإشتراكية والعدالة والتنمية الإجتماعية ، وقال لهم نحن بحاجة الى قوة عظمى تساندنا لتقابل القوة العظمى لأمريكا الإمبريالية والغرب الاوروبي الذين يدعمون اسرائيل والصهيونية العالمية بدون قيد او شرط او مقابل ، ولن نستطيع تحرير فلسطين بدون مساندة الإتحاد السوفياتي وشرق اوروبا والصين ودعمهم لنا بتزويدنا بالسلاح والدعم السياسي ". وشرح لهم عن الثورة الفيتنامية والكوبية ونصحهم بالقراءة عن تشي غيفارا وفيدل كاسترو وعن الماركسية والإشتراكية وعن وماوتسي تونغ وضرورة الإستفادة من هذه الحركات التحررية.
ثم دخل استاذ العلوم (فيزياء وكيمياء وأحياء) وعرفهم على نفسه وعلى بلدته المحتلة "بيت جبرين" بقضاء الخليل وقال لهم بنفس الموضوع بعد تعرفه عليهم جيداً وهمس بصوت خافت " والله يا شباب ما بحرر فلسطين الاّ (ابو خالد) جمال عبد الناصر وصواريخ الظافر والقاهر اليّ رح تمسح اسرائيل مسح وترمي اليهود في البحر ، وإن شاء الله التحرير قريب وأبشروا فالعودة على الأبواب ".
وأخيراً دخل مدير المدرسة وأخبرهم أنهم بانتظار الكتب المستعملة لتصلهم من الخليل من الطلبة الذين سبقوهم وأنهوا الصف الأول ثانوي في مدرسة الحسين بن علي والمدرسة الإبراهيمية. وطلب ممن لديه الكتب القديمة (الثالث إعدادي) ولم يسلمها أن يقوم بتسليمها ، ولن يستلم كتب الأول ثانوي الاّ بعد تسليم كتب الثالث إعدادي لتسليمها لطلبة الثالث اعدادي ، كما شدد على ضرورة احضار الرسوم المدرسية في اقرب فرصة ، ولفت نظر الطلبة الذين لم يحضروا اليوم باللباس الكاكي الموحد أن لا يأتوا غداً الى المدرسة الاّ وهم يرتدونه.
أما آمنة فقد عادت الى القرية بكتبها ، وبقي خليل ينتظر عودة الباص الذي يؤوب بها الى القرية في رحلته الأخيرة لكي يراها دون أن يستطيع التحدث اليها سيما وقد عزت اللقاءات بينهما بعد إقفار الكروم والتزام البيوت في فصل الشتاء والذي بدا ثقيلاً على نفسيهما بطيئاً في دورانه.
يتبع الجزء العاشر
بقلم أحمد ابراهيم الحاج
29/9/2009م
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 - 20:54 من طرف جنى ميرو
» صيانة سخانات في دبي 0543747022 emiratefix.com
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 - 19:53 من طرف جنى ميرو
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في عجمان 0543747022
السبت 16 نوفمبر 2024 - 23:43 من طرف جنى ميرو
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في عجمان 0543747022
السبت 16 نوفمبر 2024 - 23:11 من طرف جنى ميرو
» تصليح أفران في دبي 0543747022 emiratefix.com
السبت 16 نوفمبر 2024 - 22:15 من طرف جنى ميرو
» تصليح أفران في دبي 0543747022 emiratefix.com
السبت 16 نوفمبر 2024 - 22:11 من طرف جنى ميرو
» تصليح ثلاجات في دبي emiratefix.com 0543747022
السبت 16 نوفمبر 2024 - 0:11 من طرف جنى ميرو
» تصليح سخانات في دبي - 0543747022 (الشمسية و المركزية) emiratefix.com
الجمعة 15 نوفمبر 2024 - 20:33 من طرف جنى ميرو
» تركيب و تصليح سخانات مركزية في الشارقة 0543747022
الأربعاء 13 نوفمبر 2024 - 21:30 من طرف جنى ميرو
» اداة ذكاء اصطناعي للباحثين وطلاب الدراسات العليا
الجمعة 26 أبريل 2024 - 11:23 من طرف Abd